جولة فى شارع المسرح التركى

جولة فى شارع المسرح التركى

العدد 951 صدر بتاريخ 17نوفمبر2025

 ملاحظة مهمة خاصة بالمسرح تلفت الأنظار حاليًا لدى المعنيين بالحياة الفنية فى تركيا. وهذه الملاحظة هى ازدهار مسرح الدولة فى هذا البلد الأوروبى الآسيوى. 
ويأتى ذلك عكس اتجاه ساد فى سنوات ماضية انصرف فيه جمهور المسرح عن مسرح الدولة باعتباره موجهًا فقط لتحقيق أهداف نظام الحكم وزيادة شعبيته. كما أن الشعب التركى ليس من الشعوب التى تولى المسرح اهتمامًا كبيرًا.
يتناول ذلك تامر كارادوغلى، مدير عام مؤسسة مسارح الدولة. المعروفة اختصارًا باسم «دى تى» التى احتفلت بمرور 20 عامًا على تأسيسها. فى حديث مع صحيفة ليبراسيون الفرنسية يشير إلى أن هذا الوضع يشكل نجاحًا كبيرًا فى ضوء المنافسة الحادة مع مسرح القطاع الخاص الذى يتمتع أيضًا بخبرات وإمكانيات لا يُستهان بها لكنه يفتقد التمويل.
وجاء هذا النجاح فى رأيه بفضل الالتزام بتقديم أفضل الأعمال لجمهور المسرح التركى. 
كما أن مسيرة التطوير لن تتوقف وسوف يعتبر أن مسرح الدولة متراجع دائمًا أمام مسرح القطاع الخاص وبحاجة الى التطوير. وامتد التطوير إلى مسارح الدولة فى كل المقاطعات التركية وليس فى أنقرة أو إسطنبول فقط رغم ما تتكبده ميزانية الدولة من نفقات. هذا فضلًا عن إتاحة تذاكر المسرح بأسعار مناسبة للجميع. وهذا لا يعيب مؤسسة المسرح فكل الدول تدعم العمل الفنى فيها.

لغة الأرقام
 ويحتكم كارادوغلى إلى لغة الأرقام فيقول إن المؤسسة تجمع بين المسارح الثابتة وبين الفرق المسرحية المتجولة التى تعرض أعمالها فى أكثر من مدينة ما جعلها أكثر المؤسسات الثقافية نشاطا فى تركيا. ويقول إن المؤسسة كانت تدير 59 مسرحًا العام الماضى ارتفع عددها إلى 64 مسرحًا هذا العام، ويأمل أن تصل إلى سبعين مسرحًا فى العام المقبل، لأن افتتاح المزيد من المسارح أولوية تدعمها الدولة.
ويجرى حاليًا الإعداد لمسرح مملوك للمؤسسة فى مقاطعة «كارس» وآخر فى مقاطعة «هاتاى»، وهناك مسرح تابع للقطاع الخاص فى مقاطعة ديار بكير جنوب شرق تركيا يعود تاريخه إلى 40 عامًا. وهذا المسرح تفاقمت خسائره حتى أقدم أصحابه على التبرع به للمؤسسة ليصبح تابعًا للدولة.
ويحتكم إلى لغة الأرقام مرة أخرى وإلى إنجاز آخر فيقول إن عدد مشاهدى مسرحيات المؤسسة تجاوز العام الماضى مليونى مشاهد. ويعتقد أن هذا الرقم سوف يتحطم قبل نهاية العام الحالى بعد أن بلغ فى الشهور التسعة الأولى من العام 2,2 مليون. ويرجع ذلك إلى اختيار الأعمال المعروضة بعناية فائقة وإعادة تقديم بعض العروض الناجحة حتى لو كان القطاع الخاص قدمها من قبل.

مفتاح النجاح
ويرى كارادوغلى أن أهم مفاتيح نجاح المؤسسة تكمن فى نجاحها فى رفع درجة الاهتمام بالمسرح بين رجل الشارع التركى وبمعنى آخر بين الجماهير التركية وإقناعها بأن المسرح فن جميل هادف يقدم المتعة للجماهير عندما تحضر وتتفاعل مع الممثلين أمامها.
وهذا أمر له أهميته فى دولة لم يكن شعبها يهتم كثيرًا بالمسرح حتى سنوات قليلة مضت. من هنا كان العرض يقتصر على الأعمال التى يمكن أن يستمتع بها الجمهور. 
ويشير إلى أنه عندما تولى إدارة المؤسسة لم يكن عدد جمهور مسارحها يتجاوز مليونًا ومائة ألف فى السنة. والتحدى الرئيسى أمامه حاليًا هو أن زيادة عدد جمهور المسرح عامًا بعد عام. 
ويأمل عندما تنتهى رئاسته للمؤسسة أن يكون قد ترك أساسًا يساعد من حوله على زيادة عدد جمهور المسرح. والاحتمالات كبيرة فى بلد يزيد عدد سكانه عن 85 مليون نسمة.

