ليلة الزفاف الدامي في مسرحية باب عشق

ليلة الزفاف الدامي في مسرحية باب عشق

العدد 829 صدر بتاريخ 17يوليو2023

تواجهنا مسرحية باب عشق، التي يقدمها مسرح الطليعة الآن، للمؤلف المتميز إبراهيم الحسيني والمخرج الكبير حسن الوزير، - تواجهنا بحالة إبداعية نادرة الجمال، تثير الوهج والإبهار، تنتمي إلى الأعمال السياسية الكبرى، تدين الاستبداد والغياب، تعلن موت الحب وسقوط الأحلام، تعانق العبث في أبهى صوره، ويأتي ذلك عبر صياغة درامية عالية القيمة، أسلوبها مغرق في الجمال الشاعري الذي يتجه إلى عمق المأساة الإنسانية .
إذا كانت الأبعاد العميقة لباب عشق تطرح خطابا ثوريا تقدميا إنسانيا، يبحث عما يجب أن يكون، إلا أن المؤلف إبراهيم الحسيني، قد اشتبك مع أجواء الأساطير، ووقار التراجيديا والكلاسيكيات العبقرية، حيث أصداء هاملت، وأشباح ماكبث، وعذابات لير، فتفجرت تيارات المشاعر, و تضافرت مع عذابات الوجود والعدم، مع المثالية المفرطة، والواقعية السحرية الوحشية، وعلاقات الحب والعشق والدم والجريمة، وفي هذا السياق يشتبك المخرج العبقري حسن الوزير مع تفاصيل هذا العالم الغامض المثير، ليظهر كل ما هو ملحمي وغنائي، تراجيدي وكوميدي، نثري وشعري، حواري وخطابي، فلسفي وأسطوري، وذلك عبر الرؤى الجروتسكية الساخرة للواقع الإنساني المرير، وهكذا كان مسرح الطليعة يموج سحرا وإبهارا وجمالا بعد الجمال، اللحظات الأولي تأخذنا إلى اشتباك عارم بين الغناء والضوء والحركة، الناس يستمعون بشغف إلى النداء المثير الذي يؤكد أن أميرة البلاد تطلب فارسا بقلب شاعر، ممتلئا بالعشق والمشاعر، يقول فيها درة مصورة تلمس قلبها، ليصير الشاعر زوجها وشريك عرشها، منظور الإخراج يبعث تيارات الحياة الثائرة، والمغامرة الجريئة الساخنة تؤكد أن المخرج حسن الوزير يمتلك موهبة خصبة، وأدوات جديدة مغايرة، وإدراك عميق لمفاهيم الإبهار والدهشة والتشويق والبساطة، الإيقاع الحار ينطلق إلى تصاعده اللافت، وجماليات صورة المشهد المسرحي تتجاوز السائد والمألوف، جاءت مسكونة بالتفاصيل الدالة، التي تضافرت مع دراما الضوء لتبعث حالة من البهاء المسرحي الخلاب، أما التشكيل السينوغرافي العبقري فقد كان نجما لامعا في قلب هذه التجربة، حيث التميز والإبهار والبساطة على المستويين الجمالي والوظيفي، تلك الحالة التي بعثت تفاعلا حيويا مع كوريوجرافيا الحركة والاستعراضات الراقصة والحوار ولغة الجسد، فتحول الواقع والفانتازيا والأوهام، إلى قراءة حية في أعماق الحب والجنس والمجتمع والسياسة والمؤامرات، فسقطت كل أقنعة الزيف والعبث، لتصبح الشخصيات عارية تواجه سقوطها المخيف . 
جاءت المسرحية كابنة شرعية لواقعنا العربي عبر تاريخه في الماضي والحاضر، وهي تمثل منظومة فنية ترتكز على أبعاد درامية، مسكونة بالمفاهيم العلمية للمسرح، الزمن يدور في أوائل الدولة العباسية عهد هارون الرشيد، وقد يكون في أي زمن مشابه، ورغم أنه لا شيء تاريخي داخل التجربة – كما يؤكد المؤلف، ألا أنها تستند على بعض الآثار الأدبية، الأشعار مأخوذة من القصيدة الدعدية، الشخصيات تبدو أسطورية إنسانية مرسومة بألوان الحب والرغبة والدم والسقوط، تموج سحرا وجدلا وتناقضات، « دوقلة “ الشاعر العبقري المغمور، يخطف القلوب يدرك المعنى والقيم، يعرف الأسرار ويمتلك البيان، لكنه يعرف قليلا عن أطماع البشر، أما الأميرة دعد فهي فراشة تثير العشق، يمكن لجناحها إن اهتز أن يحدث خللا في الكون ,بينما يأتي “غيلان “ كبطل أسطوري تدفعه سقطاته الوحشية إلى الجحيم، هو فنان يهوى تشويه الجمال ويشبه الصحراء، الإيقاعات الدرامية تتصاعد عبر حضور الملك الأب رخاء الدين، صاحب السلطة والسطوة وأبهة الملك وعذابات مرض خطير، وزيرا البلاد كنا يجيدان المؤامرات و وراشد السياف هو صخرة صماء وسيف مشهر دائما . 
تمتد الأحداث والتفاصيل والصراعات، ويعلم الشاعر المغمور برغبة الأميرة في أن تتزوج من شاعر يستطيع وصف جمالها وصفاتها في قصيدة فريدة، فيكتب قصيدته العارمة الجميلة، الصراع على السلطة يدفع الجميع إلى الجحيم، غيلان الفنان الوحشي يسرق قصيدة دوقلة ويقتله، ويصل إلى القصر ليتزوج الأميرة ويمتلك العرش، لكن اللعنة كانت تنظم قصيدتها، وصرخات الشاعر المقتول تتردد لتؤكد أن قصيدته ستقتل غيلان ولو بعد حين، وفي ليلة الزفاف الدامي تعلم الأميرة حقيقة غيلان، وحقيقة مؤامرة الوزراء للاستيلاء على العرش، كانت تمتلك زمام الموقف، ظلت تمنح غيلان وعودا وعهودا وتبعث عيناها أشواق اللهفة، دفعته إلى قتل الوزيرين ففعل – وعاد شاهرا سيفه وهو يقطر دما، الأميرة تتحسسه باشتهاء، طلبت منه أن يغمض عينيه، طعنته بالسيف في قلبه فمات وهو يلهث قائلا، لو عادني الزمن مرة أخرى لفعلتها فربما تنجح وأصير ملكا .
شارك في المسرحية النجم ماهر محمود صاحب الأداء الساحر والصوت الخلاب، مع عمرو على،  محمد أمين، أحمد حسن، خالد العيسوي, والفنان فكرى سليم، مع النجمات هالة ياسر، مي زويد، شيماء يسرى، و مجموعة من الفنانين المتميزين . 


وفاء كمالو