جولة فى المسرح الأميركي

جولة فى المسرح الأميركي

العدد 956 صدر بتاريخ 22ديسمبر2025

فى المسرح كما فى أى وسيط ابداعي يصبح من حق الكاتب المسرحى اختيار الموضوع الذى يعالجه قلمه والزاوية التى يعالج منها. والموضوع الذى تتناوله مسرحية اليوم خاص بوضع المرأة فى المجتمع الأمريكى. لكن الغرابة هنا تكمن فى زاوية المعالجة وهى اختبار الحمل لكنها جاءت مقنعة.
وهذا هو موضوع مسرحية “المتنبئ” للكاتبة المسرحية الأمريكية جانيفر بلاكمار. التى ينتهى عرضها الشهر المقبل بعد فترة عرض تزيد قليلًا على الشهر فى نيويورك خارج برودواى. وسبق عرضها قبل سنوات فى برودواى وعدة ولايات.
تدور أحداث المسرحية حول حياة المخترعة الأمريكية مارجريت كرين وهى لا تزال على قيد الحياة (86 سنة حاليًا). وقد عرضت المسرحية منذ عدة سنوات فى برودواى وخارجها فى عدة ولايات.
وكرين مصممة جرافيكية وليست عالمة أو مهندسة أو طبيبة. وفى مطلع العشرينيات من عمرها، ابتكرت وكانت تعمل وقتها فى شركة أورجانون للأدوية ومستحضرات التجميل، اختراعًا غيّر حياة ملايين النساء. وهذا الاختراع هو أول اختبار حمل منزلى سريع النتائج.

حيوية
وتقول الناقدة المسرحية لصحيفة نيويورك بوست أن البعض لم يكن متحمسا –وهى أيضا - لعرض هذا الموضوع الغريب على خشبة المسرح. لكن العرض المسرحى تميز بالحيوية والعمق والمتعة للغاية فى حديثه حول كرين واختراعها.
وتمضى الناقدة قائلة لطالما راودتنى عبارة “سحر المسرح” منذ تجاربى الأولى مع هذا الفن فى طفولتى. وتُجسّد المسرحية كيف يمكن للمسرح، أكثر من أى فن آخر، أن يروى القصص، بما فيها قصص حقيقية كهذه، بطرق تُبهج الحواس وتُشعل الخيال، مستخدمًا براعة فنية واضحة لتسليط الضوء على الواقع.
وتضيف أن المسرحية جاءت عبارة عن مشاهد سريعة الإيقاع وحوارات متقنة. وساعد على ذلك إخراج المخرج الموهوب أليكس كيجان المفعم بالحيوية وأداء طاقم تمثيلى يجمع بين الخبرة والموهبة. وتُجسّد مسرحية “المتنبئ” قصة كرين متعددة الأبعاد ببراعة.

ترشيح لتونى
وتبدأ الناقدة بعد ذلك فى حديث اكثر تفصيلا فتتحدث عن بطلة العرض التى جسدت شخصية المخترعة وهى كايتلين كينونين، التى تم ترشيحها لجائزة تونى، عن تجسيدها للشخصية بعد أداءً جاء مؤثرًا ومذهلًا فى دور كرين.
 ويحيط بها مجموعة من الممثلين الموهوبين الذين يؤدون أدوارًا متنوعة، ينتقلون بينها بسلاسة مع تغير الأماكن (المكتب، المنزل، برنامج مسابقات خيالي) والأزمنة (فترة كرين فى أورجانون، سنوات دراستها فى مدرسة كاثوليكية، نشأتها على يد أم متدينة وأب متساهل).
يُظهر لنا المشهد الافتتاحى ميج كمتسابقة غير مبالية فى برنامج مسابقات خيالى بعنوان “من صنع هذا؟”.
 ويعتقد أن بلاكمر استوحت الاسم من عنوان مقال نُشر فى صحيفة نيويورك تايمز عام 2012، والذى تناول تطوير اختبار الحمل المنزلى دون ذكر اسم كرين. وهذا ما دفع المخترعة إلى الظهور وتوضيح الحقيقة ودفع المؤلفة إلى كتابة مسرحيتها لتوضيح الأمور بشكل مبسط.
وتتكشف القصة الحقيقية على مدار ساعتين أو أكثر من التشويق والإثارة.

