أسباب فشل عروض الريحاني!!

أسباب فشل عروض الريحاني!!

العدد 853 صدر بتاريخ 1يناير2024

حاول الريحاني النجاح بفرقته الجديدة، كما حاول إقناع جمهوره بأنه ممثل درامي يستطيع أن ينجح في أدواره التراجيدية مثلما نجح في أدواره الكوميدية وخصوصاً أدواره في شخصية «كشكش بك».. ولكنه للأسف فشل في ذلك فحلّ فرقته - التي كوّنها بعد انفصاله عن أمين صدقي – وقرأنا آراء أصحاب الفرق الأخرى في حلّ فرقة الريحاني ونهايتها!! ولكننا لم نقرأ آراء النُقاد وهي آراء لها وجه آخر.. فهناك من كان موضوعياً فعرض الموضوع وحلل أسباب فشل الفرقة، وهناك من حاول أن يقف بجانب الريحاني، وهناك من حاول استغلال الفرصة للنيل منه، وهناك من هاجمه هجوما خسيسا كان أقرب إلى «الشماتة» منه إلى الكتابة النقدية أو الصحافية!!
نبدأ تاريخياً بناقد مجلة «المسرح»، الذي كتب قائلاً: لامني الكثيرون على إهمالي نقد الروايات بمسرح الريحاني، وما علموا أنني أبغض الناس إلى التورط وارتياد مواضع الشبهات. أما اليوم فعلى رسلكم أيها اللائمون.. تعلمون ويعلم الكل أن طريقة النقد في مصر تسودها فكرة سيئة من جمهور القراء ورواد المسارح، لأن النقاد عودوا الجمهور على ألا ينظروا للنقد كنقد بريء صادق بل كمقياس لغضب الناقد أو رضائه على من ينقده من الفرق والممثلين.. فإذا ألجأني النقد النزيه مرة إلى التقريظ قالوا لحاجة في نفسه!! أو إلى ذكر السيئات قالوا أيضاً لحاجة في نفسه!! إذن كانت حكمة أن نترك النقد حتى تتبدد ظلمات الريبة التي تتكاثف سحبها فوق رؤوس الملأ أجمعين. وها أنا اليوم أتكلم وأقول: افتتح الريحاني مسرحه برواية «المتمردة» ونجحت بعض النجاح، ورأى الجميع أن الأستاذ نجيب له في الدرام كما له في الفودفيل. لم يكن جديداً على الجمهور أن يرى الأستاذ نجيب يمثل ولكن الجديد هو أنه يراه يمثل نوع الدرام أيضاً. كان جديداً على الجمهور أن يرى السيدة روز اليوسف تعتلي خشبة المسرح بعد أن هجرته عامين إلا قليلاً. وروزا ممثلة محبوبة جداً عند الجمهور ولها في النفوس مكانة وجلال. إذن كان مسرح الريحاني في بدء افتتاحه جديداً على الجمهور بنوعه وبممثليه ولكل جديد فرحة، وقد كانت فرحة مزدوجة اشترك فيها الممثلون والمتفرجون. انتهى الأسبوع الأول وكلنا مستبشر خيراً بمصير ذلك المسرح. ودخل المسرح في أسبوعه الثاني وكانت رواية «مونا فانا». لم يكن لنجيب دور فيها.. إذن هناك جديد فقده الجمهور في تلك الرواية، وكان للسيدة روزا الدور الأول ولعلام الدور الثاني في الرواية. أقبل الجمهور في بادئ الأمر لأن السيدة روزا تمثل وهذا يكفي، ولكن للأسف علم الجمهور أخيراً أن السيدة روزا مهما أوتيت من نبوغ وقوة، ومهما أوحي إليها من سحر لا تستطيع أبداً أن تقوم وحدها بإنجاح رواية غامضة كهذه كلها أخلاق وكلها نعومة. وللأسف لم يكن هناك من يستطيع أن يعاونها ولو بالقليل من المجهود. كان مآل الرواية إلى السقوط الفاحش وخسرت السيدة روز اليوسف من قلوب الجمهور بعضاً من مكانتها لأن الجمهور يقنع بما يرى، ولا يفكر أبداً في سر فشل هذا أو نجاح ذلك. ولو علموا أن روزا قامت بما تستطيع أن تقوم به، ولكنها لم تجد من يتضامن معها على إنجاح الرواية لتلمسوا لها الأعذار ولحفظوا لها في نفوسهم مكانتها وجلالها. وبعد انتهاء الأسبوع الثاني بدأت ثقة الجمهور تتقلص إزاء مسرح