غير ربحية
ويعود إلى الحديث عن المؤسسة فيقول إن أحد أسباب نجاحها تكمن فى إنها غير ربحية. فهى تقدم الخدمة المسرحية بعشر تكلفتها فقط. وغنى عن البيان أن الفن المسرحى مكلف بل مكلف جدا وهو ما أدى إلى إغلاق العديد من الفرق المسرحية الخاصة أبوابها بعد ن عجزت عن تحقق إيرادات توازى نفقاتها.
وفى ذلك يشير إلى هجوم تتعرض له المؤسسة والدولة بوجه عام بالخوض فى منافسة غير عادلة وغير متكافئة. وهذا هجوم غير موضوعى وغير مقبول لأن الثقافة ليست سلعة تقليدية يتم التعامل معها بحسابات الربح والخسارة بل هى خدمة ترتقى بحياة الشعوب. ويشير إلى أن أسعار تذاكر مسارح المؤسسة تكاد تكون شبه رمزية باستثناء مسارح انقرة واسطنبول وازمير.
ويقول أن هذه التكاليف لا تنفق بشكل عشوائى بل تراعى اعلى درجات الجودة فى الديكور وفى الملابس وفى النصوص نفسها وفى اختيار أفضل الممثلين لتوفير المتعة الفنية والثقافية للمشاهد بأقل تكلفة..وهذا امر لايستحق الهجوم. وهو على اية حال سوف يسعى لدى الدولة لتقديم معونات لفرق القطاع الخاص اسوة بما هو معمول به فى دول كثيرة. وهذا اقصى ما يستطيعه.
وقد تم استحداث برنامج “بطاقة الصغار” الذى يتيح لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما حضور العروض المسرحية لمدة عام مجانا.

مهرجانات
وتحرص المؤسسة على تنظيم عدد كبير من المهرجانات سنويا منها سبعة دولية واثنان محلية. وتحقق هذه المهرجانات نسب حضور قياسية مثل مهرجان انطاليا الذى زاد عدد رواده بنسبة 139% هذا العام بالمقارنة بالعام الماضى. 
والمؤسسة ليست منغلقة على تركيا بل تستضيف فرقًا أجنبية لتقديم عروضها المسرحية وتسافر فرقها إلى الخارج لتقديم عروضها. وهى تركز حاليًا على روسيا والدول الناطقة بالتركية. وتنوى قريبا إرسال بعض فرقها إلى الولايات المتحدة وكندا.
ويعكف كارداغلى حاليًا إعداد برنامج «جينج شان» الذى يهدف إلى تكوين أجيال جديدة من الممثلين والمخرجين وتنمية مواهبها كى تحمل راية المسرح التركى الحكومى والخاص، على حد سواء. 
وتعتمد المؤسسة على التعاون مع الجامعات التركية سواء لجذب طلبتها الى المسرح أو البحث بينهم على العناصر الواعدة من ممثلين ومخرجين وكتاب مسرح. 
ويقول إن المؤسسة لا تقوم عليه وحده وهو ليس صاحب القرار الوحيد. وعلى سبيل المثال هناك المجلس الأدبى للمؤسسة الذى لا يمكن عرض أى مسرحية على مسارحها إلا بعد إجازته إياها. ويستطيع أى مؤلف مسرحى تقديم إبداعاته لتقييمها إلى المجلس. 
ويعود كارادوغلى فيؤكد فى النهاية أن الفن خصوصًا المسرح وسيلة لتغيير المجتمع إلى الأفضل. وهذا الأمر يحتاج جهودًا مخلصة وإصرارًا وثقة بالنفس ومهارات فنية عديدة. 
ويكفى للتدليل على نجاحه فى إدارة المؤسسة أنها قبل أن يتولى رئاستها كانت تحقق 10 فقط جوائز فى الموسم الواحد، والآن حققت أكثر من مائة جائزة فى موسم واحد. 


ترجمة هشام عبد الرءوف