الشخصية المنكسرة في مسرح إبراهيم الحسيني

الشخصية المنكسرة في مسرح إبراهيم الحسيني

العدد 762 صدر بتاريخ 4أبريل2022

مفهوم الشخصية المنكسرة
الشخصية المنكسرة هي التي تشعر بعدم تكيفها مع الأوضاع التي هي فيها، وترى أن هناك شخصا ــ أو أشخاصا أو ظروفا ـــ هو الذي أدى بها لهذا الانكسار، ونراها تقاوم هذا الانكسار، ومن خلال تلك المقاومة منها نشعر بالصراع في تلك المسرحيات التي فيها تلك الشخصية المنكسرة. وقد تنجح هذه الشخصية في مقاومة الأسباب التي تؤدي لانكسارها، وتشعر عند ذلك بالقدرة على العيش بشكل سوي، وقد تفشل أحيانا في مقاومة الأسباب التي تؤدي لانكسارها، وتتخذ مواقف مؤثرة في حياتها إزاء استسلامها وعجزها في النهاية عن مقاومة هذه الأسباب التي أدت لانكسارها.
وغالبا ما تكون الشخصية المنكسرة في مسرحيات إبراهيم الحسيني هي الشخصية الرئيسة فيها، ويكون انكسارها لوجود قوى شريرة تعوقها عن تجاوز هذا الانكسار، ولكننا نرى أحيانا في بعض مسرحياته أن الشخصية المنكسرة ليست الشخصية الرئيسة فيها، كما أنها قد تكون هي الشخصية التي تمثل الشر بها، كما نرى ذلك في مسرحية لعنة موتسارت.

الأسباب التي تؤدي لانكسار الشخصية في مسرحيات إبراهيم الحسيني 
وهناك أسباب عديدة تؤدي لانكسار الشخصية في مسرحيات إبراهيم الحسيني، ومنها شعور الشخصية بضغوط شديدة عليها من المجتمع، وعدم قدرتها على مقاومة هذه الظروف، كما نرى ذلك في مسرحية عشرة بلدي، فشهاب فبطل هذه المسرحية يشعر بعجزه الشديد عن التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه، فيرى أنه عاجز عن توفير عمل مناسب له، ولا يستطيع أيضا أن يجد فرصة سفر مناسبة، ويزيد على ذلك أنه يرى حبيبته سلمى تضيع من يديه، وكذلك يفقد كل من كان يجعله يشعر بالصمود في مواجهة هذه الظروف الصعبة له؛ ويدرك شهاب في هذه المسرحية أن هناك شخصا غريبا على مجتمعه يعمل دائما على إعاقته عن مقاومة انكساره، ويزيد في شعوره بالألم؛ مما يعمق من شعوره بالانكسار في هذه المسرحية.
وكذلك نرى منسي في مسرحية الرجل والكلب يشعر أن الظروف الاجتماعية التي حوله تقهره، فهو يعامل كالكلب من رئيسه في إحدى الشركات، ويسخر منه ذلك الرئيس، ويجعله بديلا للكلب الذي كان رفيقا له في عمله، وتم قتله بصورة بشعة؛ ونتيجة ذلك شعر منسي بانكسار شديد في هذه المسرحية.
وكذلك نرى الشاب الفقير في مسرحية باب وصل يطرد من دخول أحد المستشفيات الخاصة، ولا يستطيع الوصول للطبيب الذي يحتاجه بشدة لعلاج مرض أمه الذي استعصى على غيره من الأطباء علاجه؛ مما يؤدي لشعور هذا الشاب بالانكسار الشديد.
ونرى في مسرحية نظرية العدالة الفاسدة شخصا يعيش في كوخ وسط الصحراء؛ لشعوره بالانكسار نتيجة تعرضه لمواقف صعبة في حياته مع بعض الأشخاص في المجتمع.
وأحيانا يكون سبب انكسار الشخصية في مسرحيات إبراهيم الحسيني هو رغبتها في فرض نظرتها المثالية على الواقع وعدم قدرتها على تحقيق ذلك، كما نرى ذلك في مسرحية أيام اخناتون، فقد حاول إخناتون في هذه المسرحية تغيير حياة الناس لصورة مثالية، ولكنه اصطدم بكثيرين في ذلك، وعجز عن تحقيق هذه الصورة على أرض الواقع؛ مما أدى لشعوره بالانهزام في هذه المسرحية.
وأحيانا يكون السبب الذي يؤدي لشعور الشخصية بالانكسار في مسرحيات إبراهيم الحسيني هو وجود شخص معين يتربص بها، ويعمل على انكسارها، كما نرى ذلك في مسرحية المكحلة واليشمك ، ففيها نرى ريناد تشعر أن حماتها زاهية تعمل على تعكير صفو حياتها في كل وقت، وتعيرها دائما بفقر أسرتها، وتسمم عليها في كل لحظة شعورها بالسعادة. 
وأحيانا يكون سبب انكسار الشخصية في مسرحيات إبراهيم الحسيني دوافع نفسية نتجت عن بعض الصدامات مع أشخاص آخرين، ومن ذلك شعور صالح الشديد بالانكسار في مسرحية كتاب الخوف؛ لإحساسه الشديد بالخوف من كل شيء حوله، وندرك أن شعوره بالخوف هذا قد جاءه من الماضي، ومن تربية والده له التي تقوم على ترويعه وبث الفزع فيه، ثم صار بعد ذلك مقيدا بهذا الشعور؛ مما ضخم شعوره بالانكسار.
وكذلك نرى جابر في مسرحية بيت على البحر أسير حوادث صعبة حدثت له في الماضي، ولم يعد بسببها قادرا على التواصل مع الواقع، ونراه في هذه المسرحية ينسحب كثيرا من الواقع لذلك الماضي الصعب الذي أثر عليه، وأدى لانكساره. 