قضية أخرى
واعتبرت المؤلفة ذلك مدخلًا إلى قضية أخرى ناقشها العرض المسرحى حيث ألقت بعض الأضواء على مشكلة التطور البطيء لما سُمّى بتحرير المرأة الأمريكية.
ومن هذا المنطلق طالبت النساء بالتحرر من الافتراضات والقيود والسيطرة الأبوية والتمييزية ضد المرأة التى سادت المجتمع الأمريكى. أفكار العصور الوسطى. وكان الأمر يصل إلى أن المرأة الأمريكية كانت لاتستطيع التعامل مع حملها أو حتى جسمها بوجه عام دون إشراف الأطباء والأزواج. وكانت بعض بعض الأفكار خاطئة ومأخوذة من السكان الأصليين، مثل منع الحامل من شرب السوائل الساخنة أو تقليل حركتها قدر الإمكان.
وتستعرض المسرحية بعض الجوانب الطريفة مثل مخاوف الشركة من أن يؤدى هذا الاختراع إلى فقدانها أرباحًا طائلة من الطريقة التقليدية المستخدمة وقتها التى كانت تحتاج عدة أيام باستخدام الأرنبة أو ما يعرف بالاختبارات المطولة ذات التكلفة المرتفعة.
وفى الاختبار التقليدى توضع عينة من بول المرأة فى اذن الأرنبة وتترك عدة أسابيع ثم تذبح ويتم فحص جهازها التناسلى. وإذا كان هناك تغير فى هذا الجهاز تكون المرأة حاملًا.
وكانت هناك مخاوف أيضًا من فقدان الأطباء لأتعابهم التى كانوا يحصلون عليها من جراء طول المدة.
وتشير الناقدة إلى دور الإضاءة الملونة والصوت المؤثر فى إضفاء الحيوية على المشاهد القصيرة فى معظمها، وتسهيل الانتقالات السريعة بين المشاهد.

10 سنوات
وتصل المسرحية فى النهاية إلى مرور عقد كامل بين نموذج كرين الأولى وطرح المنتج فى السوق الأمريكية، ويعود ذلك إلى المقاومة المجتمعية أكثر من البيروقراطية البحتة.
ويزيد من عنصر الإقناع فى العمل المسرحى نجاح النص والإخراج فى تجسيد الشخصيات المتضاربة المحيطة بكرين. وتضغط عليها زميلتها فى المدرسة والسكن، جودى (واشنطن)، للدفاع عن نفسها وتحدى القوى التى لا تحترمها وتعيق تقدمها. وهناك الرسائل التى استوعبتها من والدتها المتوترة والتى نلمح تجربتها الشخصية فى الحمل فى مشهد مؤثر – تعوق نضالها من أجل الاعتراف بها.
ويظهر خبير التسويق البغيض ورجل إعلانات منفتح الذهن، تم استقدامهما للمساعدة فى تطوير المنتج، مواقف متناقضة. يحاول أحدهما بكل ما أوتى من قوة التقليل من شأن كرين وإعاقتها؛ بينما لا يؤمن بها الآخر فحسب، بل يصبح شريك حياتها. يرفض رئيس ميج اللطيف، لكنه تقليدى فى عمله توظيفها فى وظيفة براتب. لكن كرين تُصرّ.
وتعود الناقدة للإشادة بالبطلة التى جسدت شخصية ميج فى قلب الأحداث، كايتلين كينونين فتصفها بصاحبة الأداءٍ الاستثنائى. تُجسّد ميغ كرين شخصية قوية تجمع بين الحزم والضعف، والعزيمة والشك الذاتى، وكل ذلك ممزوج بجاذبية ذكية. أداؤها أشبه بلوحة فنية رائعة.
ينطلق العرض بروح إيجابية وفكاهة لا تُضاهى، مُستكشفًا التحولات الاجتماعية الثورية فى الستينيات والسبعينيات. الإشارات إلى حركة الهيبيز والحب الحر، والحركة النسوية، وقضايا الإجهاض، بالإضافة إلى موسيقى تصويرية تضمّ أشهر الأغانى الامريكية المعاصرة.
وهناك بعض المواعظ الخفيفة مع اقتراب القصة من نهايتها؟ حسنًا، نعم. لكنّ المتعة حاضرة بقوة فى الأحداث، ما يجعل تقبّلها أمرًا سهلًا. ودروس تلك الحقبة، التى تُجسّدها تجربة كرين بطريقة أو بأخرى، لا تزال فى غاية الأهمية.


ترجمة هشام عبد الرءوف