العدد 769 صدر بتاريخ 23مايو2022
غيب الموت الأسبوع الماضى أحد اعمدة المسرح الشعبى الكبار وهو المخرج المسرحى الكبير عبد الرحمن الشافعى، مواليد عام 1939 بمحافظة الشرقية. مارس هوايته المسرحية أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية، فكون فرقه شعبية مسرحية كانت تقدم عروضها في الموالد، تخرج في كلية الحقوق جامعة عين شمس، ثم التحق بشعبة المسرح العالمي، وفي عام 1963 انتُدب للمسرح الحديث ثم للفرقة الغنائية الاستعراضية عام 1967، وكون فرقة الغورى، وأخرج لها عددا من الأعمال منها «ياسين وبهية»، و»آه يا ليل يا قمر»، و»أدهم الشرقاوى. كأن أول مدير لمسرح السامر سبتمبر 1971 فأخرج لفرقته مجموعة من السير الشعبية أهمها على الزيبق، شفيقة ومتولي، السيرة الهلالية، عاشق المداحين، منين أجيب ناس، مولد يا سيد، الشحاتين، حكاية من وادي الملح . حصل علي جائزة الدولة التشجيعية عام1985 عن إخراجه لعرض السيرة الهلالية، الى جانب العديد من الجوائز الأخرى والتكريمات.
المخرج عبد الرحمن الشافعى كما وصفوه هو شيخ طريقه المسرح الشعبي ..عرف كيف يقرأ الحكايه الشعبيه بمنظوره الشخصي محملا بثقافته الخاصه وبإرثه الشعبي والتراثي الممتد لعقود مستخرجا من الحكايه الشعبيه سرها المقدس، ذلك السر الذي جعله مدخلا له لاختراق المسرح بشتي جوانبه ..ما جعله يصل لأعلي مناطق التميز في التعامل المسرحي مع الحكايه الشعبيه والسير و الحكايات التي استدعت الإرث الشعبي المصري حاضره وماضيه، وقد خصصنا هذه المساحة لنتعرف أكثر على المخرج الراحل من خلال شهادات عدد من المسرحيين وأصدقاء رحلته حول رحلته.
في البداية قال د. محمد الشافعى نجل المخرج الراحل :عبد الرحمن الشافعي أحد أهم المخرجين المسرحيين الذين ساهموا في تشكيل حركة مسرحية مصرية تميزت بشكل ومضمون اختلف عن المسرح التقليدي المتوارث عن الثقافة الأوروبية، أضاف: إن الحركة المسرحية التي ظهرت بعد ثورة 1952 وأطلق عليها مسرح الستينات كانت بمثابة عصر النهضة المسرحية في تاريخ المسرح المصري ليس لإنها أهتمت بتأصيل حالة الشعب المصري فحسب وإنما لتقديمها لمجموعة كبيرة ومتميزة من الكتاب والشعراء والممثلين والمخرجين المسرحيين الذين أحتوتهم فرق التليفزيون فور إنشائها عام 1961، والتي التحق بها «الشافعي» عام 1963 عندما جاء من إحدى قرى محافظة الشرقية والتحق بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، فعمل ممثلا ومساعدا للاخراج بشعبة المسرح العالمي لمجموعة من كبار الاساتذة أمثال حمدي غيث، سعد أردش، حسن عبد السلام، سيدبدير وغيرهم، وزامل سمير العصفوري، فهمي الخولي،عبد الغفار عودة وأخرين. وكانت هذه الفترة هي فترة إعداد وتدريب تختلف عن ممارسات التمثيل التي كان يمارسها في إحتفالات وموالد القرية. وفي عام 1968 تم انتدابه للعمل مخرجا بالثقافة الجماهيرية التي كان يرأسها الكاتب الكبير سعد الدين وهبة ويشرف على مسرحها المخرج الكبير حمدي غيث، وكلف «الشافعي» بتكوين فرقة مسرحية لحي الغوري بالحسين، فكانت الفرصة الحقيقية لتقديم ذاته وسط هذا الزخم من كبار الاساتذة، ورغم بداياته وسط نصوص واتجاهات المسرح العالمي، إلا أنه اختار أن يبحث عن مسرح مصري، ليس فقط في النص ولكن في عناصر العرض كافة، هذا