العدد 920 صدر بتاريخ 14أبريل2025
يُعدُّ المسرح التفاعلى شكلّا من أشكال التمرد على المسرح الكلاسيكى، حيث يعتمد على كسر “الجدار الرابع” - إذا جاز التعبير - عبر تحويل الجمهور من متلقٍ سلبى إلى شريك فاعل فى العملية الإبداعية. كما يُشجّع هذا النوع من المسرح الجمهورَ على التفاعل النقدى بدلّا من الاكتفاء بالمشاهدة السلبية.
ويُعتبر المسرح التفاعلى من أقوى وسائل الاتصال المباشر مع المشاهد، لما يتميز به من حيوية وموضوعية فى الطرح. كما أنه يهتم بإثارة القضايا والهموم المجتمعية، مع التركيز على الأبعاد المحلية التى تعزز الارتباط الوجدانى بين المتلقى والأداء المسرحى.
المخرج محمد علام: المسرح التفاعلى يتطلب ممثلّا لديه حضور ذهنى فائق
يقول المخرج محمد علام: إن تحضير العروض المسرحية التفاعلية عملية معقدة فى جوهرها، إلا أنها تبدو بسيطة فى الظاهر. ذلك لأنها تعتمد بشكل أساسى على طبيعة التفاعل، الذى يمكن تقسيمه إلى نوعين رئيسيين: أولهما: التفاعل المباشر بين الممثل والجمهور، حيث يغادر الممثل خشبة المسرح ليلتحم مع المشاهدين من خلال مشاهد حوارية أو حديث مباشر، مما يجعلهم جزءّا لا يتجزأ من العمل المسرحى ذاته. أما النوع الثانى فيتمثل فى طرح الأسئلة على الجمهور أو منحهم فرصة الاختيار بين بدائل متعددة، مما يعزز مشاركتهم الفاعلة ويجعلهم شركاء حقيقيين فى تشكيل مسار العرض.
ويكمل: هناك أشكال أخرى من التفاعل تعتمد على أدوات مساعدة، كاستخدام الأوراق أو وسائل مبتكرة تُضفى تنوعًا على العملية التفاعلية. لذا، فإن الإعداد للعروض التفاعلية يتطلب إدراكًا عميقًا لطبيعة هذه التجربة وكيفية توظيفها بإبداع.
ويوضح: يمكن للمخرج أن يبين للجمهور أن العرض المسرحى الذى سيُقدَّم لهم يقوم على التفاعل بينهم وبين الممثلين. على سبيل المثال، قمتُ بإخراج مسرحية ‘فوالتارين’، وهى عمل مسرحى تفاعلى بامتياز، كما سبق أن أخرجتُ مسرحية ‘الجريمة. وقد حققت هذه التجارب إنجازات لافتة وحققت نجاحًا كبيرًا.
ويردف: لا يخلو المسرح التفاعلى من التحديات، وأبرزها طبيعة الجمهور ومدى تقبله لهذا النمط من العروض. إلا أن تجربتى الشخصية أثبتت أن الجمهور كان متفاعلًا بشكل إيجابى فى الغالب، مع وجود حالات محدودة امتنعت عن المشاركة. هذه الحالات تحتاج إلى تعامل حكيم وفهم عميق، وأنا على يقين بأنه مع مرور الوقت يمكن تجاوز هذه العقبات.
ويختتم: المسرح التفاعلى يتطلب ممثلين من نوعية خاصة؛ فهم بحاجة إلى جرأة فائقة وحضور ذهنى قوى، إذ قد يواجهون ردود أفعال غير متوقعة من الجمهور. لذا، يجب أن يتحلَّى الممثل بفطنة عالية وقدرة على التكيف مع أى موقف. هناك ممثلون يتجنبون العمل فى هذا النوع من المسرح خشية مواجهة تحدياته، ولكننى أرى أن الممثل الذى يخوض غمار المسرح التفاعلى هو ممثل فذٌّ ومتميز بكل المقاييس.
لماذا يفضل الناقد والمؤلف طارق عمار الإشراك الجمهور فى صناعة العرض المسرحى؟
يقول الناقد والمؤلف المسرحى طارق عمار: أعتقد أنه يجب البدء أولّا بتعريف التفاعلية فى عالم المسرح، حيث نجد أن هناك تضاربًا حول هذا المفهوم. فهناك من يعرّف المسرح التفاعلى بأنه حالة من تفاعل الجمهور مع العرض المسرحى، بمعنى أن الحدث المسرحى نفسه يثير تفاعلّا وجدانيًا من قبل الجمهور
ويكمل: بينما يرى البعض الآخر أن التفاعلية تأتى من إشراك الجمهور فى صياغة العرض المسرحى، أى أن يلعب الجمهور دورًا فاعلّا فى صناعة العرض نفسه، سواء كان هذا الدور من خلال طرح تساؤلات أو اقتراح مواضيع أثناء الحدث المسرحى. وهناك رأى ثالث يرى أن التفاعلية تكاد تقارب فى معناها رقمنة المسرح، أى استخدام الوسائط الرقمية التفاعلية فى صياغة العرض المسرحى.
ويختتم: هنا يجب أولّا أن نتفق على تعريف واضح لمفهوم المسرح التفاعلى قبل إبداء أى آراء بشأنه. وإن كنتُ أنا شخصيًا أميل أكثر إلى الرأى الثانى، حيث إن الإشراك الفعلى للجمهور فى صياغة وصناعة الحدث المسرحى يحقق – من وجهة نظرى على الأقل – أعلى استجابة تلقائية من قبل الجمهور، وبالتالى يصبح الجمهور جزءًا لا يتجزأ من العمل المُوجَّه له فى الأساس.
الناقدة منار خالد: يجب أن تكون نصوص المسرح التفاعلى نصوصًا آنية
تقول الناقدة المسرحية منار خالد: أعتقد أن المسرح التفاعلى يحاول أن يكون حاضرًا على الساحة، ولكن بدرجة بسيطة، خاصةً من جانب فرق الشباب. ذلك بسبب محاولاتهم الدائمة للتعبير عن مشكلات عصرهم، التى بدأت مع عرض «1980 وأنت طالع»، ذلك الجيل الذى أدرك أن له صوتًا خاصًا لا بد من التعبير عنه. ومنذ ذلك الحين، توالت عروض مثل «سينما 30»، «+22»، وصولًا إلى اليوم. هذه العروض لم تكن تفاعلية بالمعنى الحرفى، لكنها كانت تحمل همّ التفاعل والتشابك مع اللحظة الراهنة، مما جعلها تنضم إلى عنصر التفاعل الذى تطور مع مرور الوقت. ونجد اليوم أن أغلب العروض تحاول إحداث تفاعل مع الجمهور، ليس فقط على مستوى التوحد مع الأطروحة، ولكن أيضًا على مستوى التفاعل والمشاركة الحقيقية البسيطة، مثل كسر الحائط الرابع ومخاطبة الجمهور بشكل مباشر، بل وصعود الجمهور أحيانًا إلى الخشبة.
أوضحت أمثلة العروض التفاعلية؛ مثل: كاسبر إخراج أشرف على، وحيث لا يرانى أحد لمحمد صلاح، وغيرهم نتاج ورش رقص معاصر وفرق مستقلة كعرض رقصة القرن لأحمد عادل مؤخرا، هذه العروض التى تحمل هما معاصرا، لابد من توحد الجمهور بشكل واضح مع الحدث أو على أقل تقدير أن يصتف مع الممثلين فى مقاعد واحدة أو كسر حدود الخشبة لحدوث التفاعل المقصود المحدود. والذى يحقق جزء بسيط من غرض التفاعل
وصرحت: ولكن على الرغم من ذلك، فإن التفاعل القوى والمسيطر من الجمهور، أو بمعنى آخر، أن يتحكم الجمهور بتفاعله داخل العرض ويؤثر فى مجرى الأحداث، لم يكن منتشرًا بالقدر الكافى. بل اقتصر التفاعل على ما ذكرناه سابقًا، وهو إشراك المتلقى لاستشعار الأزمة المعاصرة. والسبب فى ذلك يعود إلى عدة عوامل:
أولها، أن صناع العروض يحتاجون إلى مساحة إبداعية واسعة تسمح لهم بتقديم فكرة ما، ثم تغيير مسارها كل ليلة وفقًا لطبيعة الجمهور. مثل هذه الأفكار قد لا تحتاج إلى إمكانيات مادية عالية، لكنها تتطلب قدرات استيعاب واحتواء وسرعة بديهة فنية عالية للغاية.
ثانيًا، عدم توافر الأمن والأمان الكامل داخل أغلب مسارحنا. فإذا كانت الدفة فى يد الجمهور بالفعل، ولم يكن هناك تخطيط واضح لمسار الحدث أو رد الفعل، يصبح من الضرورى توفير كل الاحتياطات الأمنية لتأمين الصالة لباقى المتلقين وكذلك لصناع العمل.
وأخيرًا، ثقافة المتلقى ذاته فى التعامل مع فن من هذا النوع. فهى تتطلب جهدًا إضافيًا منا جميعًا حتى يتمكن من فهم هذا النمط الفنى. ليس المقصود بفهمه أن يصبح المتلقى ممثلًا أو مؤديًا مصطنعًا، بل أن يكون جزءًا أساسيًا من تحقيق التفاعل الحقيقى، بحيث يكون طبيعيًا ويعبّر عن شخصه بحق. ولكن فى الوقت نفسه، يجب أن يدرك حدود المكان الذى يتفاعل فيه، وأن يفهم طبيعة هذا الفن بالقدر الذى يحقق التفاعل دون تجاوزات جسدية أو لفظية.
وتابعت: المعايير التى يُعتمد عليها لاختيار نصوص تفاعلية هى أن تكون نصوصًا آنية، تحمل همّ وقتها وتعاصره، وألا تكون بعيدة عن أجواء المتلقى وما يشغله. يجب أن يستشعر المتلقى أنها جزء أصيل منه حتى يتحقق التفاعل. ولكن الأهم ألا يتعامل صُناعها على أنهم أشخاص أعلى أو متحكمين فى الجمهور. فى رأيى، إذا استشعر المتلقى أنه هو البطل وأن الأطروحة تخصه، سيحقق تفاعلًا مبهرًا. لذا، يجب على الصُناع أن يحكموا السيطرة، لكن دون توضيح ذلك بشكل فجّ، أو محاولة التقليل من شأن المتفاعلين.
واختتمت: ولكن لن تتحقق هذه المعادلة إلا بالأمان والوعى الكافى الذى ذكرته سابقًا. بالإضافة إلى إدراك مدى أهمية عنصر التفاعل لهذا الفن الآنى. فيجب اجتذاب جماهير حقيقية جديدة غير المتخصصين إلى المسرح، ومن ثم تقديم عروض متنوعة لهم حتى يتسنى لهم فهم طبيعة وأهمية التفاعل. ثم يجب إدراك أهمية عنصر التفاعل والتنفيس، بحيث يدرك كل منهما الآخر: المتلقى يعى أهمية ذلك الفن ويحب تلك المشاركة، ويشعر بذاته وبأهمية صوته ووجوده، والصُناع يدركون أكثر أهمية وجود الجمهور الحقيقى. ربما ذلك يغير من نظرة المسرحيين من الأساس، ويقلل من تركيزهم على المتخصصين فقط، ويحد من التوغل فى الاغتراب عن الجمهور العام الحقيقى.
جمهور المسرح التفاعلي: من متلقٍ سلبى إلى مشارك إيجابي
يقول المخرج محمود سعيد: دائمّا المجتمع بحاجة إلى المسرح المتصل بالمجتمع فى أى مكان، وتلك حالة قديمة متجددة لها جذور فى المسرح التسجيلى لدى إرفين بيسكاتور فى ألمانيا، وتجربة برتولت بريخت الملحمية منذ بدايات القرن الماضى. إذ إن هذين النموذجين أحدثا إرباكّا مسرحيّا للنموذج الأرسطى، عبر رصد تجربة المسرح خارج إطاره التقليدى، وعلاقته المستمرة بالحياة الاجتماعية. لذلك نجد أن نموذج المسرح التفاعلى بشكله الحديث له أصول قديمة متجددة، وهذا التجدد ما هو إلا نتاج للتقنيات الحديثة، سواء على مستوى النص أو العرض، والتى فرضت نطاقّا مغايرّا للعرض المسرحى. ومن ثم، توطين الصيغة المسرحية التفاعلية بوصفها وسيلة اتصال مباشر للتلقى والتفاعل، خاصة فى ظل الثورة الرقمية المذهلة.
وتابع: ولا يمكن لنا تجاهل أصل شديد الأهمية من جذور المسرح التفاعلى، وهو مسرح الشارع، الذى ارتبط بتاريخ عام 1968 فى أوروبا وأمريكا، والتطورات السياسية المذهلة التى حدثت فى تلك الفترة، ليخرج المسرح إلى الشارع متفاعلّا مع الجمهور بشكل مباشر.
أضاف: طريقة تحضير الممثل أو الأجواء الكاملة للعرض التفاعلى ليست غريبة، بل هى عادية جدّا كأى عرض مسرحى. المختلف فقط هو جاهزية الجمهور للمشاركة والتفاعل. وهنا نتحسس دورّا ملموسّا للجمهور، دورّا شديد الاختلاف عما كان عليه فى السابق؛ فهو لم يعد مجرد متلقٍ سلبى، بل أصبح دوره تفاعليّا إيجابيّا، دور المشارك الحقيقى. لذلك، فإن النص فى مثل تلك التجارب لابد أن يترك مساحات كافية وحقيقية للجمهور، وأكرر: مساحات حقيقية وليست مفتعلة أو جاهزة مسبقّا. لذا، على المخرج أن يكون واعيّا وفى حالة ترقب مع فريق الممثلين، ترقب مستمر للجمهور، كى تحدث حالة التوازن المطلوبة واللازمة لمثل تلك العروض.
استكمل: المسرح هنا يخاطب كل المراحل العمرية والطبقات الاجتماعية، راغبّا فى تحفيز طاقة المشاركة المجتمعية بشكل أكبر وأعمق. إذ إن اللعبة تتحول إلى ما يشبه البرنامج الحوارى، برنامج ينطلق أولّا من العرض الأول لفريق التمثيل، لندخل بعدها إلى العرض الآخر المكمل له، وهو التحاور المفتوح مع الطرف الآخر، أى المتلقى. لذا، يعيد المسرح التفاعلى صياغة النص بما يتماشى مع لعبة تمثل المواقف الحياتية واليومية على خشبة المسرح، وكأننا أمام أزمة ما. ويتم دعوة صناع العرض المسرحى مع الجمهور لإيجاد حلول إيجابية لتلك الأزمة.
واختتم: هنا نرى أنفسنا أمام الكاتب والمخرج فى حالة استنفار عام واستعداد مذهل لكل صغيرة وكبيرة. فهو فن الممكن والمحتمل والمفترض لدى الجميع. إنها لعبة نصفها مكتوب، والنصف الآخر متغير ومتطور، متوقع وغير متوقع، من جمهور مختلف الطبقات والأطوار. إنها تجربة مسرحية جديدة، ولابد من الوعى بكل مفرداتها، خاصة أنها لعبة قابلة للتجدد يوميّا، بل وللتغير بشكل كامل أحيانّا.
البحث المعمق: العمود الفقرى للمسرح التفاعلى والفن المعاصر
يقول المخرج أحمد صالح: المسرح الاجتماعى أو التفاعلى يُعد أداة قوية للتفاعل المجتمعى وإحداث التغيير الثقافى. يعتمد هذا النوع من المسرح على إشراك الجمهور فى العملية المسرحية، بهدف مناقشة قضايا تهدف إلى رفع الوعى وتحفيز العمل الجماعى، وتوحيد الجهود حول قضايا محددة. يُعتبر المسرح الاجتماعى ممارسة مسرحية تُستخدم فى سياقات غير تقليدية لتحقيق أهداف اجتماعية وتعليمية وثقافية. كما أنه أداة فعالة لتمكين المجتمعات المهمشة، وحل النزاعات، وتعزيز مهارات التواصل والتعاون بين الأفراد.
تابع: يختلف المسرح الاجتماعى عن المسرح التقليدى فى كونه لا يعتمد على الهيكليات الهرمية، ولا يقتصر على رؤية مخرج واحد أو وجهة نظر فردية. فبدلّا من ذلك، يعتمد على العمل الجماعى والتعاون بين المشاركين، حيث لا توجد أدوار محددة أو وظائف ثابتة، بل يتم العمل بشكل مشترك لتحقيق الأهداف المرجوة.»
أضاف: طريقة الإنتاج تبدأ برفع مهارات المشاركين من خلال سلسلة من التدريبات والألعاب، سواء كان المشاركون محترفين أو هواة. هذه الطريقة تطرح المواضيع وتطور المشاهد بشكل تدريجى. الجزء التفاعلى هو جوهر هذا النوع من المسرح، حيث يصبح الجمهور جزءًا من العرض المسرحى، ولا يبقى مجرد مشاهد سلبى، بل يشارك فى عملية السرد المسرحى. يعتمد هذا على تقنيات الارتجال، حيث يقوم المشاركون (وهم الجمهور) بتعديل الأحداث وتقديم رؤى مختلفة بهدف النقاش حول حلول ورفع الوعى.
صرح: الهدف هنا ليس إعجاب الجمهور بالمشهد أو التمثيل، بل إثارة التأمل والتفكير حول القضية المطروحة. هذه الممارسة الفنية قوية جدًا لأنها تحدث تغييرًا فوريًا. نحن نغير فى الوقت نفسه. إذا كان هدف المسرح هو التغيير، فإن المسرح الاجتماعى أو التفاعلى هو الأقوى فى تحقيق هذا الهدف، لأن التغيير يحدث أمام عينيك، حيث يتم رفع الوعى حول الموضوع. حتى المشاركون (الممثلون) أنفسهم يعملون على وعيهم من خلال تدخلات الجمهور، لأن هذه التدخلات تغير وجهات النظر والأفكار، حيث يتحول المخرج إلى مُوجِّه أو مرشد لعملية الإنتاج. هذه العملية تعتمد على كيفية تبنى الموضوع وفقًا للمنهجية المتبعة.
اختتم: البحث المعمق هو العمود الفقرى للمسرح التفاعلى، وهو ما يقوم عليه الفن المعاصر ككل. هذا البحث يشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية والسياسية المتعلقة بأى قضية. على سبيل المثال، إذا كنا نتحدث عن مشكلة النظافة، فأنا أحضر باحثين فى علم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد لدراسة القضية وإعطائى نتائج. بعد ذلك، أبدأ فى البحث الفنى حول الأداءات التى تؤدى إلى هذه المشكلة. لماذا يختار المجتمع هذا النوع من الأداء؟ كيف يمكن تصوير المشهد؟ وكيف يمكن تقديم الأداء؟ هذه النقطة مهمة جدًا فى المسرح الاجتماعى، فهو لا يقوم دون مرحلة البحث المعمق، ويجب أن يكون هناك تقاطع مع باحثين ودارسين جيدين. فى نفس الوقت، يجب أن يكون لدى الفنانين وعى عالٍ تجاه الموضوعات التى يتناولونها.
