إذابة الحواجز بين خشبة المسرح وقاعة الجمهور(2)

إذابة الحواجز بين خشبة المسرح وقاعة الجمهور(2)

العدد 855 صدر بتاريخ 15يناير2024

((حامل الجسم الغريب: يقول شعبنا أيضًا... عندما يصنع الشعب إلهًا، فإنهم أيضًا يجعلون الإنسان روح الإله. وكلما تم استدعاء الإله تظهر الروح في أعقاب الإله. أليس كذلك؟

جوقة: إنه كذلك!
حامل الجسم الغريب: نووكيدي Nwokedi Nwa Nwokedi: أنت روح. لقد جعلناك روحا. لكن في هذه الساعة، عندما تعبر إراقة الدماء تلك، سوف تصبح إلهًا. ومثل الإله سوف تمشي على الأرض. بأقدامك العارية ستطأ الأرض القاحلة حتى تزدهر بخضرة حياة جديدة. أليس كذلك؟
الكورس: إنه كذلك!))
إن الكثير من الدراما الأفريقية في فترة ما بعد الاستعمار تدور حول هذه الحدود بين الوجود واللاوجود، وتتكون بشكل أساسي من الجمهور والمشاركة المجتمعية كعمل من أعمال إعادة البناء الاجتماعي والديني والسياسي.
إن الأعمال الدرامية التي قام بها جي بي كلارك، وول سوينكا، وزولو سوفولا، وإيفوا ساذرلاند، وفيمي أوسوفيسان، وتوندي فاتوندي، وغيرهم من الكتاب البارزين في القارة، تُشرك المجتمعات في طقوس دينية وسياسية في آن واحد.
بالنسبة لهؤلاء المسرحيين، يعتبر الأداء الطقسي مؤشرًا للمفهوم الأفريقي للطائفية والاستمرارية الثقافية. على الرغم من أن العلاقة بين المؤدي والجمهور في المسرح الأفريقي هي علاقة دافع وجودي، إلا أنها غالبًا ما تتم مقارنتها بوصفة بريخت الأخلاقية للجمهور الأوروبي كما هي مغلفة في المسرح الملحمي.
وكما لاحظ بريان كرو Brian Crow “يبدو أن مشاهدي المسرح في أفريقيا يحققون بشكل غريزي بعض تطلعات بريخت نحو نوع جديد من الجمهور”. ومع ذلك، فمن الجدير بالملاحظة أن استمرار مشاركة الجمهور في مرحلة ما بعد الاستعمار الأفريقية يشير إلى تأثير ثقافة الأداء الأفريقية الأصلية، والتي تسبق بالطبع نظرية برتولد بريخت Bertolt Brecht . سيكون من المناسب أكثر أن نفترض أن بريخت يطمح إلى تكوين جمهور تشاركي يقارب تقاليد المسرح الصيني الذي ألهمه. ومن الواضح أن الأداء الأفريقي يشكل مركزاً موحداً للقوى المتباينة في الكون الديني والاجتماعي والسياسي الطائفي.
يصف جون مبيتي John Mbiti هذا الوضع الفلسفي الثقافي من حيث أوبونتو، “أنا موجود، لأننا موجودون، وبما أننا موجودون؛ لذلك أنا موجود.” حجة كوامي جيكويKwame Gyekwe  بأن الشعور الأفريقي بالمجتمع والمعتقدات في الطائفية أحاط  بالإطار الأيديولوجي للمفكرين الاشتراكيين في مرحلة ما بعد الاستعمار الأوائل، وهو ما حدده على أنه “القلق من إيجاد مرسى لاختيارهم الأيديولوجي في التقاليد والأفكار الأفريقية حول المجتمع”، فيمزج المسرح والأداء الأفريقيين ضمن نفس النسيج الطائفي مثل القادة السياسيين. ومسرح الحفلات التنكرية هو رمز قابل للحياة لتلك الضرورة المجتمعية.