نتيجة لنشأته الريفية التي تشكلت من خلال عادات وتقاليد وأمثال واحتفالات القرية، فبعد عن نصوص شكسبير وموليير ومارلو ولجأ إلى نجيب سرور ويوسف إدريس ويسري الجندي وأبو العلا السلاموني وغيرهم من الكتاب الذين تميزت أعمالهم بتناول الثقافة المصرية الشعبية بكل همومها وطموحاطها، وكون أول فرقة مسرحية بحي شعبي وسط القاهرة الفاطمية، ثم جاء تعيينه مديرا لفرقة مسرح السامر في بدايات تكوينها لتفتح له مجالا أخر أكثر إبداعا وأصالة وهو تناوله لأعمال السير الشعبية وأبطال الأساطير المصرية،فاستلهم الأفكار والمواضيع المختلفة بمساعدة زملائه من الكتاب والمؤلفين الذي جمع بينهم انفعال الشباب والطموح الى البحث عن هوية المسرح المصري على غرار من سبقوهم من أساتذه كبار على نفس المنوال، لكن هذه المرة كانت أكثر جدية وجراءة، فأخذوا يتناولون أفكارا مصرية شعبية بجانب تقديمها داخل قالب مختلف عن المعتاد، وربما كان السامر مكانا مناسبا مع مخرج اعتاد العمل مع نوعية مختلفة من الممثلين أكثر شعبية وتواصلا مع الحياة العامة، بعيدا عن أمراض النجوم وأوهامهم. فقدم علي الزيبق- هنا القاهرة- شفيقة ومتولي- وغيرها، وفي تلك الفترة تم اختيار «الشافعي» مشرفا على فرقة النيل للآلات الشعبية عام 1975 مما فتح له أفاقا وفرصا مختلفة لاستخدام الموسيقى الشعبية الحية ورواة السيرة الحقيقين ليضعهم على خشبة المسرح نجوما تلقائيين. و ليقدم عرض «عاشق المداحين»الذي شاهده الرئيس الراحل «أنور السادات»وأشاد به واستمر العرض لمدة عام. وهنا أستقرت قناعة «الشافعي» بأن يكون صاحب طريقة مختلفة استطاع من خلالها أن يقدم شكلا مميزا ومنفردا به، فقدم عشرات المسرحيات التي حصل من خلالها على الكثير من الجوائز من أهمها جائزة الدولة التشجعية وجائزة الدولة في التفوق ونوط الامتياز من الدرجة الأولى وغيرها. وتميز مسرح «الشافعي» بتقديم العناصر الشعبية سواء في النص أو على مستوى العرض، فكان يعتمد في جماليات عروضه على العناصر البسيطة في الديكور و الملابس والاكسسوار، وكان دائما ما يوظف المكان حسب الدراما، فقدم أعماله داخل المواقع الأثرية والأماكن والساحات الشعبية، وساعده في تشكيل هذه الرؤية الفنان التشكيلي «حسين العزبي» الذي صاحبه في أغلب أعماله. أما التمثيل وهو العنصر المميز عنده فكان يعتمد في أغلب عروضه خاصة العروض التي تعتمد على الرواه والمداحين على أشخاص حقيقيين، فنجد شاعر السيرة يحكي ويغني ثم يتحول إلى ممثل مستخدما ربابته ويوظفها داخل الحدث، ثم يعود مرة أخرى للغناء والمديح وكأنه ذلك الممثل المحترف الذي يملك أدواته، ولدية تقنية الدخول والخروج في الشخصية. هؤلاء الفنانون كانوا أكثر حضورا وإبهارا من الممثلين المحترفين داخل نفس العمل. كذلك كان «الشافعي» يعتمد في عروضه على عدد كبير من المؤدين ما بين ممثلين ومغنيين وراقصين كما كان يهتم بتقنيات الحركة المسرحية و يقدم حركات جماعية جمالية ويستخدم التشكيلات لملء الفراغ المسرحي. أما الجمهور وهو العنصر الأهم، فكان دائما متيقظا ومشاركا في الحدث وهو جمهور يقدر الفن ويستمتع به وليس مستهلكا يبحث عن النكات والقفشات والممثل النجم. وقد قدم «الشافعي» 72 عرضا احترافيا بجانب إخراجه للحفلات القومية والدولية بمصر ودول أخرى.
