العدد 814 صدر بتاريخ 3أبريل2023
تشكل يداي الآن كرة مفتوحة تتأرجح للأمام ولأعلى . وهذا يلاءم مجال التعارضات ذات المغزى حيث تكون علاقة ليزي ودارسي في بؤرة التركيز والتحول . تقدم الإيماءة صورة هذه العلاقة الجديدة وتدفعها الى الأمام، في اتجاه المستقبل . وربما كان لنقطة النمو التي كتبتها أوستن بشكل ملموس جانبا من هذا المعنى، وهو الانفتاح (ما ورائه في السرد التالي، وهو تحول سلوك دارسي) .
وقد تم أداء المشهد في معالجات سينمائية لرواية «الكبرياء والتحيز». ممثل يضبط أداءه في هذا النوع من السياق الدينامي . وبعكس شخصيته، يعرف الممثل السياق السابق واللاحق لبداية دارسي المطلقة . ففي الأداء، البداية موجودة بالتأكيد ولكن التعبير عن الدهشة كان متوقعا بشكل مقتضب بابتسامة وربما من المحتمل انحناءة إلى الأمام (لا تختلف عن حركة إيماءتي المجازية) – فكلاهما يعكسان بشكل متصور بداية ارتباط دارسي الجديد مع ليزي ( ولا يهم إذا كان هذا المشهد قد قدمته السينما قبل أو بعد البداية الكاملة للمشهد – لأن محاكاة الممثل لإيماءات المؤلف هي ما نسعى إليه). ولذلك ربما كان شيء مثل نقاط النمو التعارضات ذات المغزى عند جين أوستن والحالات المؤقتة حاضرة في النهاية .
محاكاة الممثلين للجمهور:
لقد كان الوصول الى المشاهد في مسرح شكسبير متاحا تماما للممثلين. ولكن المشاهدين في العصر الحديث كانوا صامتين وفي الظلام. ويقدم تشيكوف أساسا مسرحيا لمحاكاة الممثلين للمشاهدين. والوسيلة هي ما استوحاه كورنفورد من وصف راماشاندران وبلاكسلي للأطراف الوهمية، وهي عبارة عن إيماءة تشيكوف الشبحية حيث يعبر الجسم عن الطاقة الداخلية بأقل قدر من الحركة . والإيماءات الشبحية هي مصدر تقنية التمثيل، ويمكنها أن تكون أيضا وسيلة للممثل لمحاكاة المشاهد . فمشاهد المسرح مثل مشاهد العرض الموسيقي من وجهة نظر التجسيد/ المحاكاة. فالحركات في جمهور الموسيقى نموذجية ومقبولة في حدود (تتفاوت الحدود بشكل كبير حسب النوع الفني) ولكن حتى الجمهور الكلاسيكي الأكثر لطفا وأناقة، فان النقر الخفيف بالأقدام والتلويح باليد والتمايل، وتحريك الجذع إلى الخلف والأمام، هي إيماءات مقبولة، وتوفر حوامل جسدية للأداء . حتى المستمع غير المدرب، المنتبه، فان الموسيقى بالنسبة له هي شكل من أشكال الوجود الذي يستوعبه، إذ تشكله الموسيقى وعازفها ومؤلفها . ويمكن أن يفعل المشاهدون في المسرح نفس الشيء ويكون لديهم الكلام الذي يرشدهم .
ويمكن أن يشعر المؤدي بإيماءات الجمهور الوهمية التي تتضمن تغير أوضاعهم وتوتراتهم وحركات رؤوسهم وأقدامهم ( باستخدام الأطراف المعاكسة بشكل مثير) . ويمكن دمج الأفكار مع الجمهور من خلال محاكاة إيماءاته الوهمية، وسوف يخلق لحظات مشتركة من التواجد علي طول مثلثنا –من المؤلف إلى الممثل، ومن الممثل إلى الجمهور، والعكس . حتى الجمهور الكبير يمكنه أن يشغل ضلع مثلثه .
وبالتالي، يكتمل الضلع الثالث في مثلث “ من الممثل الى الجمهور، ومن الجمهور الى الممثل، ومن المؤلف إلى إيماءة الممثل . وتكشف هذه الأضلاع معا نوعا من الاتصال ثلاثي الاتجاهات أثناء الأداء، من الممثل إلى الجمهور، ومن الممثل للجمهور، مع المؤلف الغائب الذي يشارك، الذي ربما قد مات منذ فترة طويلة .
الانهيارات والتشعب والتمثيل السينمائي
تلخيص مثلث المؤلف – الممثل – الجمهور هو سيميوطيقا اللغة المزدوجة في الوضع غير العادي، وهو الأداء المسرحي، حيث يعمل أحد المشاركين ( وهو الممثل) بمفرده، والآخر ( وهو الجمهور ) يعمل ككتلة في الظلام، والثالث (وهو المؤلف ) ربما لا يكون حاضرا على الإطلاق، وقد يكون قد رحل منذ فترة طويلة. والمحاكاة، وهي الجزء الطبيعي من ديناميات اللغة، هي قلب المثلث :
المحاكاة هي حجر الأساس وتجذب دمج الأفكار .
تجدد المحاكاة نقاط النمو ومجالات تعارض المتحدثين .
يطبق نفس الشيء علي الأداء والجمهور، والعمل في كل الاتجاهات، من المؤلف إلى الممثل، ومن الممثل إلى الجمهور، والعكس .
الانهيارات – الفشل في إتمام المثلث :
يمكن أن يؤدي الفشل في إكمال المثلث إلى الانهيارات . وربما كان لهذا الفشل سمات الفشل في الأداء . عدم إنشاء رابط من الممثل إلى الجمهور، هو ببساطة فشل في الاتصال ؛ وقد يكون عدم وجود رابط بين الجمهور والممثل هو مصدر الخوف علي خشبة المسرح ( وإنشاء الربط وسيلة لمحاربته) . وفي النهاية، ربما كان الفشل في وجود رابط من المؤلف إلى الممثل له معنى واحد .
التشعب – تصغير الصورة أو الشكل
إن مفهوم الدلالة المزدوجة كأساس للأداء يفتح أيضا إمكانية التشعب حيث يتم تأكيد صيغة دلالية علي أخرى . وسوف تفقد هذه الدلالة المنفردة المجربة إلى الدينامية التي سعى إليها تشيكوف، ولكن يمكن أن تكون لها ملامح أخرى تصلح لتجارب الأداء والشكل المسرحي . وتأكيدا للصورة في حركة، فإننا نفكر علي الفور في التمثيل الصامت، ولكن ها شكل أخر في الترميز المنهجي، وليس الكلام بل التمثيل الصامت، ولا يزال مزدوج الدلالة . وربما أقرب تناول للصورة النقية هو تقنية ألكسندر للممثلين . ويبدو أنها طريقة تمثيل كامنة كما تصورها تشيكوف أو ليكوك، ولكنها تسلط الضوء علي أهمية تصوير الحركة – التوتر الذي يسحب الرأس إلى الخلف ويضع ضغطا علي العمود الفقري ( في حين أنه ليس إيماءة المعنى الطبيعي ) يرتبط بالتأثير العام للقمع والاختناق والتحديد، وهي المشكلات التي يحتاج الممثل للتغلب عليها . والتقنية تحددهم وتسميهم ( التوتر يسمى “ الجر إلى أسفل “ ) . ويصف كالب مسرحيات حديثة معينة “ تعالج اللغة باعتبارها الإيماءة “ وهو أيضا ما يكون محاولة لتقليص الدلالة المزدوجة . ولا تستبعد أغلفة الصوت والراديو المباشر التجسيد، ومن ضمنها الإيماءات، ولكنه ليست أمثلة جيدة . وقد تكون بعض المسرحيات الساكنة مؤهلة، ولكن يمكنني أن أفترض أن الممثلين، علي الرغم من سكونهم، يقدمون إيماءاتهم وحركاتهم الجسدية ولها أيضا دلالة مزدوجة . بعض التجارب الصعبة التي يتم فيها قمع الإيماءات وجميع حركات الجسم الأخرى ويكون الأداء بأكمله عبارة عن كلام فقط يمكن أن يكون مثالا ( ربما في شكل نسخة ووترجيت، إذا لم يتم تجربة ذلك بالفعل )، ولكن يجب علي الممثل العمل ضد الرغبة في هزيمة الذات للاستفادة من إيماءات الجمهور الوهمية . ويشير أوفر رافيد إلى أن مسرحيات صامويل بيكيت ساكنة حيث يتم إبراز الشكل اللفظي علي حساب الصور ( فمثلا، شخصية مدفونة حتى رقبتها في الرمال ) . ويعوق الحائط الرابع الجمهور بشكل متعمد – ضلع الممثل ويجعل خشبة المسرح عالما مكتفيا بذاته . وعلمت من خل أوفر رافيد أن الحائط الرابع قدم في اتجاه خوف خشبة المسرح، ولكنه تطورت إلى ممارسة راسخة للتمثيل دون أخذ ذلك في الاعتبار . ويضيف أن ذلك مقرون غالبا بأسلوب تمثيل استبطاني، وربما هذا هو السر : الاستبطان هو ما تنجذب إليه إذا كان هناك تقليل لمحاكاة الممثل الجمهور .
