التراث الشعبي ودوره فى ترسيخ الهوية

التراث الشعبي ودوره فى ترسيخ الهوية

اخر تحديث في 3/30/2020 12:04:00 PM

د. سامح شوقي

 

تعني كلمة التراث كل ما تركه لنا أجدادنا من ثقافة مادية ولامادية، أى إرث عمراني وحضاري وعلمي ودينى، ويمكننا تعريفه بأنه كل ما وصل إلينا من الأجيال السابقة مكتوبا أو بالشفاهة، فلكل أمة إرثها الخاص بها الذى يعتبر ثمرة فكرها عبر العصور، كما أن كل مجتمع داخل الأمة الواحدة له عاداته ومعتقداته وأعرافه وتقاليده ومعارفه الشعبية التى تسود بين أفراده وتميزه عن المجتمعات الأخرى المحيطة به، وهو ما يسمى بالتراث الاجتماعى وهو وطيد الصلة بالممارسات الثقافية.

فالتراث هو همزة الوصل بين حاضر وماضى أى أمة، وينقسم التراث إلى ثلاثة أقسام وهى: المكتوب والمقروء، الأبنية والنحوتات والتصاوير والزخارف، العادات والمعتقدات والتقاليد والمعارف. 
ويعتبر التراث المكون الرئيسى للهوية، فالهوية هى المعبرة والناقلة له، وتعرف الهوية الوطنية من خلال ثقافتها وحضارتها، أما الهوية الاجتماعية فتعرف من خلال لكنة أفرادها وملابسهم وعاداتهم ومعتقداتهم.

ويطلق على كلمة هوية Id وهى اختصار الكلمة الإنجليزية Identity والتى تعنى مطابقة الشئ لذاته أو لمثيله، أى أن الهوية تعنى سمات أفراد المجتمع التى تميزهم عن غيرهم من المجتمعات الأخرى.
وقد تعنى الهوية فى المفهوم الفلسفى التميز عن الغير والمطابقة للنفس فهى خصوصية الذات أى ما يتميز به الفرد أو المجتمع عن الغير .
أما الهوية الثقافية لأى أمة فهى تعنى حضارتها التى تميزها عن باقى الأمم. 
فالثقافة تعنى أسلوب حياة المجتمع، أى أنماط السلوك والتفاعل فى الحياة اليومية لأفراد هذا المجتمع؛ فهى إرث من الأجيال السابقة يكتسبها الإنسان فى بداية حياته من الأبوين ثم من المجتمع المحيط به، وقد يكتسب بعد ذلك ثقافات أخرى بالاحتكاك بالمجتمعات الأخرى المحيطة به، وقد يقبل بعضها ويرفض البعض الذى لا يتناسب مع ثقافته.
والثقافة نوعان إما رسمية ويطلق عليها بعض المفكرين الثقافة العليا أو الثقافة الكبرى وتنتقل من جيل إلى جيل عبر المؤسسات الرسمية كالمدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية.
فالثقافة الرسمية هى من صنع النخبة، أو الخاصة فهى نتاج تخطيط وتفكير واع فهى عملية ومنطقية ومألوفة للنخبة من المتعلمين والمثقفين، وقد لا يتمكن العامة من فهمها، وتحتاج إلى جهات رسمية لنشرها وتعميمها، والثقافة الرسمية لا تميز مجتمع عن مجتمع أو شعب عن شعب.
أما الثقافة الشعبية والتى يطلق عليها بعض المفكرين الثقافة الصغرى أو الثقافة الدنيا، تعني أساليب الحياه الشعبية ونتاج جماعة ما تعبر عن سماتها الشخصية؛ فهى عفوية من صنع عامة الشعب، وتنتشر بسهولة بين عامة الشعب لسهولة فهمها، وتنتقل عبر الأجيال بالشفاهة والمحاكاة والتقليد والملاحظة دون الحاجة إلى تدخل سلطة أو جهات رسمية، ومن رموزها المادية التى تعبر عن هويتها الملابس الشعبية والأكلات الشعبية والمنتجات الشعبية، أما الرموز اللا مادية فتتمثل فى العادات والمعتقدات والأعراف.
فرموز هوية أى شعب تستمد أهميتها من الثقافة الرسمية والشعبية، ودائما ما تكون رموز الثقافة الشعبية هى الأساس الذى تستمد منه الهوية الجماعية، فالثقافه الشعبية هى العنصر الفعال فى تكوين الهوية الجماعية للشعب وتعد الأساس فى الحفاظ على هذه الهوية وضمان إستمرارها وتعزيزها وتثبيتها، وذلك أمام الموجة العالمية الجديدة المعروفة بالعولمة والتى تعنى إزالة الحدود بين العالم ونقله من المحدود والمراقب إلى اللامحدود، والمقصود بالمحدود هو أساس الدولة القومية التى تتميز بحدودها الجغرافية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
ونحن نتحدث هنا عن الحدود الثقافية التى تأثرت بشكل كبير وواضح جراء الثورة التكنولوجية فى عالم الاتصالات والتى من أبرزها الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى والتى من أشهرها الفيس بوك الذى يعتبر عالما افتراضيا ومن أهم خصائصه أنه سهل الاتصال بالعالم الخارجى دون قيود أو حدود؛ فهو تخطى حاجز المكان مما أدى إلى استيعاب شبابنا ثقافات وأفكار لم تكن معهودة فى مجتمعنا الشرقى فهى محاولة طمث هويتنا وفرض هوية غربية جديدة، لذا يجب علينا أن ندرك أننا سوف نتحول إلى أمة ممزقة تخلينا عن هويتنا وانجرفنا وراء هوية وهمية سوف ترفض ضمنا لها، وقد أكد ذلك المفكر الأمريكى "صموئيل هينتجتون" فى مقاله الذى نشر بمجلة شئون خارجية فى عدد نوفمبر-ديسمبر 1996م تحت عنوان "الغرب متفرد وليس عالميا"، فيذكر لنا: "إن شعوب العالم غير الغربية لايمكن لها أن تدخل فى النسيج الحضارى للغرب، حتى وإن استهلكت البضائع الغربية، وشاهدت الأفلام الأمريكية، واستمعت إلى الموسيقى الغربية، فروح أى حضارة هى اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد وحضارة الغرب تتميز بكونها وريثة الحضارة اليونانية والرومانية والمسيحية الغربية والأصول اللاتينية للغات شعوبها، والفصل بين الدين والدولة وسيادة القانون، والتعددية فى ظل المجتمع المدنى والهياكل النيابية والحرية الفردية".
أعتقد أن هذا المقال قد أوضح لنا مدى رفض العالم الغربى تبعيتنا له، فهو فى ظاهره يدعونا لمحاكاته والانضمام له ولكنه يفيقنا من وهمنا بأننا أبدا لم ولن نكون منه لأنه له حضارته وأصوله وإرثه التاريخى الذى يعتز به حتى لو فرضنا أنه يرفضنا كوننا أمة إسلامية فهو أيضا يرفض المسيحيين العرب كما هو فى المقال فهو يعتز بالمسيحيين الغرب ورثة الحضارة اليونانية والرومانية.
فلابد وأن تعي الأجيال الحديثة أنها يجب أن تعتز بقوميتها وتتمسك بتراثها فالتراث أمانة فى أعناقها والحفاظ عليه واجب حتمى فهو الذى يبرز هويتها تلك الهوية التى تميزها عن الشعوب الأخرى فهى حضارتهم. 

..............................
د. سامح شوقي.. باحث بأطلس المأثورات الشعبية المصرية


محرر عام

محرر عام

راسل المحرر @