رؤوف مصطفى نجح في وضع بصمة فنية بجميع أدواره

رؤوف مصطفى نجح في وضع بصمة فنية بجميع أدواره

العدد 528 صدر بتاريخ 9أكتوبر2017

الفنان القدير رؤوف مصطفى الذي رحل عن عالمنا يوم الأحد الماضي الموافق الأول من أكتوبر أثر أزمة قلبية وصراع طويل مع مرض القلب ممثل مسرحي مبدع ومتميز، وعاشق صوفي في محراب الفن، ومن مفارقات القدر أنه توفي عن عمر 77 عاما بالتمام فقد رحل عن عالمنا في نفس يوم ميلاده، حيث أنه من مواليد محافظة القاهرة في 1 أكتوبر 1940، واسمه طبقا لشهادة الميلاد “عبد الرؤوف محمد مصطفى. وقد تزوج من الأستاذة فاطمة الشافعي (رئيس التفتيش الأسبق بالبيت الفني للمسرح) وأنجبا كل من الأستاذين عمرو وهبة.

تعلق الفنان رؤوف مصطفى بعالم الفن والتمثيل في فترة مبكرة من عمره وبالتحديد من خلال مشاركته بعروض المسرح المدرسي، وهذا ما دفعه للإلتحاق للدراسة بأول دفعة بقسم التمثيل في المعهد العالي للسينما عام 1959 (وهو القسم الذي أفتتح لعدة سنوات فقط ثم تم إغلاقه بعد ذلك)، وذلك أثر رؤية شاهدها في منامه أثناء مرحلة دراسته بالثانوية العامة فقرر على الفور تحقيقها، وقد تخرج في المعهد عام 1963 وكان ترتيبه الأول على دفعته بتقدير إمتياز.
بدأ حياته العملية بالالتحاق بمسارح التلفزيون عام 1962، وكانت أولى المسرحيات التي شارك بها هي مسرحية “المصيدة” للكاتبة العالمية أجاثا كريستي، ومن إخراج القدير محمود السباع، ثم التحق بفرقة “المسرح العالمي (إحدى فرق التلفزيون) وشارك في عدة مسرحيات للفرقة، وذلك قبل أن ينضم  عام 1966 إلى فرقة “المسرح الحديث”، وليقوم بعد ذلك وبالتحديد في عام 1968 بالانضمام إلى فرقة “الأسكندرية المسرحية”. ويعود مرة أخرى مع بداية سبعينيات القرن الماضي إلى القاهرة وينضم إلى عضوية فرقة “مسرح الجيب” ويشارك بعدة مسرحيات للفرقة، وذلك قبل سفره إلى المملكة المتحدة للعمل كمذيع بإذاعة “لندن العربية” (بي. بي. سي) خلال عامي 1972 - 1973.
وبرغم نجاحه وتألقه كمذيع بإنجلترا إلا أنه قرر العودة إلى “مصر” واستكمال مسيرته الفنية بالعمل بالتمثيل مجال عشقه الأول، فانضم بمجرد عودته إلى أسرة “مسرح الطليعة” وتعاون مع المخرج القدير سمير العصفوري في بطول أكثر من مسرحية ومن بينها: أبو زيد الهلالي، مسافر الظهر، الأولاد الطيبون. والحقيقية أنه بالرغم من تحقيقه للشهرة وهو في عمر متقدم نسبيا إلا أن ذلك لم يمنعه من الاستمرارية والإخلاص والتفاني بكل أعماله، ولذلك كان منطقيا أن يفوز ببعض الجوائز على أدواره المتميزة ومن أهمها: جائزة أفضل ممثل دور ثان من مهرجان “الإسكندرية السينمائي الدولي” عن دوره في فيلم “ديل السمكة”، وكذلك جائزة “المهرجان الكاثوليكي” عن دوره في نفس الفيلم، كما تم تكريمه على مجمل أعماله المسرحية بالدورة الرابعة عشر لمهرجان “المسرح العربي” (الذي تنظمه الجمعية المصرية لهواة المسرح) عام 2016.
