الطب الشعبي بين الموروث وثقافة المجتمع

الطب الشعبي بين الموروث وثقافة المجتمع

اخر تحديث في 1/11/2021 4:44:00 PM

أسماء عبد الهادي 

"جلست بجوار جدتي وانتابني ألم في رأسي، تناولت حينها أحد الأقراص المسكنة للآلام، فنظرت جدتي إلي وقالت: البرشام ده كتره هيبوظ معدتك، اشربيلك كوباية شاي بالنعناع.. ده اللي اتربينا عليه".

الطب البديل موروث شعبي ناتج عن عادات وخبرات الجماعات الشعبية، لتشخيص وعلاج الأمراض الجسدية والنفسية، والتي توارثتها الأجيال وساعدهم في احترافية هذا النوع من العلاج سهولته في الممارسة؛ خاصة أنه يمارس من المنازل، وصار كل شخص على معرفة بتلك الطرق العلاجية بمثابة طبيب لأسرته وجيرانه والمحيطين به، فأصبح الطب الشعبي جزءا من ثقافة المجتمع خاصة في الأحياء الشعبية، ويتم تداوله بين كبار السن والمناطق الريفية وصعيد مصر والنوبة والطبقات الفقيرة في المدن.

الطب البديل في المعتقد الديني

نلاحظ أن هناك علاقة تبادلية بين الطب الرسمي والطب الشعبي "البديل"؛ فالكثير من المواد الطبيعية تدخل في إنتاج العقاقير الكيميائية، فضلا عن انتشار طرق الطب الشعبي كالعلاج "بالكي والفصد"، وربما لم يأخذ نفس الانتشار الواسع للحجامة التي تخصصت في إخراج الدم الفاسد؛ بالإضافة إلى سهولة انتشارها من خلال أدواتها التي تباع بالمحلات التجارية والمكتبات، وهناك أيضا العلاج الروحاني الذي يعالج السحر والحسد والمس بآيات القرآن و الرقية الشرعية، قال تعالى "وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" الأنعام -17. وأيضا طرق التداوي بالأعشاب، والزيوت الطبيعية، والنباتات العطرية وغير العطرية، ويصف الأطباء والصيادلة الأعشاب الطبيعية وأنواعا من النباتات والفاكهة كوسيلة مساعدة للشفاء إلى جانب العقاقير الكيميائية في كثير من الحالات المرضية مثل أدوار البرد وحصاوي الكلى وحصر البول.

ومن أشهر العلاجات المنزلية الشعبية التى تمارس حتى الآن بوضوح علاج المغص والصداع ونزلات البرد وتمزق الأطفال، والطقسة الشهيرة في صعيد مصر وهي "الفوقانية" وكانت تستخدم مع الأطفال الرضع الذين يعانون من صعوبة ابتلاع اللبن ولها طريقة ممارسة غاية في الغرابة حيث يقلب الحذاء ويوضع قليل من البن مع قطرات من عصير الليمون ويأخذ من الخليط على أحد أصابع اليد ويوسع من سقف الحلق.

الطب البديل على أوراق البردي

أقدم التقاليد الطبية مصرية قديمة، فقدماء المصريين هم أول من عرفوا الطب الشعبي، معتمدين فيه على النباتات الطبيعة والمواد العضوية، فهم أولوا اهتماما لهذه المهنة لدرجة التقديس، ويعتبر الوزير "أمنحتب بن حابو" من أشهر من نبغ فيه، ولاحقا أصبح معبودا للطب. 

وقد عثر في الكثير من الكتب التي سجلت في عهد قدماء المصريين والمعروفة بالبرديات الطبية على طرق استخدام الأطعمة والنباتات العشبية كوسيلة لعلاج العديد من الأمراض كبرديات "اللوفر، تورين، أدوين سميث، والرامسيوم".

فنجد في بردية أدوين سميث التي دونها أمنحتب منذ خمس آلاف سنة وقد تمزق منها حوالي نصف متر، شرحا لبعض الأمراض، وعلاج الجروح والقروح، وعلاج الكسور، ووصفات لإرجاع الشباب، كما دونت تلك البرديات بعض النباتات التي لا تزال تستعمل لبعض الأمراض بنفس الطريقة حتى الآن في الطب الشعبي المصري. 
فالمصرى طوع كل ماعرفه من عناصر نباتية ومواد عضوية ليستخرج منها وصفات طبية وعلاجية مثل "النعناع، الكركم، الكمون، الشيح، الشعير، الخشخاش، الدوم، اللبن، العسل، النخاع، وشحوم الحيوانات" كما خلط نبات الخروع مع العسل لتخفيف الآم الرأس" الصداع"، ونبات "العرعر"، وغيرهم الكثير من الوصفات التي كانت تمزج وأحيانا تطهى لعلاج الحروق، وتقلصات المعدة، السعال، علاج البواسير، أمراض العيون، واختبار الحمل للسيدات".

وحسب ما دون وفي بردية "إمهيرست" أن اليانسون استخدمه القدماء كمنبه عطري، وعثر عليه في مقابر الصحراء الشرقية لمدينة طيبة، واستخدم زيت النعناع لعلاج نزلات البرد، والتهابات الشعب الهوائية، بإضافة قطرات منه إلى الماء المغلي ويستنشق عدة مرات.

عرفت الحلبة بفوائدها العظيمة في معالجة مشاكل الجهاز الهضمي، زرعها قدماء المصريين وكانت تؤكل خضراء، كما كانت تنقع ثم تغلى وتقدم كمشروب بعد تحليتها بالعسل، وهي نفس الطريقة المتبعة حتى الآن في صعيد مصر والنوبة.

ويعد خليط الزنجبيل والليمون المضاف إليه الكركم والقرنفل مع اليانسون والمحلى بالعسل الأبيض ويضاف إليه الماء الساخن من أهم الوصفات لعلاج البرد والتي يستخدمها أهل النوبة والصعيد لما يحتويه المزيج من فوائد وقائية وعلاجية.


اسماء نور

اسماء نور

راسل المحرر @