وداعًا سمية الألفى.. حضور أنثوى هادئ فى المسرح والدراما المصرية

وداعًا سمية الألفى..  حضور أنثوى هادئ فى المسرح والدراما المصرية

العدد 957 صدر بتاريخ 29ديسمبر2025

بعد مسيرة فنية متميزة رحلت الفنانة سمية الألفى عن دنيانا امتدت لما يقرب من نصف قرن، شكّلت خلالها نموذجًا خاصًا للممثلة المثقفة، القادرة على العبور بين المسرح والسينما والتليفزيون دون أن تفقد هويتها أو صدقها الفنى. لم تكن سمية الألفى نجمة بالمعنى الاستهلاكى للكلمة، لكنها كانت ممثلة حقيقية، بنت أدواتها بهدوء، وراكمت حضورها عبر أدوار مركبة، خاصة فى الدراما التليفزيونية والمسرح، حيث بدا وعيها بالأداء والبناء الداخلى للشخصية أكثر وضوحًا.
وُلدت سمية يوسف أحمد الألفى فى 23 يوليو 1953 بمحافظة الشرقية، وحصلت على ليسانس الآداب – قسم علم الاجتماع من جامعة القاهرة، وهو تكوين معرفى انعكس بوضوح على اختياراتها الفنية، وعلى طبيعة الشخصيات التى أدتها، إذ كثيرًا ما انحازت إلى النماذج الإنسانية ذات البعد الاجتماعى والنفسى العميق.

البدايات: من التليفزيون إلى المسرح
بدأت سمية الألفى مشوارها الفنى فى منتصف سبعينيات القرن العشرين عبر التليفزيون، فى لحظة كان فيها التليفزيون المصرى هو المعمل الحقيقى لاكتشاف الممثلين وصقلهم. غير أن انتقالها المبكر إلى المسرح شكّل منعطفًا مهمًا فى وعيها الفنى، إذ شاركت فى مسرحية «أولاد على بمبة»، لتدخل من خلالها فضاء الأداء الحى، وتتعرف على معنى المواجهة المباشرة مع الجمهور، والانضباط الإيقاعى، والعمل الجماعى.
المسرح بالنسبة لسمية الألفى لم يكن محطة عابرة، بل ظل مرجعًا أساسيًا فى تكوينها، حتى وإن لم تكن من الممثلات الأكثر غزارة فى عدد الأعمال المسرحية مقارنة بالدراما التليفزيونية. لكن القليل الذى قدمته على الخشبة كان كاشفًا عن ممثلة تمتلك حسًا مسرحيًا حقيقيًا، وقدرة على الإمساك بالتفاصيل الدقيقة للشخصية.
قدّمت سمية الألفى عددًا من الأعمال المسرحية التى اتسمت بالتنوع بين الكوميدى والاجتماعى شاركت فيها التمثيل كبار النجوم، منهم: عبد المنعم مدبولى، سمير غانم، يحيى الفخرانى، محمود الجندى، أحمد آدم، أسامة عباس، صلاح السعدنى، فايزة كمال، كريمة مختار، سامى مغاورى، نبيلة السيد، سيد زيان، بوسى، صفية العمرى، سوسن بدر، احمد عقل، خالد الصاوى، وغيرهم.
وقد اشتركت فى مسرحيات: أولاد على بمبة (1975)، إخراج سمير العصفورى – راجل مفيش منه (1976) إخراج عبد المنعم مدبولى – بحبك يا مجرم (1991) إخراج جلال الشرقاوى – حكمت هانم ألماظ (1996) إخراج محمد عمر – الأيام المخمورة (1999) إخراج مراد منير – الدخان، إخراج مراد منير– خصوصى جدًا، إخراج شاكر خضير.
يتضح من ذلك أنها قد تعاونت مع مجموعة متميزة من كبار المخرجين: عبدالمنعم مدبولى، سمير العصفورى، جلال الشرقاوى، مراد منير. كما أنها تعاونت مع المخرجين الشباب: شاكر خضير ومحمد عمر.
فى هذه الأعمال، لم تعتمد سمية الألفى على الأداء الخارجى أو الاستعراض، بل على بناء داخلى هادئ للشخصية، وعلى الاقتصاد فى التعبير، وهو ما جعل حضورها المسرحى قائمًا على الفهم أكثر من الإبهار. كانت تميل إلى الشخصيات النسائية التى تحمل تناقضًا داخليًا، أو تلك التى تقف على حافة التحول، وهو اختيار يعكس وعيًا دراميًا نادرًا.

فى السينما: أدوار مساندة ذات أثر
فى السينما، لم تسعَ سمية الألفى إلى البطولة المطلقة، لكنها تركت أثرًا واضحًا فى عدد كبير من الأفلام التى تنتمى إلى فترات مهمة فى تاريخ السينما المصرية، خاصة الثمانينيات والتسعينيات. وقدمت شخصيات الأم، والزوجة، والمرأة القلقة، والمرأة التى تحمل عبء التحولات الاجتماعية.
أما الأفلام التى شاركت فيها سمية الألفى فهي:
الكداب – الحساب يا مدموازيل – عيب يا لولو.. يا لولو عيب – أذكياء لكن أغبياء – وضاع حبى هناك – وكالة البلح – رحلة عيون – شاطئ الحظ – عندما يبكى الرجال – السطوح – المجهول – محسبشى حسابه – الحلال والحرام – الطوفان – الموظفون فى الأرض – على بيه مظهر و40 حرامى – حد السيف – فقراء ولكن سعداء – مشوار عمر – أسعد الله مساءك – القرداتى – نوع من الرجال – إلى أين تأخذنى هذه الطفلة – الشيطان يستعد للرحيل – فخ الثعالب – ليل ورجال – دماء بعد منتصف الليل – تلك الأيام
فى هذه الأعمال، كانت سمية الألفى نموذجًا للممثلة التى تُجيد الاشتغال داخل المساحة المحدودة، وتحول الدور الثانوى إلى مساحة تأثير حقيقى، دون افتعال أو مبالغة.

