«هيلين» عن الملحمة الشعرية الإلياذة

«هيلين»  عن الملحمة الشعرية الإلياذة

العدد 852 صدر بتاريخ 25ديسمبر2023

في إطار الدورة الأولى التأسيسية من مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي (دورة فؤاد المهندس) في الفترة من 20- 23 نوفمبر 2023م بالتعاون بين جمعية الفن والثقافة (بتاح) برئاسة الدكتورة داليا همام (عضو اللجنة العليا – رئيسة المهرجان) و«موهوبين القاهرة» (مديرية التربية والتعليم) ومدير إدارة الموهوبين والتعليم الذكي الدكتور عز الرجال فاروق (رئيس اللجنة العليا)، قدمت مدرسة سانت ميري التابعة لإدارة حلوان التعليمية على مسرح مدرسة سانت ميري المعادي، العرض المسرحي هيلين، من إعداد وإخراج طارق حمدي، عن الملحمة الشعرية الإلياذة التي تحكي قصة حرب طروادة، والتي تعتبر مع الأوديسا أهم ملحمة شعرية إغريقية للشاعر هوميروس، وهو شاعر ملحمة إغريقي أسطوري، يقال عنه إنه أعمى، ويقال أيضاً إنه شخصية مشكوك في وجودها، ويعتقد أنه مؤلف الملحمتين الإغريقيتين الإلياذة والأوديسا، وكل شيء متعلق بالأوديسا يختلف عن الإلياذة، فهما تعدان من الملاحم المتناقضة، وهذه المعلومة ظلت أفضل حجة تساق للدلالة على أنهما من إبداع فنان واحد استطاع أن يكتب ملحمتين متضادتين، ويعود تاريخ ملحمة الإلياذة إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، وقد جمعت أشعارها عام 700 قبل الميلاد بعد مائة عام من وفاته، وتروي قصة حصار طروادة عام 1200قبل الميلاد، وما فيها من تباين في العلاقة ما بين الآلهة والبشر.
عن الإلياذة أعد المخرج العرض المسرحي هيلين، وهيلين في إلياذة هوميروس هي أجمل نساء الأرض عند الإغريق، تزوجت من الملك مينيلوس من أسبارتا، وبسبب سحر أفروديت إلهة الجمال عند الإغريق؛ وقعت في حب باريس ابن الملك بريام ملك طروادة وأخو هيكتور، وهربت معه إلى طروادة متسببة بنشوب حرب استمرت لعشر سنوات.

