نحو أنطولوجيا لدراما الإمكانيات(3)

نحو أنطولوجيا   لدراما الإمكانيات(3)

العدد 829 صدر بتاريخ 17يوليو2023

الإمكانية كأفق انطولوجي : 
 يميز أفلاطون بين نوعين من الفعلية،  فعلية اجرائية وفعلية نهائية،  طاقة energeia،  ودقة intelechia . فالأولي هي الفعلية بمعنى المعالجة والأخيرة بمعنى المحصلة . وعندما أتحدث عن الحبكة كحركة kinesis – فعلية س تساوي الإمكانية – فانني اتبنى الفعلية أولا باعتبارها الوجود في الفعل . فالحركة يمكن تفسيرها كحالة امكانية أن أكون فعليا،  أو مثل ظهور الإمكانية . وفي نفس الوقت،  هناك نوعان من الإمكانية أيضا : امكانية غير فعالة وامكانية  فعالة،  الأولى تطبق علي الحالة التي لم يبدأ فيها الوجود تغييرا بعد ؛ أي،  حيث لا يزال أمرا محتملا يمكن تغييره،  والحالة الثانية،  لدينا تغير قد بدأ بالفعل لكي نواجه شيئا من المحتمل أن يتغير بالفعل . 
     اذا كان علينا أن نرتب هذه الحركة من الاحتمالية إلى الفعلية علي مستوى متخيل،  فسوف نبدأ بالحالة الأولى غير المحددة إلى أقصى درجة وهي الإمكانية بشكل غير فعال،  ثم ننتقل إلى الحالة الثانية وهي الإمكانية بشكل فعلي . حيث أن الإمكانية الأولى هي امكانية بشكل بحت،  والثانية هي الإمكانية بشكل فعال في أنها بدأت أن تتغير في اتجاه الفعلية . ومن الآن فصاعدا،  يأخذ الانتقال من الإمكانية إلى الفعلية شكل الطاقة “ الوجود في الفعل “،  لكي يحقق تتمته في الفعلية النهائية،  وهي الوصول إلى غاية . والوصول إلى أنطولوجيا غير كلاسيكية للدراما،  سوف أعرّفها مؤقتا بأنها أسيرة بين الإمكانية والفعلية،  حيث تستقر الحركة آنيا والامكانية هي الفعلية . 
     اذا أردنا تحديد مكان دراما الامكانيات علي هذا المعيار الخيالي،  فسوف نجد مكانها في الوسط حيث يحدث التفاعل بين الإمكانية الثانية والفعلية الأولى . وبالتالي فان مكان دراما الامكانيات هو الانتقال ( أن لم يكن التداخل) بين الاجرائي  والامكانية الفعلية المحتملة،  والاجرائي والفعلية الحقيقية المحتملة . لأن المكان الذي تلتقي فيه الإمكانية الثانية مع الفعلية الأولى،  وهو ذلك الوسط،  هو تجسيد للصيرورة نفسها . ومن المفارقات أنه “عندما يكون هناك شيء يمكن التصرف بناء عليه،  فان ما هو ممكن يصبح فعليا” . واذا كان لنا أن نعبر عن الشرط المميز لهذه الدراما،  فيمكننا أن نقول انها نظاما للمرور حيث “ الإمكانية = الفعلية “ . وفي السيناريوهات الفكرية،  تترجم الحركة من الإمكانية إلى الفعلية إلى حركة سببية تتقدم علي صيرورة الحبكة الدرامية الشكلية والعاطفية . ويمكننا أن نتحدث عن سببية جوهرية وفردية جوهرية . فبينما تتحرك الحبكة إلى الأمام،  تحتفظ بهدفها داخل ذاتها،  أي الهدف الذي يوجد دائما داخل الحبكة . والدراما هي الاستيلاء علي هذه المشاركة . 
     علي العكس من ذلك،  ترى دراما الامكانيات الكيانات وتفاعلها في استمرارية حيث الفرق بين الأجسام هو فرق في الكثافة .فالأجسم تذوب في بعضها البعض وتتفاعل وكأنها تتناغم مع كثافات الركام المجاور . فالجسم يصبح مكان تمر فيه باستمرار العديد من الحالات المكثفة . بمعنى أن هذا يميز تقريبا عودة إلى كتاب فن الشعر حيث يفجر تفاعل الإمكانية والاحتمالية الفعل التراجيدي،  ويسمح لها أن تنحرف في اتجاه محصلة بعينها،  وتحتفظ طوال الوقت بتأكيد على الاجرائي . وهنا،  رغم ذلك،  يصير من الممكن أن نرى الكيانات في الدراما باعتبارها الاستمتاع بمختلف درجات الكثافة حيث الفعل – أو ما يسميه أرسطو “ الممارسة”-  تحكمها تدفقات متعددة وطارئة تعتمد على اللقاء . وبالتالي لا تهتم دراما الامكانيات بالكيانات الفعلية،  ولا تشغل نفسها بمجال الافتراضي كشرط لامكانية نشأتها الدينامية . وتشغل نفسها بالمكثف بين الافتراضي والفعلي .
     أرى في مجال الدراما أن الإمكانية = الفعلية،   باعتبارهما مجال التميزات أو الكيانات علي عتبة التفرد . الفردية هي ما يحدد الشيء كسلسلة من الصيرورات،  التي هي مناطق الجوار حيث يوجد تغير وانعكاس،  مثل جميع الأماكن التي يصبح فيها الكائن الحي شيئا مغايرا لما هو عليه بطريقة منفتحة ومتوترة وغير مؤكدة . وبهذه القدرة،  يشير التفرد في نفس الوقت إلى عالمين : عالم الكليات وعالم الجزئيات . وبتمييز التفردات مثل رقبة الزجاجة والعقد والبهو،  يشبههم ديليوز بمكان الانتقال في عملية التفرد حيث بدأت الإمكانية في اظهار وجهها الفعلي،  ومع ذلك يظل الكيان قائما كمجرد شيء ولكن ليس هذا الشيء تحديدا . وهذه حالة عملية ظهور مستمر وهو جوهري في الأشياء التي تشير إلى افتراضيتها . فاالتفرد يقدم أساسا للحضور المشترك للصدفة والعزيمة . 
     ويمكن أن يكون هذا المنظر الأنطولوجي مستحيل الفهم مع وسائل الاستفسار المعرفي .  ففي كثير من الأحيان،  ثبت أن المتفرجين المدربين في تقاليد درامية معينة محبطون تماما من السيناريوهات المقدمة في المسرح بعد الدرامي . إذ يقوض ثراء التجربة والعوالم غير المؤكدة التي يواجهونها في المسرحيات بعد الدرامية  أي جهد لادارة القوالب المعرفية المعتادة . لأنه يتم تحدينا لاعادة تشكيل فرضياتنا بشكل مفاجئ خلال مدة المسرحية،  وغالبا ما تكون النتيجة عدم الفهم والارتباك . وطوال الوقت،  فان ادخال اجراء يوفر الوصول المعرفي إلى دراما التحول غير الهادف سوف يعتبر هذه المناطق قابلة للتمييز فقط . وبدلا من اجبارنا علي مواجهة حقائق مستحيلة ادراكيا،  يمكن أن يدمجهم في تخطيط معد مسبقا . ومحاولة تنظيم الاستجابة لهذه الحقائق الصعبة يمكن أن يرقى اذن إلى تحييد المكونات التي تدفعنا إلى التفكير. 
     وبدلا من ذلك،  فان جاذبية أشكال المسرح بعد الدرامي وأنطولوجيتها الافتراضية تكمن بالضبط في الاحتفاظ بانفتاح أساسي تجاه ما يتم تصويره مسبقا والذي لم نتدرب علي الاستجابة له . ويحمل الانغماس في التجربة المنسوبة إلى أرتو في مسرح ما بعد الدراما خطا أخلاقيا لا لبس فيه من حيث أنه يمهد الطريق لامكانية الانفتاح اللانهائي علي منطقة التأسيس الأنطولوجي،  نحو تشكيل اجتماعي جديد داخل كيان محدد . فالأفراد في المسرح بعد الدرامي يعيدون التكوين مع بعضهم البعض . وبهذه الطريقة،  وليس لدين الكثير من المجتمعين بل فرديات في طريق التميز حيث يظل كل كيان مفتوحا إلى أقصى حد أمام الصدفة وعرضة لمواجهات جديدة . 
     ضمن دراما الامكانيات،  يصبح هذا المرور بين الإمكانية من الدرجة الثانية والفعلية من الدرجة الأولى تصبح حركة تميز . في حين أن المتفرد أو المعبر عنه ملموس إلى أقصى حد، فان التعبير نفسه يظل ايجابيا . وبالتالي تعرض التفردات طبيعة مزدوجة . فمن ناحية،  تعجل التفردات بظهور محدودية تعتمد المواجهة . وتقديم الصدفة في التفرد المنسوب إلى ديليوز يضمن صيرورتها غير الفكرية . فالتفرد يولد كيان معين داخل بيئة مواجهة معينة،  مواجهة مختلفة تجسد شكلا مختلفا . فلا يوجد شكل لديه معرفة بغرضه مقدما،  فكل فعلية مشروطة بتضارب مع الكيانات الأخرى . ورغم ذلك،  في الجانب الآخر من المرآة،  عندما تكون التفردات افتراضية،  فانها تظل منفردة ومحايدة . وبهذه الطريقة يتم اظهار التفرد ليكون الشاشة التي من خلالها ننظر خلال انصاف العالم غير المنتاسقة،  والتي تحتوي الافتراضي ومنطقة الفعلية داخل ذاتها . 
     وبمصطلحات كلير كولبروك،  “ يجب ألا نرى الفعلي باعتبار أنه الذي يغير ويحدث الاختلاف،  ولكن باعتباره ذلك الذي تأثر من الإمكانية . ... فمن أي مصطلح فعلي أو غير مكشوف،  يجب أن يكون ممكنا ... استجماع الإمكانية الأغنى التي نشأت منها . تصبح الفعلية ممكنة بسبب البعد الافتراضي الذي يدعم الفعلي . فالفعلي يشمل حالات علاقة خاضعة للمسائلة من الناحية المعرفية،  في حين أن الافتراضي هو منطقة التأسيس الأنطولوجي،  على الرغم من حقيقيا،  الا أنه يتكون من أحداث وتفردات غير جسدية في طريقها إلى التحقق . وبالتالي،  فان الافتراضي هو هو صورة المرآة للفعلي – انه يشترط الحالات وينشئها،  بينما يتكون من بنية أنطولوجية مختلفة . ويصف كونستانتين بونداس حركة الفعلية هذه في المخطط التالي : “ الافتراضي / الحقيقي  عبر الفعلي/الحقيقي عبر الافتراضي /الحقيقي . 
     يوحي هذا النموذج أن التحول ليس تطورا خطيا من الافتراضي إلى الفعلي،  بل الحركة من حالة فعلية،  خلال مجال دينامي للافتراضي/الحقيقي إلى فعلية هذا المجال في حالة جديدة . وبهذه الطريقة،  فان الحركة من الافتراضي إلى الفعلي نادرا ما تكون أحادية الجانب ومحددة . وهنا الحركة المضادة من الفعلي إلى الافتراضي،  وهي فعلية مضادة،  يمكن أن تظهر بحرية في الخطوة الثانية وتعيد تكوين السيناريوهات الحالية . فمثلا مسرحية مارتن كريمب الثلاثية “ عدد قليل من حالات الطوارئ Fewer Emergencies “ (2005) تسمح بهذا النوع من التفسير. فالمسرحية تنتقل فيما وراء قيود المسرح بعد الدرامي حيث أنها لا تعمل في اتجاه حدث مسرحي بل تكافح مع عدم الرغبة للاستمرار ومع رغبة دائرة مقصورة . تتناوب ثلاثة أصوات يحملون أرقام (1)،  (2)،  (3) علي التعليق علي الشخصيات التي لا نقابلها أبدا علي خشبة المسرح . معا 1،2،3 يشكلون ثلاثة دمى غريبة تسمى ماما وبابا وبوبي/جيمي من خلال التحدث عنهم والتعليق علي مواقف حياتهم،  واضافة التفاصيل باستمرار،، تصحيح التفاصيل المتفق عليها مسبقا . 
     يعيد الجزء الأول من مسرحية “ سماء كلها زرقاء Whole Blue Sky “ صياغة ما سماه كريمب “ صور السعادة “ . تشكل الأصوات الثلاثة شخصية امرأة شابة وكأنهم  يراقبونها حاليا وفي وقت لاحق .إذ يقررون بشكل مشترك مشاعرها، وشخصيتها،  وانعدام الأمن،  ويوافقون علي أفضل عبارة تعبر عن الموقف . ومع ذلك تعيق التدخلات غير المنطقية أو الطفيلية أو الخيالية هذه الجهود باستمرار . وبهذه الطريقة،  ترسم المسرحية ببطء صورة اليأس : امرأة خنقها الزواج،  ومن المفترض أن يكون الزوج غير محبوب،  وموقف عام للطبقة المتوسطة . والجزء الثالث من اللوحة الثلاثية،  يشير إلى الافتراضي مرة أخرى كما لو كانت في محاولة لاستعادة كل ما قيل حتى الآن،  وتحويله إلى شيء ايجابي . ورغم ذلك،  فجأة،  يتم تجاوز اللعبة بعناصر خيالية أكثر وفرة . بينما يبحر الزوجان إلى حافة العالم،  يصبح منزلهما ساحة لأعمال الشغب – يتم القاء الحجارة وقلب السيارات . يبقي بوبي الطفل محبوسا في الداخل ويصاب برصاصة في رجله . وفي هذه المحاولة للمواجهة،  تنتقل المسرحية من تصوير الاكتئاب التافه وعدم الانجاز إلى مشهد من الخراب والدمار التامين والمسمى بفضول أقل حالات الطوارئ . وهذا يوضح تماما أيضا الجانب المؤقت في المواجهة : لا يمكننا أن نتأكد من كيف أن الواقع الحالي سوف يعاد تصويره عندما يعاد فتحه علي التعدد الفوضوي للمنطقة الافتراضية . 
     يمكن أن تكون دراما الامكانيات في فلسفة الأداء : تركيز علي الانقسام بين الفعلي والافتراضي . والفرق بين الاثنين ليس فرقا في “ الحقيقي “ في مقابل “ غير الحقيقي” والضرورة في مقابل الاحتمال،  والفعلية في مقابل الإمكانية،  بل هو في المحاذاة الناتجة من جانبي الوجود ( الفعلي والافتراضي) الحقيقيين بشكل متساو . انه ذوبان الفعلي والافتراضي الذي يصبح ساحة المسرح بعد الدرامي . فالمسرح لا يصبح مسألة تصميم دقيق بل يصبح ظاهرة كثافة . علاوة علي ذلك،  فان هذا الاندماج المكثف لمنطقتين مختلفتين من الوجود هو المكان الذي يصبح فيه الفن فلسفة وتتضافر الفلسفة مع الفن. 
وبهذه الطريقة،  مثلما يتم تجسيد القيم الافتراضية بالفعل جزئيا،  لذلك لا تملك الفعليات الوجوه الفعلية تماما . ويرى علم الكونيات عند ديليوز الإمكانية والفعلية باعتبارهما وحدات لا تنفصم عن بعضها البعض . 
الأشياء الفعلية بشكل بحت غير موجودة . فكل فعلي يحيـط نفسـه بسحابة من الصور الافتراضية . وتتكون هذه السحابة من سلسلة دوائر تتعايش بشكـل أكثر شمولا،  يتـم من خلالهـا توزيع الصور الافتراضية،  وتدور من حولها . وتختلف هذه الافتراضات في النوع عـلاوة  علي درجـة قربهـا من الجزيئـات الفعلية  التي تنبعـث منهـا وتستوعبها . وتسمى الافتراضي بقدر انبعاثها واستيعابها،  ويحدث ابتكـارها وهدمهـا في فترة زمـن أقصـر من أقصـر فتـرة متواصــلة متخيـلة،  انه ذلك الايجـاز الذي يجعلهـا عرضـة لمبـدأ الشـك وعدم  وعدم التحديد . 
من الممكن أن تكون الآثار المرتبة على الدراما أثرين على الأقل . فنحن لا يجب أن نتأمل فقط هشاشة أسرها اللحظي فقط بل يجب أيضا أن نضع في اعتارنا حقيقة أن كثيرا من الكيانات بدون تجسيد تسيطر علي الفعلية مثلما أن كل فعلي هو مجرد لا عب أساسي علي حافة التحول إلى شيء آخر في خطوة ثانية أو الذوبان في الخفاء . 
هل يجب أن يظل المسرح بعد الدرامي بدون دراما : 
 بدأ التقسيم داخل دراسات المسرح يتبلور في القرن العشرين . إذ ترتبط دراسات الدراما الآن بالدراسة النصية ( وهذا يعني إلى حد كبير وليس بشكل تام الاختلافات والتحولات في الدراما الأرسطية )،  بينما تغطي دراسات المسرح مجال خشبة المسرح . وفي المقابل،  تصبح دراسات الأداء مجالا متجاوزا يشمل أي حدث حي له جاذبية مسرحية – لاتعرض بالضرورة علي خشبة المسرح،  وليست شفهية بالضرورة،  وليس من الضروري أن يشاهدها متفرجون . أخيرا،  لا تشير فلسفة الأداء فقط إلى ميل تجاه فلسفة في الأداء بل تشير إلى انحياز مثمر إلى مواجهة تحويلية متبادلة للمجالين . 
     هذه هي نقطة التحول التي نشاهدها في الانتقال من أنطولوجيا الدراما الكلاسيكية إلى المسرح بعد الدرامي أيضا . فمسرح ليمان بعد الدرامي له جانب واحد،  رغم ذلك . انه يحفر مجاله بالاستغناء تماما بما هو موجود خارج حدود خشبة المسرح من دراسات الدراما . وتظل الدراما مرتبطة بالمسرحيات المصنوعة جيدا التي يهيمن عليها النص وطرق الحديث عنها . والمسرح بعد الدرامي المعروف بخاصية « المسرح بدون دراما « يرسخ نفسه كرد فعل للنص المكتوب . 