انطلق الفنان رؤوف مصطفى من خلال المسرح للعمل بمختلف القنوات الفنية، وكانت أولى أدواره السينمائية بفيلم “القاهرة 30” قصة نجيب محفوظ وإخراج المبدع صلاح أبو سيف عام 1966، ولكن للأسف فبالرغم من تلك البداية المبكرة نسبيا إلا أن السينما لم تمنحه فرصة التألق إلا مع بدايات الألفية الجديدة في عدة أفلام ولعل من أهمها: ديل السمكة، بحب السيما، الريس عمر حرب.
وبصفة عامة يتميز أداؤه بالصدق والطبيعية، وبقدرته على التعبير عن مختلف المشاعر، وبمهاراته في توظيف جميع مفرداته الفنية، خاصة بعدما أمدته ثقافته وخبراته الطويلة بوعي وحساسية في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، وبالتالي يمكن وصف أدائه بالسهل الممتنع، سواء في أدائه للأدوار باللغة العربية الفصحى بالنصوص العالمية المترجمة أو الأعمال التاريخية والدينية الجادة أو في أدائه للأدوار الاجتماعية الخفيفية التي تتسم بخفة الظل، كما يتسم أداؤه المتميز بالقدرة على ضبط المشاعر والتحكم في الانفعال، مع لمسة خفيفة من الأداء المسرحي الرصين، وهذا طبيعي وقد ظل المسرح هو مجال عشقه الأول والأساسي الذي يستمتع بالوقوف على خشباته والتبتل في محرابه.
هذا ويمكن تصنيف مشاركات الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية كما يلي:
أولا - أفلامه السينمائية:
لم تلتفت السينما للأسف إلى موهبته المؤكدة وتقدرها حق قدرها وذلك بالرغم من مشاركاته السينمائية المبكرة، فهي لم تمنحه إطلاقا فرصة البطولة المطلقة ومع ذلك فقد نجح في إثبات تواجده ووضع بصمة فنية ببعض أدواره، وتضم قائمة أفلامه السينمائية الأفلام التالية: القاهرة 30 (1966)، ألو أنا القطة (1997)، الكلام في الممنوع (1997)، الغيبوبة، البطل (1998)، أيام السادات (2001)، معالي الوزير، محامي خلع (2002)، ديل السمكة (2003)، بحب السيما (2004)، ليلة سقوط بغداد، حليم (2005)، الأوله في الغرام، كشف حساب، أنا مش معاهم (2007)، نمس بوند، أسف على الإزعاج، كابتن هيما، الريس عمر حرب (2008)، ميكانو، صياد اليمام (2009)، بون سواريه (2010)، رد فعل (2011).
ويمكن للمتتبع للسينما بصفة عامة ولمجموعة الأفلام التي شارك فيها هذا الفنان القدير أن يرصد تميزه في آداء بعض الأدوار المهمة ومن بينها على سبيل المثال: دور العميل الأمريكي بفيلم “ليلة سقوط بغداد” الذي كتبه وأخرجه محمد أمين، دور الإرهابي المتنكر بفيلم “أنا مش معاهم” من اخراج أحمد البدري، وأيضا دور مسيو عارف بفيلم “الريس عمر حرب” إخراج خالد يوسف، ودور الدكتور سمير فانوس سمعان بفيلم “نمس بوند” من إخراج أحمد البدري، ودور المحامي لسامح بفيلم “محامي خلع” من إخراج محمد ياسين، ودور صفوت رؤوف (والد السيدة جيهان السادات) بالفيلم التاريخي الشهير “أيام السادات” من تأليف أحمد بهجت، وإخراج محمد خان، كذلك قام ببراعة كبيرة بتقديم دور المثلي في فيلم “ديل السمكة” من تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف، ولجرأة الدور وإجادته وتميزه في آدائه آثار الفيلم جدلا شديدا ولاقى الدور إشادات نقدية واسعة.