وختم بقوله: إن تكريم الشافعي هو تكريم مستحق خاصة وأن تاريخ المسرح في العالم يؤكد أنه نشأ نشأة شعبية من خلال الاحتفالات الأسطورية في الحضارة الفرعونية ثم الاحتفالات الدينية في اليونان القديمة، وقد تطور المسرح الشعبي في اليونان نتيجه لإلتفاف النخبه حوله من فلاسفة وعلى رأسهم «أرسطو» بينما نحن اهتتمنا بالقالب الأوروبي مستنكرين مسرحنا الشعبي.
عبقريته تجلت فى تجسيد التراث الشعبى
فيما قال الناقد أحمد هاشم: قيل إنه شيخ طريقة، وقيل صاحب الطريقة الشافعية، وقيل «عبدالرحمن الشعبى» وكلها كنيات صحيحة تؤكد تفرده في المسرح الشعبى إلى الحد الذى استبدل به ـ أحيانا ـ إسمه الثانى «الشافعى» ليصبح «الشعبى» ما يؤكد مدى ارتباطه بهذا النوع من مسرح الفرجة الشعبية، منذ بدايات عمله بالمسرح، حيث لم يستمر طويلا بالمسرح العالمى الذى تم تعيينه به لينتقل إلى الغورى مخرجا، وكان من الذكاء بان فكر في تقديم الصيغة المسرحية الأنسب لجمهوره من سكان هذا الحى الشعبى العريق.
أضاف هاشم: ذكاء الفنان عبدالرحمن الشافعى لم يتمثل فى اختيار النصوص المسرحية المستلهمة من التراث الشعبى والسير الشعبية فقط, إنما تجلت عبقريته فى تجسيد التراث الشعبى, و السير الشعبية عبر العديد من وسائل أو عناصر الفرجة الشعبية, كالمداح, وعازف المزمار البلدى, وعازف الربابة, وحكائى السير الشعبية, والمطربين الشعبيين, وكلها عناصر فنية شعبية تضافرت مع الموضوعات التى تطرق إليها كـ «عنتر بن شداد, و أبو زيد الهلالى, وسيف بن سى يزن, و الأميرة ذات الهمة, وعلى الزيبق, وغيرهم.
وتابع : الفنان الكبير لم يكن تفرده فى تقديم الموضوعات الشعبية فقط, إنما في الصيغ التى قدمها من خلالها فقد تطرق عديد من المخرجين إلى الموضوعت الشعبية, دون الفطنة التى فطن إليها الشافعى من ضرورة تواؤم الموضوع مع الشكل الذى يقدم من خلاله، وهو (الفرجة الشعبية) ..وقد ظل الفنان الكبير طوال حياته المسرحية مخلصا لهذا النوع من المسرح دون غيره فالتصق بإسمه, وقد حقق فيه نجاحات كبيرة, في فترة تاريخية مواتية للغاية، إذ اتجه كثير من الكتاب المسرحيين بعد هزيمة يونيو1967 إلى البحث فى التراث العربى واستلهامه حفاظا على الهوية العربية التى تأثرت برياح تلك الهزيمة, كما أبدى النقاد اهتمامهم بهذا اللون من المسرح مع بداية السبعينات من القرن الماضى, وكأن هذا اللون المسرحى كان مع موعد مع القدر ومع عبدالرحمن الشافعى, الذى كان قد استفاد من تجربة «زكريا الحجاوى» فى مسرح السامر, كما أن تولى «الشافعى» إدارة مسرح السامر لعب دورا كبيرا بوصفه بيت الخبرة لهذا اللون من المسرح الذى يلتقى فيه الفنانون الشعبيون من كل أقاليم مصر.
تابع هاشم : تمسك الشافعى بهذا اللون من المسرح جعله حين قدم آخر عملين مسرحيين له فى المسرح الكوميدى التابع للبيت الفنى للمسرح لا يتخلى عن التراث, فقدم مسرحية «مافيش حاجة تضحك» نص «سعيد حجاج» المأخوذ من التراث العربى, والعرض الآخر هو «طقاطيق جحا» لكاتب هذه السطور, وهو من التراث الشعبى أيضا عن تلك الشخصية الشهيرة.
عملاق من عمالقة المسرح المصرى
وبحزن شديد رثاه الكاتب المسرحى سعيد حجاج فقال: ما أصعب أن تكتب عن القامات الكبيرة بعض ماتعرفه. ذلك لأنك فى الحقيقة لن تتقن الاختيار أبدا مهما حاولت .. فهل يمكنك الكتابة عن مواقفه الأنسانية ام عن إبداعه المترامى الأطراف فى خضم الحركة المسرحية المصرية منذ سبعينيات القرن الماضى ؟ الأهم فى الأمر هو أن تكتب عما رأيته بنفسك وعاصرته معه.
أضاف: أسعدنى حظى أن أحظى باهتمامه ببعض نصوصى المسرحية، وهو ما لم يحظ به الا القليل من ابناء جيلى، وهذا فى واقع الأمر ليس إلا وساما شاء الله أن يضعه على صدرى عملاق من عمالقة المسرح المصرى، تعلمنا منه الكثير ليس عبر رؤية أعماله المسرحية التى أنارت خشبات المسرح المصرى فقط، ولكن عبر القرب منه وهو يتعامل مع أحد نصوصى الذى أنار المسرح فى أواخر عام الثورة المجيدة ( 25 يناير 2011 ) بالتحديد فى سبتمبر وهو العرض المسرحي الذى أنتجه المسرح الكوميدى، و مع ان نصى كان قديما و تم إخراجه عشرات المرات فى مسارح الثقافه الجماهيرية فى أقاليم مصر، برؤى متعددة، الا أن تناول الأستاذ له كان مختلفا، وكان حاسما وكان لصيقا بالثورة التى لم يمض عليها سوى شهور قليلة، وكأن الأستاذ عبد الرحمن الشافعى الذى أعجبه نصى فى العام 1994 ظل يختزنه فى ذاكرته رغم مضى أكثر من 15 عاما أو يزيد ليحييه مرة أخرى بطعم أخر وتقنية أخرى، وليقول عبره كل ماقلته أنا وكل ماقاله هو أيضا .. فقد علمنى كثيرا مما لم أكن أعلمه فى المسرح، رغم كل هذه السنوات التى مرت على اشتغالى بالمسرح ممثلا ومخرجا ومؤلفا ايضا .. فقد عرفت كيف أفكر فى المسرح بسياقاته المختلفة على جميع الأصعدة.. وكيف أن الإخراج ليس عملية إبداعية فحسب إنما حالة من حالات الوعى بالزمن وبالمجتمع ومايريد المبدع قوله هنا والأن.
وختم بقوله: لاتكفى الأوراق لأن أشهد بما علمنى إياه هذا المبدع الكبير لكن عليّ أيضا أن أمتن كثيرا لهذه الحالة الانسانية الراقية التى عايشتها وقتما كان يعمل على نصى حتى قبل أن يصعد به على خشبة المسرح، و سيظل مافعله معى هذا الرجل العظيم وما علمنى إياه أحد أهم الروافد التى شكلت وعيى المسرحى مادمت على قيد الحياة . فشكرا له بقدر ماترك فينا من محبة للوطن وللمسرح ولروحه المحبة والسلام.
راوي سيره المسرح
وقال الناقد والباحث المسرحى د. محمود سعيد : قليلة هي النماذج الفنيه التي قدمت للمخرج المثقف القاريء، ولعل أبرزها الراحل عبدالرحمن الشافعي.. فقد كان يعطى درسا عمليا مهما جدا لكيفيه فهم وأداء عمل المخرج المسرحي، لا يلتقط نصا مسرحيا أعجبه و يبدأ في تنفيذه علي الخشبة، إنما يقرأ ويقرأ كثيرا في المنطقه التي يهواها ويقرر العمل فيها ، خاصة منطقه المسرح الشعبي التي حقق فيها أقصي درجات الإجادة فهما ووعيا وتنفيذا، بدرجة جعلت الرجل يخلص لها وتخلص له بشكل ملموس علي مدار أكثر من نصف قرن من التجربة.