    في عام 1999،  يكتشف ليمان تطورا نحو المسرح الذي لم يعد بقوم علي الدراما ... سواء كان مفتوحا أو مغلقا،  هرميا أو دائريا،  ملحميا أو غنائيا،  فانه يركز أكثر علي الشخصية أو علي الحبكة،  ويضيف قائلا أن المسرح بدون دراما موجود . ويبرر ليمان هذا  الاستبعاد للدراما في الطريقة التالية : 
من الواضح أن الأمر لم يعد كسر الايهام الدرامي،  أو تذويب المسافة،  عندما لا توجد حاجة واضحة إلى حبكة وشخصيات                  درامية ذات تشكيل مرن ؛ عندما لا تكون قيم الصدام الدرامي الجدلي  أو حتى  الشخصيات  القابلة  للتعريف  الضروريـة لتقديم المسرح ... ..فان مفهوم الدراما – مهما كان متمايزا وشاملا ومخففا – يحتفظ بالقليل من المضمون بحيث يفقــد قيمته المعرفية . 
في حين أن هذا تمييز معرفي يقوم علي معلومات نماذج الانتاج التي تفصل المسرح عن الدراما،  فان تناولي الانطولوجي يكشف عدة جوانب اضافية للمسرح بعد الدرامي . تحت الدراما المستندة علي المضمون أو الدراما الوصفية ( من حيث الحبكة،  أو عدد الأعمال،  أو الموضوع ) نلاحظ أن أشكال المسرح بعد الدرامي تحمل علاقة مختلفة تماما بتوزيع الإمكانية والفعلية في أعمال المسرح . فدراما الامكانيات ترى كل من الإمكانية والفعلية باعتبارهما تأسيسيان وحقيقيان علي قدم المساواة . وهذا يؤدي إلى افتراض أن أنطولوجية الدراما يمكن اعادة صياغتها في إطار تناولها للامكانية . وفي المقابل تعني الأخيرة أن الأشكال الدرامية الكلاسيية تميل إلى استنفاد الإمكانية داخل بنية فكرية أنطولوجية،  بينما الأشكال بعد الدرامية تشكل استمتاعا في لعب الفعلية والامكانية . أخيرا،  كل من الأشكال الدرامية الكلاسيكية والأشكال بعد الدرامية يمكن تأملهما في إطار نظرية درامية اذا قبلنا اقتراح أن الدراما ليست بالضرورة دراما أرسطية فقط . فالدراما يمكن أن تعيد تشكيل فروضها النظرية وتصل إلى قالب أنطولوجي مختلف . ومثلما يربط ليمان مصطلحه المسرح بعد الدرامي بالمسرح الفعال،  فان دراما الامكانيات أيضا ترتبط بالاشكال بعد الدرامية،  وأثناء تفسير وجوديتها،  لا تصبح مستنفدة مع هذا الدور . 
     تضع بدايات المسرح بعد الدرامي الدراما تحت الفحص الدقيق علي عدة أصعدة . فمنذ تحليل بيتر سوندي لأزمة الدراما وتقديم ليمان للمسرح بعد الدرامي باعتباره “ مسرح بدون دراما “،  فلم تبقى الا مسساحة صغيرة للدراما كتصنيف في ذاته . ومتابعة لتفكيك جيردا بوشمان للعلاقة بين الدراما والمسرح،  فلم يعد النص المكتوب للمسرح دراميا . ومرة أخرى أحد أسباب هذا الانقسام هو تناغم الدرامي مع أنطولوجيا الفكري،  والثقافة النصية،  والحبكة الأرسطية . وأملي في هذه المقالة أن تتم مناقشة هذا الأخير . وربما كل ما يجب أن نفعله هو التحول إلى أنطولوجيا الدراما وندعم نظيرها غير الكلاسيكي . وبهذه الطريقة،  يمكن فتح طريقة شاملة لتفسير النظرية الدرامية . فالمناطق التي نرى الآن بأنها مسرح بدون دراما يمكن اصلاحها إلى مجال دراسات الدراما لتفسير اللذة التوليدية،  وتأسيس اللعب بين الافتراضي والفعلي . 
....................................................................................
• نشرت هذه المقالة في Journal of Dramatic theory and criticism، fall 2016
 • زورنيتسا ديمتروفا تعمل أستاذا للأدب الانجليزي والفلسفة في جامعتي صوفيا وفرايبورج.


ترجمة أحمد عبد الفتاح