نحو أنطولوجيا لدراما الإمكانيات(1)

نحو أنطولوجيا   لدراما الإمكانيات(1)

العدد 827 صدر بتاريخ 3يوليو2023

 تقترح هذه المقالة نظرية درامية تقوم علي مفهوم الإمكانية potentiality . ففي حين ينتمي مفهوم الفعلية Actuality إلى الكينونات الفردية والفعلية النهائية بشكل تام،  فان مفهوم الإمكانية في التقاليد الأرسطية وما بعدها،  يضع في المقدمة ثروة من عدم التحديد والتكثيف لما يمكن أن يوجد . وبالتالي،  أتطلع إلى أنطولوجيا للدراما تختار مفهوم الإمكانية فضلا عن الفعلية كحالة مميزة . وهذا المفهوم يمهد الأرض لنظرية درامية قادرة علي تهيئة أنواع المسرح المعروفة حاليا بأنها أنواع غير درامية داخل مجالها . فبينما تؤكد الأنطولوجيا الكلاسيكية علي توقف الحركة داخل التحصيل العاطفي أو الشكلي ( مثل التطهير وعدم التشخيص )،  فان التركيز هنا علي الحركة كتضافر بين الإمكانية والفعلية . ولا تقترح هذه الدراسة طمسا للانقسام بين الدراما والمسرح والأداء،  بل تقترح أنطولوجيا شاملة للدراما التي ترى موضوعها كظاهرة للتكثيف والانفتاح في اتجاه الإمكانية . 
 ولتحقيق هذه الغاية،  يرسم الجزء الأول من المقال العديد من الافتراضات الكامنة وراء مفهوم الدراما في التقاليد الغربية . ومن خلال القيام بذلك،  أوضح أن النظرية الدرامية الكلاسيكية تحافظ علي علاقة غامضة مع الإمكانيات . إذ تلعب الإمكانيات دورا في الكشف عن الحبكة الكلاسيكية ولكن بقدر ما تفيد في إتمام الفعل. وبالتالي تتمتع الإمكانية بوظيفة وسيطة : إنها تقدم وظيفة جنينية من خلال تطورها – ولكن النتيجة التي تتحقق في النهاية هي أن الإمكانية تتحقق في النهاية وبالتالي تنطفئ في نتيجة نهائية . فالأمثلة الكلاسيكية ولاسيما أمثلة لنظرية الدرامية, بسبب اعتمادها علي كتاب “ فن الشعر “ لأرسطو،  تتبع السيناريوهات التعليمية حيث تُستنفد الإمكانية في الفعلي . 
 إن آلية الحبكة الهادفة لها سمتان مساعدتان : تحملهما فكرة الفعل عند أرسطو ويمكن القول إنها تعكس تعريفه للحركة في الفيزياء . وفي مقالة عن العلاقة بين “فن الشعر والفيزياء “ جادل ناتالي كروهن شميدت أن فن الشعر لا يمكن تفسيره بشكل مفيد فقط في ضوء فهم أرسطو للعلوم الطبيعية،  بل يمكن تحليله أيضا بشكل مفيد من منظور ما اعتبره أرسطو علميات الطبيعة،  ويقول شميدت “ لقد اعتقد أرسطو أن موضوع العلوم الطبيعية هو الحركة،  بمعنى أي انتقال من الإمكانية إلى الوجود الحقيقي “ . وتبعا لذلك،  تحاكي الدراما بالضبط نوع الحركة المميزة لأكثر أشكال  الطبيعة تعقيدا وتطورا،  وهما تحديدا “ العيش والمعرفة “ . وليس من المستغرب،  بالنسبة لأرسطو أن الدراما هي الأكثر إشباعا من كل الفنون،  لأنها تسمح لنا بإلقاء نظرة علي حياة أشخاص قادرين علي الفعل ودفع الحبكة – تجسيدا لمبدأ الحركة في المسرحية – بسبب هذه القدرة . 
 الفعل والحركة يعملان معا في اتجاه الاكتمال داخل الدراما،  وبهذه الطريقة،  يعملان في اتجاه اختفاء الإمكانية . وهذا مرئي ولاسيما في مفهوم الحركة . فالحركة تعمل في اتجاه استنفاد الإمكانية وبالتالي ترسب إبادتها .وتبعا لذلك،  ترى أنطولوجيا الدراما الأرسطية أن الدراما انتقال من الإمكانية إلى الفعلية،  ومن الممكن إلى المعطى . وفي الدراما الكلاسيكية يوجد ناتج،  شيء يتم حله،  ولهذا تقدم لحظة التطهير نفسها. 
 ويصوغ الجزء الثاني من هذه المقالة أنطولوجيا للدراما تقدم تناولا مختلفا للإمكانية . وأملي أن يصبح هذا التناول قادرا علي تفسير الأشكال الأحدث للمسرح والأنطولوجيا اللاأرسطية التي تحملها . ولا شك أن مثال المسرح بعد الدرامي مثير للاهتمام باعتباره شكلا يسمح للإمكانية والفعلية أن يشاركا في تفاعل يندر أن تستنفد فيه الإمكانية . وبالأحرى،  يشاركا في الإيماءات الفعلية  تجاه منطقة تأسيسية في التمييز المستمر . وهنا أنظر إلى ما عرّفه الفيلسوف جيل ديليوز بأنه “الافتراضي”. وهذا موقع مثالي للتأسيس الأنطولوجي،  وهو مجال الميول دائمة التغير والتي تولد عالم من الكيانات الفعلية ولكنه ليس أقل واقعية بأي حال من الفعلي . وأيضا،  علي عكس الطريقة الوحيدة للحركة من الإمكانية إلى الفعلية في علم الكونيات عند أرسطو،  فان العلاقة بين الفعلي والافتراضي من وجهة نظر ديليوز هي علاقة متقلبة في الواقع . فدراما الإمكانيات تلعب نفسها علي السطح المشترك بين الفعلي والافتراضي،  وبين الكيانات المتفردة والتعددية الدينامية . ولتجسيد علاقة المسرح بعد الدرامي بالافتراضي،  سوف أعود الى عمل ديليوز وجواتاري في كتابهما “ما هي الفلسفة ؟  What is Philosophy?” (1994) علاوة على دراسة ديليوز “الفعلي والافتراضي The Actual and the Virtual” (1977) .
 وأخيرا،  أقترح أن نتأمل فكرة هانز-سيز ليمان “ مسرح بدون دراما “ من كتابه “ المسرح بعد الدرامي “ (2006) للمساعدة في البحث عن بعض الأشكال المسرحية باعتبارها دراما الإمكانيات . بدلا من رؤية المسرح بعد الدرامي باعتباره “مسرحا بدون دراما “ . فهذه المقالة تقترح أن الأمر يتعلق بدراما ذات ملامح أنطولوجية مختلفة . اذ يمكن أن يكون هذا نوع من الدراما الموجهة بشكل أكبر نحو مفاهيم مثل المعالجة والافتراضية . وهنا أقترح أيضا أن نعيد صياغة تصنيف ليمان للمسرح بعد الدرامي باعتباره دراما الإمكانيات علي أساس هذه الأنطولوجيا غير الكلاسيكية للدراما . 

النظرية الدرامية وأنطولوجيتها : 
 سوف أبدأ بتلخيص بعض الافتراضات الأرسطية التي تتكرر في النظرية الدرامية الكلاسيكية . الافتراض الأول هو مفهوم الحبكة باعتبارها تطور الأحداث وفقا لقانون الاحتمال والضرورة probability and necessity . فتطور الحبكة يُنفذ من خلال عدد من المكونات . أولا يجب أن نرى مفهوم الحركة باعتباره الانصهار الديلكتيكي لدرجات الإمكانية والفعلية . ثانيا،  لدينا مفهوم الفعل (praxis) باعتباره المكون الأساسي للمحاكاة (mimesis) . وأخيرا تؤدي هذه الافتراضات إلى تحقيق الإمكانية كهدف يمثل جزءا من طبيعة كل وجود نشط والى افتراض أن الدافع الطبيعي للوجود هو العمل نحو تحقيق هذا الهدف . ويربط مفهوم أرسطو المفاهيم الثلاثة التي أوجزناها،  وهي الفعل والحركة وتحقيق الإمكانية . 
 طبقا لأرسطو،  تتحدد بنية الحبكة التراجيدية، وجانب منها، من خلال ناتج الوظائف مثل بنية السبب النهائي،  الكينونة كغاية للوجود the being-at-an-end of entity . تتفق فكرة أرسطو عن علم الطاقة كأساس للحبكة مع مفهومه القائل بان كل وجود يحتوي علي هدفه داخل ذاته . وعملية التفعيل هذه هي العملية التي يصبح الشيء من خلالها ما هو عليه . وتكرر التراجيديا اليونانية هذا السيناريو الهادف . إذ يتم تصور نتيجة الدراما في hamartia،  والتي يمكن تعريفها بأنها الخطأ في إصدار الحكم الناتج عن جهل أو الوعي بحالة معينة . ونقطة التحول peripeteia،  تميز الانتقال النهائي من الإمكانية إلى تفعيل نقطة الضعف،  من الاحتمال إلى الضرورة التراجيدية كتغيير ينحرف الفعل من خلاله الى نقيضه،  ويخضع دائما الى قاعدة الاحتمال والضرورة . وبعيدا عن الانقلاب ( نقطة التحول), تستخدم الحبكة مكونا آخرا يشارك في التغير : الإدراك anagnorisis (لحظة الاكتشاف) . الإدراك هو تغير من الجهل إلى المعرفة،  تبادل الحب والكره بين الأشخاص الذين يوجههم الشاعر إلى الخير أو سوء الحظ . هذه المكونات – نقطة الضعف،  ونقطة التحول،  والإدراك  - تعبر عن انتقال من الإمكانية إلى الفعلية،  من مجموعة الاحتمالات إلى نتيجة محددة،  وبالتالي يشاركون في التحول الشكلي للدراما . ففي كتاب « فن الشعر «،  يصل التفاعل بين الإمكانية الفعلية المتأصلين في الحركة إلى نقطة تصل فيها الإمكانية إلى الحد الأدنى من الوجود،  وتصبح الفعلية هي الحد الأقصى . وانطلاقا من هذه النقطة،  تبدأ الحبكة في إتباع غاية محددة مسبقا . وبمجرد وصول مستوى أقصي فعلية،  بمعنى آخر،  تأخذ الأفعال والأحداث داخل الدراما مسارا يسعى الى تحقيق الهدف . 
 جزء من هذا التحول من الإمكانية إلى الفعلية علي المستوى الشكلي،  وعلى المستوى العاطفي،  نلاحظ كيف تبدأ الحبكة في السعي نحو تحقيق المكون العاطفي «التطهير Kathrsis». فالعنصر المهم هنا هو الرثاء pathos،  مشهد المعاناة،  لأنه يشير بالإضافة إلى ذلك إلى اتجاه الإمكانية نحو الفعلية علي المستوى العاطفي للحبكة . فالرثاء يوصف بأنه الفعل المدمر أو المؤلم،  مثل الموت علي خشبة المسرح،  والمعاناة الجسدية والجروح وما شابهها . وفي الإطار العاطفي للدراما،  يشير الرثاء إلى أن الحبكة بدأت في التحول نحو النتيجة الضرورية . ومع تحول الرثاء إلى تطهير،  يتحقق عندئذ هدف التراجيديا أخيرا باعتبارها تطهير له طبيعة التناغم الذي يحافظ علي التوازن . في حين أن تفكك الحبكة هو الهدف الإنشائي للتراجيديا،  إذ من الممكن أن نقول إن التطهير يوحي بمفهوم إدراك الإمكانية لأنه يشير إلى تحول المعاناة إلى شيء غير شخصي ألا وهو الغاية العاطفية للتراجيديا . وهكذا تكون الدراما محكومة بقصة التحصيل – بأوسع معنى – لأنه يسجل نضوب الإمكانية علي المستويين الشكوكي والعاطفي . وهذا يعني أن الدراما تصبح بروتوكول لتغير الإمكانيات إلى حالة فعلية نهائية وناتج . 

