العدد 861 صدر بتاريخ 26فبراير2024
لا تتوقف الدراسات عن مشاكل المسرح الأمريكي من جراء أزمة كورونا التي انتهت ظاهريا بانتهاء إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضت من جرائها. وأحدث هذه الدراسات صدرت عن قسم المسرح في جامعة بوسطن الأمريكية.
تقول الدراسة إن الحياة عادت إلى برودواي عاصمة المسرح الأمريكي وانتعشت عروضها وكان معظمها كامل العدد تقريبا.
لكن المسارح الأمريكي ليس برودواي وحدها. فهناك حياة مسرحية ثرية في كل الولايات الأمريكية تشهد تقديم عدد من الأعمال المتميزة التي لا تقل عن مستوى الأعمال المقدمة على برودواي. وبعضها كان يفرض نفسه للعرض في برودواي وتضم نيويورك نفسها عددا من المسارح خارج برودواي.
وتضم الولايات المتحدة نحو ثمانية آلاف فرقة مسرحية غير ربحية.
حملت الدراسة عنوان “المسرح الإقليمي الأمريكي يواجه أزمة حادة”. ويقول عنوان فرعي “المسرح الإقليمي الأمريكي يعيش أصعب وقت للإنتاج المسرحي في تاريخ بلاد العام سام”.
تقول المقدمة إن أعداد جمهور المسرح الإقليمي لا تزال تتراجع بعد انتهاء إجراءات التباعد مما يخلق عدة مشاكل أمام فرق مسرحية عديدة.
ذلك أن الإنتاج المسرحي مكلف ولا بد من تعويض التكلفة بثمن التذاكر ما لم تكن الفرقة المسرحية تتلقى دعما من جهة أخرى بطريق أو بأخرى.
وهذا أمر غير متاح لمعظم الفرق فتجد نفسها مضطرة إلى خفض أجور الممثلين والفنيين أو إجراء تعديلات على العروض ربما تجعلها أقل تأثيرا واقناعا وإمتاعا للمشاهدين.
والبديل الأخير هو رفع ثمن التذكرة الذي سيزيد بالتأكيد من إحجام المشاهدين. وأحيانا ما يكون الحل هو إلغاء العرض المسرحي كما فعل مسرح لوس أنجلوس حيث ألغى موسما كاملا بعد أن واجه أزمة مالية لم تحدث في تاريخه منذ 75 سنة. وهناك فرق حلت نفسها تماما.
لنكولن
وتقول المقدمة إن الأمريكيين على اختلاف أجناسهم يعشقون المسرح. وكان الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن من عشاق المسرح حتى أنه في سنواته الأربع في الحكم (1861- 1865) شاهد أكثر من 100 عرض مسرحي. وكان من عشاق مسرح شكسبير خاصة مسرحية ماكبث. بل إنه تم اغتياله وهو في طريقه إلى مسرح فورد في واشنطن لمشاهدة إحدى المسرحيات. وخلد المسرح هذه المأساة بإقامة متحف يصور الجريمة عبر لوحات فنية لا تزال موجودة حتى الآن. وتوارث الرؤساء عشق المسرح كما هو الحال مع بيل كلينتون.
وتحتكم الدراسة إلى لغة الأرقام فتقول إن عدد رواد المسرح الإقليمي الأمريكي حاليا يقل بنسبة 25 إلى 30 % عن أعدادهم قبل إجراءات كورونا التي امتدت من مارس 2020 إلى أواخر 2021.
عوامل
وترجع الدراسة ذلك إلى عدة عوامل منها أن يكون كبار السن والبالغون قد فقدوا عادة الذهاب إلى المسرح بطول فترة التباعد وإغلاق المسارح. ولم يقتنعوا بالمسرحيات التي تقدم على الهواء عبر مواقع التواصل لخلق الإحساس بجو المسرح. وساعد على ذلك أيضا ارتفاع معدلات الجريمة. كما انتهت تقريبا الإعانات التي قدمتها الحكومة الفيدرالية لبعض الفرق المسرحية خلال فترة التباعد. وتراجعت أيضا التبرعات التي كانت تأتي من عشاق المسرح. وفي الوقت نفسه ارتفعت الأجور والتكاليف كما ذكرنا.
ويرى البعض أن تراجع الصحف الإقليمية وانخفاض عددها وتراجع النقد المسرحي علي صفحاتها له دور في المشكلة.
وأكد علي نفس المعنى كريستوفر موسيز مدير مسرح اليانس في اتلانتا حيث أكد أن المسرح الإقليمي في الولايات المتحدة يمر بفترة عصيبة حافلة بالمخاطر.
