نظرات في تفسير الأحلام والرؤى

نظرات في تفسير الأحلام والرؤى

اخر تحديث في 2/4/2021 3:30:00 PM

محمد إمام

الأحلام جزء أصيل من تكويننا الإنساني، يعيرها البعض اهتماما بالغا، يتطير بها أو يتفاءل، يسعى لتفسيرها ليطمئن قلبه أو ليتخذ احتياطاته إذا ما كانت شرا، فيبحث في جوجل google عن كتب التفسير مثل كتب ابن سيرين وهو أشهرهم -الكتاب ينسب لابن سيرين ولكن لا يوجد دليل قاطع أنه صاحبه-، أو يلجأ إلى من يُذاع عنهم تفسيرهم لها، حتى وإن تضاربت التأويلات، فيختار ما يقنع به ويطمئنه. 

الرؤية والحلم وال dija vu:

ينقسم ما يراه الناس في نومهم إلى رؤيا وحلم، والرؤيا تمتاز بأنها حق وصدق، وجاء في لسان العرب أن الرُّؤْيا هي ما رأَيْته في منامِك، وقد يكون سبب تسميتها أنها تشبه رؤى العين في الحقيقة. أما الحُلُم فبمعنى الرُّؤْيا في لسان العرب، وفي معجم المعاني الجامع أنه ما يراه النائم في نومه، والجمع أَحْلام، وأضغاثه ما كان منها ملتبسا مضطربا يصعب تؤيله، ويقال: حَلَمَ يَحْلُمُ إذا رأَى في المَنام.
وكثرت الاستشهادات الدينية عن الرؤى والأحلام فجاء في الحديث الشريف: "الرُّؤيا مِن اللهِ والحُلْمُ مِن الشَّيطانِ فإذا رأى أحدُكم الشَّيءَ يكرَهُه فلْينفُثْ عن يسارِه ثلاثَ مرَّاتٍ إذا استيقَظ ولْيتعوَّذْ باللهِ مِن شَرِّها فإنَّها لنْ تضُرَّه إنْ شاء اللهُ". وجاء في القرآن الكريم في سورة يوسف "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"، وفي سورة الصافات "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"، وفي ذات السورة "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ". وفى الإنجيل "وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: «إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ" (متى 27: 19).
أما  dija vu فمعناها شُوهد من قبل، وهى ما نراه في اليقظة ويُخيل لنا أننا حلمنا به يوما ما، أو قد سبق أن عشنا هذه اللحظة من قبل، وقد تضاربت الأقاويل والاحتمالات عن أسبابها وعلى الرغم من التقدم العلمى فما زال يكتنفها الغموض إلى حد كبير.

الأحلام في مصر القديمة:

بدأ الاهتمام بالأحلام وتفسيراتها منذ العصور القديمة، وكان للمصريين القدماء نصيب كبير منها، معتقدين أنها رسائل من المستقبل سواء كانت سعيدة أو سيئة، ولعل ما جاء في سورة يوسف دليل عندما طلب الملك حتى وإن كان هكسوسيا تفسيرا لرؤياه، فأجابه من حوله "قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ". 
واستخدم المصريون الأحلام سياسيا، فتحتمس الرابع أقام لوحة كبيرة بين قدمي أبي الهول تُسمى لوحة الحلم، ليثبت نفسه على العرش، وتحكي اللوحة أنه كان في رحلة صيد وأصابه التعب، فجلس ليستريح فنام، ورأى في الحلم أن المعبود أبو الهول يطلب منه أن يزيح عنه رمال الصحراء التي كبلته واعدا إياه بتولي عرش مصر، وعندما استيقظ تحتمس الرابع نفذ الطلب وتولى العرش بوحي إلهى في حلم.  
وأرسل أحد العامة رسالة إلى أبيه الميت يطلب منه فيها أن يمنع خاده الميت من الظهور له في أحلامه لأنه يخيفه، مقدما لأبيه قربانا ليكون عونا له.
واتقاء للأحلام السيئة، وضعوا شكل المعبود "بس" على أقدام أسرتهم، ليحميهم من الأحلام السيئة، تغطية الوجه عند النوم، أو أن يتلوا تعاويذ حامية من الأحلام السيئة كأنه حورس فيقول الحالم: "تعالي إلي، تعالى إلي يا أمى إيزيس، انتبه! إني أرى شيئا بعيدا عني، بينما لا زلت عن قرب".
ليرد الشافي/الراقي: "أنا هنا يا ابني حورس، لا تفشي ما رأيته، لذلك فإن تخديرك يمكن أن يكتمل، فسوف تذهب أحلامك، والنار تذهب اتجاه الذين يرهبونك". 

تفسير الأحلام:

ألف المصريون القدماء كتابا لتفسير الأحلام يسمى في أوروبا "كتاب تفسير الأحلام الحقيقي"، واضعين عدة مفاتيح لتفسيرها في بردية "شيستر بيتي" الثالثة التي ترجع لعهد الرعامسة:

  إذا رأى الإنسان نفسه في المنام:

  •     "ناظرا إلى أفعى -حسن- فهذا يعني ثروة"
  •     "الفم مملوء ترابا-حسن- فهذا يعني: أكل ممتلكات جيرانه"!
  •     "ملتهما لحم حمار-حسن- فهذا يعني ترقية".
  •     "في ثياب الحداد- حسن- فهذا يعني الثراء".
  •   "وهو يتناول خبزا أبيضا -حسن- (سيحدث) شيئا يسعده".
  •     "ناظرا إلى ثور ميت -حسن- هذا يعني (موت) أعدائه".
  •     "عابرا الماء بواسطة معدية -حسن- هذا يعني نهاية الصعوبات"
  •     "جالسا تحت شجرة-حسن- سيتخلص من مشاكله".
  •     "ميتا-حسن الحياة ممتدة أمامه".
  •    جالسا في الشمس بين شجر الكروم-حسن- هذا يعني الملذات".
  •     "مرتديا لباسا أسيويا -سييء- سيفقد منصه".
  •     "يأكل بيضة- سييء- سيفقد ممتلكاته بلا رجعة".
  •    "ناظرا إلى عورة امرأة -سييء- أشد المصائب ستنهال عليه".
  •    التمساح= الموظف الجشع.
  •     الحية= الكراهية

ونلاحظ مدى التشابه في بعض هذه التفسيرات مع ما يتداوله الناس في العصر الحديث، وكأن الأحلام لم تتغير منذ فجر التاريخ.

المصادر:
*كلير لالويت، نصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة، ترجمة ماهر جويجاتي، دار الفكر للدراسات والتوزيع، ص316-317.
*أحمد كامل حنفي، الأحلام في العقيدة المصرية القديمة، رسالة دكتوراة غير منشورة، كلية الآثار جامعة القاهرة، 2006، ص59 وما بعدها.


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @