«البطة سمبا».. دعوة ضد التنمر

«البطة سمبا»..   دعوة ضد التنمر

العدد 701 صدر بتاريخ 1فبراير2021

في المنشورات الدعائية للعرض وصف بأنه “غنائي استعراضي” في حين أنه ينتمي بشكل واضح إلى فن الأوبريت ، فالحوار أغلبه مُغًنى و الاعتماد على الموسيقى والاستعراضات  للتعبير عن الحالة الشعورية والانتقال من مشهد لمشهد حيث تدور الأحداث حول بطة سوداء تدعى «سمبا» تاهت من والدتها فذهبت إلى البحيرة للبحث عنها وأثناء رحلتها تمر على بحيرة البط الأبيض وهناك تعاني بسبب التنمر لأن لونها أسود ، ثم تتعرض لحادث يحيل لونها أبيض من غير سوء فيتقبلها البط الأبيض  فتصارحهم  إنها هي سمبا البطة السوداء التي رفضوها من قبل لا يصدقونها في البداية ثم يتقبلوا الأمر وقد عرفوا أن لا فرق بين أبيض وأسود طالما كلنا ينتمي لنوع واحد .
لم يكن استخدام تلك الحبكة جديدا على الفنان محمد مصطفى فقد استخدمها من قبل في مسرحية «ميمي ومامي» التي عرضت على مسرح بيرم التونسي وفيها ايضا السمكة ميمي تاهت من والدتها «مامي» وخاضت رحلة طويلة تعرضت فيها لمختلف الأهوال وخرجت بنتيجة كانت هي رسالة العرض ومقولته النهائية ، كذلك البطة سمبا (البطة السوداء) التي مرت برحلة بعد أن تاهت من والدتها ، ولا يخفى علينا هنا التشابه بين  العنوان وموروثنا الشعبي  في استخدامه لفظ (البطة السوداء) للتحقير والتعبير عن الغبن الصريح لا لشئ إلا للونك أو عرقك أو ما شابه ذلك من أشياء ليس لك ذنبا فيها .
استخدم العرض تقنيات المسرح الأسود وهذه ايضا ليست أول مرة يستخدم فيها فريق العمل هذه التقنية واعتقد أنه يتقنها كلما زاد قدما في استخدامها . والحقيقة أن مثل تلك العروض مبهره للأطفال والكبار على حد سواء .
تقنية المسرح الأسود  تعتمد أساسا على الإضاءة واللون ، فقد اعتمد هذا النوع من المسرح وتطور بتطورفن الإضاءة واستخدامها كعنصر فعال وهام من عناصر العمل المسرحي ، ايضا اعتمد على تطور نظام الألوان وظهور اشتقاقات لونية جديدة لم تكن معروفة قبلا تزامن ذلك مع ظهور تيار التجريب والتجريد في المسرح بشكل عام .
الصورة في المسرح الأسود تعتمد على بروز الشكل في الإضاءة الفوق بنفسجية ، فهو تقنية إضاءة وأشكال تتحرك في محيط مظلم ، خلفية سوداء ، ملابس سوداء لمحرك العروس ، وإضاءة فسفورية للعرائس ذاتها .
وهذا يقودنا للحديث عن لاعب العرائس :
لاعب العرائس لا يظهر كما هو الحال ايضا في مسرح العرائس التقليدي إلا أن اختفاءه يختلف هنا فهو لا يختفي وراء ستار أو بارافان أو في السوفيتا وتتدلى الحبال لا .. بل يساعده السواد الذي يرتديه على اللعب بشكل حي وأقرب وأكثر تحكما بالعروس في يده ما يضفي واقعية على الآداء وتفاعل أكبر بين اللاعب والعروس من جهه وبين المشاهد وما يدور على المسرح من جهه مما يرفع درجة الإيهام لدى الجمهور الذي جله من الأطفال ويساعد في توصيل التأثير المطلوب .
