الألعاب بين الإلهام الإبداعى والمخاطر النفسية والجسمية

الألعاب بين الإلهام الإبداعى والمخاطر النفسية والجسمية

اخر تحديث في 11/14/2019 7:14:00 PM

د. شيرين جمال الدين

اللعب التخيلي وتنمية القدرات الإبداعية:

 

  يشمل اللعب التخيلى نوعين من اللعب هما "اللعب الإيهامى‪، ويظهر عند الأطفال فيما بين عام ونصف وعامين، ويتطور هذا النوع من اللهب ليُنتج اللعب التمثيلى، والذى يظهر بتطور المرحلة السنية للطفل، حيث يظهر من السنة الثالثة ويصل إلى حده الأقصى فى السنة السادسة من عمر الطفل". وينقسم اللعب التخيلى إلى:

    -  1 اللعب الإيهامى:

       خلال هذا النوع من اللعب يقوم الطفل بنشاط لغوى يستخدم فيه المهارات اللغوية التى اكتسبها، بالإضافة إلى ممارسته لنشاط اجتماعى انفعالى وهو من خلال ممارسته لهذا اللعب يعبر بشكل واضح عن انفعالاته. يؤدى اللعب الإيهامى دورا هاما فى النمو المعرفى والاجتماعى والانفعالى للطفل فى هذه المرحلة السنية. بالإضافة إلى ذلك فهو يساعد الكبار فى الاطلاع على أسرار كثيرة فى حياة الطفل النفسية وعلاج ما يعتبر عقبة فى سبيل نموه.

   وأهم ما يحتويه اللعب الإيهامى "التعبير الرمزى"، حيث يحول خلاله الطفل البيئة الطبيعية المباشرة إلى رموز، وهذه الرمزية فى التعبير هى الأساس الذى يقوم عليه كل تفكير ناضج فى مستقبل الطفل، واللعب الإيهامى هو التحول من النشاط الوظيفى العملى إلى النشاط التصورى أى من الأفعال إلى الأفكار".

  - 2اللعب التمثيلى:

      يتضمن اللعب التمثيلى الذى يمارسه الطفل قدرا من الخيال، فالطفل فى هذا النوع من اللعب يمارس تمثيل الأدوار، لذا يمكن من خلال هذه الأدوار التى يعتمد أداؤها على الخيال والتساؤل والاستفسار من تنمية الإبداع، ويعد اللعب التمثيلى من أهم أنواع اللعب فى تأثيره على نمو الطفل اللغوى؛ لأن الطفل يستخدم اللغة للتعبير عن الدور الذى يؤديه.

     أهمية اللعب التخيلى:

     أ – إن الأدوار فى اللعب الإيهامى فرصة يتعلم فيها الطفل معنى الدور كشىء له وجود ضمن إطار العلاقات الاجتماعية، كما يتعلم منه قيمة التكامل بين هذه الأدوار كوسيلة للتوافق فى الحياة الاجتماعية فيما بعد.

     ب – خلال اللعب التمثيلى يقوم الطفل بإعادة تنظيم أشياء مألوفة لاستخدامها فى مواقف غير مألوفة، ويُعد استحداث استخدام الأشياء بشكل جديد شكل من أشكال التفكير الإبداعى، ومعنى ذلك أن الطفل كلما نشط فى اللعب التمثيلى كلما أدى ذلك إلى بحثه ووصوله إلى أفكار جديدة بعيدة عن المألوف وهذا عنصر أساسى من عناصر الابتكار، من هنا يمكن اعتبار اللعب التمثيلى مقدمة مرحلية للتفكير الإبداعى

       جـ – اللعب بالأدوار عندما يمارسه الطفل فهو يؤدى إلى أكثر من نتيجة، فهو بالإضافة إلى كونه يؤدى إلى الترابط الاجتماعي والانتماء، فإنه يعمل أيضا على تنمية القدرات العقلية ويؤدى إلى نوع من أنواع الوعي الثقافي لدى الطفل، كما أنه يمكن أن يتضمن الأداء الحركي في بعض الأحيان، بالإضافة إلى إمكانية استخدامها في علاج بعض نواحي القصور لدى الطفل.

   د – ألعاب تنمية القدرة الإبداعية والمهارات اليدوية فإنها بالإضافة إلى ذلك تُكسب الطفل القدرة على التركيز والانتباه بجانب القدرة على الابتكار وحسن التصرف وسرعة البديهة

 

 الألعاب التشكيلية والقدرة على الاختراع والابتكار

      إن الألعاب التشكلية التى يقوم بها الطفل تنمى لديه أول مبادئ القدرة على الاختراع والابتكار فهى تعمل على تنميته عقليا ومعرفيا، وفيها يقوم الطفل باستغلال الخامات المتاحة فى البيئة ليصنع منها ألعابه، وتُحدث هذه الألعاب تأثيرا نفسيا وتربويا ذا أثر إيجابى تعليمى فى النمو النفسى للطفل أكثر من الألعاب الجاهزة.

 

 خطورة الألعاب العصرية على الطفل والمجتمع:

      ظهرت الألعاب العصرية وانتشرت بشكل كبير بين الأطفال بدلاً من الألعاب الشعبية التى كانوا  يمارسونها بفطرة وعفوية. "أشارت الدراسات الحديثة إلى أن هذه الألعاب تُعرض الأطفال الشغوفين بها من خلال ممارستها لوقت طويل إلى التشنجات العصبية مما يدل على توغل سمة العنف والتوتر الشديد في أوصال هؤلاء الأطفال، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى إصابة هؤلاء الأطفال بأمراض الصرع الدماغى". وفى بعض الأحيان تؤدى الألعاب العصرية إلى تشويه ذاتية الطفل وربطه ببعض الانحرافات الإجرامية. "فالكثير من ألعاب المقاتل الأول يتعلم منها الطفل الكثير من القيم السلبية حيث إنه يكتسب من خلالها قبول القتل واعتباره شيئا ممتعا وفيها يشارك الطفل فى العنف، مما يُعد تدريبا شخصيا للطفل يؤثر بالسلب على مستقبله، وكذلك ينجم عنه نتائج سلبية على المجتمع ككل".

"كذلك فإن هناك ألعابا ذات صور عارية تقوم هذه الألعاب على أفكار خبيثة لتحطيم كثير من الأخلاقيات التى يتعلمها الطفل فى المجتمع المسلم، ما يؤدى إلى تذبذب هذا الطفل بين ما يتلقاه من والديه ومعلميه من قيم وبين ما يُدس له من خلال الأحداث الجارية والصور العارية والألفاظ والموسيقى، وذلك من خلال وسائل تشويقية كثيرة. كما يتم تصوير الخبث علي أنه ذكاء والطيبة على أنها سذاجة وقلة الحيلة، مما ينعكس بدوره على عقلية الطفل ويجعله يستخدم ذكاءه فى أمور ضارة به وبمن حوله.

    كما أن هذه الألعاب تقتل فى الطفل الإبداع والابتكار وتشجعه على الاتكالية وملاحقة كل ما هو جديد ولا يحاول الطفل أن يفكر فى ابتكار ما يشغله أو يُشبع رغبته فى التمتع باللعب، وذلك لكون هذه الألعاب تعود الطفل على الركود العقلى والعضلى.

 

حماية الطفل والمجتمع من مخاطر الألعاب العصرية

     هناك عدة خطوات يجب اتباعها لحماية الطفل من مخاطر الألعاب العصرية، وبالتالى حماية المجتمع لأنه إن أمكن حماية الطفل فإن ذلك يعنى حماية المجتمع نفسه من هذه المخاطر، تتمثل هذه الخطوات فى:

   - 1 دور الأسرة في تنشئة الطفل الاجتماعية:

     تقوم الأسرة بمساعدة الطفل على إشباع حاجاته بشكل كاف فى إطار من الأمن والحب والعطف، وهو ما يساعد الطفل على التكيف، وقدرة الطفل على التكيف هى حجر الزاوية فى تعليمه وتنشئته الاجتماعية حتى يصبح فردا ايجابيا فى المجتمع يُسهم فى رقيه فيما بعد.

     " فالتنشئة الاجتماعية هى عملية تكيف الطفل مع بيئته وصباغته بالشكل الذى يرتضيه المجتمع وهى عملية تعليم وتربية تقوم بها الأسرة والمربون بهدف إكساب الطفل العادات والتقاليد التى يمتثل من خلالها لمطالب المجتمع ويندمج فى ثقافته وتقوم عملية التنشئة الاجتماعية على ضبط سلوك الطفل ومنعه من الأعمال التى لا يقبلها المجتمع وتشجيعه على ما يرضاه منها".

     فالطفل يولد ولديه القدرة على التعلم لكنه لا يولد ولديه أنماط السلوك فهذه الأنماط السلوكية يتعلمها الطفل من الحياة الاجتماعية، وهو ما يشكل شخصية الفرد بطريقة صحيحة يرضى عنها المجتمع. "تبدأ عملية التنشئة والتعلم وضبط سلوك الطفل داخل الأسرة فى سن مبكرة جداً وهى عملية ذات جانبين: يقوم الأول على ضبط سلوك الطفل، يقوم الثانى على إعانة الطفل وتشجيعه على أن يتعلم كيف يحقق كثيرا مما يريد".

     ويجب على الأسرة أن تقوم ببناء الحصانة الذاتية فى نفوس أبنائها، بحيث يؤدى ذلك إلى إنتاج طبيعة رافضة لكل ما هو ضار أو محرم، وذلك من خلال توجيه الأولاد إلى ما هو مفيد من الألعاب التى تقوم على تنمية الذوق والفكر. بالإضافة إلى أهمية التنشئة الدينية لحماية الطفل من مخاطر هذه الألعاب، حيث إنه فى حالة تمتع الطفل بالوعى الصحيح بجوانب دينه وما يُحرمه هذا الدين وما يُبيحه يمكنه أن يرفض هذه الألعاب التى تتعارض مع نشأته الدينية.

    إلى جانب ذلك فلابد من تعزيز الهوية وربط الطفل بتراثة الثقافى، هذا إلى جانب ضرورة وجود الحوار المستمر بين الأسرة والطفل حتى تتمكن من توجيهه فى الوقت المناسب، ولكن لا يجب أن يشعر الطفل بأنه مُراقب من قبل أسرته حتى لا يجله ذلك يحاول أن يتخفى ويمارس بعض الأفعال التى من شأنها أن تجعله يجنح إلى الجوانب السلبية التى قد تُضر به، لذا فيجب إشعار الطفل دائماً بأنه محل احترام وثقة حتى لا يتعمد إخفاء ما يمارسه من نشاط فتتمكن الأسرة من مراقبته. كما أن من واجب الأسرة توجيه نشاط أبنائها إلى ممارسة الألعاب التى تُفيد فى تنمية قدراتهم العقلية والبدنية وكذلك النواحى النفسية، حتى تتمكن من شغل فكرهم ووقتهم فى ممارسة ألعاب ذات أثر إيجابى عليهم.

 

- 2 دور المدرسة فى التنشئة الاجتماعية:

    يمكن تلخيص دور المدرسة فى التنشئة الاجتماعية للطفل فيما يلى:

     - يتم التكامل الاجتماعي بين التلاميذ فى المدرسة نتيجة اختلاف العادات والتقاليد الناتج عن اختلاف الطبقات الاجتماعية، لذلك تعمل المدرسة على إذابة الفوارق بين الطبقات.

      -تساعد المدرسة الطفل على التكيف الاجتماعى وتتيح له الفرصة لتشكيله اجتماعيا تشكيلا تاما بما يمكنه من التكيف مع البيئة المحيطة به، كما أن الطفل يكتسب عن طريق المدرسة العادات والسلوكيات السليمة التى يرضى عنها المجتمع، هذا إلى جانب تزويد الطفل بالمعارف والمهارات والخبرات، وتُعد المدرسة من أهم المؤسسات التى تقوم بعملية التنشئة الاجتماعية بعد الأسرة.  

     يتبين من العرض السابق ما تتمتع به الألعاب الشعبية من أهمية تساعد فى نشأة الطفل على حالة من الاستواء النفسى، يجب على المؤسسات المعنية بالتراث الشعبى تعريف المجتمع بالألعاب الشعبية التى كادت تندثر وتنبه إلى أهمية هذه الألعاب بالنسبة للطفل والمجتمع وتحاول العمل على إحيائها لتأثيرها الإيجابى على سلوكيات الطفل، محاولة إدراج مناهج تعليمية بمدارس المرحلتين الإبتدائية والإعدادية للتعريف بالألعاب  الشعبية وأهميتها وحث الأطفال على ممارستها من خلال تنظيم مسابقات ومهرجانات للتشجيع على ممارستها لما لها من آثار إيجابية على ممارسيها، تشجيع الأطفال على ممارسة الألعاب الشعبية والتمثيلية لما تؤديه من دور مهم فى نمو وارتقاء شخصية الطفل وتعديل سلوكياته السلبية.

وفى النهاية يجب عدم السماح للتكنولوجيا الحديثة والألعاب العصرية بدخول حياة الطفل والاستيلاء على كل وقته وتفكيره لتجنب آثارها السلبية.

 

قائمة المراجع

  1.  أسماء العبودى – الطفل والتراث الشعبى – مجلة المعرفة – ع 173.
  2. حسام محمد – عميد المكتبات الجامعية فى جامعة الإمارات بالعين – نت.
  3. سال سيفر – اللجنة الوطنية للطفولة – منتدى البحوث والدراسات – نت.
  4.  فؤاد مرسى – ألعاب الأطفال بين الاتصال والانفصال – بحث مقدم لمؤتمر الأول لثقافة الطفل – أبريل 2013 – ص 378.
  5.  كريمة حلمى سويلم – التنشئة الاجتماعية وانعكاساتها الثقافية – ورشة عمل – الهيئة العامة لقصور الثقافة2003.
  6. محمد عماد الدين إسماعيل – الأطفال مرآة المجتمع– سلسلة عالم المعرفة ــ الكويت 1986.
  7. محمد طلعت إبراهيم – التربية البدنية فى رياض الأطفال والتعليم الأساسى – بدون.
  8.  محمد عادل خطاب – الألعاب الريفية الشعبية – الأنجلو المصرية 1964.
  9. وفيق صفوت مختار – أبناؤنا وصحتهم النفسية – دار العلم والثقافة – بدون .
  10.  ويلارد ألسون – تطور نمو الأطفال – ترجمة/ د.إبراهيم حافظ وآخرون –  نهضة مصر- بدون.

محرر عام

محرر عام

راسل المحرر @