هل نحن بحاجة لعروض تعبر عن البيئات والمواقع المختلفة؟

هل نحن بحاجة لعروض تعبر عن البيئات والمواقع المختلفة؟

العدد 872 صدر بتاريخ 13مايو2024

المسرح يعكس صورة المجتمع ويقول مالا يستطيع المواطن أن يقوله فهو يوجه رسائل ويزرع تساؤلات لدى الجمهور مما يغرس فيهم القيم ويغير السلوك فللمسرح قدرة كبيرة على التأثير فما بالنا بمسرح الثقافة الجماهيرية الذي يعد خط الدفاع الأول في كل أقاليم مصر وهو دور شديد الأهمية ينبغي الاهتمام به، وكذلك ينبغي الاهتمام بجمهور الأقاليم والاقتراب من البيئات المختلفة بتقديم نصوص تحاكي هذه البيئات المختلفة، وتأكد على هويتنا وتراثنا العريق اختلف المسرحيون حول هذا الأمر ما بين أهمية تقديم عروض ملائمة للمواقع والبيئات المختلفة وبين حق المبدع في طرح رؤيته بشكل يتناسب مع البيئة التي يقدم بها العمل مع ضرورة الاهتمام بالمضمون الإنساني، وكذلك اختلاف المرحلة الآنية ومقتضياتها وذلك مع التطور التكنولوجي المتلاحق أصبح الجمهور يعي كل القضايا ومن الصعب أن نكون أوصياء على جمهور الأقاليم فذلك يعد خطاب ثقافي متطرف خصصنا تلك المساحة لنتعرف على الآراء المختلفة من المسرحيين حول تلك الإشكالية.
كيف نقدم مسرح يتفاعل معه الجمهور؟
قال الكاتب المسرحي أشرف عتريس في هذا الصدد :أنا شخصيا كمؤلف مسرحى أحبذ ان يكون النص نتاج البيئة بما فى ذلك الجو العام والشخوص والقضايا واللغة ،هذا يكون أقرب إلى المشاهد العادى والمتفرج النوعى وتنجح عملية التواصل بما يقدم على الاستيدج حتى لو مكان مفتوح وبين الجمهور،  وهو المستهدف بالطبع من عمل أى عرض مسرحى . فى حين ان هناك من يختار تيمة مسرحية من الادب العالمي ويقدمها ولا خلاف على ذلك المهم ( الحرفية) والاداء المقنع وطرح قضية يقبلها ويتفاعل معها الجمهور بلغة طبعاً مترجمة أو تم تعميمها وهذا جائز أيضا ً. الفكرة كما قلنا كيف نقدم مسرح يتفاعل معه الجمهور بأى شكل واسلوب مخرج وقدرات فرقة فى التمثيل وباقى عناصر العرض المسرحى الناجح  هذه هى مقومات عروض الثقافة الجماهيرية التى تكسب شرائح جماهيرية فى القرى والنجوع والكفور وحتى المدن بمجرد ان تطرح قضية تمسها وتعبر عنها هذا رأيى وانا مازلت أحب تلك النوعية من العروض القريبة من البيئة والتى تعبر عن اهلها وقضاياهم واحلامهم بشكل مسرحى وفنى وليس خطابى ولا مباشر .

من الضروري توجيه المسرح للجميع
فيما أكد الناقد والباحث د. محمود سعيد أن المسرح للجميع وفي هذا الصدد ذكر قائلاً: المسرح المصري بأى مكان أو زمان يخاطب المواطن بلا اي تميز، فمن غير الطبيعي في هذا التوقيت ان يتم توجيه خطاب مباشر لجمهور ما او تحديد رسالة ما لمتلقي نوعي في ظل انتشار مرعب لشتى مواقع التواصل الاجتماعي بم تحتويه من مواد منوعة.
ومن الملاحظ أيضا انتشار لعبه التمصير أو التعريب في ظل لعبه الدراماتورجيا في عروض المسرح المصري باختلاف المواقع سواء قصور الثقافة او الجامعة او المسرح الخاص وغيره، لنري انفسنا أمام ما يسمي بمسرح الجميع إذ ان من الضروري توجيه المسرح للجميع ،جميع طبقات المجتمع في مختلف الأماكن.
لكن هذا لا ينفي ايضا انه ضروريا مراعاه استخدام الموروث الشعبي لكل منطقه خاصة أن بمصر تنوع ثقافي شديد جدا مابين الدلتا والصعيد والبدو ومنطقة القناة ولكل منطقه موروث شعبي مميز يجب الحرص علي استغلاله مسرحيا للتعريف بثقافة كل منطقه والتحاور معها بشكل ملموس يكفل الحفاظ علي تراث كل منطقة ويساعد علي انتشاره بشكل مميز، لذلك اعتقد أنه لا شروط معينه لنص ما إذ يتكفل المخرج باختيار ما يناسب قناعاته الفنية ورؤاه المسرحية ،ايضا يجب الحرص علي ان يكون المسرح موجها للجميع.

دائما ما ينظر بعض ابناء العاصمة إلى مبدعي الأقاليم انهم كائنات أدني في المكانة والوعي
فيما رأى المخرج والناقد محمد النجار عدة أمور هامة في فكرة تقديم عروض تتناسب وتلائم البيئة فذكر قائلاً: مع تغير مفردات الثقافة تغير الجمهور نفسه وتغيرت ذائقته واحتياجاته وثقافته وعلاقاته الاجتماعية بل وذابت الفوارق الثقافية بين الطبقات والثقافات لانتشار الانترنت بشكل خاص و وسائل الاتصال الجماهيري بشكل عام واري ان كل العروض قد تصلح لكل المواقع أن تم دراسة الجمهور المتلقي دراسة علمية حقيقية وتم اختيار النصوص اختيارا يناسب الإنسان في معناه المجرد والبعد عن القوالب الجامدة، والاتجاه لقراءة آليات التلقي قبيل انتاج العرض للمتلقي إلا انه مازال المنظرين والأوصياء في كثير من الأحيان يفرضوا الوصاية علي جمهور الأقاليم وكأن هذا الجمهور يعيش في حقبة القرون الوسطي فلابد أن ينتج مسرح صعيد مصر عروضا تتشكل بالعصي والخوص ولابد أن تنتج الأقاليم الريفية عروضا تندب حظ الفلاح النمطي المعروف في أفلام الأبيض والأسود والغير موجود في الواقع حاليا،  وان وجد فهو نادر الوجود ويتجاهل الأوصياء النظر الي كم المتغيرات الحادث علي كافة الأصعدة ثقافيا واجتماعيا هنالك بالطبع ثوابت لا يمكن كسرها في المجتمع خاصة الثوابت الدينية كما أن الخطاب الثقافي المتطرف غير مطلوب بالمرة بل وغير مرغوب فيه،  ولكن ما يضير أن تقدم الاعمال المسرحية العالمية في اقصي الصعيد او في اقصي المحافظات الريفية ان تلائم الخطاب الأيدلوجي والديني والثقافي مع عادات وتقاليد المجتمع المجردة ما يضير أن تقدم اعمالا لشباب الكتاب عن معاناة الانسان في علاقاته بالأنا والاخر في الصعيد مثلا او في الاقاليم البعيدة عن العاصمة.
وأكمل قائلا: لقد استأثرت العاصمة بكل الحرية وتم قولبت باقي المواقع في قالب العمة والعصا وأبراج الحمام والخوص والبوص والجلباب الفلاحي واللكنة الشبه منقرضة، ودائما ما ينظر بعض ابناء العاصمة مبدعين ونقاد الي مبدعي الاقاليم انهم كائنات ادني في المكانة والوعي والثقافة وغير جديرين بتناول اعمال الكتاب العالميين؛  لأن جمهور الاقاليم غير مؤهل لتذوق العروض المسرحية صاحبة الخطاب الإنساني وان التراث الثقافي الصعيدي او الريفي اولي بالتناول وخروج مبدعي الاقاليم عن الإطار المؤطر من الأوصياء يعد انتهاكا لمعايرهم  في حين يعي مبدعو العاصمة ان النصوص التراثية قليلة ان لم تكن نادرة لقد تغير الانسان وتغيرت احتياجاته وذائقته وقولبة الإنسان قسرا ينتهك حقوقه وحريته.

يجب تقديم الأعمال التي تتحدث وتشكل هوية المكان
فيما أشار المخرج مجدي الشريف قائلاً: أن من أهم أهداف تقديم العروض المسرحية هو التأثير المباشر على المتلقي الذى يبحث عن قناة تنقل همومه ومشاكله واحتياجاته وتسعى معه إلى تطويــــــر حياته والنهوض بالمجتمع الذى يعيش فيه.
ومن هنا كانت أهمية تقديم الأعمال المسرحية التي تتناسب مع متلقى هـــــذا المكان،  والتي دائما ما تختلف من مكان لمكان داخل القطر الواحـــد، فالمشاكل وأن توحدت فأن طرق المعالجة تختلف باختلاف ثقافات  مواطني وشعوب المناطق المختلفة.. فما يجوز في الصعيد أو المناطق الحدودية المختلفة يختلف.
اختلافا كبيرا عما يقدم من طرح ورأي في العاصمة مثلا أو مناطق  الدلتا وبحرى،  ومن هنا يجب تقديم الأعمال التي تتحدث وتشكل هوية المكان لإيجاد القبول من المشاهد والتأثير فيه وتفهم الرسالة التي يسعى النص والعرض المسرحي طرحها،  واختلف كثيرا عن تقديم بعض النصوص العالمية والقيام بتمصيرها .. فمهما كان التمصير؛  إلا أنها لا تخلوا من سلوك يخالف سلوكنا وعاداتنا وتقاليدنا وتدفعنا إلى تقبل عادات غيرنا. ولنا في ذلك بعض الأعمال التي قُدمت وكانت سببا رئيسيا في إهدار بعض القيم الاجتماعية والتي مازلنا نتأثر بها حتى الأن بالرغم من مرور عقود من الزمان،  ولأنى من سيناء وأخضع لقوانين التراث والعادات والتقاليد والمورثات الشعبية،  والتي مازالت سارية بنسبة كبيرة رغم بعض محاولات الخروج منها؛ ألا أنها في النهاية ينتهى بها المطاف إلى الفشل والوؤد السريع سيناء التراث والعادات والتقاليد والفنون المتأصلة،  والتي تمنح مواطنيها العيش في أمن وأمان وعدل ومساواة من خلال تلك العادات والتقاليد تبحث عن مسرح يناسبها ويتأثر بها وتتأثر به مثلما قدمنا عرس كليب للشاعر المبدع درويش الأسيوطي، وهو عمل قريب إلى تراث سيناء وبعد إعداد النص ليتوافق مع التراث والأحداث السيناوية التي حدثت .. فكان عرض تجاوز عدد العروض المقررة للفرقة القومية وعدد المشاهدين الذى تجاوز 12 ألف مشاهد .. وهو ما يؤكد أن تقديم عرض يتناسب مع الموقع وثقافة مواطني الموقع أهم واشمل من تقديم عروض لا تخاطب الموقع وأصحابه.

لابد أن نسموا بثقافتنا حتى نصل للملتقي
 المخرج حسن عباس أكد أهمية تقديم عروض تناسب البيئات المختلفة في الأقاليم فقال: بداية نحن نتفق جميعا أن مسرح (الثقافة الجماهيرية) أنشأ خصيصا من أجل العالم الدنيا بمصرنا المحروسة، وتعلمنا أيضا أننا لابد أن نسموا بثقافتنا حتى نصل للملتقي المنوط به الرسالة بثَوبٍ جميل يتناسب مع البيئة والموروث العقائدى الشرقى متمشيا مع الحداثة فى المجال نفسه، وبعد تراجع الجمهور بمسرح الثقافة؛ لكونه مغلف الأن بعروض غربية تهتم بالتغريب لإبراز العبقرية والإبداع المزيف  لإرضاء النخبة الغير واقعيه لضمان التصعيد اللى مهرجانات النخبة ايضا وحصد الجوائز تحت اضواء قاهرة المعز دون النظر للهدف الذى انشأ هذا المسرح من أجله رغم تكرار عروض تقدم منذ عشرات السنوات بنفس المهرجانات تحت مسمى: (معالجة جديدة وغموض الحداثة) والتى يتزايد فيها التغريب لدرجة أن معظم هذه العروض ودون مبالغه اجد فيها بعض من شارك فيها بالعرض نفسه غير مقتنع أو غير دارس جيد للرسالة المنوط بها فى هذا النص الادبى ولكن الهدف (اللعب فى المضمون ) فكلما كان هناك غموض وصوره جيدة وبدعة التعبير الحركى دون مضمون جيد والغوص فى التغريب  دون الاهتمام بالضلع الرابع والأساسى فى العملية المسرحية وهو الجمهور. ليؤكد أن الهدف هو المهرجان والنخبه فقط فكان لى بعض التجارب مع بعض النصوص العالمية لكبار الكتاب (ماكس فريش  وليم شكسبير كارلوس مونيث) نصوص تتكلم عن الحقيقة والوجدان الإنسانى بشكل عام، وقريبة من وجداننا وإنسانيتنا الشرقية لذا أنا مع هذا التحقيق للبحث عن هويتنا ومسرحنا الذى تم إنشائه من أجل الجماهير بشرقيتها البيئية وموروثها، وافكارها داخل المواقع البيئية المختلفة على مستوى المحروسة بمختلف مواقعها الجغرافية، وليس هناك اى مانع لدى أن نقدم الأدب العالمى الذى يتناسب مع واقعنا الشرقى فهناك كثير من الأدب العالمي القريب إلى حد ما  إلى عالمنا الشرقي  مع تقديمه بمعالجات تسمو بمشاهدينا من خلال الاهتمام  بالمضمون الإنساني؛ لتكون قريبة على عاداتنا وموروثنا  دون تغريب مبالغ فيه حتى لا يهاجرنا الضلع الأساسي فى العملية المسرحية، وهو المتلقي أو الجمهور والذى يبحث عن نفسه داخل مسرحنا الجماهيري، والذى تعودنا عليه فى ليالينا المسرحية  فبدونه ليس هناك مسرحا ومن أجله أنشأت الثقافة الجماهيرية.