كيف يتفاعل الجمهور مع  القصص  والأساطير في أنانسيسم/أنانسيجورو
يدور التراث المسرحي الأكثر في انتشارا في المجتمع الغاني الأصلي، وهو “أنانسيسم  Anansesem “، حول نسق سردي غير منطقي يشترك فيه معًا الأداء ومساحة الأداء مع الراوي والجمهور على حد سواء. أنانسيسم   Anansesemهو تراث لحكي القصص غالبًا ما يرتبط بشعب غانا الناطق باللغة الآكانية، وهو يعتمد على مخزون من الحكايات الشعبية العنكبوتية المخادعة. وفي لغة أكان Akan، تُترجم كلمة “ananse” إلى “العنكبوت” و””asem” إلى قصة. ولذلك فهي ثقافة أداء تعتمد بشكل صارم على قصص العنكبوت المخادع - وهي شخصية فولكلورية ذات دلالة رمزية ونموذجية هائلة.
أهم عناصر الأنانسيسم Anansesem هو الإمبوجو the mbogou - وهو نوع من المداخلة من قبل الجمهور في سلسلة الأداء الذي يتجلى في شكل قصة داخل قصة أو أغانٍ.
في عالم ثقافة Akan  “آكان”، يُستدعى العنكبوت حيث أنه صاحب جميع القصص، وفيها يشير mbogou إلى حرية الجمهور في المشاركة في الأداء الجماعي.
ويرى ديفيد دونكور  David Donkor أن mbogou هو عملية انتهاك  لحرية التأليف التي يتبعها الراوي. حيث يصنف دونكور Donkor الجمهور أثناء مداخلة الإمبوجو  mbogou كمؤلف مشارك، ويوضح كذلك أن استيلاء الجمهور على المساحة ولحظة الأداء يشكل إزاحة لحظية لسرد الراوي حيث إنهم يحلون محل فعل الراوي بفعلهم، وبالتالي يفسدون تأليفه وسلطته على الأداء. ومع ذلك، فإن هذا الاعتداء هو اعتداء وظيفي ويشكل جزءًا لا يتجزأ من هيكل الأداء التراثي الواضح لأفريقيا. كما أنه يسلط الضوء على الروح الجماعية لأسلوب حياة الآكان Akan، وهي السمة التي تجعله يتوافق مع مطالبة أفريقيا بالمسرح الشامل.
وفقًا لإيفوا ساذرلاند Efua Sutherland (سيدة المسرح الغاني)، التي طورت نوع الأنانسيسم Anansesem إلى مسرح أدبي ما بعد الاستعمار الذي أطلقت عليه اسم أنانسيجورو anansegoro، فإن إمبوجو mbogou يسمح للجمهور “بإيقاف سرد القصة لتقديم مثل هذه المساهمات، ودائمًا ما تكون خياراتهم هي مدفوعة ببعض الإيحاءات في الموقف الدرامي. وعلى الرغم من اكتشاف أن الحيوية في الفعل المسرحي قد أثارت مساهمة معظم الجمهور ومشاركته، إلا أن إموبوجو mbogou تعد ضرورة ثقافية في التراث السردي لشعب أكان Akan.

تفكيك المسرح والقاعة
يسلط يبوا دانكوا Yeboa Dankwa الضوء على وظيفة الإمبوجو mboquo  باعتبارها أساسا للمنفعة المتبادلة بين الجمهور والأداء، وتحافظ على الروح المعنوية للجمهور. كما أنها تساعدهم على المشاركة بشكل كامل في الحكاية، وهذه علامة جيدة على التفاعل بين الراوي وجمهوره. وتساعد الراوي على الحصول على قسط من الراحة لأن رواية القصص بين شعب أكان وغوان هي قصة درامية حقًا. فالراوي قد يكون متعبًا أو انقطع نفسه أو قد فقد صوته. ففي خلال فترة الراحة، يمكنه أن ينضم إلى الجمهور، ويتذكر الأحداث التي تأتي بعد ذلك أو حتى تلك التي تتملص منه.