أضاف: لعب الشافعي كثيرا علي مسرحة المكان، يخلق من المكان إطارا مسرحيا مميزا، خاصه الأماكن الشعبية والتاريخية بالحسين والغوري ..فقد صنع أكثر من عرض مسرحي مميز في المكان بلا أي تغير، مستخدما المادة الموجودة، ولعل العرض المسرحي الهلالية يشهد له بذلك، في عرضيه المختلفين،عام 1985 بطوله ابراهيم عبدالرازق.. و 1994 بطوله فاروق عيطه وحمدي غيث، فقد استخدم وكالة الغوري بشكل مذهل مستخدما الرواة الحقيقيين بما كفل له التميز وجائزة الدولة والخلود الفني ايضا. لقد عمل الشافعي مع أبرز كتاب المسرح الشعبي ، نجيب سرور، يسري الجندي ،نبيل فاضل ..بيرم التونسي ، أمين بكير، عبدالعزيز عبدالظاهر، محمد صدقي ، صلاح جاهين، أحمد الحوتي، مهدي الحسيني، عزت عبدالوهاب، سمير عبدالباقي، محمود دياب، و أبو العلا السلاموني وغيرهم،وقدمهم في قراءات مغايره للنص الشعبي ، قراءه عاشق وخبير ومتمرس وفلاح شرقاوي أصيل، مستنطقا النص و منتزعا منه آفاقا مختلفة وجديدة بكل مرونة وبساطة.
علم من أعلام مصر
د. كمال الدين عيد رثاه بقوله : الراحل عرفته إنسانا متواضعا كمخرج مساعد معي في مسرحية روميو وجولييت في المسرح العالمي عام 1965. وآنذاك كان وكيلا لوزاره الثقافة المصرية. بعدها بدأ في نشر السير الشعبيه في المسرح المصري. و ظل طوال الحياة خادما للمسرح المصري والعربي . واليوم تفقد مصر علما من اعلامها المسرحيين الذين أثروا الفكر المسرحي والحياة الفنية بالعظيم من الجواهر الماسية. رحمك ألله يا حبيبي وزميلي عبد الرحمن الشافعي. في جنه الخلد بإذن الله
أيقونة المسرح الشعبى
فيما قال المخرج خالد جلال رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافى، : ترك لنا إرثا قيما للمسرح، وبغيابه فقدنا أيقونة المسرح الشعبى، وقامة فنية كبيرة ساهمت في تشكيل حركة مسرحية مصرية تميزت فى الشكل والمضمون، و قد تميز مسرح «الشافعي» بتقديم العناصر الشعبية، وكان يحرص على الذهاب بعرضه إلى الجمهور في أماكن تجمعاته
صاحب الأيادى البيضاء
و قال الدكتور أحمد مجاهد : رحم الله المخرج الكبير الفنان عبد الرحمن الشافعى، صاحب الأيادى البيضاء على التراث الشعبى، والبصمة المتميزة فى الثقافة الجماهيرية. وقد شرفت بالعمل معه لسنوات عديدة بها إنجازات متميزة تمت بفضله، ولا يمكن أن أنسى له موقفين ، الأول: ذهابه معى بنفسه بصحبة فرقة النيل والفنان أحمد الحجار فى قافلة ثقافية إلى حلايب وشلاتين عام 2009، فى وقت لم يكن فيهما فندقا لائقا للمبيت، وأصر على المبيت في ما هو متاح من أماكن أقل من متواضعة،
والآخر هو الذهاب معى بنفسه أيضا بصحبة فرقة النيل إلى سيدى برانى، وقت أن كانت معقلا للتطرف، وإصراره على تقديم عرض الفرقة، على الرغم من وصول تحذيرات بهجوم المتطرفين على الحفل، وقد حدث بالفعل، وتصدينا لهم، بعدما قمنا بدورنا الثقافى والفنى.
الطريقة الشافعية
و وصف الكاتب المسرحى محمد أبو ألعلا السلامونى الراحل بأنه صاحب مدرسة فى الأخراج المسرحى يسميها البعض «الطريقة الشافعية» فقد كان يعشق التراث والعمل من خلال البنى التراثية التى أوجدها الشعب طوال تاريخه فى اشكال متعددة منها السير الشعبية أو خيال الظل أو أسلوب السامر الشعبى وأسلوب الإرتجال عند المحبظاتية، كل هذه الأساليب إلى جانب الآلات الشعبية منها الربابه والطبلة والدف وكل هذه الاشكال كانت أدواته فى تقديم أشكال مسرحية مصرية تعبر عن هوية الشعب المصرى فى فنون العرض والفرجة، وكانت هذه الطريقة تسمى «الطريقة الشافعية» و هى الطريقة الوحيدة التى يمتاز بها هذا المخرج العبقرى وقد استقاها من التراث الشعبى، سواء فى الوجه البحرى أو القبلى وقدم من خلالها الكثير من الأعمال التراثية المسرحية للكتاب المصريين الذين اعتمدوا على التراث، وعلى رأسهم الكاتب الراحل يسرى الجندى الذى قدم السير الشعبية مثل عنتر والهلالية وعلى الزئبق إلى جانب الأعمال الأخرى التى قدمها للكثير من الكتاب الذين يعتمدون على التراث الشعبى أمثال نجيب سرور ومحمود دياب وشوقى عبد الحكيم وعزت عبد الوهاب، وتابع : أسعدنى الحظ أن قدم عملا تراثيا لى وهو «تغريبة مصرية « التى اقترح لها اسما آخر وهو «ست الحسن « وكانت من أهم الأعمال التى قدمها المسرح من خلال الفرقة الاستعراضية فى منتصف التسعينيات بطولة محمود الجندى وسوزان عطية ورضا الجمال ، وعطية عويس، وكرر تقديم العرض مرة ثانية فى حديقة الفسطاط عام 2003 بطولة احمد ماهر، وممثلين من مسرح الثقافة الجماهيرية.
شرخ فى جدار الخوف
رفيق رحلته الموسيقار على سعد تحدث قائلا : تعرفت عليه عام 1972 وبدأنا بعرض بعنوان «شرخ فى جدار الخوف « وكان آخر تعاون معع فى عرض «السفيرة عزيزة « ومابين هذين العملين قدمنا عدة أعمال منها «على الزئبق « ،»حكاوى الزمان « ، وعرض عن حرب اكتوبر بعنوان «هنا القاهرة « قدم فى 18 أكتور عام 1973 وهو أول عرض مسرحى يواكب عبور القناة كتبه الشاعر عبد العزيز عبد الظاهر ووضعت موسيقاه على مسرح السامر، ثم فى الذكرى الأولى لحرب أكتوبر قدم عرضا للكاتب يسرى الجندى ، وقدم «عاشق المداحين « مع زكريا الحجاوى ، وقدمنا «ست الحسن « للفرقة الغنائية الاستعراضية تأليف محمد ابو العلا السلامونى أشعار عزت عبد الوهاب ، وقد كان يتميز بالبساطه والتلقائية فى التناول، وكان متفردا فى توصيل المعلومة للمتلقى بأقصر طريق، لذلك كانت أعماله ناجحة، وهو اوائل المخرجين الذين تولوا قيادة فرقة الآلات الشعبية بعد زكريا الحجاوى.
عنصر الغناء الشعبى
وقال د. أسامة أبو طالب : أهم ما كان يميزه هو انتماؤه الشديد والمبكر الذى اصر عليه للمسرح الشعبى بما يعنيه هذا المصطلح، سواء مسرح القرية أو الإهتمام بالأدب الشعبى أو عروض التراث الشعبية، بإعادة تقديمها أو بوضع لمسات جديدة عليها، وبالتالى كان اهتمامه بعنصر الغناء الشعبى فى غالبية عروضه المسرحية، وقد بدأ مبكرا هذا الاهتمام والاجتهاد الشديد بالإستقاء من مصادر شعبية لذلك ارتبط اسمه بأسماء هامة فى هذا النوع من العروض ومنها الاستاذ زكريا الحجاوى ومجموعة من المنشدين والمبتهلين وحكائى السير الشعبية، أبرزهم خضره محمد خضر وفاطمة الجناينى ، كذلك تميز بارتباطه بالدراما المأخوذه من تراث الحكى الشعبى ونقله بين اقاليم مصرية كثيرة، إما باحثا أو مقدما لعروض مسرحية جديدة.