التليفزيون مساحة رحبة للتألق
يظل التليفزيون هو المساحة الأرحب التى تجلت فيها موهبة سمية الألفى، حيث قدّمت عشرات الأدوار التى رسخت حضورها لدى الجمهور العربى، خاصة فى المسلسلات ذات الطابع الاجتماعى والتاريخى.
وقد اشتركت سمية الألفى فى مسلسلات:
الشاطئ المهجور – الهاربان – العاصفة – لا أنام – ماشى يا دنيا ماشى – بستان الشوك – أفواه وأرانب – قطار منتصف الليل – مين اللى فيهم – الوسادة الخالية – نساء فى شعاع النبوة – أبواب المدينة (ج1) – قلبى على ولدى – أرزاق – أيوب البحر – زهرة البنفسج – شجرة الحرمان – لمن يغرد العندليب – قلب من ذهب – الرجل والطريق – رحلة المليون – البركان الهادئ – الحياة مرة أخرى – حالة خاصة – حلم رجل بسيط – الأفيال – الحب والصبار – الطبرى – النهر لا يحترق – رقيب لا ينام – البيت القديم – الراية البيضا – ليلة هروب – ليالى الحلمية (الأجزاء الأربعة) – الخطة – آن الأوان – أنا والعائلة الكريمة – اللاعبون بالنار – جنة حتحوت – الوديعة – الخروج من الدائرة – بوابة الحلوانى (الأجزاء الأربعة) – وكان لقاء – المزاد – قشتمر – عزبة القرود – قلب الأسد – عزبة المنيسى – لن أمشى طريق الأمس – الصياد والأفعى – اثنين فى واحد – سنوات الغربة – أحلام وردية – اللعب فى المضمون – المفتاح الضائع – أوراق من المجهول – بريق منتصف الليل – البرج اللى فاضل – ع الحلوة والمرة – ميراث الريح – أحلام مؤجلة – الأقدار – ليلة مقتل العمدة – مقام المالطى – منشية البكرى – شمس منتصف الليل – العطار والسبع بنات – شاطئ الخريف – كناريا وشركاه – نجوم الظهر – القلب إذا هوى – نهاية القصة – أزواج وزوجات، وغيرها.
كما شاركت فى عدد من السهرات التلفزيونية: تحت الملاحظة – ملحمة كبريت – عناق الموت والحياة – السبيل – الحب أقوى – نساء الصمت – ولا فى الأحلام – لعبة الصمت – فتاة مسئولة – سواق التاكسى – قضية بدون متهم – الحب كلمة من حرفين – ألوان – حبيتك بالصيف – اعتراف – شقة وألف ساكن – اثنين فى القفص.
لم تكن سمية الألفى ممثلة صاخبة أو لاهثة خلف البطولة، بل كانت تنتمى إلى جيل يؤمن بأن التمثيل معرفة، وبأن الشخصية تُبنى من الداخل قبل أن تُعلن عن نفسها خارجيًا. وقد منحها المسرح هذا الوعى المبكر بقيمة الإيقاع، وبخطورة الكلمة، وبأهمية الإصغاء للشريك على الخشبة.
فى الدراما التليفزيونية، جسدت تحولات المرأة المصرية عبر عقود: من الفتاة الحالمة، إلى الزوجة، إلى الأم، إلى المرأة التى تقف فى مواجهة الانكسار الاجتماعى. أما السينما، فقد كانت عندها مساحة للتكثيف، لا للاستعراض.

 الغياب والرحيل
دخلت سمية الألفى فى صراع طويل مع مرض السرطان استمر نحو ست سنوات، خضعت خلالها لعدة عمليات جراحية داخل مصر وخارجها، إضافة إلى العلاج الكيماوى والإشعاعى، وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية لغيابها عن الساحة الفنية فى سنواتها الأخيرة، قبل أن تعلن تعافيها فى عام 2023.
فى 20 ديسمبر 2025، رحلت الفنانة سمية الألفى عن دنيانا، بعد مسيرة فنية حافلة، بعد أن تركت رصيدا فنيا متنوعًا يجمع بين الرصانة والصدق، ويعكس صورة ممثلة آمنت بالفعل التمثيلى بوصفه عملًا معرفيًا وإنسانيًا قبل أن يكون وسيلة للنجومية.
برحيل سمية الألفى، تفقد الساحة الفنية واحدة من ممثلاتها الهادئات، اللاتى لم يصنعن ضجيجًا حول أنفسهن، لكنهن تركن أثرًا حقيقيًا فى الذاكرة الجمعية، وفى تاريخ الأداء النسائى المصرى، خاصة على خشبة المسرح، حيث ظل حضورها، رغم قلته العددى، علامة على الصدق والوعى والالتزام الفنى.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