السينوغرافيا كسيرة ذاتية قراءة فى كتاب عايدة علام.. مسيرة علم حافلة بالعطاء

السينوغرافيا كسيرة ذاتية قراءة فى كتاب عايدة علام.. مسيرة علم حافلة بالعطاء

العدد 930 صدر بتاريخ 23يونيو2025

صدر كتاب “عايدة علام.. مسيرة علم حافلة بالعطاء” عن المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب، بتحرير الباحثة والكاتبة شيماء توفيق، ضمن إصدارات مؤسسة “س” للثقافة والإبداع. يقع الكتاب فيما يزيد على 120 صفحة، ويتوزع على ثلاثة أقسام رئيسية تغطى السيرة الذاتية للدكتورة عايدة علام، ومؤلفاتها النقدية، إلى جانب مجموعة من الشهادات الحية التى ترصد أثرها الإنسانى والعلمى. ويأتى الإصدار فى سياق تكريمى وتوثيقى لمسيرة واحدة من أبرز الأسماء النسائية فى مجال السينوغرافيا والممارسة الأكاديمية المسرحية فى مصر والعالم العربى.
فكرة الكتاب: يُعد هذا الكتاب تكريمًا توثيقيًا لمسيرة الدكتورة عايدة علام، الباحثة والمُصممة الأكاديمية فى مجال السينوغرافيا والمسرح، وأحد أعلام المشهد المسرحى والأكاديمى فى مصر. جاء الكتاب وفاءً لذكراها، وتقديرًا لإسهاماتها العلمية والإنسانية.
محتويات الكتاب:
الجزء الأول: محطات بارزة
يوثق هذا الجزء السيرة الذاتية للدكتورة عايدة منذ النشأة فى بورسعيد سنة 1949، مرورًا بتجربتها خلال العدوان الثلاثى وهزيمة 1967، ومرحلتها التعليمية من كلية الفنون التطبيقية، ثم عملها فى الثقافة الجماهيرية، وحتى زواجها من الناقد الدكتور حسن عطية ورفقة رحلته العلمية إلى إسبانيا.
كما يغطى عودتها للعمل الأكاديمى فى قسم علوم المسرح بجامعة حلوان، ووفاءها المهنى والإنسانى بعد وفاة زوجها عام 2020 وحتى وفاتها فى أغسطس 2024.
الجزء الثاني: مؤلفاتها
تعرض فيه الكاتبة شيماء توفيق ثلاثة كتب نقدية مهمة كتبتها الدكتورة عايدة علام، تركز على السينوغرافيا، وهى:
العزف على أوتار السينوغرافيا: سكينة محمد علي
عاشق الفضاءات المفتوحة: حسين جمعة
جماليات السينوغرافيا: الفنان التشكيلى حسين العزبي
وقد تناولت فى هذه المؤلفات السينوغرافيا بوصفها فنًا مركبًا جامعًا بين الفنون المسرحية والبصرية، واستعرضت تجارب روادها من خلال تحليل عميق وتوثيق نادر.
الجزء الثالث: كلمات وشهادات
يضم شهادات من زملاء وتلاميذ وأصدقاء الدكتورة عايدة، تُعبر عن أثرها الإنسانى والعلمى. وقد كُتبت معظم هذه الكلمات عقب وفاتها مباشرةً، وظلت دون تعديل، لتحتفظ بطابعها العاطفى الصادق.
الملحق: السيرة الذاتية، يشمل:
المؤهلات العلمية (بكالوريوس فنون تطبيقية - دكتوراه فلسفة الفنون من مدريد)
الوظائف (أستاذة ورئيسة قسم علوم المسرح بجامعة حلوان)
الإشراف والمناقشات الأكاديمية
الجوائز والتكريمات
مساهماتها فى مهرجانات محلية وعربية ودولية
الورش، المقالات العلمية، والندوات المتخصصة

 أهمية الكتاب: يُعد هذا الكتاب وثيقةً مرجعية تضيء مسار واحدة من أبرز الأسماء النسائية فى مجال السينوغرافيا والنقد المسرحى الأكاديمى. كما يعكس روح الوفاء لرموز الثقافة الذين أثروا الحركة المسرحية علميًا وعمليًا.
أبرز ما يميز الكتاب: تميز الكتاب بالأسلوب السردى الحى الذى يُبرز الجانب الإنسانى إلى جانب الإنجاز الأكاديمى. كما تميز أيضًا بالتوثيق الدقيق لمسيرتها الفنية من الطفولة حتى الوفاة. إضافة للاحتفاء بالتجربة النسائية فى مجال يُعد تقليديًا من اختصاص الرجال.
رؤية نقدية: يبرز للكتاب قيمة توثيقية مهمة حيث نجح الكتاب فى تقديم صورة بانورامية لتاريخ الدكتورة عايدة علام. اللافت أن السيرة لم تُعرض باعتبارها بطولات ذاتية أو سردية تمجيدية، بل جاءت فى سياق تاريخى وسياسى وثقافى حافل، ما أضفى على النص قيمة إضافية كمصدر للباحثين فى التأريخ الاجتماعى للمسرح.
ملحوظة: كان بالإمكان تعميق البنية السردية للفصول الأولى بتتابع درامى أكثر اتساقًا مع طبيعة الشخصية المسرحية، وإعادة ترتيب بعض الحلقات وفق منطق تطورى لا زمنى.
ومما يُحسب للكتاب أنّه أعاد الاعتبار لصوت نسائى فى مجال لطالما ارتبط بالذكورة (السينوغرافيا)، فظهرت الدكتورة عايدة علام كأول من يؤسس لوجود نقدى وفنى مغاير يعتمد على الإنتاج. لم تكن د. عايدة تشتغل على تمثيل المرأة فى المسرح، لكنها كانت هى نفسها نموذجًا حيا للتمكين الهادئ، ذلك الذى يصنع أثرًا دون ضجيج.
ويحتوى الكتاب على قيمة نقدية للمؤلفات حيث تضمن الكتاب عرضًا لثلاثة من مؤلفات د. عايدة علام، تدور حول تحليل جماليات السينوغرافيا لدى ثلاثة رواد. وتميزت هذه الدراسات بالعمق التحليلى الجمالى، والتحرر من النظرة التقنية الضيقة إلى نظرة فلسفية وظيفية، وإدماج التاريخ الشخصى للفنانين فى تحليل ممارساتهم، ما يجعل السينوغرافيا امتدادًا للسيرة الفردية.
لكن مما يؤخذ على هذا العرض للمؤلفات داخل الكتاب أنه اتخذ طابع التقرير أكثر من التحليل، وكان يُفضّل أن تُرفق كل دراسة بنموذج مصور أو تحليل مشهدى يثرى الفهم البصرى.
أما الشهادات فهى تشكل فى الجزء الثالث من الكتاب بعدًا وجدانيًا وإنسانيًا، حيث يُدلى أصدقاء وتلاميذ وزملاء الدكتورة عايدة بشهاداتهم التى تكشف عن أثرها الشخصى والعلمى. وهذا الجزء يضفى على النص طابعًا حسيًا دافئًا، ويجعل من التجربة الأكاديمية سردية وجدانية.
المنهج: اما من حيث منهجية الكتاب فقد اتبع عدة مناهج متداخلة فى تناول الفصول، حيث اعتمدت المؤلفة شيماء توفيق على التوثيق التحليلى مزجا بين السرد الزمنى للسيرة والتحليل النقدى لمؤلفات الدكتورة عايدة علام، إلى جانب منهج تشاركى يقوم على جمع الشهادات الحية من معاصريها. ويتميز بتوازنه بين الطابع الإنسانى والمرجعية الأكاديمية، ما يجعله نموذجًا فى تأريخ المسارات النسائية داخل المجال المسرحى والسينوغرافى فى مصر.
وأخيرًا يمكن القول إن هذا الكتاب يقدم تجربة مركبة لعلامة مسرحية مثلت قوة فنية وفكرية ناعمة. وعلى المستوى النقدى، يُعد الكتاب محاولة ناجحة لاستعادة السينوغرافيا كمجال إبداعى له استقلاله، وكذلك كنطاق لصياغة الذاكرة النسائية فى المسرح. وهو وثيقة مهمة أرى أن تُدرس فى الكليات والمعاهد المسرحية المتخصصة.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