مراد منير: «المغامرة» أعادتني للمسرح وسعيد بافتتاح السامر

مراد منير: «المغامرة» أعادتني للمسرح وسعيد بافتتاح السامر

العدد 851 صدر بتاريخ 18ديسمبر2023

يُعد المخرج المسرحي مراد منير واحداً من أبرز المخرجين الكبار في الوسط المسرحي، درس في كلية الحقوق، وأخرج على مدار مسيرته الفنية العديد من المسرحيات الهامة، منها «ملك الشحاتين»، «منين أجيب ناس»، «الملك هو الملك»، «لولي»، ومؤخرا  قدم على مسرح السامر  العرض المسرحي «المغامرة» عن مسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر» لسعد الله ونوس، وهو أول العروض التي ينتجها المسرح مع إعادة افتتاحه، بعد إغلاق دام سنوات طوال، حول العرض وأسئلة أخرى، أجرت «مسرحنا» مع المخرج مراد منير هذا الحوار.

حدثنا عن تجربة «المغامرة» أول إنتاج لمسرح السامر بعد افتتاحه؟
صديقي هشام عطوة عندما كان رئيسا للهيئة العامة لقصور الثقافة، زارني في منزلي، وطلب مني أن آخذ فرقة السامر، وأضع لها كيانا واعتبارا آخر، لأن الفرقة منذ فترة طويلة ليست على الساحة، ووافقت وقبلت كل ظروف الثقافة الجماهيرية، من ميزانيات ضعيفة، وفقر في الإمكانيات، وكان الاختيار لمسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر» لسعد الله ونوس، ولكن قمت بعمل إعداد لها، لتكون أكثر معاصرة، لأن النص تمت كتابته في السبعينيات، فأحببت أن أجدد روحه، وهذا كلام سعد الله ونوس، رحمة الله عليه، «اصنع العرض كما تراه»، لذلك استخدمت الموتيفات الشعبية والمواطن الشعبي، واستخدمت أغاني شعبية وروحا مصرية في إعادة صياغة العرض، وجعلت النص بالعامية المصرية.
كم استغرق العرض من وقت لإعداده والتحضير له؟
نحن نقوم ببروفات منذ عام ونصف، ولم يكن هناك مسرح بعد، كنا نقوم بعمل بروفة واحدة كل شهر، في أماكن مختلفة، أحيانًا في قصر ثقافة الجيزة في قاعة صغيرة غير مجهزة، وبعد ذلك في قصر ثقافة روض الفرج في مسرح مفتوح، في شهر يناير، وكانت تمطر علينا ونحن نعمل، وظللت متشردا أنا والفرقة، عام ونصف، إلى أن تم افتتاح مسرح السامر في يوليو الماضي، بعد إغلاق 31 سنة، وعقب المهرجان القومي والتجريبي، بدأت البروفات عليه ولم تستغرق أكثر من شهر، وظهر العرض كما رأيتموه. لم يتفقوا معي على أن العرض مخصص لافتتاح السامر، وإنما كان من المفترض أن يُقدّم على إحدى مسارح الدولة، مثل السلام والطليعة وغيرهما من مسارح الدولة، ولكن لم يستطع رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الفنان هشام عطوة في هذا التوقيت، أن يوفر لي ذلك، وبعد افتتاح السامر وجدنا أنه منطقي أن يكون هذا العمل نتاج فرقة السامر، وأول إنتاج بعد تطوير وإعادة افتتاح المسرح، لذلك قررنا أن تُعرض التجربة على السامر.
-العرض المُعدّ به العديد من المفردات اللغوية التي تندرج تحت مسمى السُباب، هل هو مناسب للأسرة المصرية والشباب تحت سن 18 عاما؟
مناسب جدًا ولا أجد أي تجاوز في الألفاظ، الكوميديا الشعبية تحتمل هذا النوع من اللغة، وكل كلمة في العرض أوافق عليها، ولا أجد أي تجاوز لغوي، الكلمات التي يراها البعض سبابًا، ليست شديدة السفالة، وأحيانًا تقال في العرض، وأحيانًا أخرى لا تُقال، بناءً على السياق وانسجام الممثل في العمل. أنا أقدم مسرحا شعبيا بلغة شعبية، والجمهور يحضر ويُشاهد ويستمتع، هل الأفضل أن يكون لدينا عرض مهذب جدًا وإيقاعة يقترب من الموت؟! بلا تفاعل بلا أي روح حقيقية من المجتمع، هذه المفردات اللغوية نتداولها يوميًّا ويقولها الصغار قبل الكبار، العرض مناسب للأسرة المصرية جدًا، وبه تفاعل وروح حية مناسبة للمسرح القائم على التفاعل، والسامر الشعبي. والعرض الحي يحتمل بعض التجاوزات، وعلى سبيل المثال، بطل العرض نزل إلى الصالة لأخذ أموال من الجمهورهل هذا المشهد مُقدّم للحصول على الأموال؟ بالتأكيد لا، ولكن الهدف منه التفاعل واندماج الجمهور مع حالة العرض، وإشراكه فلا يشعر أن العرض غريب عنه. الفكرة الرئيسية أن المسرح يكاد يموت إذا تركناه مغلقا في جدرانه والتمثيل فوق خشبة المسرح فقط دون أي تفاعل أو إشراك للجمهور في العرض. العرض الأكثر حيوية يسعى لإشراك جمهوره بمختلف الوسائل، حتى يكون العرض حيا، فأهميته تكمن من أن جمهوره حي، الجمهور يتأثر بما يقال، وبرسالة العرض.

حدثنا عن عناصر العرض ورؤيتك الإخراجية فيه؟
32 ألفا و500 جنيه فقط، هي تكلفة ديكور العرض، بكل شيء: الخشب والقماش وكل شيء، الأسعار مرتفعة جدًا، والخامات والأجور، المبلغ ضعيف جدًا لميزانية ديكور عرض. كل فريق العمل من كبار المتخصصين، تصميم الديكور إبراهيم المطيلي، الملابس ناجح أبو المجد، ألحان محمد عزت، تصميم استعراضات محمد بيلا، وأجورهم للأسف نظرًا لميزانية الهيئة ضعيفة جدًا 5 آلاف جنيه، بعد الضرائب تصبح أقل بكثير، جميعهم اجتمعوا على حب العمل معي، وهذا ما أسعدني، هما وحامد سعيد كانوا سندا لي بشكل قوي وحقيقي في هذه التجربة، اختياري لهم في المقام الأول لأنهم فنانون موهوبون وليس لأنهم أبنائي، يوسف ممثل بارع وقوي ومختلف، كوميديان حقيقي، كان مهما أن أختاره لأنه يستطيع تقديمه بأفضل ما لديه، وليلى فراشة جميلة، وما زال لديها الكثير والكثير، والحقيقة أنهم دعموني أكثر من دعمي لهم.
هذا العرض صُرف عليه فريق العمل من أجورهم الخاصة حتى يظهر للنور، بالإمكانيات المطروحة كان مستحيلا أن يُقدّم هذا العرض. 

لماذا قررت أن تكون العودة من خلال المسرح الشعبي؟
الحقيقة أن هذه العودة جاءت بهذا الشكل، لأن مسرح الدولة حاصرني 9 سنوات، أقدم مشاريع ويرفضها طوال تلك المدة، ليس لضعفها إنما لقوتي، هم يخافون منّي، لذلك منعوني من مسرح الدولة، المكان الوحيد الذي سمح لي بالدخول والعمل فيه هو الثقافة الجماهيرية.
آخر مشروع قدمته كان للمسرح القومي، وهو “زيارة السيدة العجوز” بطولة إلهام شاهين، رحب به مدير المسرح القومي الدكتور أيمن الشيوي، ثم اعتذر لي، بعد أخذ النص والموافقة عليه من خلال لجنة القراءة، وأرسل لي هذه الموافقة، والتي لدي منها نسخة إلكترونية، وبعد كل ذلك اعتذر بأنه لن يستطيع تنفيذ العمل، دون أي أسباب. وهذا ما يحدث معي طوال التسع سنوات، ولا أعرف حتى اليوم ما سبب الرفض، وعدم السماح لي بالعمل داخل البيت الفني للمسرح.

لماذا المغامرة بالتحديد؟
نص ممتع لم أقصد أن تصل من خلاله مفاهيم محددة، ولكن به رسالة مهمة جدًا، فكرة وجود الرجل الانتهازي، وأنا أحذر من الانتهازية التي تجعل الوطن في خطر، لأن بغداد تم اقتحامها بالخيانة (خيانة الوزير) سبب الخيانة الرجل الانتهازي، أحذر من الانتهازيين، وبأي محاولة من الغريب لاقتحام بلدنا بأي شكل من الأشكال ومن الخونة، السلطة لدينا حازمة وقوية وقادرة على التصدي لكل الأزمات ولكن الخوف ممن هم خارج السلطة.

-هل تجديد مسرح السامر أثر على روح المسرح؟
 لقد «قلبت» العلبة الإيطالي لسامر، وضعت الممثلين على شكل نصف دائرة على المسرح، يتابعون ما يحدث ويتفاعلون مع الجمهور، ويشخصون العرض، السامر ليس مرتبطا بشكل المسرح، العلبة الإيطالي نستطيع تغييرها، كما فعلت، البعض يرى أن مسرح السامر على طراز مسرح علبة إيطالي إهانة لتاريخ السامر، ولكنني استطعت التغلب على ذلك، والمسرح أصله إيطالي يجب أن نعترف بذلك، استلهام مسرح السامر، فكرة المسرح الشعبي، الأمر يحتاج لفكرة ومجهود ليس إلا.

-هل نحن في حاجة لتكثيف تقديم المسرح الشعبي وتقديمه بشكل أكبر؟
المسرح الشعبي يُقدّم في حالة من المشاعر الوطنية، كانت قديمًا، حاليًّا هي مفتقدة، لم تعد كالسابق، المسرح الشعبي صعب ويجب أن يُقدّم في ظروف سياسية ومناخ سياسي مختلف، لذلك قمت بعمل تجربة مسرح شعبي ليتفاعل معها الجمهور، وأتمنى أن يأتي الجمهور يوميًّا ليساند العرض.

-وكيف ترى مسرح الثقافة الجماهرية.. أما زالت لديه أزمات تحتاج إلى حلول؟
مسرح الثقافة الجماهرية مشكلته الكبرى إمكانياته، وهي ضعيفة جدًا، يجب تدعيمها، إذا كانوا يريدون تقديم مسرح حقيقي فيجب أن يدعموه، أنا اجهدت جدًا وعانيت من قلة الإمكانيات، مسرح الثقافة الجماهرية له رسالة سامية ومهمة، يجب أن يتم الاهتمام به أكثر من ذلك.

-هل عاد المسرح  لقوته بعد تراجعه لسنوات؟
المسرح عاد بقوة خاصة الموسم الماضي، خالد جلال نجح أن يصنع نهضة كبيرة، وتقديم مجموعة عروض مهمة ومختلفة، عما قبل، وصنع نشاطا رائعا، وأبلغته بذلك، قلت له شكرًا 

الشباب عادوا بقوة للمسرح، المسرح المستقل به تجارب كثيرة مختلفة، ولكن ماشاهدته ودون تحيز، عرض يوسف مراد منير كان عرض لامعا ومميزا، عرض «ياسين وبهية» عرض مهم، مشكلة الشباب أنهم يفتون ويؤلفون، يجب أن يعودوا للنصوص القديمة أو لنصوص مكتوبة حديثًا لكُتّاب مسرح، فكرة الإعداد عن النص دون المعرفة بقيمة الإعداد وطريقته وضوابطه، هذا صنع ضعفًا شديدًا على النصوص المسرحية.

-هل لدينا فقر في الكتابة؟
بالتأكيد، لدينا فقر في الكتابة المسرحية، ليست هناك مساحة لكُتّاب جدد.

-وماذا عن جمهور المسرح الشعبي؟
كلما كان المسرح أقبل الجمهور عليه، المسرح الشعبي قريب من الجمهور، جمهوره عادي، فهو متاح لكل الناس، لكل فئات المجتمع. هناك مسرح تذكرته تعدت الألف جنيه وأكثر، هل هذا في متناول الجميع، الإجابة بالتأكيد لا، المسرح الشعبي يجب أن يكون متاحا للجميع، ربما كونه مجانيا يشعر البعض بأن المنتج ربما يكون ليس بالقيمة الكافية، الناس بطبيعتها تقول (ده ببلاش فسيبك منه) ولكن يجب أن يدرك الجمهور أن هذه خدمة ثقافية توفرها الدولة للشعب من الستينيات، وهي أن عروض الثقافة الجماهرية مجانية. 


إيناس العيسوي