رد فعل الشخصية المنكسرة
وتتفاوت ردود فعل الشخصيات المنكسرة في مسرحيات إبراهيم الحسيني، فمن هذه الشخصيات من تكون لديها قدرة كبيرة على المقاومة، وتسعى بكل جهدها لتزيل هذا الانكسار عن نفسها، كما نرى ذلك في مسرحية المكحلة واليشمك، فقد استطاعت فيها ريناد أن تعرف بعض الأمور المخزية التي تخفيها حماتها زاهية، وواجهتا بها، فاستطاعت بذلك أن تكسرها؛ ولهذا استسلمت لها، ولم تعد لمضايقتها بعد ذلك، بل إنها لم تستطع أن تواجه المجتمع بعد توجيه ريناد هذه الصفعة لها، فانتحرت في النهاية.
وبعض الشخصيات المنكسرة في مسرحيات إبراهيم الحسيني تواجه انكسارها بتفريغ شحنة كبيرة من العنف، ليس فقط ضد من تسبب في انكسارها، ولكن أيضا في أشخاص آخرين كثيرين، كما نرى ذلك مع الرجل المسن في مسرحية العدالة الفاسدة، فهو كان ينتقم من تعرضه لبعض المضايقات من بعض الأشخاص في المجتمع، بصيد من يستطيع صيده من أشخاص فاسدين في المجتمع يأتون له في كوخه في وسط الصحراء خلال سفرهم في الطريق الذي يمر بهذه الصحراء، ويطبق عليهم نظرية عدالته الدموية في ذبحهم بالبطيء حتى يقضي عليهم.
وأحيانا تستطيع بعض شخصيات إبراهيم الحسيني المنكسرة في مسرحه أن تتجاوز انكسارها من خلال عوامل خارج الصراع، كتدخل قوى غيبية، كما نرى ذلك في مسرحية باب وصل، فالشاب الذي عجز عن الدخول إلى ذلك المستشفى الخاص ليتمكن من مقابلة الدكتور شاهين ليعالج أمه من مرضها العضال ــ يفاجأ بأن هذا الطبيب قد أتى لأمه من خلال حدوث كرامة كبيرة، فقد سقطت الطائرة التي كان يركبها ليصل بها لعلاج أحد الوجهاء في مكان قريب من بيت أمه، ونجا من الموت، ودخل بيتها؛ لتتحقق رغبتها في معالجة ذلك الطبيب لها.
وأكثر شخصيات إبراهيم الحسيني المنكسرة لا تقوى على مقاومة الانكسار الذي حدث لها، وتستسلم لمصيرها في مواصلة الشعور بالألم نتيجة هذا الانكسار، كحال صالح في مسرحية كتاب الخوف الذي لم يستطع أن يتخلص من شعوره بالخوف من كل شيء، وظل أسير ذلك الشعور الذي صاحبه منذ صغره.
وأيضا نرى جابر في مسرحية بيت على البحر لا يستطيع أن يقاوم تجارب الماضي المؤلمة التي أدت لانكساره، ويموت قبل أن يخرج من البيت الذي عزل نفسه فيه عن الحياة بحوار البحر.
ونرى أيضا بطل مسرحية عشرة بلدي عاجزا عن عمل أي شيء للأسخاص الذين تسببوا - بشكل مباشر - في انكساره؛ مما يعمق شعوره بالانكسار.
وكذلك نرى منسي في مسرحية الرجل والكلب غير قادر على قتل الشخص الذي تسبب في انكساره حتى بعد أن اختطفه وأتى به لبيته البسيط لينتقم منه، فقد أدرك أنه مشلول الإرادة في ذلك؛ بسبب شدة انكساره.
وقد ينتهي الأمر مع بعض الشخصيات المنكسرة في مسرحيات إبراهيم الحسيني بالتخلص من حياتها بالانتحار؛ لشعورها الشديد بالانكسار، ولعجزها عن تجاوز ذلك الانكسار أو القضاء على أسبابه، كما نرى ذلك في مسرحية لعنة موتسارت التي لا يستطيع فيها سالييري أن ينال من موتسارت الذي يشعر بالدونية الشديدة أمام عبقريته الموسيقية، فيتخلص من حياته في نهاية هذه المسرحية بالانتحار.


علي خليفة