قد تكون هذه الانسيابية في مساحة الأداء والمشاركة التفاعلية بين المؤدي والجمهور قد ألهمت إيفوا ساذرلاند Efua Sutherland في تطوير جماليات أدبية من تراث الأنانسيسيم anansesem. حيث طور أسلوب أداء ساذرلاند Sutherland (والتي أطلقت عليها اسم أنانسيجورو anansegoro، وهي في الأساس إعادة صياغة أدبية لأنانسيسم  anansesem) أسلوبًا مسرحيًا يقارب نوع الأداء الأصلي في سياق ما بعد الاستعمار الغاني.
في أنانسيجورو، وهو نوع من التلاحم بين الأنانسيسم التقليدي والتجربة المسرحية الغربية، والذي جاء مع المواجهة الاستعمارية، سعت ساذرلاند إلى جعل الجمهور محورًا لدراماتورجيا انتقائية محددة الهدف. وفي تفصيل تجربتها في استئناف التجربة المسرحية الجماعية في إبداع أفريقيا الهجين في مرحلة ما بعد الاستعمار، كتبت ساذرلاند ما يلي:
من بين المشاكل العديدة التي واجهتُها في تأليف أنانسيجورو، كانت المشكلة الأكثر صعوبة هي كيفية توظيفها بكفاءة عالية عند استدعاء عنصر المشاركة المجتمعية هذا. لقد استخدمت وسيلة الانتقال إلى المسرح لمجموعة من اللاعبين الذين يمثلون كلا من الفنانين المتخصصين والجمهور المشارك في Anansesem. إن مسئولية جعل الجمهور العام يشعر بالانسجام مع الجمهور المشارك على خشبة المسرح يقع بالطبع على عاتق مخرج المسرحية من خلال دمج الجمهور في آليات الدراما التجريبية.
 حقًا، لقد حققت ساذرلاند ريادة بارعة في مجال المسرح. مما لا شك فيه أن هذا النجاح ينبع من الدعم الرائع للروح الجماعية والمشاركة للشعب حتى في مواجهة النظام العالمي الإمبريالي. في الواقع، زعمت فيمي أوسوفيزان Femi Osofisan أن “هدفها الرئيس لم يكن محو نظرة الآخر الاستعماري، بقدر ما كان المساعدة في اكتشاف شكل مسرحي أفريقي حديث سيكون ذا معنى ومتاحا للأفارقة المعاصرين”. إن الحفاظ على التواصل التراثي بين فناني الأداء والجمهور من خلال إحياء نموذج الأنانسيسيم هو المحور المركزي للتكوين المسرحي لساذرلاند.
لقد استخدمت ساذرلاند مصطلح “مجموعة من اللاعبين” لوصف الطريقة التي ستكون بها مجموعة الجمهور الرمزي التي جمعتها على خشبة المسرح وهي بمثابة مصدر لمشاركة mbogou غير المباشرة في الحدث السردي.
في المثال الأساسي لهذا النوع، “زواج أنانسيوا”، يتدرب على هذا “الجمهور” الموازي على خشبة المسرح بغرض مد جسور المشاركة في تشكيل الأداء. ويتم تطوير هذا التفاعل والمداخلة بشكل جيد جدًا في العلاقة بين راوي القصص وقائد الأغاني اللذين يحرران نفسيهما من مجموعة الجمهور لقطع أو “تغيير” الرواية في تطبيق نموذجي لتقنية الإمبوجو mbogue.
- المثال:
- ((قائد الأغنية: أيها الراوي، احتفظ بقصتك لبعض الوقت
- الراوي: إنها محفوظة لك يا أخي.
- [يبدأ قائد الأغنية الترنيمة “قال كويكو أنانسي  kweku Ananse إنه سيفعل”]
- كويكو أنانسي قال إنه سيفعل ذلك
- وقد فعل ذلك
- أيها الإنسان!
