+22 لجميع الفئات العمرية ... الحنين للماضي وغضب من الحاضر

+22 لجميع الفئات العمرية  ... الحنين للماضي وغضب من الحاضر

العدد 574 صدر بتاريخ 27أغسطس2018

   إذا نظرنا لنشأة المسرح عبر التاريخ نجده دائم الارتباط بالأحداث الاجتماعية، وإسنادا لذلك ماتناوله  الفلاسفة والمفكرين عن علاقة المسرح والمجتمع، و من اشهرهم ماتناوله الفيلسوف أرسطو واستخدامه لمفهوم المحاكاة؛ حيث أكد الفلاسفة على أن الفنون بصفة عامة - بما فيها المسرح- تعد محاكاة للواقع، لكن يعتبر المسرح  أكثر الفنون اتصالا بالظروف والأوضاع الاجتماعية لذلك ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع حتى اصبح  مرآه يعكس عليها ما يدور في المجتمع من قضايا وأحداث يتناولها الكتَاب والمخرجين  المسرحيين بطريقة مسرحية فنية مشوقة.  ففي أحدى العروض التي تناقش مشاكل المجتمع قدم المخرج “محمد جبر” وفريق مسرح “روانا الهوسابير” العرض المسرحي “+22 لجميع الفئات العمرية” على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، والمشارك ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الحادية عشر.  
تناول العرض تحولات ومشاعر جيل العشرينات  والتركيز على المشاكل التي تواجههم في تحقيق احلامهم، وبُني العرض على مجموعة من الاسكتشات لكل منها موضوع مستقل بذاته أي يقوم كل اسكتش بعرض مشكلة ما مثل صعوبة الظروف الاقتصادية، وصراع الأجيال واختلاف الافكار بينهما وبين الأباء، والنقد الموجه للإرهاب وبخاصة الجماعات المتطرفة، بجانب عرض للعادات والتقاليد المجتمعية التي تؤثر على حياة الأشخاص بالسلب، وغيرها من المشاكل بشكل يختلط فيه مشاعرك، فقد تنطلق منك الضحكات على مواقف مأساوية يتم تمثيلها بشكل كوميدي، والتي إذا تم تمثيلها بشكل جاد يمكن أن تنفرط منك الدموع خاصة أن العرض اعتمد  في المقام الأول على التركيز الإيمائي والأداء الحركي في ظهور الأبعاد النفسية لكل شخصية يقوم بتجسدها الممثل، وعلى سبيل المثال يقوم أحد الممثلين بأحدى الأدوار المأساوية في أحد الاسكتشات متأثرا بما يمر به من احباط ومعاناه في حياته حتى تنفرط منه الدموع ويظهر على ملامحه الحزن والآسى، وتلعب هنا الإضاءة و الموسيقى كمؤثرات قوية في تجسيد المشاعر، لكن يحاول المخرج أن يخفف من حدة المشاعر بدخول الحس الكوميدي وتغير الأدوار فمن يؤدي مشاعر مأساوية في أحد الاسكتشات يأتي في الاسكتش الذي يليه مجسدا دور كوميدي يتفاعل معه الجمهور من خفته. فقد لاحظت أن ذلك من أحد وسائل الحفاظ على الممثل والمشاهد من الاندماج والدخول في حالة شعورية معينة من الممكن أن تمتد لفترة طويلة.
 وكان هناك اهتمام واضح في تنظيم خشبة المسرح خاصة بظهور عدد كبير من هؤلاء الممثلين على المسرح في وقت واحد؛ فكل ممثل يلزم مكانه وبؤرة إضائته، كما ساعدهم في ذلك إنه لا يوجد ديكور وقطع أثاث تعيق من حركاتهم، بمعنى أن الممثلين منفردين بخشبة المسرح تماما واعتماد الديكور على البساطة في تكونه من مجموعة الستائر السوداء وإذا لزم الأمر كانوا يستخدمون مجموعة من المقاعد التي يمكن حملها في نهاية الاسكتش، بينما يظل ثابتا بعض الألعاب الطفولية والعرائس وغيرها من الاشياء التي تذكر هذا الجيل بالطفولة والماضي وتتواجد جميعها في عمق المسرح بشكل ينفصل تماما عن حركاتهم الجماعية، حتى تيسر عليهم الأداء الاستعراضي. فتعددت مشاهد الأداء الجماعي التي تعطي احساسا بأن هذه المشاكل التي تُعرض لم تكن فردية وإنها احلام وآمال وعوائق جيل كامل يعاني منها، فإذا كنت في سن العشرينات أوحتى الثلاثينات سوف تشعر بأن هناك حالة وصل بينك وبين مايُعرض على خشبة المسرح، فيكون العرض ملخص لما يمر به هذا السن من مشاكل وأزمات والتي جاء حلها في النهاية بالحنين إلى الماضي واستخدام قطع الديكور التي تُوضع في عمق المسرح، وحنين هؤلاء الشباب للماضي بإنه الملجأ الوحيد للشعور بالسعادة بالرغم من وجود اشياء سيئة فيما يذكرونه فعلى سبيل المثال تذكر أحد الممثلات بشغف وحنين لحظات العقاب من الأم بأدوات عنيفة مثل الحذاء! ومقارنتها بشكل ساخر بمعاقبة أم هذا اليوم لطفلها بوقوفه في كورنر الحائط. فلماذا يبدو الماضي هو الافضل، رغم أنه من الممكن أن يكون سلبي واشياء كانت تفعل دون وعي. فيبدو أن الحنين إلى الماضي أو ما يسمى بالنوستالجيا Nostalgia أصبح ظاهرة تحاوطنا في السنوات الأخيرة والتعامل معها كأنها الملجأ أو حل للصعاب، لكن في واقع الأمر الحنين إلى الماضي كان يعتبر أحد الأمراض العصبية قديما ففي تعريف النوستالجيا يقولون إنه مصطلح يونانى يشير إلى ألم المريض بسبب الرغبة فى العودة إلى بيته وموطنه، ولاحقًا تطور المصطلح ليصبح مجرد تعبير عن حالة مرضية، وشكل من أشكال الاكتئاب. فقد حاول العرض زرع الأمل في النهاية بغناء استعراضي وكلمات تبث روح الأمل لكنها لم تكن كافية في وجهه نظري لمواجهة تلك المشاكل والتعامل معها، فالبرغم من نجاح العرض في مناقشته وعرضه لمشاكل واقيعة بشكل فني متميز إلا إنه سيطرت عليه روح الاحباط والحالة الشعورية السيئة اكثر من بث الأمل والذي ساعد في ذلك استخدام الملابس السوداء في معظم الاحيان وستائر الديكور السوداء والاضاءة القاتمة في كثير من الاحيان، وتعدد مشهد التصاق جميع الممثلين ببعضهم وظهور خوفهم اكثر من مرة، فجاء المشهد في منتصف العرض اثناء استمرار الاسكتشات دون مبرر درامي. لكن في النهاية يثبت هذا العرض أن  المسرح عاكسا للحياة الجمعية للإنسان، ويمكن أن يسلط الضوء على قضايانا المشتركة، وأن المسرح ضمير الناس المعبر عن أحلامهم وتطلعاتهم  وأفكارهم وهمومهم.


رغدة محمد