«صحينا يا سينا» نبل الهدف لا يبرر أخطاء التنفيذ

«صحينا يا سينا» نبل الهدف لا يبرر أخطاء التنفيذ

العدد 587 صدر بتاريخ 26نوفمبر2018

جميل أن يكون لدينا مسرح لم يُعد خصيصًا للنخبة أو من يمتلكون ثمن التذكرة، بل يعد لأناس قد يكون المسرح خارج دائرة اهتماماتهم، وجميل أيضا أن يكون لدينا مشروع ثقافي قومي بعنوان «اعرف جيشك»، والأجمل أن نجد عرضًا مسرحيًا يحمل الهدفين معًا، ويُعرض للبسطاء من الأحياء الشعبية.. لكن، ألم يستحق هذا المشروع الاهتمام بشكل أفضل من قبل المسئولين عنه؟ أم أنها مجرد خانات يتم تسديدها؟ أفكار روادتني بينما أشاهد عرض «صحينا يا سينا» تأليف وأشعار خميس عز العرب، إخراج عصام الشويخ، إنتاج مسرح الساحة ويُعرض حاليًا بقصر الأمير طاز، فلا يمكن أن أتناول عرضًا يُقدم في إطار مشروع قومي ولا أتطرق لفقره الشديد من الإضاءة التي تكاد تكون معدومة، وجهاز البروجيكتور الفقير. واللوحة التي يتم إزاحتها وإعادتها، ولم يأخذ حقه من الدعاية حتى في المنطقة التي يُعرض بها فلا يوجد سوى «بنر» واحد بجانب باب القصر خال تمامًا من الإضاءة، بالإضافة إلى فقر الديكور والإكسسوار «الموظف دراميًا»، أي أنه لم يكن مُكلفًا في إنتاجه، فلماذا التقشف إذن؟ حتى السينما المستخدمة ما هي إلا خطابات وأحداث متوفرة في أرشيف التلفزون والإنترنت.
رغم أنه يحمل كل مقومات العرض المسرحي فإنه لم يكن عرضًا مسرحيًا بالمعنى الصحيح، لكنه حالة درامية قد تتناسب مع طبيعة الجمهور المستهدف، فالغناء والمساجلات تحتل المساحة الأكبر، اعتمد صانعوه على البساطة في أداء الممثلين وكذلك لغة الحوار المستخدمة وبعض من الكوميديا التي تخفف من مأساوية الأحداث.
يتناول العرض بعض القضايا أهمها على الإطلاق الوحدة الوطنية من خلال حياة الأسرة البسيطة التي ما زالت تحتفظ بجهاز مسجل معلقًا على النخلة، التي تعتمد في سمرها على الغناء التراثي، ولم يظهر التلفزيون ولا الكومبيوتر ولا المحمول الذي عمل على تفكك الأسرة، في الوقت نفسه ظهرت أغاني المهرجانات في مقارنة بينها وبين الغناء الأصيل، ظهر التوكتوك وهو أحد الظواهر الاجتماعية التي انتشرت في السنوات الأخيرة في المجتمع المصري، كما تمت الإشارة إلى ارتفاع الأسعار في رمزية كمية الفول الضئيلة جدا التي يبلغ ثمنها خمسة جنيهات. وكل ذلك يشير إلى حالية الحدث الدرامي.
ما يميز العرض أنه بطولة النجم خالد محمود وهو فنان كبير يحمل خلفه تاريخًا من الأداء التمثيلي الرائع سواء كان في المسرح أو السينما أو الدراما التلفزيونية، ولعل أشهر أدواره التي كانت محطته الأولى في النجومية «علاء في شاويش نص الليل»، وقد تميز أداؤه لهذه الشخصية بالبساطة والطبيعية من دون افتعالات رغم دموعه التي كانت تتلألأ كلما ذُكرت سيناء أو الشهداء، كذلك الفنان حاتم عزت الذي أشاهده ممثلاً للمرة الأولى، الفنانة راندة إبراهيم تشعرنا بصدق وحقيقية دموعها التي لم تجف طوال زمن العرض في تجسيدها لدور أرملة الشهيد والأخت الحنون، والأداء المميز أيضا لكل أبطال العرض: محمد عبد الوهاب، حسام سيد، الشيخ أحمد، باسم عادل.
ورغم اقتناعي بأنه ليس عرضًا مسرحيًا بالمعنى المتعارف عليه، فإنه من الأهمية أن أشير إلى خلل كبير في النص لا يمكن العبور عليه من دون التوقف أمامه، فرسالة العرض الأساسية التعريف بالجيش المصري ودوره في حماية الوطن عامة وسيناء خاصة، وأنه لا يُقهر أبدًا، بينما تُذكر أسماء معظم شهداء الجيش، كما يرددون أغنية «قالوا إيه» التي تتناول بطولات عدد من الشهداء، وفي حوار بين البطل يوسف وشقيقته فاطمة تقول له في لحظة يأس ماذا أخدنا من سينا، سينا أخدت زوجي وأخشى أن تأخذك، وهو يحاول إقناعها بألا تقول ذلك لأن هذا هو واجبهم تجاه الوطن، وبعد ذلك تتحقق مقولة فاطمة ويتم القضاء على كتيبة بالكامل، وفقدان قائدها يوسف. الحقيقة إنني لم أكن مع البطل الأسطورة الذي لا يُقهر ولا يموت ويظهر بعد سنوات من فقدانه في نهاية الفيلم، لكن في الوقت نفسه هذا البطل هو رمز ولا يمثل شخصا بل يمثل الجيش المصري، كيف يموت الجيش بهذا الشكل وتكون رسالة العرض الاستشاد من دون أية محصلة لهذا الاستشهاد، لماذا لم يظهر فريق آخر على سبيل المثال لتكملة المشوار، أو أن يكون لهذا البطل ابن، بهذه النهاية انتهت الأسرة (التي تمثل الشعب المصري) ولم يعد يظهر لها فروع بعد أن اجتست جذورها بموت الزوج ثم الأخ اللذين لم يُنجبا، أو أن يتم الإشارة إلى إعمار سيناء أو بعض مشروعات التنمية التي تقام على أرضها، وفي النهاية يكون كل ما رأيناه من أحداث هو مجرد حُلم للأب، بعد فقدان ابنه واستشهاد الكتيبة بالكامل، فلم نعرف ماذا حدث في الفترة الزمنية وهي سنوات كما قالت فاطمة منذ استشهاد الكتيبة وفقدان الابن - الذي يظهر في النهاية في ملابس بيضاء بإقرار استشهاده حتى هذا الحُلم.
حلقة هامة جدًا مفتقدة في هذا العرض بل وخطيرة، فالعرض يحمل عنوان «صحينا يا سينا»، لكن بفقد هذه الحلقة تحول إلى «موتنا يا سينا»، فالموت هنا تحول إلى هدف وليس وسيلة موت بلا مقابل، ليخرج المتلقي الذي - اتفقنا مسبقًا أنه يتسم بالبساطة والعفوية - وفي ذهنه أن ضباط وعساكر الجيش يُقتلون وأن سيناء مقبرة للمصريين وليس للغزاة.


نور الهدى عبد المنعم