من الصعب تقديم عروض غير مرتبطة بقضايا وهموم الجماهير
فيما ارتكز المخرج خالد أبو ضيف إلى عدة نقاط هامة فقال: كما نعلم أن دور المسرح في الثقافة الجماهيرية هو اكتشاف المواهب في ربوع مصر جميعاً، وتنميتها عن طريق التدريب الذي يصقلها أما الرسالة الثانية لمسرح الثقافة الجماهيرية هي تقديم خدمة ثقافية لكل الأقاليم فكل إقليم وقرية في مصر هموم وقضايا تخصها فلابد من إلقاء الضوء ومناقشة هذه القضايا التي تهم كل مكان فشىء هام أن يكون العرض مرتبط بالمكان الذي يقدم به فمن الصعب تقديم عروض غير مرتبطة بقضايا،  وهموم الجماهير بهذه المكان لأن الجمهور متنوع فهناك الجمهور البسيط والجمهور الذي لديه قدراً من الثقافة والجمهور المثقف ويجب مخاطبة الثلاث نوعيات، وحتى نخاطبهم يجب طرح قضية تلائمهم وتناسبهم بغض النظر عن مناقشة هذه القضية عن طريق الموروث أو من خلال عمل عالمي ممصر يكون قريب من بيئاتنا ومجتمعاتنا وافكارنا؛ وذلك حتى لا يحدث فجوة بيننا وبين المشاهد الذي يمثل العنصر الأساسي،  والشريك في العرض المسرحي فيجب أن يكون متفاعلاً ومتجاوباً من خلال مشاركته في قضية هامة تمسه وتشغله،  ويتفاعل معها فينتج حراك بينه وبين العرض المسرحي وصناعه .وتابع قائلاً :  وفي حالة تقديم عروض لا تناقش قضية فسيكون فاقد للعنصر الثاني الهام لرسالة الثقافة الجماهيرية وهو ان يكون المسرح فاعل مع هموم وقضايا المكان والبيئة التي يقدم بها . 
وأضاف ليس لدي مشكلة أن يكون هناك نص عالمي ممصر يناقش قضية لأنه تكاد تكون كل القضايا متقاربة ولكن علينا أن نعطيه الصبغة المصرية حتى تتوائم مع المكان والبيئة التي يقدم بها العمل المسرحي فليست كل الأقاليم بها مسرح علبة إيطالية مجهز فهناك مسرح غرفة ومسرح شارع ومسرح الجرن وجميعها أشكال مختلفة من المسرح تعطي مساحة لتقديم نص يتلائم مع الموقع الذي تقدم به التجربة .

ماذا لو كانت هوية المكان لا تحمل المواصفات التي تصلح لتقديم العرض مسرحي
فيما طرح المخرج محمد حامد عدة تساؤلات هامة فقال: العروض المناسبة للمكان عنوان كبير وهام وهم مفهوم يحتاج إعادة توصيف لكي تكون جوانبه مكتملة الأركان فهل يجوز وضع خطة مركزية أم يترك للكل حرية الاختيار ؟ ماذا لو كان المخرج من خارج البيئة ؟ ماذا لو كانت هوية المكان لا تحمل المواصفات التي تصلح لتقديم العرض مسرحي ؟ كل هذه الأسئلة تحمل إجابات عديدة والأجدى، والأجدر هنا هو ضرورة وضع خطة مركزية تستهدف تقديم عروض القائمين عليها يصلحون لتقديم عرض مرتبط بالموروث الشعبي والبيئي الملائم، ويكون لهذه العروض سمات خاصة،  وخطوات لتنفيذ المشروع منذ الكتابة وحتى اختيار المكان والممثلين،  ولتقام في موسم موازي في فصل الصيف مثلا .
وتابع: والفكرة الأهم أن تناقش في هذا الإطار هي ماذا نقدم ولمن ولماذا ؟فلابد من تشجيع نصوص جديدة وكتابات مغايرة ومختلفة وجريئة تشجيع حقيقى بنقاط تحفيزية واضحة، ومعلنة فأنا شخصياً ضد فكرة أن النص العالمي لا يصلح لمكان ما فالنص العالمي في أغلبه نص إنساني، ونحن نقدم العروض لناس أيضاً ولكن كيف تقدم وماذا تناقش وكيف تطرح هذا هو الأهم من وجهة نظري .


رنا رأفت