نص العرض
بدأ المخرج وهو الذي قام بإعداد نص العرض من خلال فيديو بروجيكتور بتمهيد للميثولوجيا الإغريقية؛ بتناول فكرة تعدد صراع الآلهة منذ كرونس قائد الجبابرة وأب زيوس والأحفاد والأجيال التي كانت تمتاز بالصفات الإلهية، وأوضح الصراع ما بين الإخوة زيوس وهاديس على من يحكم الأرض والسماء، ويعرف كلاهما في الميثولوجيا الإغريقية بأن زيوس أب الآلهة والبشر فهو إله السماء والصاعقة، وهاديس ملك العالم السفلي عالم الموتى، والذي سمي بمانح الثروة كناية عما تحمله باطن الأرض من كنوز والتي هي جزء من ممتلكاته، ثم بدأ يعرض ما حدث بعد مرور عشرين عاما من محاصرة أجاممنون (جنة وليد أحمد مهني) وأخيه ميينالاوس (شهد وليد أحمد مهني) لطروادة، ولم يستطع دخولها وتحقيق النصر؛ بسبب أسوارها العالية، وكذلك لوجود جنود أشداء مثل هيكتور (فريدة أحمد عبد الحسيب) ابن الملك بيران حامي حمى المدينة، ولذلك فكروا في بناء حصان خشبي هائل اختبأ فيه الجنود الآخيُّون، وعندما استيقظ الطرواديون وتبينوا أن سفن أعدائهم قد أبحرت؛ اعتقدوا أن الحصان دمية هائلة تمشي على عجل فأدخلوه داخل مدينة طروادة؛ فخرج منه الجنود وقاموا بنهب طروادة وإحراقها، وهذه الفكرة فكر فيها أوديسيوس (رؤى بيومي عبد الرحمن)، وعرضها على أجامنون وأخيه ميينالاوس طمعا منه أن يوليه على حكم طروادة بعد دخولها، وأوديسيوس ملك إيثاكا الأسطوري قد ترك بلاده كي يكون من قادة حرب طروادة، وقد اشتهر بالذكاء والمكر، كما أشعل الحرب بإشارته إلى برتكلوس (يسرا أحمد مصطفى كمال) الذي كان يريد أن يقاتل، فمنذ صباه لم يدخل معركة واحدة، وأقنعه أن يسرق كل مقتنيات الحرب بما فيها الملابس الخاصة بابن عمه أخيل أو أخيليس (فيرينا جون جميل عبده) الذي كان من أقوى وأشجع محاربي الإغريق، فقد اعتزل الحرب لمدة عشرين عاماً بسبب معارضة الملوك له؛ عندما سبى إحدى وصيفات المعبد، وطالبوه بردها تجنباً لغضب الآلهة؛ فحزن أخيل وقرر اعتزال القتال، وبذلك يعتقد الجميع أنه عاد مرة أخرى لميدان القتال فرفع من حالة الجنود المعنوية واشتعلت الحرب بين الطرفين المتحاربين، وقابل هيكتور حامي طروادة برتكلوس في ميدان القتال فقتله معتقداً أنه أخيل، وعندما علم أخيل بقتل هيكتور لابن عمه برتكلوس؛ عاد مجبراً للحرب للثأر، وبالفعل قتل هيكتور وطلب من أجاممنون العودة للمعركة حيث أنه كان يحب أسيرته برسيس (ميليسيا ماجد سليم فوزي)، والتي تخلت عن حبها عندما علمت بأن أخيل هو من قتل ابن عمها هيكتور، وعادت مرة أخرى لتعيش راهبة في معبد أبولو، لكن أجاممنون طلب منه الركوع حيث أن أخيل كان متمرداً على كل الحكام وكل الآلهة، فقد كان يصنف نفسه بأنه بشري ومن المستحيل إيجاد نسخة مكررة له، فهو سيظل حيا طوال الزمان، لكن نقطة ضعفه الوحيدة هي قطع وتر أخيل الموجود في كعب قدمه، كما أن أجاممنون كان يعلم حقيقة طلبه بأنه سيعود لميدان القتال للبحث عن أسيرته، وعلى الرغم من ذلك وافق على طلبه واشترط عليه إذا ضعف أداؤه في المعركة سيقتله بنفسه، وبالفعل عند حريق طروادة اهتم أخيل بالبحث عن أسيرته برسيس وترك المعركة؛ فقتله أجاممنون بطعنه عدة طعنات، وطعنة في كعب قدمه قطعت وتر أخيل فمات على الفور، وتذكر ما أخبرته أمه ثيتيس (جنة أشرف الحلواني) بأنه سيموت بسبب قلبه وبالفعل مات بسبب حبه لبرسيس.