الدراما كأداة للتغيير: المسرح التفاعلى بين الفن والتوعية
تقول المخرجة عبير علي: أعمل على تحضير المسرح التفاعلى، وهو نوعان: النوع الأول يتمثل فى نص عادى جدًا، وبعد انتهاء العرض يتم إجراء نقاش مع الجمهور أو تنظيم مسابقة. فقد يكون النقاش حول أفكار العرض، حيث يقوم أحد الممثلين بأداء هذا الدور، أو قد تُنظَّم مسابقة لاختبار قدرة الجمهور على تذكر أحداث المشهد. يتطلب هذا النوع وجود شخصية «الجوكر» أو الممثل الذى يقود التفاعل، ويكون لديه القدرة على التواصل مع الجمهور. يجب أن يكون قادرًا على تحديد التوقيت المناسب للتدخل، وأن يكون مدربًا على إعداد أنواع مختلفة من الأسئلة التى تكون محددة، واضحة، ومفهومة، دون أن تترك مساحات كبيرة من الفراغ أو الغموض. كما ينبغى أن يكون لديه القدرة على إنهاء الحديث بشكل مناسب، وتشجيع الجمهور على المشاركة بجرأة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك آليات مُعدَّة مسبقًا لتحفيز الجمهور على التفاعل والمشاركة.
وتكمل: الشخص الذى يؤدى هذا الدور يجب أن يكون مؤهلًا بشكل جيد. أولًا، تُعَد الأسئلة بالتعاون مع المخرج أو الدراماتورج أو المؤلف، أو حتى مع الممثل نفسه الذى يؤدى الدور. يجب أن تكون الأسئلة محددة وواضحة، كما ينبغى أن يكون لديه القدرة على إدارة النقاش بحسم، والرد بذكاء على المواقف المختلفة، بما فى ذلك المواقف المحرجة التى قد يثيرها الجمهور. كذلك، من الضرورى أن يتمتع بخبرة فى الارتجال وخفة الظل، وأن يكون قادرًا على التواصل بشكل تلقائى ومرن. هذه هى الشروط الأساسية للشخص الذى يؤدى هذا الدور التفاعلى.
وتوضح: هناك أنواع متعددة من التفاعل فى المسرح، منها مسرح أوغستو بوال (مسرح المقهورين)، الذى يعتمد على مشاركة الجمهور فى تغيير الأحداث السلبية من خلال لعب أدوار مختلفة أو تعديل المشاهد. كما يوجد “مسرح جريدة الحياة” و”مسرح المناقشة”، وهما شكلان آخران من أشكال التفاعل التى تشجع الجمهور على المشاركة الفعالة. أما فى مسرح بريخت، فيُدعى الجمهور إلى التفكير النقدى من خلال كسر الإيهام المسرحى، حيث يدرك أن ما يراه هو مجرد عرض وليس واقعًا.
وتتابع: فى مسرح بريخت، يُحفَّز الجمهور على التأمل فى الأحداث وإدراك أن ما يراه هو مجرد لعبة مسرحية وليس واقعًا. أما فى المسرح الغامر، فإن الجمهور يشارك بشكل فعّال، حيث يدخل فى تجربة تشبه البحث عن كنز أو المشاركة فى محاكمة مسرحية. وفى مسرح أوغستو بوال (مسرح المقهورين)، يلعب الجمهور دورًا فى تغيير الأحداث نفسها، إذ يمكنه تجسيد إحدى الشخصيات لتعديل المشهد السلبى إلى إيجابى، سواء فى “مسرح الجريدة الحية” أو “مسرح الصورة الثابتة”. كما أن الجمهور يكون شريكًا فى النقاش، حيث يسهم فى تحليل الحدث أو تغييره نقديًا.
وأردفت: النوع الثانى من التفاعل يتم عبر التكنولوجيا، حيث يدخل الجمهور فى تجربة افتراضية (أونلاين) مع الممثلين، ويشعر وكأنه يتحرك داخل عالم افتراضى. تشبه هذه التجارب الألعاب الإلكترونية (الجيمز)، حيث تمزج بين عناصر المسرح الغامر، الذى يُغمر فيه الجمهور بالكامل، وبين استخدام التكنولوجيا الحديثة. وجدير بالذكر أن هذه الألعاب قد تكون مرتبطة بالمسرح أو مستقلة عنه، ولكن الفكرة الأساسية هى إشراك الجمهور فى التجربة بشكل كامل، سواء فى مسرحية أو فى لعبة افتراضية. هذا الشكل يُعد جزءًا من المسرح التفاعلى، حيث يصبح الجمهور عنصرًا لا يتجزأ من التجربة.
واختتمت: يجب أن يتمتع الممثل الذى يؤدى هذا الدور بعدة مهارات، منها القدرة على حل المشكلات، وإدارة النقاش بحسم دون استفزاز الآخرين، وتناول الموضوعات بطريقة موضوعية وحيوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مهارات الارتجال تعد ضرورية، وهى غالبًا ما تكون متوفرة لدى الممثلين المتمرسين، خاصة أولئك الذين يعملون فى مجال الكوميديا الشعبية والارتجال، حيث يتطلب هذا النوع من الأداء سرعة بديهة ومرونة فى التعامل مع المواقف المختلفة.
المخرج محمد الحضري: شخصية “الجوكر” القائد الخفى للحوار المسرحى التفاعلي
يقول المخرج محمد الحضرى هناك ألوان وأشكال متعددة للمسرح التفاعلى ولكن أحبذ الحديث عن مسرح المقهورين كنموذج، وسنتحدث أولًا عن أن الشخص الذى يخرج العرض بهذا الشكل - أى المخرج الذى يقدم عرضًا فى مسرح المقهورين - يكون مهتمًا بإبراز قضية تهم فئة معينة من الناس أو مجموعة محددة، تتضمن علاقة بين قاهر ومقهور. مثلًا، العلاقة بين مدرس وطلابه، أو بين ضابط ومواطن، أو حتى بين أب يقهر ابنته فى المنزل، وهكذا. إذن، تختار أولًا المكان الذى ستقدم فيه عرضك، وتحدد القضية التى تشغل الناس فى ذلك المكان.
تابع: بعد ذلك، تبدأ فى تدريب الممثلين على سيناريوهات متعددة. ما يحدث فى مسرح المقهورين هو أنك تعرض مشهدًا على المتفرجين، ثم تطلب منهم المشاركة فى كيفية جعل الشخص المقهور - كما ذكرت سابقًا، المشهد يعتمد على علاقة بين قاهر ومقهور - يتحرر من قسوة القهر الذى يتعرض له. تُدرّب الممثلين على نماذج وحلول كثيرة، كما تمنحهم المرونة الكافية لتقبل أى طلب قد يقدمه الجمهور، لذا يجب أن تكون لديك مرونة عالية، وهذه المرونة تتطلب منك فهمًا عميقًا للقضية التى تناقشها.
يوضح: هناك شخصية فى مسرح المقهورين تسمى “الجوكر”. ليس المقصود هنا الجوكر كما فى باتمان، بل الجوكر هنا هو حلقة الوصل بين الجمهور والممثلين على الخشبة. هو الذى يوجه التواصل، ويسيطر على الموقف إذا تجاوز الأمر الحدود المسموح بها. فهو الذى يضمن دائمًا بقاء رؤية المخرج حاضرة، لأن الجمهور قد ينحرف نحو موضوعات فرعية، أو يحاول تقديم حلول غريبة، أو حتى يتصرف بشكل غير متوقع.
يكمل: مثلًا، فى إحدى المرات، كان العرض يتناول قهر النساء فى المنازل، فسأل الجوكر الجمهور: “ما الحلول التى ترونها لإنقاذ هذه المرأة من القهر الذى يمارسه زوجها عليها؟” فقامت إحدى النساء من الجمهور محاولة ضرب الممثل الذى يجسد دور الزوج، لأنها رأت نفسها فى دور المرأة المقهورة. هنا يأتى دور الجوكر فى إدارة الحوار والسيطرة على الموقف.
يختتم: لذلك، لا بد من تدريب الممثلين على الارتجال وحسن التصرف فى جميع المواقف، مع ضرورة التمسك بالصدق العميق والإيمان بالتجربة التى يقدمونها، حتى يتمكنوا من التفاعل مع السيناريوهات المختلفة التى قد يطرحها الجمهور.