ياسين وبهية.. صراع حلم

ياسين وبهية..  صراع حلم

العدد 830 صدر بتاريخ 24يوليو2023

ياسين بطل الحكاية الشعبية الخالدة في أذهان المصريين وحبيبته بهية تم تخليدهما في الحكاية بأشكال مختلفة، فتغنى بها الفنان محمد طه، وكتب عنها الشاعر نجيب سرور رواية شعرية باسم “ياسين وبهية”، وحتى السينما المصرية أنتجت فيلما بعنوان “بهية” عام 1960 عن سيناريو للأديب يوسف السباعي، وجاء أخيرا عمل تليفزيوني عام 1982 يحمل اسم ياسين وبهية.
ياسين وبهية، قصة حب تغنى بها المصريون لسنوات، مثل أبي زيد الهلالي، والظاهر بيبرس، وغيرهم من الأبطال الشعبيين، ولكن الحقيقة أننا خدعنا وأن بطلهم «ياسين» كان سفاحًا وقاتلاً من أعتى رجال الإجرام.
هذا ما ذكر في جريدة الأهرام في بداية القرن العشرين عام 1905، ارتجف أهل الصعيد رعبًا في قنا وحتى أسوان، بسبب «الشقي ياسين» كما سمته الصحافة وقتها، وكان أعنف وأفظع سفاح عرفته مصر في ذلك الوقت، يكسب رزقه بقتل الأبرياء لمن يستأجره. مع كثرة ضحايا «ياسين»، زادت شعبيته كمجرم. فشلت كل محاولات السلطات والشرطة في القبض على «ياسين» حتى اطمأن، لكن المفاجأة كانت في انتظاره، بوصول ضابط مصري محنك إلى منطقة نفوذ السفاح، يُدعى محمد صالح حرب.
وإن كانت القصة الحقيقية حول شخصية ياسين تقول بأنه مجرم عتيد الأجرام، فهذا لا ينفى حقيقة أنه أحد أشهر أبطال التراث الشعبي وقصص الحب، فموال حب ياسين وبهية تغنى به الشعراء عبر السنين.
يا بهية وخبريني يا بوي ع اللي قتل ياسين
قتلوه السودانية يا بوي من فوق ظهر الهجين
وكانت ولازالت قصة البطل الشعبي ياسين تشغل بال المبدعين في مصر. 
وها نحن في القرن الواحد والعشرين يعاد تقديم ياسين وبهيه علي خشبة المسرح العائم وتحت قيادة المخرج والفنان سامح بسيوني من تأليف الراحل نجيب سرور وإخراج يوسف مراد المخرج الشاب.
يجسد العرض المسرحي الصراع حول الحلم، حلم الفلاح البسيط في أبسط حقوقه أن يحتفظ بأرضه وأن يتم زواجه على من أحبها، فيجسد العرض حلم ياسين وباهية في الزواج، الحلم الذي لم يتمكن ياسين من تحقيقه بداية لقهر الباشا للفلاح واغتصاب أرضه ثم ظلمه بحجب راتبه وتأخيره مرورا بتطور الأمر في تعدي الباشا بالسلاح على الفلاحين الثائرين ضد قمعه وظلمه وقتلهم. 
 اعتمد العرض علي أسلوب الحكي أو القص وهو احد أشهر الأساليب في التراث المصري حيث استخدم المخرج ثلاث رواه يتداخلون في الأحداث مما صنع صوره جمالية في التشكيلات المستخدمة أثناء العرض في التنقل بين الحكي والأحداث من قبل شخصية الراوي المشترك في الحدث ويخرج عن الحدث ليكمل الحكاية خالقا في الخلفية صورة ثابته لفترة لحين نهاية الحكي والعودة للحدث مرة أخرى وكان تكرار هذه التقنية مقبولا حيث اختلفت الطريقة فلم يكن خروج الراوي من الحدث مقتصرا علي خلق صورة ثابته في الخلفية فقط لا غير بل تنوع الامر فأستخدم المخرج دخول الرواة مصحوبا بالعزف الشرقي والعزف المصحوب بالأغاني المشهورة لسيد درويش. حيث كان العازفون متواجدون علي يمين خشبة المسرح طيلة العرض وعلي يمين الخشبة يتبادل دخول المغنى تارة والراوي تارة أخرى، فالراوي في العرض لم تكن شخصية مستقلة بل هي شخصيات العرض الأساسية ياسين والأب والأم وحتى بهية ذاتها، فهم يقصون ما يحدث ويشتركون في عرضه في تناغم وتناسق بين الوظيفتين يحسب أول لمخرج العرض ومن بعده للممثلين الذين برعوا في استخدام أدواتهم والتنقل بين الحالتين في إيقاع منضبط.
فقد قدم حازم القاضي والذي يلعب شخصية ياسين بالاشتراك مع ايمان غنيم والتي تلعب دور بهية ثنائية متناغمة بين الأداء التمثيلي والغنائي فالعرض يحمل طابع الحكي على مستوى السرد والغناء مطعم بالمشاهد التمثيلية المتقنة، ليقابل هذه الثنائية ثنائية يوسف مراد مخرج العرض والذي يجسد دور الاب مع أية أبو زيد والتي تجسد دور الام لتكون الثنائيتان الإطار العام للعرض القائم على الحكي أو القص فالأربع ممثلون يقصون ويجسدون خلال العرض في إيقاع منضبط. 
 ليكملوا الصورة التي خلقها الديكور البسيط الذي يصور القرية المصرية القديمة مستخدما أشكال الأكواخ القديمة يمين ويسار المسرح معلقا عليها مصابيح جاز قديمة وفي العمق صورة للنخل والبوابة التي تستخدم تارة بابا للقصر وتارة باب لمحطة القطار، وهذا التنقل بين الأماكن يدركه الملتقى من خلال الإشارة في الحوار والاغاني المستخدمة.
تؤكد الإضاءة طبيعة العرض القائم على الحكي فقد كانت أقرب إلي الإنارة في المشاهد المرتبطة بالحكي وتستخدم اللون الأزرق المداخل مع اللون الأصفر الطاغي علي العرض في المشاهد التي تصور الحلم مع بعض النقلات في الألوان بين الأحمر والأخضر في مشاهد الغضب وخلال الاستعراض الصوفي التي قدمه الممثلون. 
فقد حاول الاستعراض الصوفي أن يؤكد على الطبيعة المصرية التي تلجئ للصلاة والدعاء عند تعرضها للأزمات، فنجد أن الشخصية في العرض لجأت لذلك عند إجبارها على العمل في قصر الباشا رغما عنها. وقد جاءت الاستعراضات مناسبة لحالة العرض وداعمه له.  
وجاءت ملابس العرض مناسبة للحقبة الزمنية وإن كان التحفظ موجودا علي ظهور العازفين علي خشبة المسرح طيلة العرض ملابس معاصرة، مما يحدث خللا في الصورة التي خلقها المخرج بالتعاون مع مصمم الديكور ومهندس الإضاءة.
لينجح العرض في تقديم فكرة الصراع حول الأرض وتحقيق حلم الحرية مجسدا ذلك في موت ياسين من أجل الحصول على حقة في الزواج من حبيبته بهية 
وإن كان هذا الصراع هو قديم نوعا ما قدم النص فالنصوص التي كانت تناقش فكرة الانتفاضة والثورة ضد المحتل ظهرت في فترة الستينات لما عاصره كتاب تلك النصوص من أوضاع سياسية نتاج للحروب التي مرت بها مصر، إلا أن تناول المخرج للعمل جاء مناسبا مما جذب انتباه المتلقي المعاصر للعرض منذ الوهلة الأولى.


محمد أحمد كامل