ثانيا - أهم مسلسلاته التلفزيونية:
شارك الفنان القدير رؤوف مصطفى بأداء بعض الأدوار الثانوية في عدد كبير من المسلسلات الدرامية، واستطاع مع ذلك أن يؤكد حضوره بموهبته وخبراته ببعض الأعمال الدرامية الهامة، وخاصة ببعض المسلسلات الدينية، وتضم قائمة مشاركاته المسلسلات التالية: هروب (1976)، على هامش السيرة (1978)، محمد رسول الله (1979)، الكعبة المشرفة (1981)، شعراء المعلقات، الأزهر الشريف منارة الإسلام (1982)، رسول الإنسانية، الصعود إلى القمة (1985)، الأنصار (1986)، الوسية (1990)، ليالي الحلمية (1992)، القضاء في الإسلام (1993)، العائلة (1994)، قصة مدينة، على باب الوزير، عمر بن عيد العزيز (1995)، الخروج من المأزق، حكاية بلا بداية ولا نهاية (1996)، الشراقي، ضد التيار، هارون الرشيد (1997)، غابت الشمس ولم يظهر القمر، جمهورية زفتى، الوجه الآخر للقمر، رد قلبي، اللص والكلاب (1998)، القضاء في الإسلام، الليث بن سعد، أم كلثوم (1999)، سامحوني ماكانش قصدي، أهل الدنيا، جسر الخطر، آوان الورد (2000)، البر الغربي، للعدالة وجوه كثيرة (2001)، طيور الشمس، قاسم أمين، رجل الأقدار، فارس بلا جواد (2002)، ملفات سرية، أولاد الأكابر، تعالى نحلم ببكره، امام الدعاة (2003)، محمود المصري، فريسكا، عباس الأبيض في اليوم الأسود (2004)، ريا وسكينة، الظاهر بيبرس (2005)، امرأة من الصعيد الجواني، نور الصباح، سكة الهلالي (2006)، من أطلق الرصاص على هند علام، الفريسة والصياد، الملك فاروق، عمارة يعقوبيان، لحظات حرجة (2007)، بنت من الزمن ده، طيارة ورق (2008)، قاتل بلا أجر، الوتر المشدود (2009)، إغتيال شمس، الجماعة، شيخ العرب همام، أهل كايرو (2010)، الريان، أبواب الخوف، وادي الملوك (2011)، طرف ثالث (2012)، بدون ذكر أسماء، آسيا (2013)، سرايا عابدين (2014).
وجدير بالذكر أنه برغم تميز جميع أدواره بالمسلسلات السابقة إلا أن لدوره بمسلسل “أبواب الخوف” كان له مكانة خاصة لديه، فقد ظل معتزا جدا بمشاركته بهذا المسلسل الذي يعد أول مسلسل مخصص للكبار فقط في الوطن العربي، وتدور الأحداث الدرامية بالمسلسل حول الصحفي والمترجم آدم ياسين (عمرو واكد) المولع بالقصص المثيرة والمرعبة عن علاقة الإنسان بالعوالم الأخرى، حيث يحلم بأشياء غريبة ومرعبة تدفعه للبحث عن أسرارها، وقد قام الفنان رؤوف مصطفى بتجسيد شخصية الجار العجوز لآدم ياسين. وقد استغرق تصوير هذه المسلسل وقتا طويلا بسبب ضرورة إعداد التجهيزات اللازمة لتقنيات الرعب والإثارة التي تطلبها الأحداث الدرامية. والطريف أن الفنان رؤوف مصطفى كان يؤكد إيمانه الكامل بما وراء الطبيعة، وبوجود خوارق في الحياة لا بد من التسليم بحدوثها، كما أتذكر في حديث له قد دار بيننا أنه قد ذكر لي أنه قد تربّى على قصص الرعب، ولم يكن يخاف في طفولته ولا يخشى من حكايات جدته المعتادة عن “أمّنا الغولة”، كما أكد لي انتمائه إلى جيل نشأ وتربى على ترجمات قصص “أرسين لوبين” المرعبة، والتي كان يحرص على شرائها من باعة “سور الأزبكية” بالقاهرة طوال فترة مراهقته.
 ثالثا: الأعمال الإذاعية:
برغم كثرة مشاركاته بالمسلسلات والتمثيليات والسهرات والبرامج الإذاعية على مدى سنوات متتالية إلا أننا للأسف الشديد نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للمشاركين في بطولة الأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية الكثيرة والمتنوعة لهذه الفنان القدير، الذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من البرامج والأعمال الدرامية على مدار مايقرب من أربعين عاما، خاصة وأنه يمتلك كثير من السمات المتميزة ولعل من أهمها: تمتعه بصوت عذب رخيم معبر قريب من القلب ذو نبرات متميزة، كما يمتلك القدرة على تقديم الأداء المعبر والتلوين النغمي طبقا للمتطلبات الدرامية للدور، فينجح في شد انتباهنا ويمتعنا بصداه الجميل، خاصة مع مهارته الكبيرة في إجادة الأداء للحوار باللغة العربية الفصحى، بمخارج ألفاظ سليمة وحروف واضحة والتزام دقيق بجميع قواعد النحو والصرف.
رابعا -  أهم مشاركاته المسرحية:
يبقى المسرح المجال المحبب لهذا الفنان الحقيقي، فهو الذي منحه فرصة إظهار قدراته الآدائية في عدد من البطولات والأدوار الرئيسة ولعل من أهمها دور أمير الشعراء أحمد شوقي في مسرحية “حدث في وادي الجن”، وكذلك أدواره بمسرحيات: مسافر الظهر، مرسحية، الأولاد الطيبون، وتضم قائمة أعماله مجموعة المسرحيات التالية والتي يمكن تصنيفها طبقا لاختلاف الفرق والتسلسل الزمني كما يلي:
- “المسرح الحديث”: المصيدة (1963).
- “المسرح العالمي”: مجنون ليلى (1963)، الخاطبة، المتحذلقات، مريض الوهم، طبيب رغم أنفه (1964)، الأحمق، بلدتنا (1965).
- “مسرح الجيب”: العدل والقمر (1970)، الغول (1971)، العم النبيل (1972).
- “مسرح الطليعة”: محاكمة عم أحمد الفلاح (1974)، الحب بعد المداولة (1975)، شكسبير في العتبة، مولد الملك معروف (1976)، يا عنتر (1977)، أبو زيد الهلالي (1978)، مسافر الظهر، حادث على الطريق السريع (1983)، ياطالع الشجرة (1987)، مرسحية (1992)، الأولاد الطيبون (1993).
- وذلك بالإضافة إلى عرض حدث في وادي الجن من إنتاج وزارة الثقافة (1982).
وقد تعاون من خلال هذه الأعمال مع نخبة من المخرجين المتميزين من بينهم: حمدي غيث، نبيل الألفي، نور الدمرداش، سعيد أبو بكر، محمود مرسي، محمود السباع، سمير العصفوري، كمال حسين، محمد مرجان، أحمد زكي، فاروق الدمرداش، فهمي الخولي، مجدي مجاهد، السيد طليب، هناء عبد الفتاح.
هذا ويجب التنويه إلى أن الفنان رؤوف مصطفى كان دائم الانحياز للقيمة، لذا فقد كان شديد الحرص على عدم قبول إلا الأدوار التي تضيف إلى رصيده ويستطيع هو في الإضافة إليها بصدق مشاعره وخبراته الكبيرة. والحقيقة أن تلك المكانة المتميزة التي وصل إليها لم يكن من الممكن تحقيقها بالطبع لولا دخوله المجال الفني مسلح بموهبته المؤكدة وثقافته الحقيقية وأخلاقه السامية، فاستطاع خلال مسيرته الفنية أن يصبح بصفة عامة نموذجا مشرفا للفنان المصري الموهوب والمثقف، ورمزا للإلتزام الفني والأخلاقي ولسمو ورقي التعاملات الانسانية. وفي النهاية لا أملك إلا دعاء الله بالرحمة والمغفرة وجنة الخلد لهذا الفنان الأصيل جزاء ما اجتهد في عمله وحرص على إسعادنا.

 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