- الراوي: وبعد أن ماتت هذه الترنيمة، اسمحوا لي أن أعترف بأنني أشعر بأنانسي    Ananse)).
منذ ذلك الحين صار أنانسيجورو Anansegoro مصدرا للإلهام لقصص تراثية سردية أخرى أقل اعتمادا على الفولكور بكثير، لكنها حافظت على التفاعل بين المؤدي والجمهور.
وتحمل مسرحيات أوسوفيسان Osofisan الاحتجاجية ذات الدوافع السياسية في نيجيريا تقاربًا وثيقًا مع تراث رواية القصص لساذرلاند، والذي يستكشف المسرحية كعنصر ثابت في الأداء الأفريقي.
ويوصف بأنه “واحد من أكثر المسرحيين البريختيين الأصيلين بين المسرحيين الأفارقة”، وقد سعى مسرح أوسوفيسان إلى إثارة وتنشيط الجمهور للتمرد ضد القيادة الفاسدة في الدول الأفريقية. وقد أوضح أوسوفيسان في اعترافاته أنه “إذا تمت تهيئة الجمهور بشكل صحيح، فإنه سيصبح الجمهور الذي يمكنه أن يمد الحركة الطليعية لجيش التحرير في المستقبل.”
أما داخل غانا، فإن توجهات محمد بن عبد الله، حول أبيبيجورو abibigoro (مصطلح يشير إلى المسرحية السوداء)، التي تقترح مسرحًا قائمًا على تاريخ أفريقيا السوداء، تنسق دراماتورجيا مماثلة لمسرح أنانسيجورو بآلياتها البنيوية التي تمكن الجمهور من التدخل.
إن مسرحيات مثل “محاكمة مالان إيليا”، و”العبد”، و”ساحرة موبتي”، و”الملك الفضائي”، و”أرض المليون ساحر”، وسقوط كومبي”، و”أغنية فرعون”، تمت كتابتها وإنتاجها ضمن مبادئ جماليات أبيبيجورو التي فيها يتم بشكل أساسي أن تنسحب العروض إلى الجمهور والقاعة، وغالبًا ما تبدأ منهما، حيث يتم وضع الممثلين بشكل استراتيجي بين الجمهور.
في شرحه لإنتاج عرض “في ذات مرة أربعة لصوص”، يصف أوسوفيسان  Osofisan، الذي أشاع هذا الاتجاه الإحيائي لدى الجمهور الأفريقي على المسرح الحديث، بأنه مثير وجذاب بشكل ممتع، قائلا:
يشق الراوي طريقه بين المتفرجين الغنائيين، فيرى بعضهم ينهض من مقاعدهم ويتحرك معه. وقد انضم إليهم الكثير. تبدأ الأضواء أيضًا في الخفوت في القاعة، وتصل إلى المنصة التي يتجه نحوها الراوي وجمهوره. والآن هم مجتمعون على خشبة المسرح، والراوي محاط بمن تبعوه. وأخيرا، يطلب متطوعين للعب أدوار في القصة التي هو على وشك تمثيلها، ويرسل شخصًا ما لشراء الأزياء والعناصر الأخرى. ترتفع عدة أيدي. يختار الراوي من يريد، ويحدد لهم أجزاء، ويعطيهم الأزياء والعناصر. ويشكر بقية الجمهور، ويعيدهم إلى مقاعدهم. هناك ضحكة كبيرة في الداخل لأن من يسمون بـ “المتطوعين” هم في الواقع ممثلون مزروعون بينهم.
بالنظر إلى الآثار التاريخية لأبيبيجورو، وطقوسها، واتساع نطاق الجمهور الذي يوحي بالمشاركة، فإن ذلك يشير إلى التعامل مع الواقع والهوية التاريخية الأفريقية، من خلال أبيبيجورو المجتمع الأفريقي، أي أن الجمهور يواجه إحساسًا بالماضي الأفريقي ورؤى أبطاله وإمبراطورياته النبيلة. هذا هو في الأساس المشروع الدرامي لمحمد بن عبد الله. وهذا هو المعنى الدقيق الذي تستمد به مسرحياته، المستوحاة من الفكر الأفريقي، من “ذعر من الشخصيات والموضوعات من التاريخ الأفريقي ومن أجزاء مختلفة من القارة الأفريقية”.