الديكور والعرائس :  والديكور في المسرح الأسود لا يشبهه نظيره في مسرح العرائس التقليدي أو مسرح خيال الظل حيث الأشكال مسطحة وبسيطة لكنها هنا تميل أكثر للتجسيد بأبعادها مع تلوينها بألون فسفورية ومع إنعكاس الإضاءة بشكل عمودي أو أفقي وكذلك العرائس بألوانها المبهجة كل تلك العوامل تضفي جوا حيا ومختلفا للصورة مع الخلفية السوداء يعطيك إحساس أنك في عالم مختلف ، هذا النوع من المسرح يقترب من السينما متماهيا مع عالمها السحري الفاتن .
وعلى هذا الغنى في الصورة فإن هذا النوع من المسرح فقير من حيث التكلفة فهذا النوع من المسرح يعطي إمكانية التجريد في جميع عناصر العرض المسرحي وهذا لا يعني أن باقي الأنواع المسرحية لا تكفل التجريد ولكن في هذا اللون يتخذ التجريد بعدا جماليا وتعبيريا مختلفا . حيث أبسط لون مع الحركة مع الكتلة التي تحتوي إمكانية تحريكها هي الأخرى فالأشجار تستطيع الطيران والبيوت تستطيع الرقص  كما من الممكن أن تتقافذ الزهور وتلتوي الأعشاب في تموجات متواليه وهكذا إذن لا يحتاج المخرج لديكورات ضخمة بالعكس كلما نحى نحو البساطة كلما كان أكثر إبداعا حيث تمكنه تلك الخفة للعناصر من سهولة تحريكها واللعب بها كما يشاء .
من الممكن أن هذا السبب بالذات هو سبب عدم انتشار هذا النوع في مسارحنا .. ليس من السهل على الخيال العربي تحريك ما اعتاد ثباته حيث تعطى الأشياء المألوفة وظيفه جديدة وإمكانيات مختلفة فالأثاث يطير والجمادات تتحدث بلباقة وتغني . في المسرح الأسود تعطي الأشياء المألوفة أسماء جديدة وإمكانيات مختلفة ويجعل للشئ الواحد استخدامات متنوعة وهذا ينسحب على جميع عناصر العرض المسرحي .
في هذا العرض تم استخدام العديد من أصناف حيوانات الغابة بدأ من الضفادع والأزهار بمختلف ألوانها والأشجار والحيوانات والطيور مما أثرى الصورة بالألوان والحياة . حقق المسرح للمخرج هنا رؤى تشكيلية ليست متوفرة له في اشكال المسرح التقليدية .
ومن الجدير بالتقدير لهذا العمل هو عدم تعدي زمنه للساعة الواحدة ستون دقيقة بالتمام وهذا جيد فأقل من هذا جرعة غير مشبعة وأكثر من ساعة سيؤدي حتما للتكرار والملل فالقضية الرئيسية بسيطة ومفهومه والحدث ثابت وهو تيه البطة السوداء وعودتها وكل ما هنالك تجسيد لما تتعرض له من مشكلات فالإطالة غير محببه على الإطلاق طالما وصلت الفكرة فلا داعي للتكرار وهذا يحسب للمخرج بلا شك .
الموسيقى والألحان : كان الحوار مُغًنى في معظمه والمسرحية تستخدم تقنية «البلاي باك» سواء للغناء أو الآداء ،  ذلك أفضل في رأي حتى لا تحدث مشاكل تقنية من حيث عدم جودة أجهزة صوت جيدة في كل مرة يعرض فيها اختلاف أماكن العرض ، عدم وجود المؤديين في كل ليلة عرض أو إصابة احدهم بوعكة تحول دون غناءه، وأهم شئ الفرقة الموسيقية كيف تضمن وجود عازفين معك في كل ليلة عرض إن ارتبط احدهم بعمل آخر فلا راد لرغبته ، عدم تناسب الصورة مع الصوت خاصة أنه طور في تلك المرة تقنيات في التحريك تسمح بتحريك الشفاه وهذا ما لم يكن موجودا في مسرحيته السابقة فهل يجازف بكل ما سبق ليكون الآداء حيا ؟! كلا بالطبع .

 


نسرين نور