جلجامش وإنكيدو وعشتار.. لمحات من أساطير بلاد الرافدين

جلجامش وإنكيدو وعشتار.. لمحات من أساطير بلاد الرافدين

اخر تحديث في 10/2/2020 9:10:00 PM


محمد إبراهيم

لسنا بصدد عرض ملحمة "جلجامش" فقط؛ وإنما يجب أن نتعرض لماهية "جلجامش" هل هو اسم قبيلة أو اسم منطقة أو اسم شخص عادي؟ (ليس كل ما سبق)؛ وإنما هو من أشهر أبطال الأساطير البابلية الآشورية، وهو ليس بالشخصية الخيالية فهو يُعد من ملوك بلاد سومر حيث كان حاكمًا على مدينة إريخ.
تقول الأساطير والسير الذاتية لـ"جلجامش" إن ثلثيه كانا إلهًا والثُلث الباقي منه كان إنسانًا. اتصف هذا الـ"جلجامش" بالظلم ونشر الرعب بين الناس فقد كان يختطف النساء وخاصة البنات البكر من أحبابهن والزوجات من أزواجهن، فهرع سكان أريخ بالشكوى لآلهتهم فتأثروا، وطلبت من "أرورو" الإلهة الأم أن تَخلق رجلًا يُشبه "جلجامش" ليحاربه وتعيش مدينة أريخ فى عدلٍ وسلام.
شكلت "أرورو" من الطين جسدًا لمخلوقٍ جديد، سمّته "إنكيدو" يكسو جسده الشَّعر، وفوق رأسه شعر غزير يشبه شعر المرأة، كان قوي البنية يستطيع أن يتغلب على جيوشٍ بأسرها، كما أصبح صديقًا للوحوش يحميهم من الصيادين في البرية والبحار، عَلم "جلجامش" بأمر "إنكيدو" وأمر جنوده بأن يحضروه ويقبضوا عليه؛ ليعجزوا ويتغلب عليهم كل مرة، فاحتار "جلجامش" في أمره إلى أن اهتدى لفكرة إغوائه، فهو فيه من الصفات الإنسانية والشهوانية، فأرسل له غانية وكشفت له عن مفاتنها، وفُتن بها وضاجعها، ولوثته ولم يعد جديرًا بالعيش في البرية مع الوحوش ولم يصبح مُخلِّصًا لهم، حاول "إنكيدو" أن ينضم للوحوش مرة أخرى ولكن خسر الكثير من قواه، وأصبح الشلل يسري في جسده، أصبح وحيدًا حزينًا، إلى أن لاقته الغانية مرات أخرى وأغرته بأن يعود معها إلي مدينة أريخ. ليصبح "إنكيدو" صديقًا لـ"جلجامش".
رأي "إنكيدو" كابوسًا شاهد فيه مخلوقًا ذو وجهٍ كريه ومخالب كمخالب النسر الضخم يحمله صاعدًا فوق السحب ليلقي به في غيابات بيوت الأشباح -وهو كبيت له أسوار عالية لا يستطيع أن يخرج منها أحدًا- قص "إنكيدو" رؤياه على "جلجامش" فقدما قربانًا للإله شمش الذي نصحه بالانطلاق لمحاربة "خومبابا" ملك جبال الأَرز، وذهب "جلجامش" مع صديقه "إنكيدو"، ووصلا أخيرًا إلى مقر "خومبابا"، واشتبك "جلجامش" فى قتال مع وحش "خومبابا" وقتله.
شاهدت الإلهة "عشتار" البطل "جلجامش" وفُتنت به وشجاعته ووسامته فدعته إلى أن يتخذها زوجة أو عشيقة، فرفض عرضها، فذهبت إلي أبيها "آنو" في السماوات وطلبت منه أن يعاقب "جلجامش". وتوسلت إليه أن يخلق ثورًا سماويًّا يهاجم "جلجامش" فحقق لها رغبتها وأرسل ثورًا هائجًا انقض على "جلجامش" وأوشك أن يقتله، لولا أن قاومه "إنكيدو" حيث أحكم قبضته على ذيله ومزقه إربًا.
عاد "جلجامش" و"إنكيدو" إلي مدينة أريخ واستقبلهما السكان استقبالًا حافلًا، ولكن "عشتروت" صبت جم غضبها على "إنكيدو" الذي فتك بثورها، فأصابته بمرض ولفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي صديقه "جلجامش"، وانعكس على "جلجامش" الموقف بالرعب والخوف من أن يلقى حتفه مثل صديقه، فانطلق يسعى إلى "أوتانابيشتم"، هذا الرجل السعيد الذي نجا من الطوفان ووهبته الآلهة نعمة الخلود.
وصل أولًا إلى جبل ماشو حيث تستريح الشمس كل مساء، وكانت للجبال أبواب يحرسها رجال على هيئة عقارب حيث تصل رؤوسهم سطح الآلهة وتصل صدورهم للعالم السُفلى، ارتعد "جلجامش" حين رآهم، ولكنه استعاد رباطة جأشه وتمالك نفسه، وطلب من أحدهم أن يدله على الطريق فأجابه الرجل العقرب إلي طلبه. وسار فى الظُلمات، إلى أن وجد نفسه في حديقة رائعة بجوار البحر، ورأى أمامه شجرة الآلهة وأغصانها مُحملة بفواكه من اللازورد.
كانت هذه الحديقة مقرًا للإلهة "يدوري" التي ما إن وقعت أنظارها على "جلجامش" وهو يرتدي جلد وحش حتى فزعت وتحصنت في بيتها ولكن "جلجامش" هددها بأنه لن يتردد في اقتحام الباب، فخرجت إليه وعرفت أنه يبحث عن "أوتانابيشتم"، التقى "جلجامش" بالـ(نوتي) فأمره بأن يقطع من الغابة مائة وعشرين عمودًا طول كل منها ستة أذرع. وعندما فعل "جلجامش" هذا دعاه "أورشانابي" إلى الصعود على ظهر القارب ووصلا إلى مياه الموت التي تحيط بفردوس "أوتانابيشتم" وتقضي على كل من يحاول أن يقترب منه.
استطاع "جلجامش" أن يصل إلى "أوتانابيشتم" أخيرًا بمساعدة "أورشنابي" وأخبره برغبته في الحصول علي الخلود، فطلب منه "أوتانابيشتم" أن يظل مستيقظًا لمدة ستة أيام وسبع ليالٍ، ولكن "جلجامش" عجز عن القيام بهذه المهمة، فاعتذر عن فشله، فأخبره "أوتانابيشتم" أن له سبيلًا آخر فأخبره بأمر نابتًا شائكًا في قاع المُحيط اسمه "الشيخ يصبح شابًا فتيًا" مَن يحصل عليه ويأكل منه يستعيد شبابه ويطيل عمره، غاص "جلجامش" في أعماق المُحيط يبحث عن النبات إلى أن حصل عليه وحمل النبات إلى قاربه مُتجهًا إلى بلاده، وفي طريق عودته توقف عند نبع ماءٍ عذب نزل إليه ليغتسل فاجتذب رائحة النبات ثعبانًا فسرقه وعاد جلجامش إلى مدينته إربخ خائبًا.

المراجع:
1- عبد الحميد يونس، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، المجلس الأعلي للثقافة مصر، 2010.
2- د. محمد الجوهري، موسوعة التراث الشعبي العربي، (المجلد الرابع)، الأدب الشعبي، سلسلة الدراسات الشعبية.


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @