أبطال في المسرح.. والحياة

أبطال في المسرح.. والحياة

العدد 589 صدر بتاريخ 10ديسمبر2018

من أهم ما يميز عالم المسرح في بريطانيا أن كل مدنها تقريبا بها مسارح كبيرة يمكن أن تضارع تلك الموجودة في العاصمة لندن، كما أنها يمكن أن تقدم عروضا قوية على غرار تلك التي تقدم على مسارح لندن.
واليوم نقدم لقارئنا العزيز واحدة من المسرحيات التي يصنفها النقاد على أنها كذلك وهي مسرحية «طيور» التي تقدم على مسرح لايف في مدينة مانشستر الإنجليزية. وبسبب ما حققته المسرحية من نجاح سوف تعرض قريبا على أحد مسارح لندن.
وتدور المسرحية حول قصة سيدة تدخل السجن لتنفيذ حكم قضائي، وبعد أن تخرج تلتقى بابنتها وتحكي لها حكايتها مع السجن، وتستعرض المسرحية كيف تتعايش الاثنتان مع المجتمع البريطاني بعد خروج الأم من السجن.
الجديد هنا أو المثير بمعنى أصح أن المسرحية تعتمد على قصة حقيقية حدثت في الواقع، والأكثر إثارة أن بطلتي المسرحية وهما أبيجيل بايرون التي قامت بدور الأم وشيريل بايرون التي قامت بدور الأم هما بطلتا القصة الحقيقية التي جرت وقائعها في الحياة، كما أنهما بطلتا القصة التي دارت وقائعها على خشبة المسرح. وقد قضت الأم عامين ونصف في السجن بعد حكم قضائي صدر عليها في قضية لتعاطي الكوكايين والعمل في ناد للرقص الإباحي.
معالجة ناضجة
وبفضل المعالجة المسرحية الناضجة وبفضل التجربة الفعلية التي مرت بها البطلتان وبفضل تدريب مكثف على الأداء المسرحي الذي يتفاعل مع الجماهير نجحت البطلتان في تقديم القصة بإخلاص ومرح وبشكل جمالي رائع كما يقول ناقد الجارديان البريطانية الذي منح هذا العرض أربعة نجوم ضمن مقياسه النقدي الخاص المكون من خمسة نجوم. تحدثت الأم عن حياتها في السجن وتحدثت الابنة عن حياتها بدون أم.
وصاحبة المعالجة هنا هي المخرجة والكاتبة المسرحية كاترين ماكهيو التي تتميز بأفكارها المبتكرة واعتمادها على الحياة الواقعية. وتقول إنها بلورت هذا الاتجاه المسرحي من واقع حياتها الصعبة حيث اضطرت للعمل وهي في السادسة عشر للإنفاق على نفسها بسبب فقر أسرتها، وقد اكتفت بالمعالجة هذه المرة ولم تخرج المسرحية وتركتها للمخرجة لورا ليندو. وقد عرضت مسرحيات ماك هيو في كل المدن البريطانية وفي الولايات المتحدة. وعرضت إحدى مسرحياتها على مسرح مجلس العموم بعد ما أثارته من جدل أثناء حرب فوكلاند. وقد أعدت المعالجة بالتعاون مع الأم والابنة ولم تكتف بمجرد الحصول على رواية عن الأحداث.
وهي تتعرض أحيانا للهجوم بسبب ترويجها في بعض مسرحياتها للحرية الجنسية والإباحية التي تمارسها بنفسها، فلديها طفل بدون زواج وهي حاليا متزوجة من «صديقة لها!».
حزن ومرح
ويقول ناقد الجارديان إن المعالجة المسرحية نجحت في إضفاء نوع من المرح على الموضوع رغم أنه موضوع حزين وشائك، وكانت هناك عدة وسائل لذلك منها الحركات المتزامنة التي قامت بها الأم والابنة مثل القيام من المقعد في وقت واحد وضم القدمين أو الذراعين في وقت واحد وتبادل بعض العبارات والنكات مثل ما كان يدور مع الأم في سجنها.
وتوالت أحداث المسرحية على نحو مناسب دون بطء يصيب المشاهدين بالملل ولا سرعة تضيع الفكرة الأساسية. كما تجنبت المعالجة المبالغة في إثارة المشاعر وحاولت التركيز على الأفكار المنطقية.
ويرى ناقد الجارديان أن المعالجة أبدعت في بعض المواقف مثل حديث الأم عن الصدمة التي تعرضت لها بالوفاة المفاجئة للنزيلة المقيمة في الزنزانة المجاورة لها التي كانت ترتبط معها بعلاقة صداقة وثيقة. وهناك الموقف الخاص بحديث الابنة عن حرصها على نظافة البيت خلال وجود أمها في السجن مثلما كانت الأم حريصة على نظافته تماما، لكن ذلك لم يمنع من بعض المتاعب مثل معايرة زملائها في المدرسة لها بما حدث لأمها وبعض المشكلات الأخرى التي دفعتها لبعض الوقت إلى شرب الخمر قبل أن تقلع عنها. وقد تحاشت المعالجة الحديث عن أي خلل في النظام القضائي البريطاني أو في نظام السجون لأن هذا ليس موضوع المسرحية رغم أنه أمر لا يعاقب عليه القانون في بريطانيا. ولم تحاول الأم الظهور بمظهر الضحية التي تعرضت للظلم وإن تضمن العرض بعض الإشارات غير المباشرة إلى ذلك.
ويقول ناقد الجارديان إنه ضحك من أعماق قلبه في مشهد حديث الأم عن المشكلة التي صادفتها أثناء سجنها عندما احتاجت إذنا من قائد السجن للخروج من الحمام بعد أن أنهت استحمامها، وهو يعتقد أن الأمر ينطوي على مبالغة، لكنه ضحك من الموقف، ويرى أن الأهم هو ما لم تقله البطلتان.
مجدد في الثمانين
وعلى مسرح ساربورو بمقاطعة نورث يوركشاير البريطانية بدأ عرض مسرحية «الموت أفضل» للكاتب المسرحي الآن أيكي بورن، وبورن لمن لا يعرفه كاتب ومخرج مسرحي معروف غزير الإنتاج في الثمانين من عمره، وتعد هذه المسرحية رقم 82 من تأليفه التي شملت أكثر من 70 مسرحية طويلة.
وهو كاتب مسرحي موهوب كتب أول أعماله وهو في العشرين من عمره أي أنه يكتب مسرحية كل عام إذا حسبنا أيام عمره، ويكتب مسرحية وربع كل عام إذا حسبنا سنوات إبداعه، وكان ذلك رغم أنه لم يحصل على مؤهل جامعي وترك المدرسة وهو في سن 17 بسبب مشكلات بينه وزوج أمه، ويعتقد أن كتب إحدى مسرحياته القصيرة وهو في العاشرة من عمره، وإن كان هو نفسه ينكر ذلك.
وكانت من مسرحياته أكثر من سبعين مسرحية طويلة، ومنها عدد من أبرز المسرحيات في تاريخ المسرح البريطاني مثل «الشخص الأعزب الأحمق» و«ثلاثية مغامرات نورمان» و»امرأة في العقل» و»رجل اللحظة» و»مشروع عائلي صغير». وفازت مسرحياته بالكثير من الجوائز منها جائزة أفضل مسرحية في المسابقة السنوية لصحيفة إيفننج ستاندارد لسبع سنوات. وقد ترجمت مسرحياته إلى أكثر من 35 لغة، كما تم تقديمها على مسارح أكثر من 150 دولة، وهو أصلا من أسرة أدبية وفنية حيث كانت أمه من كتاب القصة القصيرة البارزين في بريطانيا وكان أبوه عازف كمان أوركسترالي.
وقد تدرب بورن – الحاصل على لقب سير تقديرا لعطائه المسرحي - على الإخراج المسرحي وأجاده دون أن يتلقى أي دراسات نظامية أو يحصل على شهادات مما جعله محط إعجاب المسئولين عن المسرح وتم تعيينه مديرا فنيا لمسرح ستيفن جوزيف في ساربورو في عام 1972، وظل مديرا له حتى عام 2009 أخرج خلالها أكثر من 50 مسرحية من تأليفه ومن تأليف غيره. وأعلن تقاعده من الإدارة عام 2009 وتفرغه للإخراج والتأليف فقط. وليس من الضروري أن يخرج المسرحيات التي يؤلفها أو يكون مؤلف المسرحيات التي يخرجها. بل إنه كان يخرج مسرحيات على مسارح أخرى وفي مدن ودول أخرى ولكتاب آخرين. وتم تقديم عشر مسرحيات له في برودواي عاصمة المسرح الأمريكي ورشحت منهما مسرحيتان لجائزة توني المسرحية المرموقة وفازت إحداهما بالجائزة.
قصص بوليسية
وتدور المسرحية حول ألجي مؤلف القصص البوليسية العجوز الذي يسعى إلى التجديد في أعماله بعد أن اعتاد الجميع على أسلوبه وكتاباته ولم تعد الجماهير تقبل على مؤلفاته. وبعد محاولات مضنية يجد نفسه في النهاية في نفس المربع وقد عاد إلى أسلوبه الأصلي، جسد شخصية الكاتب النجم البريطاني كريستوفر جودوين.
ويقول بورن إن هذه المسرحية تعبر عن مشكلة يعيشها هو نفسه حيث إنه يسعى إلى التجديد حتى لا ينصرف عنه عشاق المسرح، وقد حاول عرض الفكرة بطرق مبتكرة يأمل أن تلقى إعجاب جماهير المسرح، ولأهمية هذا العرض بين عروضه المسرحية اختار أن يخرجه بنفسه باستخدام أساليب مبتكرة.


ترجمة هشام عبد الرءوف