الريحاني وإني لا أحل الأستاذ نجيب من كل ذلك، فلقد أخطأ بتركه الرواية الثانية لغيره.. في البلد أزمة وفيها كساد والأستاذ نجيب ابتدأ عمله بكثير من الإسراف والسخاء، فأخذ يكيل للممثلين والممثلات مرتبات لا يستطيع بعضهم تخيلها. كان له أمل في أن ينصره ممثلوه ويشجعه الجمهور حيث لا أزمة ولا كساد، ولكن الممثلين - إلا قليلاً منهم – خذلوه.. والجمهور ليس ماجناً ولا مستهتراً إلى حد أن يقذف بنقوده في الهواء، ويجهد جسده ساهراً لا لشيء!! أدرك الأستاذ نجيب ذلك فماذا يفعل؟! أسرع بتمثيل رواية هو بطلها وكانت الثالثة، وخصم من مرتبات الممثلين 20% وهنا ابتدأ الزلزال يتحرك والنزاع يحتدم. لم تقبل السيدة روزا وعلمنا أن لها الحق فيما فعلت وأنها تستطيع أن تقبل بخصم 50% إذا وثقت من كذا وكذا، أو بالأحرى من دفع أقساطها في أوقاتها كاملة. أما أحمد علام فقد خنع في الحال لأنه يعلم ما ينويه الأستاذ نجيب له إذا رفض، وتبع علام كل الممثلين. وشاع ذلك بين الناس وما أقسى حكمهم إذ حكموا أن الأستاذ نجيب لم يوفق للنجاح فأعرضوا عنه. ارتبك العمل لأن روزا لا تريد أن تعمل في جو كهذا، وكانت رواية «الشرك» ولروزا الدور المهم فيها، إذن فمن يقوم بدورها؟.. لا أحد!! استمر الريحاني في تمثيل رواية «الجنة» ثلاثة أيام أخرى ليعد العدة لرواية فودفيلية يستطيع عندها أن يستغني عن روزا، وقد فعل. وفي خلال تلك الفترة أغلق مسرحه ليلة لقلة الإيراد.. إذن على من تقع التبعة إذا لم يستمر الأستاذ نجيب في عمله!! أعلى الجمهور؟ أم على الممثلين؟ أم على الريحاني؟ أما أنا فألقي التبعة على نجيب لأنه أسرف ولم يوفق في اختياره الكفء من الممثلين إلا في روزا وحدها!!
وكتب «محمد التابعي» - الناقد الفني لمجلة «روز اليوسف» - مقالة عنوانها «انحلال فرقة الريحاني»، قال فيها: تحقق ما خفنا أن يكون وامتنعنا عن ذكره رحمة بالفرقة الناشئة التي كنا عقدنا عليها آمالاً كباراً. وحلّ نجيب الريحاني فرقته في مساء الثلاثاء السابق، وهي لم تكمل من العمر شهراً واحداً. ولو شئنا أن نعدد الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة التي يؤسف لها لملأنا صفحات عديدة، ولكنا نلخصها فيما يلي: 
افتتح نجيب مسرحه وخزانته خاوية وعليه ديون عديدة وأقساطها مستحقة فلما صدمه الكساد الحالي لم يقو على الثبات، ووقف ببابه الممثلون يطلبون مرتباتهم وأصحاب المطابع يلحون في قبض ثمن إعلاناتهم، والمترجمون يهددون بسحب رواياتهم إذا لم تدفع أثمانها إليهم.. وكانت الفرقة ضعيفة من مبدأ الأمر ورغم نصيحة الناصحين فقد رفض نجيب أن يقويها أو يسعى إلى ضم عناصر تشد من أزرها، وحجته في ذلك أن ميزانيته تعجز عن تحمل أية زيادة في المرتبات.. وأما سوء الإدارة فكان موضع شكوى الجميع! هذا يصدر أمراً وآخر ينقضه! وهذا مكلف بمراقبة كذا فيهمله ويتدخل في أمر آخر من اختصاص سواه! ونجيب تارك الحبل على الغارب للجميع.. وشاعت سمعة غير طيبة فيما يتعلق بالمعاملات المالية مع الفرقة. فكانت الجرائد والمطابع وغيرها تأبى أن تعمل أي عمل للفرقة إلا إذا دفعت لها الأثمان مقدماً. ولم يمض على افتتاح المسرح أسبوع واحد حتى أدرك الجميع أن الفرقة في حالة شبه إفلاس ولم يحاول نجيب أن يخفي الواقع أو يعمل على تخفيف أثره في أذهان الجمهور، والجمهور يتأثر دائماً من مثل هذه الإشاعات. 