أضاف: الشافعى لم يتلق تعليما مسرحيا منهجيا بالمعهد العالى للفنون المسرحية، لكن ثقافته اعتمدت على تعدد مصادر المعرفة والمرونة ورحابة البحث والإطلاع، مع إخلاصه الشديد لهذا النوع من العروض التراثية، ما أثر فى خياراته الدرامية، منها إخراجة المتميز للنسخة المصرية من الكاتب اللبنانى الفرنسى جورج شحادته ونصه «مهاجر بريسبيان « والتى قمت بتقديم إعداد شعرى بالعامية المصرية لها قبل أن نتعرف على مصطلح «الدراما تورجى» وقام بإخراجها، وكانت المغامرة الكبرى مع فرقة طنطا المسرحية ثم الفرقة النموذجية لهيئة الثقافة الجماهيرية.
كل ممثل فى مساحته
فيما ذكرت الفنانة لمياء العبد إحدى أعضاء فرقة السامر إنها قدمت عرضا مع المخرج الراحل عبد الرحمن الشافعى وهما «ياصبر أيوب « تأليف ياسين الضو ، بطولة حمدى الوزير وسعيد صديق، مى رضا ، ولمياء العبد واشرف شكرى، و قدمت عام 2004
أضافت: استمتعت بتوجيهاته ونصائحه المهمة وخلال فترة البروفات لم نشعر بالملل رغم استمرار البروفات 9 أشهر كاملة، فهو مخرج له ثقل ووزن وكان يضع كل ممثل فى مساحته التى تناسبه ، وقدمت معه أيضا مسرحية «ست الحسن « التى قدمت فى المحافظات.
و أبو السامر وعاشق المداحين
فيما رثاه المخرج والفنان جلال العشرى قائلا» كان أبا وأخا وصديقا واستاذا ومن أعظم الفنانين الذين تعاملت معهم فى رحلتى، كان رائدا من رواد الثقافة الجماهيرية وقيمة وقامة عظيمة، و كنا فى حالة انبهار به وبشخصيته منذ أن كنا شبابا ننضم «للفرقة النموذجية» قبل ان تسمى فرقة السامر مع مجموعة من المسرحيين، احمد مختار ومحمد الشربينى ، وناصر عبد المنعم ، وعزة شلبى، وكانت بالنسبة لنا السند، وكنا شبابا صغيرا لدينا احلام، وقد حضرنا السامر وهو يقدم اعمالا تراثية وكوميديا شعبية، وقد حضرت كل أعمال استاذ عبد الرحمن الشافعى. ،
وتابع: انضمت لفرقة السامر عام 1978 بعد افتتاح المسرح بعرض «عاشق المداحين «التى قدمها تكريما لأستاذه وزميل نضاله فى البحث عن التراث الشعبى والمأثورات الشعبية زكريا الحجاوى، وعمل عدد كبير من المداحيين الشعبين فى هذا العرض ومنهم فاطمة سرحان، و خضره محمد خضر وجمالات شيحه ومتقال قناوى. وقد بدأ تأسيس مسرح السامر عندما كان الأستاذ عبد الرحمن الشافعى مديرا لقصر ثقافة الغورى ويقدم عروضا فى وكالة الغورى، وتعرض لعدة مضايقات وذهب له انذآك رئيس الهئية العامة لقصور الثقافة سعد الدين وهبه وأعطاه أرضا صغيرة وهى التى بجانب السيرك «أرض السامر» و كانت عبارة عن خوص وبها غفير يحرسها وغرفة صغيرة والشجرة الكبيرة التى لاتزال موجودة حتى الأن ، وهى الأيقونه التى أصبحت مسرح السامر الذى افتتح عام 1971 ، عبد الرحمن الشافعى هو أبو السامر وعاشق المداحين وأتمنى عند إعادة إفتتاح مسرح السامر أن يطلق عليه اسمه.
السنيورة والثلاث ورقات
فيما قال الفنان رضا الجمال الذى قدم مع المخرج الراحل ثلاثة أعمال هامة هى السنيورة، وبلدى يا بلدى، وست الحسن :عبد الرحمن الشافعى قيمة فنية وشعبية كبيرة شاركت معه في العرض المسرحى «بلدى يا بلدى « مع الفنان احمد ماهر ومجموعة متميزة من الفنانين مع فرقة الفنانة خضره محمد خضر. على مسرح السامر، وكانت تجربة مميزة وفريدة، وكان دائما يحرص على اعطاء الفرص للموهوبين وتقديمهم بشكل جيد، وكان مخرجا من طراز رفيع لديه منهجه وأسلوبه الخاص .