التحليل الدراماتورجي(1-2)

التحليل الدراماتورجي(1-2)

العدد 839 صدر بتاريخ 25سبتمبر2023

الملخص : 
 اعتمادا على لغة المسرح، يوضح التحليل الدراماتورجي كيف يستمد الناس الفهم المشترك وبناء الواقع بشكل جماعي في الحياة اليومية العادية والثقافية والتنظيمية المؤسسية . ويرتكز التحليل الدراماتورجي على مفهومين مترابطين : خشبة المسرح والمجال، والدور الاجتماعي المتجسد أو الذي يتم أداؤه في كل مجال . وتساهم فيه عدة مجالات أكاديمية ويتم تعزيزه بالمنهج الذي يتضمن علم الاجتماع ودراسات الاتصال والأنثروبولوجيا وعلم النفس والعلوم السياسية والفلسفة واللسانيات والعلاج النفسي والدراسات الثقافية ودراسات الأداء ودراسات السينما وأساليب السرد والتحليل النوعي . وبعد نظرة عامة على المفاهيم والتصورات السابقة والتطبيقات المعاصرة، نقدم نقدا ودفاعا عن التحليل الدراماتورجي . ونختتم هذه المقالة بملاحظة حول التحديات والفرض التي يواجهها التحليل الدراماتورجي في هذا العصر الرقمي المتغير بسرعة . 
 التحليل الدراماتورجي هو تفاعل اجتماعي يقوم على افتراض أن الأفعال الاجتماعية يتم عرضها بشكل واع أو غير واع، وبالتالي تجسد كل العناصر الموجودة في التجسيد في المسرح . ويؤكد بعض علماء الدراماتورجيا، ولاسيما أتباع ارفنج جوفمان أن الحياة مثل المسرح . ومن هذا المنظور، يمكن فهم الحياة باعتبارها سلسلة من العروض series of performances . وبتطبيق استعارة المسرح ومختلف المفاهيم المسرحية تركز بؤرة التحليل على كيفية أداء الناس بشكل جماعي وينجحون في أداء أدوارهم الاجتماعية في مواجهات حياتهم اليومية العادية. ويؤكد بعض علماء الدراماتورجيا الآخرين، ولاسيما اتباع نظرية النزعة الدرامية dramatism عند كينيث بورك، أن الحياة مسرح . ويرفضون الدراماتورجيا باعتبارها مجرد استعارة، ويؤكد أنصار هذا المنهج أن المسرح يعكس الحياة نفسها. بمعنى أن المسرحيات على خشبة المسرح تبرز كل عناصر الحياة الاجتماعية العادية لتقديم منظور جديد للمشاهدين حول أحد جوانب التفاعل الاجتماعي . وبلتالي فان المفاهيم المستخدمة في العرض المسرحي يمكن استدعائها مرة أخرى لتحليل السلوك الاجتماعي الذي أعد لكي يعكسه . 
 وبغض النظر عن موقف العالم فيما يتعلق بالعلاقة بين المسرح والحياة اليومية العادية، فان التحليل الدراماتورجي يوضح كيف يبني الناس الواقع ويحافظون على نظام التفاعل . وكما يلاحظ ادجلي Edgley في كتابه « دراما الحياة الاجتماعية : الدليل الدراماتورجي The Drama of Social Life : A Dramaturgical Handbook” “ بتجريد الدراماتورجيا من اساسياتها، فانها تدور حول الطرق التي يبتكر من خلالها الناس معنى لحياتهم، بالتنسيق مع آخرين في وضع مماثل «. اذ يربط المعنى العام المشترك، وتعريف الموقف، المشاركين في أي موقف أو مواجهة معا . وربما يأخذ المعنى شكل الصورة أو الفكرة أو الحبكة أو النص . 

