جولة فى شارع المسرح البريطانى

جولة فى شارع المسرح البريطانى

العدد 723 صدر بتاريخ 5يوليو2021

تتعرض الحكومة في بريطانيا لنقد حاد هذه الأيام بسبب تهاونها في دعم الفنون الاستعراضية خاصة المسرح وما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من أثار سلبية على الحياة المسرحية والثقافية في بريطانيا. 
تقود هذه الحملة عدد من الشخصيات العامة منها الكاتبة المسرحية  البريطانية  ذات الأصول اللبنانية أو السورية كما يبدو من اسمها « لورا وديع» وهى صاحبة عدد من  الأعمال المسرحية الناجحة مثل «انه أنا يا حبيبتى « و«المنزل الفاخر«. 
تقول لورا أن الحكومة تقدم دعما غير كاف للمسرح .وهذا الأمر من شانه أن يقضى على عنصر الابتكار والتجديد الذى يعد من العناصر الرئيسية في العمل المسرحى.
وتمضى لورا قائلة أن بعض المسئولين ينظرون إلي المسرح كنوع من الكماليات التافهة وليس فنا له قيمة ويستكثرون عليه الدعم . وهناك فئة أخرى يبالغون في تقديس المسرح ويعتبرون أن من يشتغلون بهذا الفن لا ينبغى أن يفكروا في أي عائد مادى بل يجب أن يشعروا بالسعادة لمجرد أن يمارسوا عملا مسرحيا ولا يهم بعد ذلك ما يحصلون عليه من عائد مادى . ويتناسى أصحاب هذه الرؤية أن الجميع في النهاية بشر ولهم ولأسرهم حاجات ومطالب ينبغى إشباعها. وفى الحالتين سوف نفقد عنصر الابتكار والتجديد. 
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب خطاب جماعى وجهته سبع من نقابات العاملين في المسرح إلي رئيس الوزراء تستنكر فيه خفض الدعم المقدم من الدولة لهذه  النقابات. وهاجمت النقابات التصريحات التى وردت على لسان جافين وليليامسون وزير التعليم  الذى اقترح خفض الدعم المقرر للفنون الاستعراضية في ميزانية  2021 - 2022 بحجة أن الدعم ينبغى أن يتجه إلي بنود ذات فائدة لاقتصاد البلاد مثل الاقتصاد وسوق العمل. 
نظرة قاصرة
وترى لورا أنها نظرة قاصرة . فهى ستؤدى إلي أن تقتصر دراسة المسرح وأشكال الدراما الأخرى على من يستطيعون الوفاء بنفقاتها  بصرف النظر عن مواهبهم و صلاحيتهم لهذا النوع من الدراسة من عدمه. وتقول أن هذه القاعدة لو كانت مطبقة لما كانت الكاتبة المسرحية التى يشار إليها بالبنان لأنها كانت من أسرة فقيرة وغير قادرة على الوفاء بنفقات دراسة المسرح الذى عشقته منذ طفولتها ونشأتها في شيفلد. ولولا الدعم المقدم من الدولة لما تمكنت من دراسة الدراما بمنحة شبه مجانية في جامعة بريستول. وقد ناقشت هذه القضية بالفعل في مسرحيتها «المنزل الفاخر» عام2010 . 
وعندما تولى بوريس جونسون مهام منصبه لم تشعر بالتفاؤل بعد أن سيطر عليها شعور قوى بان بريطانيا باتت تحت حكم أناس لايهتمون إلا بالمال والسلطة وليس بحياة الناس.  واعتبرت ذلك خطة من جانب النظام الحاكم في بريطانيا للقضاء على التجديد والابتكار في المسرح.
  وتقول لورا أنها لا تتقوقع على نفسها ولا تقصر نشاطها على المسرح . فقد تحولت معظم مسرحياتها    إلي أفلام ومسلسلات تليفزيونية كتبت لها لورا السيناريو والحوار لمعظمها  بنفسها مثل مسرحية  «البيت الفاخر» التى تحولت إلي فيلم بعنوان نادى المشاغبين عام 2014. كما كتبت بعض المسرحيات التليفزيونية.
قناة رئيسية
لكن في النهاية يظل المسرح قناة  رئيسية لا غنى عنها للكشف عن المواهب الناشئة وصقلها قبل أن تتجه إلي السنيما أو التليفزيون. وفى غياب دعم الدولة للمسرح سوف توقف عن تفريخ المواهب  لقنوات أخرى.
وتعود للحديث عن المسرح فتؤكد انه ليس صناعة خاسرة كما يتهمه البعض ظلما . ذلك أن الفنون الابداعية  حققت للاقتصاد البريطانى 118 مليار جنيه أستزليني في عام 2018 . وكل جنيه أستزليني ينفق على المسرح يكون عائده خمسة جنيهات. كما أن 70 % من المشتغلين بالمسرح على كل مستوياته غير اعضاء في أي نقابة ويعملون بالمسرح لزيادة دخلهم.
بدورها تنفى الحكومة البريطانية هذه الاتهامات وتؤكد أنها دعمت الفنون كلها العام الماضى بأكثر من مليارى جنيه أستزليني. وتؤكد أيضا أنها تعمل على إعادة فتح المسارح كى تولد الإيرادات لنفسها بشكل طبيعى. 
رؤية  جديدة
ويعرض الشهر القادم على احد مسارح يوركشاير مسرحية “انه أنا يا حبيبتى “ برؤية جديدة تتناول تأثير الإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي التى استمرت اكثر من عام  على وضع المرأة في بريطانيا وكيف أنها قدمت في تلك الفترة اكثر مما قدم الرجل. وقد اختارت لورا بنفسها الممثلة البريطانية “كاترين باركنسون“ التى ترى أنها تعبر اصدق تعبير عن المرأة البريطانية. هذا طبعا مع الحفاظ على الخط الاساسى للمسرحية الذى يتناول حنين الناس إلي الماضى والى الحياة في  عصور سبقت  خروجهم إلي الحياة. وهذه الفكرة عالجتها لورا في عدد اخر من مسرحياتها من زوايا مختلفة. ويحن معظم البريطانيين إلي الحياة في بلادهم في خمسينيات القرن الماضى. 
 ويقول عنها النقاد أن رائحة البيت البريطانى والغرفة البريطانية تظهر بقوة في مسرحياتها. وهى تتمتع بالقدرة على  تقديم هذه الأفكار من خلال أسلوب الكوميديا السوداء  كما حدث في مسرحية “ابرد من هنا “  ففى هذه المسرحية تقوم سيدة مريضة تشرف على الموت بزيارة المقبرة  مع ابنتها لاختار المكان الذى سيتم دفنها فيه والزنة التى ستوضع على نعشها.
وكانت تستعد لتقديم مسرحية “ال واطسون “ عندما بدا الاغلاق وسوف تبدا قريبا في التجهيز لها من جديد بعد أن حققت نجاحا في عدة مهرجانات . والمسرحية ماخوذة عن قصة لم تكتمل للاديبة البريطانية جين اوستن (1775 -1817). وهى تدور حول شخصيات في عمل ادبى تكتشف أن المؤلف تركها بمفردها وهرب لتقوم باكمال القصة بنفسها.
بقى أن نعرف أن اول مسرحية عرضت للورا وديع كانت خلال دراستها الجامعية عام 1996 وهى “طى النسيان “  . وعرضت لها مسرحية “16 شتاء في عام تخرجها 2000.
نقابة المبدعين تناشد النقاد
تناسوا انتماءاتكم العرقية والطبقية
يجب أن تصابوا بعمى الالوان ...ومساحة محدودة للذاتية 
  ناشدت  نقابة  المبدعين البريطانيين  المعروفة  اختصارا  باسم “اكويتى” Equity النقاد  التحقق من أن نقدهم للاعمال المسرحية لا يتاثر بانتماءاتهم الطبقية والعرقية  أو حتى التجارب التى مروا بها في حياتهم عندما يتصدون لتقييم الأعمال الادبية. 
ويعود تاسيس هذه النقابة  إلي عام 1930 وكانت تعرف باسم نقابة الممثلين . وتم تغيير اسمها بعد أن اتسعت عضويتها  لتشمل فئات عديدة من المشتغلين بالمسرح مثل المخرجين والكتاب ومهندسى الديكور وحتى الراقصين والمغنين. وتضم النقابة حاليا اكثر من 47 الف عضو.
 قال بيان للنقابة أن هذه الاعتبارات يمكن أن تفرض نفسها على الناقد بشكل لا ارادى ويجب على النقاد التنبه إلي هذا الخطر حتى لا ينحرفوا عن الموضوعية. واشار البيان إلي أن النقد لايمكن أن يكون موضوعيا تماما ويجب أن تكون فيه مساحة للذاتية لكن إلي حدود. 
جاء ذلك في أعقاب ازمة نشبت بعد تعليق ساخر اوردته صحيفة «صانداى تايمز» عن عرض لمسرحية « روميو وجوليت «تم اسناد معظم الشخصيات فيه إلي ممثلين من السود بشكل يفوق النص الاصلى.
واصرت النقابة على اصدار هذا البيان رغم اعتذار ناقد الصحيفة علنا على صفحات الجريدة عن هذه العبارات. وارجعت ذلك إلي أن عددا من اعضائها تعرضوا لسخرية مماثلة من عرقياتهم في اكثر من مناسبة وكان لابد من هذه الوقفة.
وضربت النقابة عدم امثلة على ذلك منها مقال عن عمل مسرحى مشابه لناقد جريدة الديلى ميل عام 1918 حيث اعتبر أن احد الممثلين  جانبه التوفيق ويفتقد الموهبة . ومع ذلك تم اختياره لمجرد أنه اسود . كما تعرض الممثل الاسود مانويل كوجو  للسخية من لون بشرته عندما تعرض احد النقاد لمسرحيت «اوكلاهوما». 
بدورها  ايدت  مجلة المسرح البريطانية هذا النداء وعلقت عليه قائلة «يجب أن يصاب النقاد بعمى الالوان  خاصة في ضوء الاوضاع الحالة التى يطالب فيها السود بحقوقهم في العديد من دول العالم.


ترجمة هشام عبد الرءوف