وكان الاضطراب وعدم النظام والفوضى مستحكماً في المسرح وإدارة الفرقة الفنية.. يقررون إخراج رواية وبعد أن يعملوا بروفات عنها يومين أو ثلاثة يقرر نجيب العدول عنها والاستعاضة بغيرها فيتركون الأولى ويمسكون الثانية، ولكن وفي آخر لحظة يعود نجيب عن قراره ويعلنون عن الرواية الأولى.. وهكذا.. وقبل هذا وذاك يجب أن نعلن هنا سوء نية نجيب نفسه، فهو لم يعتزم لحظة واحدة المضي في مشروعه الجديد بل كان يعتبر المسألة كلها تجربة لا أقل ولا أكثر .. وبروح التردد والضعف سار في عمله والدليل على ذلك أنه كان ينتهز فرصة كل خلاف يقوم بينه وبين أحد أفراد الفرقة ويهدد بحل الفرقة ويلوح أمام أعينهم بمشروعه القديم «الكشكشاوي» أو الاتفاق مع مدام مارسيل! ونجيب الريحاني ضعيف الإرادة جداً وكسول لا طاقة له على الكفاح ولا جلد له على العمل الشاق. صدمة واحدة تكفي لأن ترده عن أي طريق يعتزم المشي فيه. ولقد نالته صدمات فخارت قواه وأعرض. كذلك يجب أن نعلن هنا أن نجيب الريحاني لم يخسر شيئاً يذكر في هذا المشروع الجديد. فهو قد بدأ العمل ورأس ماله كما عرفنا بعد ألف جنيه ثم أخذ 250 جنيهاً من زوجته السيدة بديعة مصابني في ظروف لا حاجة إلى ذكرها الآن ثم اقترض 400 جنيه وبعضهم يقول 600 من مدموازيل كلير. فالجملة إذن على أكبر تقديري 1850 جنيه أصلح منها التياترو وفرشه وأثثه. فمن المضحك إذن أن يحاول البعض أن يصف الريحاني بالضحية أو الشهيد!
ويستكمل الناقد موضوعه قائلاً: وقبل انحلال الفرقة بأسبوعين أو أكثر راجت إشاعة مفادها أن روز اليوسف قد انقطعت عن العمل في فرقة الريحاني، وإلى جانب هذه الإشاعة كثرت الأقاويل وأمسكنا نحن عن الخوض في الموضوع لعلمنا أن الريحاني كان في دور الاحتضار.. ولكن الآن وقد بانت الحقيقة فلا بأس من كلمة موجزة نكشف بها عن سر المسألة: عادت روز اليوسف من باريس فوجدت أن الريحاني لم يحقق ذرة واحدة من كتلة الوعود الفخمة الضخمة التي كان وعدها بها قبل سفرها إلى باريس. وجدت فرقة ضعيفة جداً فقيرة جداً في كل شيء، معتلة الإدارة مختلة النظام، بروفاتها فوضى، ورواياتها غير موجودة .. أين الملابس والمناظر؟ أين مخازن الفرقة؟ أين الروايات المنوي إخراجها؟ أسئلة كانت تنال عنها أجوبة مبهمة. وشعرت السيدة أن المال وهو قوام كل فرقة تريد الكفاح في هذا الميدان الذي كثر فيه المتنافسون. شعرت أن المال معدوم وأن خزانة الفرقة خاوية. وبدا هذا الضعف على أشده في إعلانات الافتتاح وفى طريقة دفع الأقساط إلى أصحابها. وأرادت الانسحاب من العمل فجاءها الريحاني يتوسل ويتوسط في الأمر الأستاذ أنطون يزبك وقبلت السيدة العمل. وفي ثاني أسبوع بعد الافتتاح أرادت الانسحاب ولكن الريحاني أرسل وراءها مدير إدارته علي يوسف وفؤاد النعماني وما زالوا بها حتى أقنعوها بأن الحال سوف يتحسن وأن المروءة تقتضي عليها بالمضي مع الريحاني حتى النهاية. وبعد ذلك بأربعة أيام خالف الريحاني أحد شروط عقده معها. فأرادت هي أن تنتهز الفرصة وتفسخ عقدها وتنجو بنفسها من هذه المهزلة ولكن محاميها بعد أن قرأ العقد أفهمها أن ليس في العقد شرط يبيح لها فسخه في حالة ما إذا خالف الريحاني أحد نصوصه. وإنما في العقد فقط ما يبيح لها طلب التعويض وعلى هذا ظلت في الفرقة رغم أنفها. ثم أوقعت مطبعة البشلاوي بروتستوا [أي تفليسة] ضد مسرح الريحاني مطالبة إياه بثمن الإعلانات. وفي الأسبوع نفسه عجز نجيب