المفاهيم العامة : 
 يرتكز التحليل الدراماتورجي على مفهومين مترابطين هما : خشبة المسرح أو مجال الفعل، والأدوار الاجتماعية المجسدة أو التي يتم أداؤها في كل مجال . وفي كتابه « تقديم الذات في الحياة اليومية The Presentation of Self in Everyday Life “ يميز ارفنج جوفمان ثلاث مجالات للفعل – خلف الكواليس backstage، وفي مقدمة خشبة المسرح frontstage، وخارج خشبة المسرح offstage . فمنطقة خلف الكواليس هي المكان الذي يجهز فيه الممثلون أدوارهم، والمكان الذي ينتج المؤثرات الخاصة للتأثير في المشاهدين . ومقدمة خشبة المسرح حيث يحدث الفعل أمام أعين المشاهدين . 
 وبالنسبة لأي مجال فعل، قد تكون هناك مناطق خارج الكواليس حيث يظل الذين نظموا النشاط ( المنتجين) وأولئك الذين دربوا الممثلين ( المخرجين ) يقدمون الإشارات للأفعال، يظلون مختفين عن الجمهور . بالإضافة إلى ذلك، ربما يوجد شخص أو مجموعة قدمت الفكرة الرئيسية أو النص للأداء ( الكاتب المسرحي ) وهذا لن يكمل القائمة لأنه ربما كان هناك الأشخاص الذين يلبون احتياجات الجمهور . 
 تؤثر المنطقة على قدرة الممثل للسيطرة على المعلومات التي يطلع عليها الجمهور وبالتالي القدرة على المحافظة على أداء قابل للتصديق . وإذا تمكن الجمهور من إلقاء نظرة على ما وراء الكواليس، فربما يفقدون الانطباع بأن الممثلين الذين يسعون إلى تعزيز مقدمة المسرح ربما يفقد مصداقيته . فمثلا، نظرة خاطفة خلف الأبواب المتأرجحة في مطعم فخم تكشف عن الأنشطة الفوضوية والمكثفة للطهاة، والنوادل وغاسلي الأواني، من المرجح أن تعطي انطباعا مختلفا تماما عن الأناقة الهادئة التي يتم عرضها في منطقة تقديم الطعام . وبالنسبة لبعض الفعاليات والعروض مثل المظاهرات في الشوارع ,فربما يكون من الصعب الفصل بين المراحل وبالتالي القدرة على حماية الجمهور من تشويه المعلومات أو الانطباعات التي تتعارض مع الأدوار التي يقوم بها المؤدون . وظهور التقنيات الرقمية ( مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني وكاميرات المراقبة) وبالتالي المساحات الافتراضية كمنطقة أداء, يوفر معلومات تحكم جديدة مقدمة عن قصد، بدون قصد . 
 وفي التفاعل المباشر، وفي بعض الأماكن الوسيطة، يتناوب الناس في أداور المؤدي والجمهور لبعضهم البعض حتى في المواقف التي يشارك التي يشارك فيها شخصان في التفاعل . فعندما يتكلم أحدهما يستمع الآخر . وكجمهور، يقدم الممثل الواقع التوافقي والإشارة والتعزيز الاجتماعي والملاحظة المستمرة . وفي تقدم تطور التفاعل الاجتماعي، مع مرور الوقت، يشكل الاتفاق على الفكرة القابلة للتمثيل والكتابة المتسقة مع المعنى المرحلة الأولى . وتتعلق المرحلة الثانية بالعرض علي خشبة المسرح من خلال تحديد أو بناء منطقة الفعل وتوفير موارد مثل الأدوات والملابس والمعدات الضرورية الأخرى . وفي المرحلة الثالثة، والتي ربما تتداخل مع المرحلة الثانية، يتم تجنيد الممثلين، فإذا لم ينخرطوا فعلا في تطور الفكرة القابلة للتمثيل، فسوف يتم تدريبهم على أدوارهم . والمرحلة الرابعة هي فترة التجسيد عندما تُعرض المسرحية . وفي المرحلة الأخيرة، بعد العرض، ويمكن أن يفسر الممثلين والجمهور أو يقيموا المعاني الجديدة للذوات والآخرين . 
 ربما تكون الأفكار القابلة للتمثيل والتي تشكل أساس الدراما الاجتماعية أما أن تكون عامة جدا أو خاصة جدا في تداعياتها . ففي أحد طرفي الاستمراري الفكرة القابلة للتمثيل في شكل صورة، مجموعة من الكلمات المشحونة عاطفيا، أو موضوع مادي أو حدث مثلا . تحتوي الصورة علي برنامج عمل متضمن فيها مثلما يكون الرمز في الحلم عبارة عن اندماج لإحداث يقظة . وغالبا ما تقود الصورة التفاعل في مجموعة صغيرة عامة أو مجموعة علاجية . وربما تكون الفكرة القابلة للتمثيل موضوع أكثر تعقيدا ( بما في ذلك توجيه الحركة، ونغمة عاطفية، ومجموعة محدودة من الأدوار يجب تجسيدها ) أو حبكة ( بسيناريو مفصل، وأدوار محددة، وإشارة إلى المراحل التي يجب أن تمر بها المجموعة للوصول إلى هدفها) . وفي النهاية المحددة للاستمرارية، ربما تتطور الفكرة إلى نص كامل لمسرحية، بأدواره لكل عضو في فريق التمثيل وإرشادات خشبة المسرح لتوجيه الأداء . والنص هو الشيء الأوضح، ولاسيما حيث يجب أن يستخدم الممثلون أدوات . 
 وبناء على مفهوم بورك Burke، يؤكد دنكان Duncan على أهمية الرموز، ولاسيما وهي تعكس سلطة العلاقات . وبالنسبة لماكانيل، فقد أصبحت دراسة العلامات والرموز مهمة جدا في أواخر القرن العشرين لدرجة أنها اقترحت تفسيرا سيميوطيقي للثقافة الحديثة لمنهج لعصر العلامة. ويضيف بروسيتBrusett وادجلي Edgley إلى قائمة المتغيرات التي تتبع أعمال جوفمان مع التركيز بشكل أساسي على الطريقة التي يقدم بها الفرد نفسه للآخرين . وتتضمن هذه المتغيرات مسافة الدور، الحالة التي يلعب فيها الفرد الدور بوعي تام وبذلك يكون له الاختيار أما أن يعدل الدور أو يتوقف عن أدائه تماما ؛ الانتشاء و والانتقال خارج عالم الحياة اليومية، و تصحيح العمل، وعندما يحاول الإنسان تغيير معنى الفعل من فعل مهين إلى فعل مقبول . 