التمثيل السينمائي – الممثل يستحضر جمهور
كيف يعمل كل ذلك في السينما ؟ مما رأينا، الجمهور هو المكون الأساسي في مثلث الأداء . يملك ممثل السينما نفس طريقة الوصول إلى المؤلف مثل ممثل المسرح، والجمهور الغائب لكنه يشاهد الفيلم يمكنه الوصول إلى الممثل من خلال المؤلف، ولكن الجمهور غائب بالنسبة للممثل أثناء الأداء نفسه، وهذا يعني أننا يجب أن نكون مدعوين . ونلتفت مرة أخرى إلى تشيكوف . ووفقا لمالا باورز، كانت كلمته عن التمثيل في الفيلم عبارة عن إنتاج لأعمال فنية . وبالطبع يشعر الممثل الذي علي صلة بكل أضلاع مثلثنا، بحاجته للجمهور . وبهذه الطريقة يمكن أن يكتمل المثلث . وحاجته أعمق من مجرد التركيز علي ضلع واحد . إنها مسألة إتمام المثلث . وقد وصف مالا باورز كيف أكد تشيكوف أهمية الممثل السينمائي في التأثير علي الجمهور . فحتى الكاميرا يمكن أن تكون جمهورا . وقد فعل باورز هذا بانتظام، وأعطى هذه النصيحة شخصيتها وبذلك أكملت المثلث . فالمخرج والممثل وطاقم العمل يلعبون دورا .
النتائج :
(1) يتضمن العرض المسرحي تناقضات دلالية متعارضة مثل تناقضات اللغة والإيماءة . ولا أعني ببساطة كلام الممثلين وإيماءاتهم، بل في المسرح أيضا هناك ثنائية دلالية للصورة والشكل المنقول، وهما وحدة جدلية .
كتب تشيكوف عن “ الجو العام “ – وهو صورة تركيبية عامة للمشهد الذي يجب أن يمزجه الممثل بالحركات والكلام المنقول لخلق دينامية في الأداء . كما يمكننا أن نقول ان المتحدثين يمزجون الإيماءة بالكلام لدعم الكلام والتفكير . وقد كتب كوينتيليان عن ثلاثة قدرات تتوازى مع مثلثنا . وبهذا المعنى، بشكل عام ومتصاعد، يكون المسرح استمرارية للغة ( وليس فقط مستخدم لها ) . ومن المتصور أنه حتى ذروة اللغة التي تم تصويرها علي أنها نمط مفاهيمي متخصص من الدلالة، وهذا علي ما أعتقد سر جاذبيتها . وأي مسرح يعادي نماذج التجربة الإنسانية لا يمكن أن يستمر طويلا .
(2) والمثلث ثابت . وقد رأينا كيف أن هناك مثلث وأن كل ضلع تم اجتيازه بالمحاكاة . وتحدث الكير من ردود الأفعال وهي جزء من الأداء المتعلق بكل المشاركين، والمؤلف والممثل والجمهور . وبالنسبة لأغلبنا – الجمهور الجالس في الظلام – فان التجربة أبعد ما تكون عن السلبية . إنها أكثر من مجرد تجربة مشاهدة. وإذا كان المخرج والممثل بارعين، فان دمج الأفكار مع الممثل وفي النهاية مع المؤلف, كما فعلنا ونحن نشاهد نقطة النمو ومجال التناقضات ذات المغزى التي ربما كانت حية في رواية جين أوستن بعد مرور أكثر من مائتي سنة.
.....................................................................................
• نشرت هذه المقالة في Journal for Cultural Research عام 2014 والتي تصدر عن دار نشر Tylor & Francis .
• ديفيد ماكنيل يعمل أستاذا بقسم علم النفس بجامعة شيكاجو في الولايات المتحدة الأمريكية .