الأدب الشعبى بين العادات والمعتقد.. العدودة المسيحية نموذجًا

الأدب الشعبى بين العادات والمعتقد.. العدودة المسيحية نموذجًا

اخر تحديث في 3/31/2019 9:09:00 PM

محمد إبراهيم

تختلف الفنون القولية بين محافظة وأخرى وربما قرية وقرية، والعديد كفن قولى هو أغانى جنائزية أو بُكائيات فى مناسبات الموت (المأتم) لرثاء الموتى تؤديها النسوة من أقارب الميت دون الرجال. وقد تؤديها المعددات أو (العدادة) أو الندابة المحترفة- كما يطلق عليهن فى بعض بلاد العرب- واللواتى يتخذن من العديد حرفة يقتاتون منها.

العديد كعادة هو الذى تُعبر به المؤدية كنوع من التنفيس أو إخراج طاقة مكبوتة من الحزن تصاحبها آهة أو صرخة أو لطمة أو هيل التراب أو تمرغ فى الثرى أو حلق الرأس أو العبور تحت النعش قبل الخروج من المنزل، وكلها مظاهر حزن و رموز معبرة عن مكنون شعورى أو معرفة شعبية فى إطار الأحزان أو ممارسات اعتقادية.

تقوم المعددات بتلاوة نصوصهن فى شكل تنافسى حيث تأخذهن الحمية والتبارى فى إظهار القدرة على صراخ النسوة من حولهن كنوع من التعبير عن جودة النص أو طريقة إلقاءه، خاصة حين لا يحوى العزاء  معددة بأجر مقتصراً على الأقارب، وحينما يستأجر أهل الميت المعددات تتبارين بالفعل لإبراز القدرة والقوة كأنه نوع من التنافس المهنى الذى ينطبق عليه قواعد التنافس فى أى مهنة أخرى، حيث يتناوبن المعددات الأجيرات كالمُقرئين.

وحين نتعرض للعدودات المسيحية والتى تم جمعها من بعض المناطق بقنا من مدينة دشنا وقراها والأقصر وقراها وقرية بهجورة بنجع حمادى نجد أنها تنقسم إلى عدة أنواع طبقًا للنوع والسن والحالة الاجتماعية والمكانة الدينية أو الوظيفة بالمعنى الأصح على النسق التالى (عدودات الأطفال، عدودات العذراء، عدودات النَفَسَه، عدودات عامة الناس، عدودات القرابني، عدودات الشمّاس، عدودات القمُص، عدودات المطران، عدوادات الراهب، عدودات الراهبة)

يشيرُ البحثُ لمدى التنوع والتباين في شكل العدودة من منطقة لأخرى، داخل نطاق المحافظة، فمن عديد الأطفال، نشير لهذا النص:

كان لابس التاج والخواتم خوص

عيّل بيلعب وماسك كعاب البوص

وسط العيال بيجري ومزوّق الأعياد

والخويصة حزنت لمّا الولد ما عاد

ترثى المعددة الطفل بأنه يلعب ويلهو مُرتديًا التاج والخواتم المشغولة من الخوص لاهيًا ولاعبًا بين الأطفال فى الأعياد حيث إنه زينتها كما حزنت الخويصة على مأتمه.

ومن عدودات عامة الناس:

حصلوا الصليب على صدره

ساعة الحساب

يوقف ويشهد له

والعدرا تجري وتنده له

ياجي المسيح يجري ويغفر له

تُشير المعددة أن المُتوفى ساعة الحساب يقف له الصليب شاهدًا وتجرى عليه ستنا العذراء مريم عليها السلام ومن ثم يأتى له المسيح كشفيع ليغفر له الله.

ومن عدودات العذراء:

يا أم العروسة تقيلة أحزانك

خطفوا الصبيّة وخفيوا خدامك

مشيتي وحدك والضلمة قدامك

متكسرة السكة ومحلولة أقدامك

يا عدرا اكرمي عدرا محرومة بعديكي

تُرثى المعدد أم العروسة بقولها أن أحزانها ثقيلة حيث أن طفلتها خُطفت وذهبن وصيفاتها بلا عمل، وخلت بها الدنيا وحيدة فى ظلمة لا تستطيع حملها قدميها، كما تصف المتوفية البنت العذراء بأنها عذراء كالسيدة مريم عليها السلام كما تنادي مريم بأن تكرمها كونها محرومة من الزيجة.

