«ثلاث نساء طويلات» في برودواي من جديد

«ثلاث نساء طويلات» في برودواي من جديد

العدد 863 صدر بتاريخ 11مارس2024

 على مسرح جولدن في برودواي عاصمة المسرح الأمريكي بدأ عرض جديد يحقق إقبالا واسعا لمسرحية “ثلاث نساء طويلات”. المسرحية من تاليف الكاتب المسرحي الأمريكى “إدوارد آلبي” الذى خص المسرح فقط بإبداعاته دون غيره من مجالات الإبداع الفني والأدبي على مدار عمره الطويل الذي امتد عبر 88 سنة (1928- 2016) أمضى منها نحو 60 عاما في الإبداع المسرحي.
وكان ذلك رغم أن معظم أعماله تحولت إلى أفلام ومسلسلات تليفزيونية مثل مسرحيته الشهيرة “من يخاف من فرجينيا وولف” لكنه لم يشارك إطلاقا في هذا التحويل وفضل التركيز على المسرح دون سواه.

من هو
من هنا يصبح من المناسب إلقاء الضوء على شخصية هذا الكاتب المسرحي المبدع صاحب الأعمال المتعددة التي تصنف ضمن عيون الأدب الأمريكى وليس المسرح فقط.
ومن أشهر مسرحياته أيضا “قصة حديقة الحيوان” و”صندوق الرمال” و”التوازن الدقيق” والمسرحية التى نعرض لها اليوم وهى “ثلاث نساء طويلات” التى كتبها قبل 34 عاما. وهناك أيضا مسرحيات مشهورة كتبها فى الثلث الأخير من حياته الإبداعية مثل “الماعز” و”من هى سيلفيا”.
وفازت ثلاث من مسرحياته بجائزة بوليتزر الأدبية المرموقة وفازت اثنتان منها بجائزة أحسن مسرحية فى جوائز تونى المسرحية المرموقة
ويرى النقاد أن أعماله تنتمى بشكل أساسى إلى مسرح العبث وتصور بشكل صريح تعقيدات الحياة الأمريكية المعاصرة.
ويقول بعضهم إن أعماله منذ بدايتها كانت تنبئ بكاتب يملك أدواته جيدا نجح فى “أمركة” فن مسرح العبث ونقله إلى المسرح الأمريكى باعمال تنافس كبار رواد مسرح العبث فى أوروبا مثل الأيرلندى “صامويل بيكيت” والرومانى الفرنسى “يوجين يونيسكو” والفرنسى الآخر “جان جينيه”.
ويقول النقاد إن المرحلة الوسطى من أدبه تناولت من خلال مسرح العبث عددا من القضايا مثل سيكولوجية النضوج والزواج والعلاقات الجنسية. هذا فضلا عن براعته فى صياغة الحوار
ويعترف له عدد من كتاب المسرح الأمريكيين مثل بولا فوجل بدور كبير فى إعادة اختراع المسرح الأمريكى بعد الحرب العالمية الثانية وهى محاولات كتب لها النضوج فى مطلع ستينيات القرن الماضى.

عروض
وننتقل الى المسرحية “ثلاث نساء طويلات” التى انتهى البى من كتابتها عام 1991. وقد عرضت المسرحية لأول مرة فى نفس العام خارج الولايات المتحدة فى المسرح الإنجليزى فى العاصمة النمسوية فيينا وكانت من إخراج آلبي نفسه.
وكان عرضها الأول فى الولايات المتحدة فى نيويورك على مسرح “فاين يارد” خارج برودواى. ولم تعرض فى برودواى إلا عام 2018 على مسرح جولدن بعد عامين من وفاته. وقامت ببطولتها وقتها الممثلة البريطانية جليندا جاكسون فى دور “ايه” وكانت وقتها فى الثانية والثمانين من عمرها وتوفيت العام الماضى.
وعرضت المسرحية بالفرنسية فى فرنسا وبالبرتغالية فى البرازيل وقمت ببطولتها ممثلات معروفات مثل الممثلة البرازيلية بياتريس توليدو. وقامت بدور سى مذيعة التليفزيون الشهيرة فى البرازيل ماريز اورث. وعرضت مرة أخرى فى البرازيل بترجمة مختلفة ورؤية مختلفة وأبطال آخرين منهم سولى فرانكو. وعرضت فى إسبانيا وقامت ببطولتها الممثلة الإسبانية الشهيرة ماريا خيسوس.
ومن الطريف هنا أن معظم من جسدن شخصية ايه رحلن بعد فترة ليست بالطويلة بفعل الشيخوخة.

حروف لا أسماء
وتدور أحداث المسرحية حول ثلاث نساء لا تذكر أسماؤهن بل يرمز إليهن بالحروف الابجدية الانجليزية ايه وبى وسى. وتكون “ايه” سيدة فى التسعينيات من عمرها و”بى” سيدة فى الخمسينيات. أما “سى” فهى فتاة فى العشرينيات.
 وحسب أحداث المسرحية تكون ايه هى صاحبة البيت التى تأثر البى بأمه بالتبنى فى رسم شخصيتها كما يقول بعض النقاد. فهو لم يكن يعرف أباه وأمه الحقيقيين. وتكون “بى” هى مديرة المنزل. أما “سى” فهى محامية السيدة العجوز.
وفى الفصل الثانى من المسرحية تعود ذاكرة الأحداث إلى الخلف فى حياة السيدة العجوز ايه فتجسد مديرة المنزل بى شخصيتها عندما كانت فى الخمسينيات وتجسد المحامية سى شخصيتها عندما كانت فى العشرينيات.
ويقول الناقد المسرحى الأمريكى مارك كنيدى إن المسرحية تعكس فى بعض أحداثها حياة البى نفسه الذى نشأ لا يعرف له أبا أو أما ويعرض للحياة القاسية التى عاشتها البطلة العجوز بصورة هزلية لا تخلو من التعاطف تأثر فيها بشكل واضح بأديب مسرح العبث الأيرلندى صمويل بيكيت.

أحداث
ولا بأس فى النهاية من عرض سريع لأحداث المسرحية. وتبدأ المسرحية بالشخصيات الثلاث الرئيسية معًا في غرفة نوم “ايه” طوال المشهد حيث تكون هى المتحدث الرئيسى ، وتتذكر في كثير من الأحيان وتروي قصصًا عن حياتها. وتداعبها “بى” بينما تساعدها على القيام بالأشياء اليومية التي أصبح من الصعب القيام بها بمفردها بفعل التقدم فى السن (الجلوس، الذهاب إلى الحمام، الدخول إلى السرير). وتسعى “سى” إلى توضيح عدة نقاط بالنسبة لإدارة ثروة “ايه”  لكن ثرثرة ايه لا تسمح لها بذلك رغم ثغرات تلاحظها فى حديثها. وينتهي الفصل الأول عندما تصاب “ايه” بسكتة دماغية في منتصف إحدى قصصها.
 وفى الفصل الثانى تندمج ايه وبى وسى فى شخصية واحدة وتمثل كل منهم مرحلة فى حياة ايه بشكل متقطع لبث الحيوية فى العمل وإبعاد الملل عن المشاهد.
وتتكشف بعض الحقائق عن ماضى ايه الغامض وأن لها ابناً جاءت به بدون زواج .
وفي لحظة ما، يأتي الابن ليجلس بجانب المحامية التى تمثل دور الأم فى شبابها وتضيق به الأم ومديرة المنزل وهو لا يشاهدهما ثم يقوم ويغادر المسرح .
وتنتهي المسرحية بمناقشة حادة بين بطلاتها الثلاث حول أسعد لحظة في حياتهن. وتقول “ايه “هذه أسعد لحظة. عندما ينتهي كل شيء. عندما نتوقف. عندما نتمكن من التوقف.”


ترجمة هشام عبد الرءوف