كيف حقق المخرج رؤيته الإخراجية؟
قام المخرج بجهد ملحوظ ظهر في العرض أثناء إجراء التدريبات، فكل المشاركات في العرض طالبات في مدرسة سانت ميري، بعضهن بالمرحلة الثانوية، وبعضهن من الصف الثالث الإعدادي، وقامت بعض من هذه الفتيات بأداء أدوار الرجال والذي اختارهم بعناية، وكن على درجة عالية من الإجادة؛ في الأداء التمثيلي بقوة الصوت ومخارج الحروف والحركة الرشيقة على المسرح وخاصة التعبير الحركي، وفي تنفيذ المعارك والإمساك بالسيف والدرع.
الديكور كان عبارة عن كرسي للعرش وضع في وسط المسرح، وتصعد إليه بدرجتين من السلالم الملونة باللون الأسود ورسوم عليها نقش إغريقي باللون الذهبي، ونحت أعلى ظهر الكرسي وجه زيوس بشكل بارز، ووضع على يمينه ويساره عواميد ليمثل المكان قاعة العرش، أما على يمين ويسار المسرح وضعت بعض المستويات المسطحة (كبوستة السلم) التي تصعد إليها بأربعة سلالم، وبها نفس أشكال العواميد ووجه زيوس (الأب الروحي للآلهة، أو كبير الآلهة) وسيطر اللون الأسود والذهبي على لون الديكور، والذي شكل مع الإضاءة والملابس وحركة الممثلين وموضوع العرض الأسطورة الإغريقية، كما وضع أعلى الكرسي شاشة بيضاء أسقط عليها مادة فليمه للتعبير عن خطة سقوط طروادة وإشعال الحريق بداخلها.
كانت الملابس مناسبة للشخصيات، وقد كانت تتشابه مع ملابس فيلم “تروي” لخلق صورة متكاملة للحضارة الإغريقية، المعد عنه العرض المسرحي، وارتدت إيريس (ماريه فليب مكرم) أخت إيرس وهما آلهة النزاع في الميثولوجيا الإغريقية ملابس سوداء، وارتدى أجاممنون وأخوه ملابس الحرب ذات اللون الأسود وعليها الصدرية من الجلد، والأزرار ذات اللون الذهبي، وفوق الرأس الخوذة، والسيف باليد اليمنى، والدرع باليد اليسرى، وارتدت ثيتيس التي تمثل طيف أم أخيل فستانا ذا لون أبيض مناسبا للعصر، وتاجا على الرأس، كما ارتدت برسيس فستانا لونه أبيض، وعبر استخدام اللون الأبيض كرمز للسلام.
كان المكياج مناسبا لحالة الحرب على الرغم من أنه يظهر كأنه مستحدث فقد وضعت بعض الوشوم على يد وكتف معظم المحاربين لمعتقداتهم أنها تذكرهم بحياتهم الماضية، وذلك في فترات الاستراحة بين  المعارك، فيقومون برسم المعارك التي اشتركوا فيها وما حققوه من انتصارات كمثال عدد القتلى، أو شكل المعركة، أو الوحوش التي قابلوها تخليداً للتاريخ بالرسم على أجسادهم، كما وضع اللون الأحمر على وجه إيريس رمزاً عن الحرب والدم، وتعبيراً بأنها تبخ سمومها وتوسوس لأجاممنون وأخيه لخلق النزاع لإيقاظ الفتنة وإشعال الحرب، على الرغم من أنها كانت عبارة عن شبح ولا يراها أجاممنون أو يتعامل معها بشكل مباشر.
وفي الإضاءة اعتمد على اللون الأصفر والبرتقالي الفاتح للتركيز على فكرة منطقية الشمس لوجود إلهة الشمس في الصورة، حيث يوجد له تمثال منحوت مثبت على أبواب  المعابد، ومزج بين اللون الأزرق والأحمر في مشهد المعركة للتعبير عن الصراع بين قوتين وهما أخيل وهيكتور، أما باقي الإضاءة فكانت تنحصر بين الأزرق والأخضر، وهي الألوان التي تندرج تحت مسمى السلام والخير والهدوء، وظهرت دائما على جانبي المسرح؛ ففي اليمين  حيث وجود أخيل الذي يحظى بالسلام النفسي والابتعاد عن الحرب، وفي يسار المسرح على طيف ثيتيس أم أخيل، فهي الداعم الأكبر للسلام، وكذلك على الأسيرة برسيس التي أحبها أخيل، أما مشاهد أجاممنون فكان يعبر عنها باللون الأحمر حيث الغضب والصراع والمكيدة، والمعارك الحربية بشكل ملحوظ، كما استخدم الدخان لديناميكية الحركة وخلق الحالة الضبابية لبيان مدى التلاحم وشدة القتال بين الأطراف المتحاربة.
أما عن الموسيقى فكانت موسيقى معدة معظمها مقتبس عن فيلم “تروي” وهي تعبر عن حالة الحرب.


جمال الفيشاوي