المسرح الكوميدي.. طيب وأمير وابن حلال

المسرح الكوميدي..  طيب وأمير وابن حلال

العدد 833 صدر بتاريخ 14أغسطس2023

إلى الطيبين.. كم مرة أخبرك أحدهم أنك شخص طيب وصرخت في وجهه غاضباً منه ومن الوصف كما لو كان شتمك بوالدتك، كم مرة تصرفت عن طيب خاطر وكان المردود بـ«أعمل خيراً تجد شراً»، وهو مثال لا يوجد إلا في الخيال البشري المصري المتشائم، كم مرة سمعت صوت المطربة آمال ماهر وهو يصدح «يا عيني عليكي يا طيبة لما بتضيعي منا»، دعك من كل هذا كم مرة شعرت بأن الدنيا ليست عادلة تجاه الطيبين ويواجهون الفقر والمآسي والقدر بل وأخيراً يواجهون الدراما، طيب، أجبني كم عدد المرات التي شاهدت بها نجيب الريحاني ذاك (الفراش سلامة) في فيلم سلامة في خير الذي من كتابة بديع خيري ونجيب الريحاني وإخراج نيازي مصطفى الذي تم إنتاجه عام 1937. 
وللأجيال الجديدة التي لم تشاهد أفلام أبيض وأسود، فهو الفيلم الذي انتشر منه مشهد كوميدي على وسائل التواصل الاجتماعي، حين يطلب سلامة إجازة نصف يوم مدعياً أن أحد أقاربه توفى وبعدها يقول لمديره «أنها عائلة مثل الرز وبيموتوا ورا بعض» ليخبره المدير أن ليس له إجازات سوى يوم وفاته هو نفسه، أما إذا كنت من عشاق ملك سينما الترسو فريد شوقي فبالتأكيد مر عليك فيلم (صاحب الجلالة) الذي تم إنتاجه عام 1964، ومن إخراج فطيب عبد الوهاب . 
إن لم يكن المؤلف (أحمد الملواني) والمخرج (محمد جبر) بالذكاء الكافي، لكنت افتتحت مقالي بأن هناك اثنان يستغلان نجاح مضمون نوستالجي في عرض يدعى طيب وأمير من إنتاج المسرح الكوميدي ويُعرض على مسرح ميامي، بل حتى أنه ضمن العروض التي تم اختيارها وعُرضت بالمهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة عشر دورة الزعيم عادل إمام. 
ولكن بما أن افتتاح مقالي لم يكن بالصيغة السابقة، فيمكنك القول بأن «الأسياد راضيين» أو بأن الكوميديا التي بالعرض دغدغت القلوب والأبطن للجمهور الذي بصالة العرض، وبالطبع الجمهور هو المقصود بالأسياد، فلمن يوجه الفن والإبداع إن لم يكن لجمهور يستحق ألا يُسفه ولا يُستسهل لا بعقله ولا بالفن المُقدم له، لذا بما التزم مُعد النص بالخطوط الرئيسية الموجودة بالأفلام السابق ذكرها، لذا تجد في بوستر العرض مكتوب (عن رائعة بديع خيري ونجيب الريحاني) إلا أن تم فرض مساحة للتجديد والمعاصرة في الإيفيهات، لنرى (سعيد الطيب) الذي قدم دوره (هشام إسماعيل) موظف بشركة (للسيراميك)، صاحب الشركة يأتمنه هو رغم وجود ابن أخيه مديراً مسؤولاً، لذا يطلب منه أن يُحصل مبلغ قدره (مليون جنيهاً) من أحد العملاء ويودعه بالبنك بعدها، ومن هنا تتداعى الأزمات التي تحدث لسعيد في تتابع دون توقف، تبدأ بأن تليفونه المحمول يُسرق منه، وهنا تظهر شخصية فضولية دون اسم طوال العرض يقدمها (شريف حسني) لنجده في نهاية العرض يجيب الجمهور مباشرة على سؤال من أنت؟ قائلاً أنا من دفع بالأحداث يا ناس أنا الحبكة ياهوو وذكر كل المصطلحات المسرحية المعنية وراء الهدف من وجود شخصيته درامياً، فهو بالفعل من دفع بالأحداث منذ لحظة السرقة، فقط لأن اقتراحاته الغبية على سعيد يقابلها بمنتهى الطيبة والصدق، فحين أخبره بوجوب عمل محضر سرقة بقسم الشرطة، صدق سعيد أن الغرض هو محضر سرقة التليفون وليس لأن هذا الشخص الفضولي استغل ذهاب سعيد للقسم ليذهب هو للقسم مجاناً ويضيع وقت سعيد الطيب، واستمراراً لغباء هذا الشخص، أو سميها كوميديا سوء الفهم، يجعله يذهب للبنك سيراً وبالتالي يصل متأخراً، يكون البنك أغلق أبوابه، وحينها يدرك سعيد سوء حظه بأن اليوميين التاليين عطلة، وأن صاحب الشركة مسافر بالخارج لا يستطيع إخباره، بل حتى لا يملك هاتفه كي يستطيع إخبار أي شخص من الشركة، وبالتالي يقع سوء الظن بأنه مختلس، وبذهابه للمنزل يعلم بوجود سرقات متكررة بالمنطقة التي يقطن بها، فيلجأ لفكرة ذاك الشخص الدافع للأحداث، بأن يذهب لفندق يعمل به صديقه، ويضع المال بخزنة الغرفة، إلى الآن نحن مع سعيد ورحلته نرى الشخص الطيب، ولكن بالذهاب للفندق نرى (الأمير) الذي قدم دوره (عمرو رمزي)، ومساعده أو كما قال أن رتبته بإمارة السرسجان هي (الدوغدغان) وقدم دوره (تامر فرج)، وبالوصول لهنا نفهم لماذا اسم العرض (طيب وأمير)، لأن قبل ذهابي للعرض وعدم معرفتي عن أي أصل نصي مأخوذ العرض، أطلقت دعابة لأحد الأصدقاء بأنني ذاهبة لعرض (طيب وأمير وابن حلال) بأسلوب الشحاذين أو أدعية جداتنا حين يقلن الثلاث صفات وراء بعضهن. 
في رحلتنا مع سعيد لم يعتمد العرض على الإبهار عبر الكوميديا وفقط، ولكن الإمتاع البصري كان له دوره بالعرض فما شاهدناه من تحولات على الخشبة بحيث نرى الخلفية بديكور معبر سواء في البداية عن الشركة وليس فقط بحوائط واسم الشركة ولكن بقاعدة حمام موجودة، وبعدها نرى باب قسم الشرطة وبباب البنك الذي لم يستطع دخوله، ومن ثم الفندق وبداخل الفندق الجناح الخاص بالأمير نرى منه الغرفة التى بها أريكة، لم يتوقف الإمتاع البصري على الديكور، فالسينوغرافيا بأكملها تكافأت وتضافرت متفقة على الإبهار، فالأزياء المصممة كان لها نصيب المشاركة ليس فقط بالإمتاع كما أخبرك ولكن بالكوميديا، من خلال الزي الرسمي للرجال بدولة السرسجان وهو عبارة عن جاكت بدلة وجونلة، بل حتى فرقة الشباب التي قدمت الاستعراضات لم يعتمدوا على زي واحد أو حتى كونهم راقصين استعراضات فقط ولكنهم كانوا المارة بالشارع حين كان مشهد شارع، وكانوا ضيوف الحفل التي كان لأجل الأمير.
الأمير الذي قرر أن يضرب عصفوران بحجر واحد وهما إخفاء حقيقته لمعرفة المشاعر الحقيقية لمن أحبها فور وصوله الفندق، لأنه يعلم أن كل الفتيات تتقرب منه لأجل المال والسلطة فقط، أما العصفور الثاني فهو هدف الحماية لمعرفة أن  قريب له موجود بالحفل، هذا القريب الطامع في العرش والانتقام وهو (مدكور) الذي قدم دوره (أحمد السلكاوي)، يدخل بكذبة رغبته في تزويج ابنته (مرمور) للأمير، تلك الفتاة التي جعلت عالمها عبارة عن أميرات ديزني، وتنتهي الأحداث والألعاب حين ينفذ الشرير(مدكور) خطة القتل، ولكن حين يُمسك ب سعيد ينقذه الأمير، صحيح حتى في هذه الأحداث التي بها صراع وأكشن نجد مفارقات كوميدية، إلا أن الختام لم يخلو من نصيحة لمن يرغب على الدوام بالبحث عن الرسائل التي تُلقى على خشبات المسارح كما يُلقى الورد على مطرب بحفل، فالمكافأة التي نالها سعيد من الأمير عن أمانته المتسقة مع الطيبة في شخصيته، كانت عظة لكل من يرغب بصعود السلم بالغش أو الواسطة أو أساليب الشر في العموم، ولكن العظة الأهم هي التي قدمها فنانين العرض بقيادة المخرج، عظة فنية تنص على احترام الجمهور عبر تقديم ما يمتعه ويسر قلبه دون ابتذال أو تكاسل. 
ومن تجربة مشاهدتي الشخصية أود تدوين في الذاكرة ما رأيته ليس فقط على الخشبة، بل ما تابعته في الصالة وهو موقف المخرج محمد جبر الذي جعلت الصدفة أن يكون الكرسي الذي جلست عليه بجانب الحائط الذي استند عليه جبر متابعاً العرض مبتسماً مستمتعاً كما لو كانت الليلة الأولى للعرض وليس ليلة ضمن ليالي عديدة، طوال ثلاث ساعات تقريباً وقف ولم يعتاد النجاح، وقف متأملا لكي تثيرني الدهشة لماذا تقف أجلس يا رجل واطمأن فالعرض نال إعجابنا وأسر قلوبنا بالفعل بإيقاع وخفة تغيب عن مخرجين كثيرين.


سارة أشرف