عن دفع مرتبات الفرقة، وعندها شعرت السيدة روز أن الموقف أصبح خطراً وأن هذه الفرقة محال أن يرجى منها الثبات أو النجاح مع هذه الفوضى وهذا الإفلاس. وجاء نجيب يطلب تخفيض المرتبات فرفضت السيدة وكانت الفرقة تستعد إذ ذاك لإخراج رواية «الشرك» وللسيدة روز اليوسف الدور المهم، وفي ثاني يوم أخبر مخرج الفرقة الفني السيدة روز أن الريحاني عدل عن إخراج الشرك واستعاض عنها برواية «اللصوص» فحمدت روز الله وأقامت في دارها، ولكن بعد ثلاثة أيام جاءها خطاب من نجيب الريحاني يقول فيه إن امتناعها عن العمل قد أربك العمل وتسبب في عدم إخراج رواية «الشرك» ويطالبها بالتعويض المادي والأدبي! جرأة عجيبة لم يكن حيالها للسيدة إلا أنها ذهبت إلى محاميها وردت على خطابه بخطاب آخر أعقبته بإنذار على يد محضر وبدأت برفع الدعوى المدنية ضد نجيب. ولما أحسّ نجيب أن تهويشه لم يأت بالفائدة المطلوبة أراد التقرب والصلح فأرسل يده اليمنى في الإدارة حضرة علي يوسف ليسترضي السيدة روز وكان رد السيدة على هذه المساعي أنها تحترم عقدها مع نجيب ولكنها في الوقت نفسه لا تتنازل عن دعواها. وتكرر الرجاء وتكرر الرفض ثم حضر بعد ذلك أحمد علام والسيدة ماري منصور وميشيل زيادة يرجون روز أن تعود إلى العمل لكي يتمكنوا من إخراج رواية الشرك، وعرضوا عليها أن يأتي نجيب إلى دارها ليعتذر إليها بنفسه ولكنها رفضت أن تخطو خطوة واحدة إلا بعد أن تستشير المحامي. كان ذلك في صباح الثلاثاء وفي الظهر أعلن نجيب الريحاني انحلال الفرقة.. هذه هي حقيقة ما جرى.
أما جريدة «الكشكول» فنشرت الخبر على هيئة نعي عنوانه «البقاء لله»، قالت فيه: ننعي إلى قرائنا بمزيد الأسف وفاة المرحومة المبرورة «مضحكة» الذكر السيدة «فرقة الريحاني»! كريمة المرحوم كشكش بك، وقرينة الأستاذ نجيب الريحاني، ووالدة كل من «الأستاذة» روز اليوسف، والأستاذ أحمد علام، وشقيقة صاحبة الصون الآنسة «فرقة الحديقة» [أي فرقة أولاد عكاشة] وبنت خالة علي أفندي الكسار، وأمين أفندي صدقي، وقريبة الأستاذ يوسف وهبي والسيدة منيرة المهدية! اختارها الله في مساء الثلاثاء 30 نوفمبر الماضي بعد نوبة محزنة من سوء الإدارة وسوء الاختيار!! توفيت الفقيدة عن ثلاثين «يوم» قضتها كلها في «النخع» وطبع الإعلانات، وتوزيعها في الشوارع، وإلصاقها على الجدران!! وقد شيعت جنازتها «الحارة» من منزل العائلة بشارع عماد الدين في موكب حافل تقدمته صاحبة «المجد» مونافانا، وأصحاب العزة والسعادة «اللصوص»! وجمهور كبير من الممثلين والممثلات والنقاد وموزعي الإعلانات، وكل من هب ودب في شارع عماد الدين. وسار الموكب إلى مسرح الماجستيك حيث صلى على الفقيدة الكريمة، ثم عادت إلى مدفن العائلة في «كازينو دي باري» حيث ووريت جثتها التراب بين الحسرات والدموع. وفي وسط الجلال المرفرف وقف الأستاذ أنطون يزبك، فرثى الفقيدة بكلمة بليغة بكى فيها واستبكى واستمطر «الدم» من العيون! وأقيمت ليالي المأتم الثلاث في بوفيه رمسيس فوزعت على المعزين جميعاً، وعلى سبيل الذكري الأليمة، وبدلاً من لفائف التبع، «حبوب عنتر» التي كان في نية الفقيدة لو طال أجلها أن «تتحف» بها عالم التمثيل!! ونحن نتقدم لأهل الفقيدة وذويها وجمهور المعجبين بها بالتعزية من كل قلوبنا ونسأل الله أن لا يريهم مكروها في عزيز لديهم بعد الآن، وأن يمطر على جدث [قبر] الفقيدة شآبيب الرحمة والرضوان!!


سيد علي إسماعيل