في عرض “أغنية الفرعون”، أحدث عرض أبيبيجورو لعبد الله عن قصة التحليل النفسي الأوديبية لأخناتون، الفرعون العاشر من الأسرة الثامنة عشرة لمملكة كيميت المصرية القديمة، فإن التفكيك المتقطع الذي يقوم به رواة القصص الثلاثة لمساحة الأداء يناقش مطالبة إفريقيا بمصر باعتبارها أصل الحضارة الإنسانية. ينقل العرض التاريخ المصري القديم من خلال مداخلات الرواة، المشابهة لمداخلات أنانسيجورو، والتي يشارك فيها قارعو الطبول والراقصون الذين يندمجون مع الجمهور. وبالتالي، فإن الجمهور وقارعي الطبول هم الذين يخاطبهم رواة القصص في المداخلة التالية:

-    ((أدواهيما: قطع قطع قطع!
-    سيكو با: توقف...توقف...توقف!...
-    أموزو: تجميد!...تجميد كل شيء!
-    أدواهيما: من أعطى الأمر ببدء أبيبيغورو!
-    أموزو: نحن لسنا مستعدين بعد! من قال إنك تستطيع
-    أدواهيما: هذا ليس أبيبيغورو العادي. ومن المهم أن نبدأ بشكل صحيح)).

تميل أعمال المسرحيين الغانيين الآخرين في فترة ما بعد الاستعمار، ولا سيما مارتن أوسوMartin Owusu ، وإفو كودجو مووجبي Efo Kodjo Mawugb، وياو أساريYaw Asare، إلى دمج جماليات أنانسيجورو وأبيبيجورو، والتي تتكون في الأساس من التلقيح المتبادل لمخزون العنكبوت (أنانسي Ananse) والتفاعل بين التراث التاريخي الأفريقي والأساطير والإمبراطوريات. وهكذا فإن الدراما الغانية المعاصرة لا تستهدف فقط  مزج السياقات الثقافية، ولكن أيضًا جماليات الدراما التفاعلية.
ومن المثير للاهتمام، أن كلا من الموروثين قد منح الدراما الغانية آليات المسرح والبنية الأساسية التي تميز الجمهور باعتباره الهوية الأساسية في الأداء. ومن الجدير بالذكر أن هوية الأداء الغانية تتبلور في المسرح الشامل، ومن الأمثلة البارزة على ذلكEfua Sutherland Drama Studio استوديو الدراما إيفوا ساذرلاند، أكرا، غانا، في هذا يشكل الجمهور دائرة حول مساحة الأداء. حيث أن فكرة الفراغ مهمة في أداء التراث الغاني والأفريقي في الاقتراب من تقدير مفهوم الهوية الثقافية والاستمرارية.
وقد تم إنشاء استوديو Efua Sutherland Drama Studio لاستعادة التراث الشفهي في ذروة مشروع الرئيس كوامي نكروم  Kwame Nkrumahالمناهض للاستعمار الجديد، ويهدف إلى زيادة تجهيز مساحة الجمهور الذي ميز العروض القوية والمخصبة لغانا ما قبل الاستعمار.
مشاركة الجمهور في الأداء
اعتبارات معرفية
في حين أن مسرح الإيغبو التنكري يتكهن بتداعيات دينية في تطور المسرح في أفريقيا، فإن مثال أنانسيسم/أنانسيغورو يوحي بمشروع علماني ويؤكد على جمالية الأداء حتى في فترة ما قبل الاستعمار. ومع ذلك، هناك علامة جماعية مشتركة وسمات تفاعلية تربط كلا الشكلين الدراميين. يرى ديفيد كير David Kerr أن المسرح الشعبي الأفريقي هو اقتران ثقافي بالنظريات السياسية لـ “الاشتراكية الأفريقية” التي تتضح في أيديولوجيات المفكرين البارزين مثل ليوبولد سنجورLeopold Senghor، وكوامي نكروما Kwame Nkrumah، وسيكو توري Sekou Toure، وجوليوس نيريري Julius Nyerere، وغيرهم من الآباء المؤسسين للقومية الأفريقية الذين تعكس لأفريقيا مجتمعًا “شيوعيًا” نهضويًا. في الواقع، فإن فلسفات معظم أنصار الوحدة الأفريقية التي تم بناؤها كأدوات لمقاومة الإمبريالية الغربية استندت إلى وجود الطائفية. وهذا واضح جدًا في كتابات فرانز فانون Franz Fanon، وتشينوا أتشيبي Chinua Achebe، وكوامي نكروما Kwame Nkrumah، وأميلكار كابرالAmilcar Cabral ، وول سوينكا Wole Soyinka.
هذه، في الأساس، هي النظرة العالمية التي تدعم الأداء المسرحي والسياسة للشعوب الأفريقية مثل أكان، وإيوي، وإجبو، ويوروبا، ودوغون، والهاوسا، وأنيوما، وإيتسيكيري، وإيجاو، والعديد من القوميات العرقية الأخرى. من الواضح أن هناك صلة لا تنفصم بين الفلسفة والسياسة والأداء. وهذا هو المعنى الذي تصور به تيرنر Turner  فكرة أن الثقافات تعمل على تفكيك الدولة والقاعة، حيث يتم التعبير عنها بشكل كامل وجعلها واعية بنفسها من خلال طقوسها وعروضها المسرحية.
يلاحظ كير أن: إحدى سمات مسرح ما قبل الاستعمار والتي تبدو متجانسة مع نظرية الاشتراكية الشيوعية الأفريقية هي التركيز الجمالي على خصائص المسرح المشتركة والمجهولة.
حتى الدراسات الأنثروبولوجية عن الحقبة الاستعمارية أشارت إلى نوعية مشاركة السكان الأصليين في المسرح الأفريقي. ومن ثم فإن مشاركة الجمهور في التجربة المسرحية الأفريقية ليست عملاً دينيًا فحسب، بل هي أيضًا التزام علماني وسياسي. إنه مشروع مجتمعي يهدف إلى التجديد الاجتماعي والسياسي للمجتمع. 
وقد استخدم سام أوكالا Sam Ukala مصطلح “قانون الأداء المشترك” للإشارة إلى التأثير الجمالي لمشاركة الجمهور في العروض الأفريقية الأصلية.
من وجهة نظر أوكالا: بعد الموافقة على الراوي، يتعاون الجمهور الأفريقي التقليدي معه من خلال الغناء معه، وطرح الأسئلة أو إبداء تعليقات لإزالة الغموض، ولعب الأدوار في تمثيل أجزاء من القصة، وتسلم الحكاية من الراوي الفاشل.
وهكذا، فإن الأداء الجمعي الذي يتجلى في انخراط الجمهور ومشاركته هو تعبير عن المظهر الخارجي الأفريقي، وعلم الوجود، والفلسفة، ونظرية المعرفة الجماعية. إنه يدل على الإكراه الميتافيزيقي والالتزام بالتجديد الروحي والاجتماعي والاقتصادي. إن الجمهور في أفريقيا يؤدي عروضه حتى يعيش. فهي ممارسة لا تنفصل عن الحياة من خلال الترفيه والفن والطقوس.

يسلط كاكي جوتيك Kacke Gotick، الذي يكتب عن مسرح أبيدان، الضوء على مركزية الفعالية في هذا النمط المسرحي بينما يدعو إلى تعريف جديد للمسرح يعتمد على “الأنماط التي يتم عرضها وتمثيلها، وتكون مؤثرة في نفس الوقت، والتي يتم وصفها على أنها ثنائية من قبل المشاهدين المختارين، مما يعمل على التماس بين الواقع والخيال في نفس الوقت”.