وكانت أكثر المعاناة في شيكاغو كبرى مدن ولاية الينوي وثالث أكبر مدينة أمريكية. وكانت شيكاغو تنافس برودواي وتنافس واشنطن كأكبر مركز للمسرح الإقليمي في الولايات المتحدة. فقد أغلقت خمس فرق أبوابها في هذه المدينة وحدها.
وأغلقت أبوابها مجموعة من المسارح الإقليمية التي كانت تتمتع بسمعة قومية تنافس فرق برودواي. من هذه الفرق على سبيل المثال لا الحصر فرقة “احجز” المسرحية لإعادة العروض في سياتل والفرقة الجنوبية لإعادة العروض في نيواورليانز وفرقة مسرح ترياد في كارولينا الشمالية وفرقة غير المتوقع في ماريلاند.
واضطرت فرق أخرى إلى تسريح أعداد من العاملين فيها من الممثلين والفنيين على حد سواء كما فعلت فرقة لوكنج جلاس في شيكاغو. وهناك فرق خفضت أجور العاملين. وقامت إحداها في تكساس بدفع نصف الأجور في شكل أسهم في الفرقة تستحق عوائدها حين تحقق ربحا. هذا بالإضافة إلى مضاعفة أعباء العمل ولجأت بعض الفرق إلى الحلين معا.. مضاعفة أعباء العمل وخفض الأجور رغم أن العمل المسرحي في كل أشكاله يحتاج عناصر متميزة يتم جذبها بالأجور المجزية.
هذا فضلا عن حلول أخرى متنوعة. فنجد فرقة أردن في فلادلفيا تقلل عدد العروض من 500 في الموسم إلى 300. ونجد فرقة “اكت” ذات العروض المتعددة في سياتل تقلل زمن العرض الواحد من عروضها المتعددة بمقدار أسبوع. وقررت فرقة لونج وارف في كونكتكت التحول إلى فرقة متجولة.
ومن الحلول التي لجأت غليها فرق أخرى البدء في جمع التبرعات من الشركات والأفراد مع مراعاة التنويع حتى لا يفرض المتبرعون إرادتهم على ما تقدمه الفرق وحتي لا تعتمد على مبيعات التذاكر بشكل كبير كما حدث مع فرقة اليانس في اتلانتا. وهذا الحل يفيد بشكل خاص الفرق غير الربحية لكنه لا يفيد تلك الربحية. ولا يمكن الاعتماد عليه إلى ما لانهاية. ومن الصعب توسيع قاعدة المتبرعين.
كما بدات بعض الفرق في تقديم إنتاج مشترك مع فرق أخرى لتقاسم الافكار والموارد. وهذا ما فعلته فرقة اولني في ميريلاند مع فرقة راوند هاوس في مسرحية فيلا التي تتناول حياة الموسيقار النيجيري فيلا كوتي. ولجأ البعض إلى بيع التذاكر مقدما للجمهور بنظام الاشتراك. ولم يحقق هذا الحل نجاحا كبيرا رغم أن هذا الأسلوب كان متبعا في المسرح الإقليمي في الولايات المتحدة قبل الجائحة. ولم يكن يحقق نجاحا كبيرا في أوساط الشباب.
تعليقات
ولفتت المشكلة أنظار المعلقين في عدد من الصحف الأمريكية الرئيسية.
ها هي صحيفة واشنطن بوست تقول في تعليق لها “المسرح الإقليمي في حالة سقوط حر” وتقول نيويورك تايمز “عوائد أقل ...إنتاج أقل ...عروض أقل...مسارح أقل”
ويقول معلق النيويورك تايمز إن المشكلة لا تتوقف عند مجرد التعامل مع أزمة مالية تعانيها الفرق المسرحية الإقليمية بل يجب وضع حلول لتدبير الموارد التمويلية على المدي الطويل.
ويري البعض أن المشكلة عامة ولاتقتصر على المسرح الإقليمي كما يردد البعض.
ويستشهدون بإحصائية تقول إن في 2022 شهد 4 % فقط من البالغين في الولايات المتحدة وهو رقم يعادل 11,5 مليونا عروضا مسرحية. وكانت النسبة قبل كورونا 9,7 %. كما شهد المسرحيات الغنائية التي يفضلها كثير من الأمريكييين 10,3 % من البالغين (26 مليونا) مقابل 32 مليونا في 2017.وفي 2022 تعرضت نحو 18 ألف فرقة مسرحية غير ربحية لانخفاض قدره 22% من عوائدها بالمقارنة بعام 2019.