المجالات الأكاديمية التي تشارك في التحليل الدراماتورجي 
 لقد استخدم التحليل الدراماتورجي بعدة طرق . الطريقة الأولى، وقد استخدمها أساسا علماء الاجتماع داخل التقاليد التفاعلية، وتركز على أداء الدور في مجموعة واسعة من الدراسات المتعلقة بالحياة الثقافية والتنظيمية والسياسية . والطريقة الثانية, قدمها الفيلسوف والعالم اللغوي بورك، والتي استخدمها أغلب علماء الاتصال، وتقوم على تحليل الفعل . واستخدم علماء الأنثروبولوجيا منهجا آخرا لتحليل وظائف المسرحيات الاجتماعية التي يجسدها أفراد المجتمع لتوضيح حلول الصراعات، أو الوصول إلى معنى طقوس المرور، أو لإحياء ذكرى حدث مهم في تاريخ المجتمع . 
 ونظرا لأن الدور والنص مفهومين مركزيين في الدراما، فان مجالات علم النفس وعلم النفس الاجتماعي والعلوم السياسية والفلسفة واللسانيات والعلاج النفسي والدراسات الثقافية ودراسات الأداء ودراسات السينما وأساليب السرد والتحليل النوعي، تتضمن أيضا وصفا لعلاقات مماثلة يمكن دمجها في المنظور الدراماتورجي . 

.................................................
روبرت بنفورد يعمل استاذا في جامعة جنوب فلوريدا . 
نشرت هذه المقالة في موسوعة Interactional Encyclopedia  العدد الثاني عام 2015 – في الصفحات 646-650 


ترجمة أحمد عبد الفتاح