العدد 954 صدر بتاريخ 8ديسمبر2025
أقيمت الأسبوع الماضى بشعبة السيناريو والدراما المسرحية بالنقابة العامة لاتحاد الكتاب ندوة لمناقشة مجموعة مسرحيات الكاتب المتميز مجدى مرعى بعنوان «درب أبن برقوق ومسرحيات آخرى «أدراها الكاتب المسرحى الكبير والسيناريست إبراهيم محمد على رئيس شعبة السيناريو والدارما بالنقابة العامة لاتحاد الكتاب وتحدث بها كل من الناقد والكاتب أحمد صلاح هاشم والكاتبة رجاء محمود والناقد والكاتب د. جمال الفيشاوى فى وجود مجموعة مميزة من الكتاب والمثقفين، ومنهم الدكتورة لبيبه الجندى والأديبة عزة أبوالعز والأديب والروائى طارق الدياسطى الاديب ممدوح حموده، محارب الأديب محمود مبروك، الدكتور ربيع شكرى، الشاعر محمد حسان، د. عماد جمعة.
تجربة مسرحية متميزة
فى مستهل الندوة، رحّب الكاتب والسيناريست إبراهيم محمد على، رئيس شعبة السيناريو والدراما بالنقابة العامة لاتحاد الكتّاب، بالحضور الكريم، مثمّنًا الاهتمام الكبير بمناقشة مجموعة مسرحيات «درب ابن برقوق» للكاتب مجدى مرعى.
وأثنى إبراهيم محمد على على العمل، مؤكدًا أنه يقدم تجربة مسرحية متميزة تستحق التوقف أمامها، موضحًا خلال كلمته أن التحويل بين الفنون الأدبية — من رواية إلى مسرحية أو العكس — أمرٌ ممكن ومُثمر، إذا ما أُحسن التعامل مع البنية الدرامية وروح النص.
وأكد أن مثل هذه الأعمال تفتح آفاقًا جديدة للإبداع، وتثرى الحركة المسرحية بما تقدمه من رؤى وأفكار تستحق المناقشة والاحتفاء.
رحلة مجدى مرعى بين المنودراما والديودراما ودرب ابن برقوق
أوضح الكاتب مجدى مرعى فى مداخلته أن مسرحية «الرحيل أو لحظة سقوط الشمس» تمثل حالة مونودرامية شديدة الخصوصية، حيث تقوم البطلة بالتحاور مع الشمس ككائن حى وتحاور الموج وتتواصل مع السحاب، ثم تهبط إلى قلب المياه فى محاولة لاستعادة الحبيب الغائب. وأشار مرعى إلى أن الفريسكا التى تهبها الشمس للموج ليست سوى رمز للجمال المختبئ وللقدرة الخفية على بث الحياة ضوءًا جديدًا. ووصف العمل بأنه رحلة داخل وهج أشعة الشمس، وهى تتخطى العتمة بحثًا عن لحظة خلاص إنسانى.
وأضاف مرعى أن مسرحية «حالة عادية جدًا»—المنشورة فى جريدة مسرحنا قبل نحو سبع سنوات—حازت تقدير العديد من النقاد، لما تحتويه من بناء درامى يقوم على شخصيتين فقط. الشخصية الأولى تمثل كل أشكال السلطة: سلطة الأب، القاضى، الأستاذ الجامعى، وغيرها من نماذج القهر الاجتماعى. أما الشخصية الثانية فتمثل الإنسان المقهور، الذى يتلقى القمع أول الأمر، ثم ينقلب لاحقًا ليصبح هو ذاته القاهر. وأوضح مرعى أن العمل يعتمد على تبادل الأدوار بين «أ» و«ب»، بحيث يتكرر الحوار ذاته لكن بصورة معكوسة، تأكيدًا لفكرة أن دورة القهر مستمرة ومتغيرة، وتتعدد صورها وقضاياها.
وأشار كذلك إلى مسرحية «سوف أحيا» التى تتجسد فيها ثلاثة أبعاد لروح إنسان واحد: الأمل، اليأس، والذات الحقيقية. وبيّن أن الشخصية المريضة المستسلمة لفكرة الموت تخوض صراعًا شرسًا بين قوتين متعارضتين، كل منهما يسعى لاستقطابها. وينتهى الصراع بانتصار الأمل، فى رسالة إنسانية عميقة حول قدرة النفس البشرية على المقاومة رغم الألم.