ومن عدودات النَّفَسَهْ:

البلوة زادت والهم مداري

حُمة نِفاس صابت النّفَسَهْ ومين داري

رضع الولد والحُمى صابتُه في داري

نزل القضا والكل ما داري

توب اتهرى ولا حَدْ بيداري

والنّفَسَهْ ودعت خدت الولد في الإيد

خشت معاه جوّا الكفن بحر الهموم بيزيد

حين يتناول الولد صدر أمه وتصيبه حمى والدته فى دار أهلها وينزل قضاء الله وينتقلوا الى عالمه الآخر، تصف التوب بأنه بلى وذاب ولا يداريها أحد أثناء مغادرة تلك النفسة مصطحبة ولدها فى يدها وإستقرا فى الكفن ليهيلوا على الأهل بالهموم والأحزان.

ومن عدودات القرابني:

مين اللي خدني وف حزني غرّقني

ومشيت لوحدي والحزن مزقني

خطفك غراب البين وحزّني

كل الشوارع بتحزن ع اللفة والخطوات

وإنتَ اللي رايح جاي ومزوّد اللفات

سائلة من الذى أخذه وتركها غارقة فى الأحزان والهموم سالكة دروب الأحزان التى تُمزقها، مُتهمة غراب البين بخطفه، مُنادية للشوارع بأن الخطوات فيه واللف كلها أحزان.

ومن عدودات الشمّاس:

قلب الزمان وشه وكسرني من تاني

خوّضت أنا في بحرُه عالي على عالي

وغرقت أنا وحدي ولا حَد نجاني

والبخت راح مني ولا حَد مناني

دنيا غريبة الحال ولا حَد أنا جاني

باشرب كاساتي مرار وبس مين جاني

يا قس فُوق قولي  .:.  الغالي رايح فين

شماسك المعدول وحتلقى زيُّه منين

وتعدد فى صورة هجاء للزمن واصفة الزمن بأنه أعطاها ظهره وانقلب كأنه بحر موجه عال مرتفع غارقةً فيه لا مُنجى لها، كما يأتى دور الدنيا بأنها غربة لا يواسى فيها أحد الآخر، راجية من القس أن يفيق ويقول لها إلى أين يذهب.

ومن عدودات المطران:

غسلوا المطران من بير الغُطاس يا ناس .:. بركة أبونا ونوره في الميّة

ما حَد سادد مكانه ولا ميّه .:. أمانة رشوا ع الكفن رشوه

وخدوا السماح م المسيح يعليه .:. يغسل خطيتِّه وم البركات يديه

يقول له مين الخليفة .:. يلمنا بعديه

يا جي ينوّر قلوبنا .:. والجبان يهديه

يجبر قليب اتمزع .:.م الحزن يابا عليه

ويرش نوره ف الحشا .:. من نور إيديه يهديه

يكتب شهادة وفا .:. تفضل لنا بعديه

حين يغسلوا المطران ذو المكانة الدينية العالية مُغطسيه مع ظهور بركته ونوره فى مياه البئر، لا يملأ مكانه ولا مائة، راجية السماح من السيد المسيح وغسله بالبركة، وتسود فى ما بعده من الوارثين التساؤلات من يخلفه فى المسئلية ويجمع الأحباب، من الذى سيأتى يجبر القلوب ويهدى الجبان.

المراجع:

1- سلسلة الدراسات الشعبية مجلد الأدب الشعبى من موسوعة التراث الشعبى للدكتور محمد الجوهرى.

2- سلسلة الدراسات الشعبية كتاب فنون الوداع (من أغاني الفراق في جنوب مصر) للباحث أحمـد توفيـق.

3- سلسلة الدراسات الشعبية العديد فى أسوان محمود فضل.

4- بحث مُقدم من الباحث محمد ابراهيم أثناء دراسته فى دبلوم معهد الفنون الشعبية.

شاهد بالصور


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @