العدد 874 صدر بتاريخ 27مايو2024
نتالي فيين غيران Nathalie Vienne Guerrin باحثة وناقدة فرنسية متخصصة في الدراسات الشكسبيرية تعمل أستاذة في جامعة بول فاليري مونبلييه 3 وهي عضو في مركز البحث حول النهضة والعصور الكلاسيكية والتنويرIRCL، من أهم كتبها: «اللسان المتمرد في إنجلترا الحديثة: ثلاث مقالات» 2012، و«شتائم شكسبير: قاموس عملي»2016، و«تشريح الشتائم في عالم شكسبير» 2022.
في هذا الحوار تجيب الباحثة عن موقع شكسبير من المسرح العالمي اليوم وما إذا كان ينفتح على أسئلة الراهن رغم مرور أكثر من أربعمائة سنة على وفاته، تعتقد الباحثة أن مسرح شكسبير وهو بالنسبة لها –كما ستعطي نماذج على ذلك- يجسد في مسرحياته كل الأسئلة التي تهم عصرنا.
عن مجلة Lire، عدد خارج السلسلة رقم 16، مارس-مايو 2024
كيف تفسّرين أن يكون شكسبير الكاتب الأكثر قراءة وأداء في العالم؟
ناتالي فيين غيران: يعود الأمر إلى الانفتاح الكبير لنصوص شكسبير الكبير، تتحدث زميلتي فلورانس مارش Florence March عن «تكيّفية» adaptogénie، أي عمل يتكيف بسهولة، نجد قليلًا من الشروط المبيّنة في هذه النصوص، تم كتابتها لمسرح مجرد بأقل قدر من الديكور والملحقات، يستهدف هذا المسرح الجميع، الأغنياء والفقراء على حد سواء، فهو مليء بمداخل مختلفة تقدّم عدة مستويات للقراءة. المواضيع المُعالجة عالمية: الحب، وعلاقات الرجل والمرأة، والسلطة، والموت، والشيخوخة، أو الإنسان. في كتابها «لماذا شكسبير؟» (2007) تشرح كاترين بيلسي Catherine Belsey أن شكسبير يستمد حبكاته من الحكايات الشعبية والأساطير التي تُعتبر مادة مشتركة بين الثقافات، مع قصص العائلة والسلطة وهي أساس المسرح الشكسبيري. وفي الواقع فإن شكسبير هو الكاتب الأكثر تكيفًا (بلغة فلورانس مارش) أو اقتباسا للشاشة حيث يعد عدد اقتباساته هائلاً وظاهرة عابرة للثقافات.
ما هو أغرب اقتباس شاهدته؟
ناتالي فيين غيران: هناك اقتباسات لأعمال شكسبير في أفلام إباحية، درس ريتشارد بيرت Richard Burt هذا الجانب من خلال وضع الأحرف xxx في عنوان كتابه «شكسبير: مالا يمكن التعبير عنه» Unspeakable Shaxxxspeares (1998)، حيث استكشف الثقافة التي يتحول فيها «حلم ليلة صيف» وهو أحد أعمال شكسبير إلى «حلم ليلة صيف بالكريمة»، يتواجد شكسبير في أكثر الأماكن المحرجة في الثقافة، بجدية أكبر، هناك درجات متفاوتة من الاقتباس: من الإشارة البسيطة إلى الاقتباس الحقيقي لثقافة مختلفة، شاهدت عرضًا لمسرحية «هاملت» يستمر لثلاثين دقيقة فقط، بالإضافة إلى عروض لجميع أعمال شكسبير التي أنتجتها فرقة «رديوسد شكسبير كمباني» Reduced Shakespeare Company (الفرقة المعروفة بتقديم مسرحيات شكسبير بطريقة مختصرة وبأسلوب كوميدي)، لديك شكسبير مقتبسًا في القصص المصورة وفي المانغا وباستخدام لغة SMS، كل ذلك يتوافق مع تسويق النص الشكسبيري.
ماذا يجد الإنسان المعاصر في نصوصه؟ وما مدى تشابه مجتمعاتنا معها؟
ناتالي فيين غيران: إنها قصص جيدة، قابلة للنقل، قابلة للتعديل، قابلة للتكييف، يجد فيها الإنسان المعاصر صورًا للعالم الحالي، نذهب إلى المسرح مع شكسبير لنرى العالم، والعالم هو مسرح، وليس عبثًا أن مسرح شكسبير يُسمى غلوب. في مسرحية «كما تشاء»، يصوّر جاك المراحل السبع للحياة كسلسلة من أدوار المسرح فـ»العالم بأسره مسرح، والرجال والنساء مجرد ممثلين لديهم مداخلهم ومخارجهم، يلعب الإنسان أدوارًا مختلفة خلال حياته، وأحداث المسرحية هي السبع مراحل» (الفصل الثاني، الفصل السابع). يُوجّه شكسبير كلامه إلى مجتمعات تتأثر بقضايا السلطة وتجاوزاتها، مثل المراقبة في مسرحية «الصاع بالصاع» على سبيل المثال، تتحدث هذه المسرحية أيضًا عن التحرش الجنسي إذ يقوم أنجيلو بابتزازٍ مشينٍ لإيزابيلا لإقناعها بالاستسلام له، وجزء من الحبكة يعتمد على هذا الابتزاز، يتناول أيضًا الاستخدام السياسي للصورة في «ريتشارد الثالث» عندما يحاط باثنين من الأساقفة ليتوّج نفسه ويتلاعب بالشعب، ويقدّم شكسبير بالطبع مسألة السلطوية الأبوية على الأبناء، البطريركية، كما في «الملك لير» أو «روميو وجولييت» وكذلك الصراعات الدينية في «تاجر البندقية».
لقد قمتم بمناسبة الذكرى الأربعمائة لوفاته بتنظيم برنامج أكاديمي حول الأهمية المتجددة لأعماله وعلاقتها بأوروبا وأنتم تعملون أيضًا مع الجمهور التابع للمدارس.
قمنا في مونبلييه -ضمن مركز البحوث الذي أنتمي إليه IRCL (معهد البحوث حول النهضة والعصر الكلاسيكي والتنوير)- باستغلال عام 2016 الذي شهد الذكرى السنوية الأربعمائة لوفاته من أجل تقدير مساهمة شكسبير في مجتمعنا، لقد تواصلنا مع الجمهور العام وبخاصة الشباب الذين يتبنون نهجًا متناقضا تجاه شكسبير، إنه يثير فيهم نوعًا من الإعجاب والرهبة، إنهم يخشونه، ولكنهم عندما يتعرفون عليه يجدون أعماله ذات أهمية كبيرة. زميلتاي فلورانس مارش Florence March et وجانيس فال روسيلJanice Valls Russell تقومان بتطوير برنامج مع معلمي المدارس الثانوية الذين يقومون بتجسيد وأداء مسرحيات شكسبير. وبالإضافة إلى ذلك، قمنا هذا العام بإطلاق مشروع «وجوه جديدة» في إطار برنامج إيراسموس، لتشجيع طلاب الدراسات العليا والدكتوراه الأوروبيين على التفكير في موضوع «شكسبير والأزمة».
ماذا يقول لنا شكسبير عن الأزمة الأوروبية التي شهدتها في وقت البريكسيت؟
في إطار هذا البرنامج، نظمنا مؤتمرًا حول السؤال: «ماذا يمكن أن يفعل شكسبير من أجلنا؟ ماذا يمكن أن نفعل بشكسبير؟» بالنسبة لأوروبا، أود أن أذكر مثالًا من مسرحية «سيمبلين»، حيث لا يرغب البريطانيون بدفع جزية لروما، وهي نفس الآلية التي شهدناها في حالة البريكسيت: ندفع ولا نحصل على شيء بالمقابل. إذا كان هناك شيء عابر للثقافات فهو شكسبير، إنه قادر على أن يبقى مجالا لحوار الثقافات، شكسبير ترعرع في الثقافة الأوروبية وتستند أعماله على العديد من المواضيع والمراجع القديمة المأخوذة من الأدب اليوناني والروماني وهذا ما يسمح بتجاوز القومية.
ما الذي يمكن أن يفعله شكسبير لمساعدتنا في فهم أزمة الهجرة والإرهاب؟
أخرج ريتشارد إير Richard Eyre «الملك لير» عام 1998 لصالح البي بي سي، حيث قام أنتوني هوبكنز بدور لير وإيما تومبسون بدور غونيريل، ووضعت المسرحية في مجتمع ما بعد البريكسيت مع إشارات إلى معسكرات اللاجئين، يتجول لير خلال معظم المسرحية، هذه المسرحية تحدثنا كثيرًا حول الأمر، قبل أزمة الهجرة لم أكن أقرأها بنفس الطريقة، الآن أرى في الملك لير المنفيّ، الغريب في بلاده، وجدت هذا العرض بعد البريكسيت وبعد أزمة الهجرة ذا صلة متقاربة تمامًا، أما بالنسبة للإرهاب فيمكننا العثور على علاقة مع الموضوع في «مكبث» مثلا مع القتلة الذين يستعين بهم مكبث لقتل عائلة، يشرحون أنه بأيّ حال من الأحوال وبناء على ما تقدمه لهم الحياة فإنّ العيش أو الموت بالنسبة لهم هو الشيء نفسه، يوفر هذا بعض التوضيحات حول فكرة الانتحاريّ، يبدأ المونولوغ في «مكبث» بفكرة أن «الحياة قصة ترويها مجنون مليء بالضجيج والغضب الذي لا يعني شيئًا»، هذا النص هو تأمل في فقدان معنى حياتنا والتشاؤم المطلق الذي يؤدي إلى العدمية.
ماذا يمكن قوله عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي؟ وعن التلاعب؟
«جعجة بلا طحين» مسرحية مثيرة للاهتمام حول هذا الموضوع، ففي عصر شكسبير كانت الافتراءات تُلاحق الناس. وكانت النساء هي أكثر الفئات تأثرًا بها في عدة من مسرحياته، وكان شكسبير يتناول هذا الموضوع بشكل مكثف، نجد في «جعجة بلا طحين» العديد من الآليات المشابهة لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتباعك لكلمة واحدة قد يهلكك.
لنتحدث عن الشخصيات: يمكن لريتشارد الثالث أن يذكر بعض الناس بترامب، لكن ماذا عن هاملت؟ فالستاف؟ مكبث؟ هل يمكن أن نجد تشابها بين شخصيات شكسبير والشخصيات الحالية؟
هاملت قد يمثل بعض المكتئبين الحاليين، إنه تجسيد للكآبة مع هذا السؤال الذي يجب أن يطرحه العديد منا عندما نكون على حافة الانهيار النفسي «أن أكون أو لا أكون»، ما هو الأكثر شجاعة؟ فالستاف هو واحد من شخصياتي المفضلة، فالستاف هو أحد شخصياتي المفضلة. إنه يمثل عالم اللذة المضاد لعالم الأداء والكفاءة، لذلك فهو ثمين ويمثل في النص الشكسبيري العالم القديم مقابل العالم الجديد، إنه قوي وهش في الوقت نفسه.
ماذا عن الشخصيات النسائية؟
في الكوميديات الرومانسية مثل «جعجة بلا طحين» أو «عذاب الحب الضائع»، على سبيل المثال، نجد النساء مليئات بالذكاء ويلقين الضوء بسعادة على صراع الجنسين، يمثلن نساءً قويات مثل بياتريس التي تقول في لحظة ما: «ليتني كنت رجلاً!» كما يمكننا التفكير في كاثرين في «ترويض الشرسة» حيث يُفترض أن تُروّض بيترتشيو بعنف، ولكن يمكن تفسير كلماتها الأخيرة بطريقة ساخرة: «زوجك هو سيّدك، حياتك، حارسك، قائدك، ملكك، الذي يعتني براحتك ومعيشتك، الذي يتحمل عبء العمل الشاق على البر وفي البحر، الذي يسهر ليلاً بمفرده في العواصف، ونهارًا في البرد الشديد، بينما أنت تستريحين بسلام ودفء في منزلك» (الفصل الخامس، المشهد الثاني)، يمكن تفسير هذا الجزء بطريقة ساخرة ونسوي أو عدم تفسيره هكذا، في «مكبث»، نجد زوجين يذكّران بزوجَي «هاوس أوف كاردز» (السلسلة التلفزيونية الشهيرة)، فهما دائمًا شخصيتان معقدتان، بالنسبة لليدي مكبث، هناك جزء أصبح مرجعًا: «كم عدد الأطفال لدى الليدي مكبث؟»، يمكن إعادة تأويل النص على ضوء الأسئلة المتعلقة بالأمومة فنجد أنّ اليأس غالبًا ما يكمن خلف الشر، وهناك أيضًا الشخصيات التي تتنكر، وهذا يثير التساؤل حول الجنس. ففي مسرحية «كما تشاء»، تُجسَّد روزاليند شخصية نسائية تُؤدى في تلك الفترة من قبل رجل يجسد دور امرأة ويتنكر كرجل في المسرحية. يمتزج الذكور والإناث في النهاية ليقولا: لنكن ما نريد. بلا شك فإن هذه المسرحية تمثل أفضل تعبير عن انفتاح النص الشكسبيري والحرية التي يقدمها لنا، بغض النظر عن ثقافتنا.