من خلال الأداء، يشارك الجمهور الأفريقي في سرد تاريخهم وإقامة طقوس تجديد الحياة.
في مذكرة إنتاجية حول أداء مسرحية “رقصة الغابة A Dance of the Forest “لـ وول سوينكا Wole Soyinka، يؤكد توندي أوسانمي Tunde Awosanmi وجهة النظر هذه بينما يعترض على الفضاء المسرحي للأداء باعتباره قوة طاردة لفكرة المشاركة والاستكشاف المسرحي للمجتمع. عند النظر إلى موضوع المسرحية “تجمع القبائل” بشكل مجازي، يفترض أوسانمي Awosanmi أن “المجتمع بأكمله يشارك في هذه الطقوس - البشر والأموات والأحياء والذين لم يولدوا بعد؛ الأرواح والآلهة والحيوانات والنباتات. هذا هو اكتمال الفكرة الأفريقية للمجتمع. مساحة كشف حقائق الوجود والاحتفال. على عكس وجهات النظر التي عبر عنها علماء المسرح الأفريقي حول فعالية الأداء والتي يرتكز الكثير منها على الإطار النقدي والنموذج لمطلب بريخت الملحمي الجدلي من أجل التغيير، إنها مساحة الأداء التي تحتضن ظواهر الوجود الأفريقي والاحتفال. وتعتبر الفعالية متضمنة في الاحتفال المشترك بتشريع المجتمع لتاريخه ووجوده.

في الختام، فإن الأداء الأفريقي هو في الأساس مجتمعي ويشكل مشاركة مهمة للجمهور كجزء من ممارساته الهيكلية والسياقية. وكأمثلة على مسرح تنكر الإيجبو ورواية القصص الغانية فتشير تقاليد أنانسيسم/أنانسيجورو anansesem/anansegoro، كما وضح أعلاه، إلى أن الأداء الأفريقي جزء لا يتجزأ من علم الوجود والفلسفة ونظرية المعرفة الجماعية التي تتجلى في المشاركة المجتمعية للجمهور.
في هذه الموروثات، يتم تشكيل الأداء على أساس تفكيك تكوينات المسرح والقاعة. في حين أن حفلة تنكرية الإيجبو، من خلال تجسيد الروح، تؤدي خارج حدود المسرح؛ حيث يجسد anansesem/anansegoro شرطًا هيكليًا يسمى mbogou، والذي يمكّن الجمهور من ممارسة السلطة التقديرية ويحل محل الراوي. يعتبر كلا أسلوبي الأداء منتشرين للطبيعة الثابتة للمسرح في أفريقيا والتي تميز الجمهور كممثلين. على الرغم من عدم نشر خطاب جوهري حول هوية الأداء الأفريقي، إلا أن هذه الورقة تعترف إلى حد كبير بما يصفه تشوكوما أوكوي Chukwuma Okoye بأنه “خصائص متجانسة بشكل حر” والتي تميز ثقافة الأداء في معظم المناطق في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
إن محاولة هذه الورقة في “تأريخ أوجه التشابه” للأنماط الجماعية في الأداء الأفريقي، رغم أنها توحي باتجاهات جماعية زائفة، إلا أنها تعترف بالخصائص التاريخية والميتافيزيقية والاختلافات في هذه العروض.
-ملحوظة: (نشر هذا المقال في academia.edu, وهو ورقة بحثية بعنوان (جدلية الجمهور كمؤدٍ في الأداء الأفريقي الأصلي والحدي)-  كتبها: AJUMEZE HENRY OBI - كلية الفنون المسرحية، جامعة غانا، ليجون - حاصل على درجة الدكتوراه من مركز الدراسات الأفريقية بجامعة كيب تاون)


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