أما المسرحية الأخيرة «درب ابن برقوق»، فأكد مرعى أنها مستلهمة من رواية للكاتب محمد جلال، وقد حرص على الإشارة إلى ذلك داخل الكتاب التزامًا بالأمانة الفكرية. لكنه أوضح أنه أعاد تشكيل الأحداث والشخصيات وفق رؤيته المسرحية الخاصة، مستعينًا بتناصات من أعمال أحمد فؤاد نجم وعزة بلبع والشيخ إمام. وأوضح أنه لم يقدّم شخصية نجم كما وردت فى الرواية، بل أعاد صياغتها ليجعل منه رمزًا نضاليًا يحارب بقلمه، بينما تخوض عزة بلبع معركتها بصوتها، دفاعًا عن قضايا الوطن، فى تجسيد لمعنى القوى الناعمة وكيف تعبر الفنون عن مقاومتها فى مواجهة الظلم. واختتم مرعى مداخلته بالتأكيد على أن هذه المجموعة المسرحية تمثل رحلة متعددة المستويات بين المونودراما والمسرح الفكرى والديو دراما، وأنها محاولة لإعادة قراءة الإنسان والمجتمع من خلال مرايا المسرح وأسئلته العميقة.
مجموعة نصوص مسرحية تتنوع بين الشعرية والرمزية والواقعية الساخرة
قال الناقد أحمد صلاح هاشم إن كتاب “درب ابن برقوق ومسرحيات أخرى” يقدّم مجموعة نصوص مسرحية تتنوع بين الشعرية والرمزية والواقعية الساخرة، وتجمعها رغبة واحدة فى فهم الإنسان ومساءلة السلطة وفتح أبواب الوعى.
وأوضح هاشم أن مونودراما “الرحيل أو لحظة سقوط الشمس” تقدّم حالة إنسانية شديدة الخصوصية، تعكس عبر حوار البطلة مع نفسها ملامح الغياب والوحشة، مشيرًا إلى أن الوصف الشاعرى للمفتتح يمنح العرض عمقه النفسى الأول.
وأشار إلى أن رمزية البحر والشاطئ وبائعة الفريسكا صنعت عالَمًا ممتلئًا بالدلالات؛ فالبحر “العدو الصديق”، والشاطئ مكان الهجرة، وبائعة الفريسكا جمال مختبئ داخل زجاج شفاف.
وذكر أن البناء الدائرى الذى يبدأ وينتهى بالأغنية: “يا ساعة بالوقت اجري” يؤكد أبدية البحر واستمرار موجاته، تمامًا كما تستمر جراح البطلة.
ورأى أن النص استطاع خلق تعددية فى الشخوص رغم كونه مونودراما، عبر حضور الشمس والبحر والموج والشاطئ والفريسكا، لكنه فى الوقت ذاته وقع فى فخ الإطالة والتكرار الذى صنع قدرًا من الملل، رغم قوة الفكرة وروعة النهاية
ثم أشار هاشم إلى مسرحية “سوف أحيا” باعتبارها عملا فلسفيًا يعتمد على رمزية المرآة والحوار الداخلى بين جوانب الشخصية الثائرة والهادئة، مؤكدًا أنها تقوم على حوار “حجاجى – تداولي” يعتمد الأدلة، ويعيد تشكيل السوية النفسية للذات .
أما عن مسرحية “درب ابن برقوق”، فذكر الناقد أن اختيار العنوان يحمل دلالة الطريق والبحث عن الوصول، وأن الحوار فى كثير من مشاهده ناضج وجميل، غير أن بعض المقاطع الحوارية جاءت ثقيلة.
وأشاد بتناول النص لقضية الطبقية وقيمة الشعر والأدب فى مواجهة الظلم، مستشهدًا بمشهد شمس وعم إدريس باعتباره نموذجًا لحوار عميق يكشف الفارق بين السلطة الاجتماعية والإنسانية.
ورأى أن حضور شخصيات مثل حلاوة وعلى وشمس يعيد إلى الذاكرة تمازج الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم كرمز للمقاومة الشعبية.
وفى قراءته لمسرحية “عندما تصحو البندقية” للدكتور هشام قاسم، قال هاشم إن النص ينتمى إلى المسرح الرمزى، رغم عنوانه التقليدى، مؤكدًا أن الحكاية نفسها شديدة الإتقان.
وأشار إلى أن المسرحية تعتمد لغة ساخرة منذ بدايتها وحتى نهايتها، وأن البندقية لا تطلق رصاصها إلا على الناموس، فى دلالة واضحة على أن السلطة لا تصيب إلا الضعفاء بينما ينجو الأقوياء مثل العمدة ومسعد.
وأوضح أن روح القرية المصرية تنبض فى النص من خلال نحو عشرين شخصية، وأن الحوار بين فرحانة وشوقى مثال على نضج المعالجة وتمثيل الطبيعة الإنسانية للمرأة.
كما أشار إلى ذكاء التفاصيل مثل جملة إبراهيم: “من 68 لحد 2010 وأنا شغال”، التى تربط بين الهزيمة الأولى والتنحى، وتُحمِّل الشخصية دلالات سياسية دون مباشرة.
ورأى أن المشهد الثالث بين إبراهيم والضابط كان تطويلًا غير ضرورى، لكنه لا ينتقص من قوة العمل، الذى يتسم بتعدد الشخصيات وتعدد المشاهد والديكورات، بما يزيد على عشرة “بلاتوهات” مختلفة.
وختم هاشم مداخلته مؤكدًا أن هذه النصوص، رغم اختلافها، تتوحد فى انشغالها بالإنسان: ضعفه وقوته، ثورته وسكونه، ووعيه وصمته، مشددًا على أن الكتاب يمثل إضافة مهمة للمكتبة المسرحية، ويكشف عن قدرة حقيقية على المزج بين الشاعرية والدلالة والواقعية الساخرة فى آن واحد.
تجربة مسرحية ناضجة
أوضحت الكاتبة رجاء محمود فى مداخلتها النقدية أن الكاتب مجدى مرعى قدّم فى كتابه الجديد «درب ابن برقوق ومسرحيات أخرى» تجربة مسرحية ناضجة، بعدما اعتاد الجمهور رؤيته يكتب لمسرح الطفل، وهو اللون الذى وصفته بأنه الأصعب والأكثر دقة، مؤكدة أن هذه المجموعة تُعد انطلاقة واضحة نحو عالم الكتابة للكبار.
وأشارت إلى أن مرعى نجح فى خوض غمار المونودراما، ذلك اللون الذى يتطلب قدرة خاصة على كشف الصراعات الداخلية للنفس البشرية. واستشهدت بتجربته السابقة فى «مونودراما مريم» المكتوبة لطفلة فى الثالثة من عمرها، لتؤكد امتلاكه أدوات التعبير المسرحى المتكاملة.
وأضافت أن النص الأول «الرحيل.. أو لحظة سقوط الشمس» قدّم صورة إنسانية عميقة لصراع البطلة وفاء مع فقدان حبيبها، وأن الكاتب جسّد مشاعرها المتأرجحة بين الرفض والحنين والإنكار فى حوارٍ متخيَّل مع الموج. وأوضحت أن السينوغرافيا جاءت هنا على مستوى القراءة، إذ نجح الكاتب فى جعل القارئ يرى المشهد ويتحسّسه من خلال اللغة فقط.
كما أشارت إلى أن النص الثانى «حالة عادية جدًّا» يقترب من العالمية، نظرًا لعمقه الفلسفى فى مناقشة الصراع الوجودى، واعتماده على الرمزية ولعبة تبادل الأدوار بين شخصيتى «أ» و«ب»، بما يثير تساؤلات حول الظلم والعدالة وتحوّلات النفس تحت الضغط. وأضافت أن الإيقاع السريع للحوار يعكس سرعة إيقاع الحياة الحديثة وتلاحق أحداثها.
وتحدّثت عن النص الثالث «سوف أحيا»، مؤكدة أن مرعى رسم فيه صراعًا ثريًا بين الأمل واليأس، والحياة والموت، وصوّر النفس البشرية بثلاث شخصيات تتجسد على خشبة المسرح عبر ديكور بسيط يعتمد على المرايا. وأوضحت أن تصاعد الصراع وعودته إلى نقطة البداية منح النص بعدًا إنسانيًا قويًا.
وفى تناولها لمسرحية «درب ابن برقوق»، أشارت الكاتبة إلى أن مرعى قدّم صراعًا طبقيًا متعدد الزوايا، من خلال قصة حب بين الشاعر الكادح درويش والفتاة شمس ابنة «نظام باشا». وأوضحت أن الكاتب استخدم الفن والقوة الناعمة فى مواجهة الفساد، مُبرزة أن شخصية نظام باشا جاءت رمزًا للنظام الذى يتكرر عبر الأزمنة مهما تغيّرت الأشكال.
وأضافت أن المجموعة المسرحية بكاملها تتميّز بوحدة الموضوع، إذ تربطها خيوط درامية تتعلق بالصراعات النفسية التى يعيشها الإنسان فى مواجهة الفقد، والوجود، والمرض، والطبقية، مؤكدة أن الحوارات جاءت مكثفة عميقة وذات دلالة.
واختتمت رجاء محمود مداخلتها بتوجيه تحية تقدير للكاتب مجدى مرعى، مؤكدة أن هذه المجموعة تُثرى مسرح الكبار وتكشف نضجًا فنيًا يستحق الإشادة، مع أمنياتها بمزيد من الإبداع فى أعماله المقبلة.
هذه النصوص يمكن جمعها تحت عنوان جامع هو «صراع النفس البشرية»
أثنى الناقد جمال الفيشاوى على مجموعة مسرحيات «درب ابن برقوق ومسرحيات أخرى» للكاتب مجدى مرعى، مشيرًا إلى أنها تأتى امتدادًا لتجربة الكاتب السابقة فى مجموعته «من خط الكنال»، والتى تناولت بطولات وشخصيات من مدن القناة. وأوضح الفيشاوى أن المجموعة الجديدة تقدم طرحًا مختلفًا من الناحية الفنية والفكرية.
وقال الفيشاوى إن المسرحيات الواردة فى هذه المجموعة تنتمى إلى المسرحيات ذات الفصل الواحد، وهو من أصعب الأشكال المسرحية، إذ يتعيّن على الكاتب فى مساحة زمنية محدودة أن ينقل رؤيته ويبلور رسالته بمهارة تشبه تكثيف القصة القصيرة. وأضاف أن هذه النصوص يمكن جمعها تحت عنوان جامع هو «صراع النفس البشرية»، وهو ما يبرز بوضوح فى عدة نصوص داخل المجموعة.
وتوقّف الفيشاوى عند مسرحية «رحيل» أو «عندما تسقط الشمس»، موضحًا أنها تعتمد على صراع داخلى حاد تعيشه البطلة مع البحر والأمواج، وتذهب إليه محمّلة بفقد حبيبها، ما يجعل المسرحية ذات طابع نفسى مركّب يتطلب — عند تقديمه — ممثلين محترفين وتقنيات عالية لإبراز جماليات النص ورموزه .
كما تناول مسرحية «حالة عادية جدًّا» التى تستند إلى شخصيتين رمزيتين هما «أ» و«ب»، وكل منهما يحمل مجموعة من الشخصيات المتشابكة للدلالة على علاقة القاهر والمقهور فى مواجهة السلطة. أما مسرحية «سوف أحيا» فاعتبرها نموذجًا للمسرحية ذات الشخصيات المتشظية، حيث تنقسم النفس البشرية إلى ثلاثة وجوه داخل ذات واحدة.
وأشار الفيشاوى إلى أن مسرحيات «درب ابن برقوق» رغم تعدّد شخصياتها فإنها تنتمى إلى المسرح الواقعى، وتقترب كثيرًا من مسرح الصورة، أحد أبرز سمات مسرح ما بعد الحداثة، من حيث اعتمادها على تقنية الصورة، وتجاوزها للتسميات التقليدية للشخصيات.
وشدّد الفيشاوى على ضرورة التفريق بين العرض المسرحى والنص الأدبى، مشيدًا باللغة الشاعرية المتداخلة التى تتميز بها نصوص مجدى مرعى، وما تمنحه من تفاعل شعورى عميق، ويتّضح ذلك بقوة فى مسرحية «رحيل».
وفى ختام مداخلته، وجّه الناقد جمال الفيشاوى الشكر للكاتبة رجاء محمود والكاتب أحمد صلاح هاشم على قراءتهما النقدية المتميزة، مؤكدًا أن هذه المسرحيات تحتاج — عند تنفيذها — إلى إمكانات عالية الجودة وصياغة بصرية أقوى توازى عمق النصوص الأدبية واختتمت الندوة بمجموعة من المداخلات المتميزة.