ذات والرداء الأحمر.. رسالة إلى الأبناء والأمهات والآباء

ذات والرداء الأحمر..   رسالة إلى الأبناء والأمهات والآباء

العدد 893 صدر بتاريخ 7أكتوبر2024

  قدم مسرح القاهرة للعرائس التابع للبيت الفني للمسرح العرض المسرحي ذات والرداء الأحمر وهو عرض مقدم للطفل والأسرة، من تأليف وأشعار (وليد كمال) وإخراج (نادية الشويخ) والعرض به تناص من الحكاية الخرافية ذات الرداء الأحمر أو ما يعرف في بعض النسخ ذات القبعة الحمراء والتي نشرت اول مرة من قبل شارل بيرو بفرنسا سنة 1698م، وهو تناص غير مباشر حيث أن الفتاة جميلة صغيرة السن ترتدي رداء مخمليا أحمر أهدته لها جدتها، ولم تنفذ نصائح والدتها وحادت عن الطريق وهو خط السير التي تسير فيه من منزلها إلى منزل جدتها، لكن المؤلف وليد كمال عالجها بشكل عصري يشتبك مع الواقع الاجتماعي  المعاش بعيداً عن الخرافات، والفتاة تدعي ذات (مايان السيد) جميلة وفي المرحلة الإعدادية وترتدي فستان أحمر أهدته لها جدتها (إسعاد يونس)، وتريد ارتدائه بشكل دائم مع العلم أنه فستان سهرة، وذات هي ذات الشيء نفسة، أما ذات عند المؤلف وليد هو أسم لفتاة ولذلك أضيف حرف العطف الواو فذات أسم وليس صفة، وتتمرد ذات على نصائح والدتها (هالة فاخر) لشعورها أنها كبرت، فإذا كان نص العرض به ملامح من التراث إلا أن المعالجة كانت عصرية تعزز من قدرة الطفل على مواجهة الصعوبات وتحديات الحياة في عصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات .
  عالج المؤلف قضية لتوعية وتثقيف الأطفال بمخاطر الشبكة العنكبوتية بصورة طبيعية وغير مباشرة، وهي قضية هامة وأرسل عدة رسائل، كانت الرسالة الأساسية في العرض للطفل هي أن لا تتحدث او تصادق أي أغراب سواء في الحقيقة او على السوشيال ميديا وأعمل أمان لكل حساب وهي المقولة المكررة على لسان بطلة العرض وعلى لسان الأم وكذلك في أغنية نهاية العرض (الفينال)” حرصوا دايماً من الاغراب وأعملوا لوك لكل حساب”،  كما وجه الكاتب بعض الرسائل للأطفال والأسرة بطريق بسيطة، وأرسال بعض النصائح للأطفال في صورة عمل درامي يوضح لهم مدى الأخطار التي تواجههم  في حال عدم سماع نصائح الأم والأب بأسلوب بسيط بعيداً عن الخطابة والنصح والإرشاد المباشر، كما يلفت نظر الأسرة التي أصبحت في عصرنا الحالي لا توجه النصح لأبنائها استنادا على أن أبنائهم على معرفة تامة بكل شيء في هذا العصر، عصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات ، كما أشار إلى أن الأطفال أصبحوا أكثر عدم قابلية للنصح والإرشاد من الأسرة فقد أصبح وعيهم الزائف أكبر من استقبالهم للنصيحة، وأنهم أصبحوا كبار نظرا لأثر التكنولوجيا عليهم، على الرغم من حداثة سنهم، فنجد الفتاة ذات في حديثها تقول أنها كبرت وأصبحت في المرحلة الإعدادية، وفي جملة واحدة تقول أنها ستذهب للثانوي ثم الجامعة وبعدها تتزوج وتنجب أطفال تكون مسئولة عنهم ، بمعني أن باقي السنين غير هامة في اكتساب الخبرات والتعلم وفهم الحياة، وأن وصولها للمرحلة الإعدادية هو قمة النضج، وظهر ذلك عندما كانت توجه نصائحها لشقيقتها الصغرى لامار (ريم طارق) وأنها أختها الكبيرة وتعرف وتفهم أكثر منها ولابد أن تسمع لها، وعلى عكس ذلك نجد ذات عندما توجه لها والدتها نفس النصائح وأنها خائفة عليها وعلى مصلحتها، تعترض وتخبرها أنها كبرت وتفهم كل شيء كما أنها حريصة على مصلحتها، ولا تتقبل نصيحة والدتها. 
  يوضح المؤلف أن وسائل التواصل الاجتماعي هو عالم افتراضي ولابد من أن لا تصدق كل ما فيه، ففي بعض الأحيان من يتواصل معك يكون شخص مخادع وكاذب، وإذا كنت تعرف هذا الشخص في الواقع فمن الجائز أن يكون حسابه قد سرق ويحادثك شخصا غيره، وقد ظهر من خلال العرض وجود شخصية وهمية تدعي غريب (سامي مغاوري) تعرفت عليه ذات عن طريق وسائل التواصل وأوهمها أنه مهتم بها مما دفعها أن تحكي له عن بعض تفاصيل حياتها وأوقات وأماكن ذهابها للدروس الخصوصية وأسماء مدرسي كل مادة في حوار بريء عادي جداً، مما جعلة يدبر خطة لخطفها واغتصابها، وفي نفس الخط الدرامي نجد اللصوص دياب وعضمه (عمرو رمزي وتامر فرج) تدبر خطة لسرقة حليها الذهبي، حيث أن ذات معروفة للجميع فهي تظهر في بث مباشر (لايف) على التيك توك، ويعكس ذلك الواقع المعاش بداخلنا كبار أو صغار وفكرة حلم الشهرة والثراء السريع من خلال منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، هذا الواقع الافتراضي الذي يذهب مع أول عاصفة بكل أمل وطموح الإنسان عند تعرضه لمخاطر الاستخدام غير الآمن لتلك الوسائل.
 ينقلنا المؤلف إلى السبب الحقيقي الذي دفع ذات للتحدث مع الشخص التي لا تعرفه، حيث أنه اهتم بها وسمع لها عندما كانت تخبره بأنها تريد ارتداء فستان السهرة الأحمر دائما الذي أعجب به المشاهدين عندما ظهرت به على التيك توك، كما أنها تريد أن تكون مشهورة وتصبح ذات الراء الأحمر في العصر الحديث، لكنه يبث سمومه ويخبرها أن أصدقائها خاصة صديقتها هبة (داليا طارق) التي تنصحها بأنهم يغيرون منها حتي تنفر منهم وتبعد عن مصاحبتهم، وبالتالي ينفرد بها وحدة، وينفذ مخططه، مع العلم أنها عندما أرادت أن تتحدث مع والدها (أشرف طلبه) البعيد عن الأسرة  والمقيم بخارج البلاد باحثاً عن العمل لجلب المال وإرسال احدث موبايل وسلسة ذهب لذات كما شاهدنا، والذي نسى دون قصد التواصل مع أسرته، فبلغها أنه مشغول في عمله وليس لديه الوقت الكافي للحديث، مما يعطي درس للأسرة أن البحث عن لقمة العيش ليست هى كل المأمول في الحياة، كما يرسل العرض رسالة إلى الأم بأن تتناقش مع ابنتها ولا تلقن  الأوامر فقط، ويتضح ذلك من خلال حوار ذات مع غريب:

«ذات: ده حتى ماما مش فهماني
غريب: طب ما أنا بفهمك وأسمحي لي إن لو فيه حاجة بتعميليها غلط أن أنا اقول لك رأيي وأقولك إنها غلط واتكلم معاكي لا أقنعك لا تقنعيني.
ذات: تعرف لو ماما بتتكلم معايا كدا زي مانت بتتكلم معايا أكيد أنا وهي كنا هنبقى صحاب زي مأنا وانت صحاب.»
  إن حوار الوالدين مع الطفل والترابط الأسري وسماع كلا منهم للأخر والتواصل الفكري والاحتواء والاحتضان والتربية على أساس صداقة حقيقة بين الأطفال والآباء والأمهات، وشعورهم بالحنان والدفء العاطفي مهم جدا في بناء مجتمع على اساس سليم فكانت هذه الرسالة للأباء والأمهات  ضمن رسائل العرض.
ضمن رسائل العرض أيضاً رسالة اختيار الصديق الحق، فعند اختيار صديق حقيقي من الممكن أن يكون طوق نجاة لصديقه في يوم ما عندما يتعرض للخطر كما فعلت هبة وأبلغت والدة ذات عن وجود ذات مع غريب على الرغم أنه كان سر بينهما، واعتذرت هبة لذات على إفشاء سرها، لكنها كانت مرغمة على ذلك لنجدة ذات من الخطر الذي وقعت فيه، واعتراف ذات بأن الصديق الحق هومن يمنع صديقه من ارتكاب الخطأ الذي يجعله يقع في مأزق ما.
ذكر المؤلف داخل العرض رقم التليفون واحد ستة ثلاثة أصفار 
وهو خط نجدة الطفل ووجه لهم الرسالة وكرر الرقم على لسان ذات ليتذكره كل طفل عند الحاجة ليكون بمثابة طوق نجاة للكثير من الأطفال.
 الرؤية البصرية للمخرجة:
لتحقق الرؤية البصرية كان الديكور (شادي قطامش) في عمق المسرح عبارة مستويان مستوي أعلى ومستوي أسفل، فنجد في المستوي الأسفل عدة مناظر موضوعة وسط عمق المسرح لتعبر عن مكان الحدث فنري غرفة نوم أطفال خاصة بذات واختها لامار، ومنزل الجدة من الداخل والخارج وعلى يمين منتصف المسرح مكان معيشة غريب، هذا الرجل المسن الذي أوقع ذات في قبضته لينال منها، وينزل من السوفيتا بمنتصف المسرح منظر الغابة المهجورة الذي حدده غريب لمقابلة ذات حتي يحقق رغبة دون أن ينقذها أحد،  وينفرد بها اللصوص أيضاً في هذا المكان لسرقتها، وفي المستوي الأعلى بمنتصف عمق المسرح نري علبة من الخشب شد عليها من الأمام بلاستيك شفاف، جلست بداخلها ذات ويعبر المنظر عن شاشة تمثل شاشة  موبايل أو تابلت تظهر من خلاله ذات لتعرض بث مباشر (لايف) على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تم عرض بعض الصور فيمثل صورة والد ذات عندما كانت تتحدث معه عبر الانترنت وبجوارها في اليسار واليمين برواز مائل رسم على كلاً منهم جميع وسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك، توتير، أنستجرام، جوجل، واتساب).
دمجت المخرجة بين العرائس والتمثيل البشري، فشاهدنا ذات من خلال مستوى الديكور الأعلى وهي تجلس في البث المباشر وكأنها تتحدث ويتفاعل معها المتلقي من خلال شاشة الموبايل، كما تدخل الفتاة البشرية وتجري حول ديكور الغابة وتظهر وتختفي للدلالة على أنها تجهل المكان ولا تستطيع النجاة لتعطي ثراء للصورة بتعبيراتها بالوجه وأن هذه فتاة حقيقية وليست عروسة تساعد على اندماج المتلقي مع العرض.
من وجه نظرنا والتي تحتمل الصواب أو الخطأ فالفن ذائقة ولكل منا ذائقته رأيت المخرجة تدمج بين العرائس والفتاة البشرية في نهاية العرض لتكون نهاية سعيدة وتصل رسائل العرض، فكانت الفتاة بحجمها الطبيعي وباقي الموجودين على المسرح عرائس ذو أحجام صغيرة لدرجة أن الفتاة جلست على الأرض فكان الشكل الجمالي غير مناسب، وكان من الممكن استبدال العرائس بعناصر بشرية، أو ظهور لاعبي العرائس مع العرائس للجمهور مع عمل رقصات استعراض مع الغناء ليتفاعل الطفل بشكل افضل مع نهاية العرض ويخرج يغني وسعيد بالعرض. 
  أما الموسيقى فكانت الألحان (هاني شنودة) والمكساج وموسيقى تصويرية (شريف الوسيمي) فكانت إضافة للعرض ومن هذه الأغاني (أنا نفسي أكون أكون مشهورة ... أنا نفسي أكون اكون معروفه) وفيها تتخيل ذات أنها لو تبقى ملكة جميلة، أو يطلع لها ساحر جني يقول لها أطلبي وأتمني، فهي تتمنى أن تكون مشهورة، وتكون معروفة، و(أنا ذات أنا هي ذات  أنا بطله الحكايات ... في الفيس جميلة) فالأغاني تحكي عن العصر الحديث ، كما اشتبك المؤلف بالتناص مع بعض الأغاني من التراث، استقى منها المذهب، ثم بتطويره بشكل عصري مثل (فتحي ياوردة ... اقفلي ياوردة) فقال (فتحي ياوردة من الأغراب.. قفلي ياوردة عليكِ الباب، فيس بوك توتير ولا واتساب ... أصله يا بنتي عذاب وخراب)، و (بابا جاي أمتى ... جاي الساعة سته) فقال (بابا جاي أمتي ... جاي في شهر سته، راكب ولا ماشي ... إن شال الله ببسكلته) المهم ان يأتي الأب المغترب عن أسرته للبحث عن لقمة العيش وكانت أغنية غلب عليها طابع الحزن لعدم وجود الأب فالجميع ينتظر قدومه
إضاءة (أبو بكر الشريف) كانت مناسبة للحالة الدرامية فنجد إضاءة خافته في الغابة عندما اصبحت ذات في خطر، وإضاءة قوية في منزل ذات ومنزل جدتها، كما سلطت الإضاءة على أماكن تواجد غريب وعضمه وإضاءة من داخل الشاشة،
أزياء (هدي السجيني)، نحت (محمد أمين) فكان شكل العروسة مع الملابس والأداء الصوتي مناسباً ومعبراً عن أبعاد كل شخصية.
أما استعراضات (مصطفي حجاج) حققت الغرض المطلوب 
كل التحية لفناني مسرح القاهرة للعرائس (ياسر عبدالمقصود – عماد أبو سريع – هشام طلعت – سيد رستم – محمد فوزي – محمد سلام – محمد لبيب – سحر منصور – مروة مبارك – أيمن حسن – علية مسعد – عمر عبد اللطيف – نادية الشويخ) والشكر واجب لمدير مسرح القاهرة للعرائس الفنان الدكتور (أسامة محمد على) وكل من ساهم لخروج هذا العرض للنور.


جمال الفيشاوي