نظرية المحاكاة التي تقوم علي الفعل : 
في التقاليد الأرسطية،  توضح لنا التراجيديا أن الأحداث يحتمل أن تقع نتيجة لأفعال إنسانية. وفي قلب هذه الفرضية نجد مكوّنا يسمى «الطبيعة الإنسانية»،  شيء متأصل في البشر يؤدي بأفراد بعينهم أن يتصرفوا بطرق معينة وليس بطرق أخرى . ففي مسرحية «ميديا» ليوربيدس،  مثلا،  ترسل البطلة التراجيدية هدايا مسممة إلى «جلوس» و«كريون» وتقتل أطفالها لأن السعي الانتقام بسبب الظلم  جزء من الطبيعة الإنسانية. ويأتي الفعل القاتل كمفاجأة،  مع أنه جزء من تحقيق إمكانية التراجيديا: نظرا لظروف ميديا،  فان هذا هو أحد الطرق المحتملة لكي تستجيب إلى الموقف . هنا لدينا عامل بشري فريد للغاية وتصبح الميول في وعاء قانون السبب والنتيجة،  بسبب هذا الإطار والميول . وبهذه الطريقة،  يمكننا القول إن تحقيق الاحتمال في التراجيديا هو الذي يدفع موضوعاته إلى نتيجة مسبقة. لأن الاحتمال يسعى إلى التحقق،  وتصبح الميول الكامنة أفعالا،  وتصبح الإمكانية شيئا فعليا،  وتصل الحبكة إلى الاكتمال . ومرة ثانية،  ترتبط هذه الفرضية بمفاهيم أرسطو لميتافيزيقا الطاقة energeia والدقة entelechia،  وهي مفاهيم مرتبطة بشكل تقليدي بالفعالية وتُترجم مع الفعلagere  ( بمعنى المضي قدما ) . 
 وتدور الفرضية الثانية فيما يتعلق بنظرية الدراما الكلاسيكية حول طبيعة مفهوم المحاكاة mimesis . فادعاء أرسطو،  بأن “ قوة التراجيديا محسوسة بالتأكيد بعيدا عن التمثيل والممثلين “،  يبرز بقوة تعريف التراجيديا اليونانية بأنه “ محاكاة لأفعال جادة وتامة وذات حجم معين “ . ومع التأكيد على أسبقية الفعل praxis،  فان كتاب فن الشعر يخلق ارتباطا وثيقا بين الحبكة والذات الإنسانية. فعن طريق الفعل،  تتبع الحبكة مسار تحققها : « وبالتالي فان الفعل الدرامي لا يهدف إلى تمثيل الشخصية كشخصية تأتي كوسيلة يتجسد من خلالها الفعل وتكون وسيلة محددة . فالأحداث والحبكة هما غاية التراجيديا ؛ والغاية هو الشيء الأهم . ومرة أخرى،  بدون الفعل لا يمكن أن توجد التراجيديا ؛ وربما تكون هناك تراجيديا بدون الشخصية . 
 المحاكاة التي يظهرها الممثلون تعرض الفعل . وهذا يعني أن البشر الذين تمت محاكاتهم يصبحون وسيلة التقنية البلاغية المعروفة باسم التشخيص الذي يظهر من خلاله معاني الحركة . وبالنسبة لأرسطو،  لا يمكن أن توجد الحبكة بدون الفعل (praxis) ؛ ولا يمكن تحقيق غاية الدراما بدونه . فالفعل هو حامل تحقيق الإمكانية والبطل التراجيدي هو وسيلة النقل التي يظهر من خلالها الفعل . والتعريف الكلاسيكي للتراجيديا والمفهوم المتاخم للمحاكاة هما نتائج طبيعية لرؤية أن التراجيديا هي محاكاة الفعل الجاد والتام وحجم معين ؛ وبلغة منمقة بكل أنواع الزخارف الفنية،  توجد الأنواع المتعددة في أجزاء منفصلة من المسرحية،  في شكل فعل وليس سردا،  من خلال الخوف والشفقة،  مما يؤدي الى التطهير الملائم لهذه المشاعر . 
 وفي كتاب “ فن الشعر “ نواجه كذلك تقليدين دراميين،  تقليد شكلي وتقليد عاطفي،  يعرفان الدراما بمصطلحات فكرية مماثلة . أولا،  يظهر تحول الدراما الشكلي في المشاركة في حبكة فكرية ناتجة عن الانتقال من الإمكانية إلى الفعلية . ثانيا،  يتضح التحول العاطفي في تجميد الاستجابة الجمالية ( التطهير ) الناتج عن المعاناة ( الرثاء) . فالفعل،  طوال الوقت،  هو الذي يحمل هذه الصيرورة الفكرية . وتتشابك هذه المفاهيم،  في المقابل،  مع تعريف أرسطو للحركة والتأكيد المضمر بأن الحركة بما هي كذلك لها وجودها . ويردد التأكيد على الحبكة صدى افتراض أرسطو للحركة باعتبارها حقيقة الإمكانية،  ومن خلال وكالة الفكر كعملية للتحقيق. 
الحركة باعتبارها استنفاد للإمكانية في كتاب « فن الشعر « : 
 يبرز كتاب “ فن الشعر “ وجود الحبكة المدفوعة بالفعل،  والفعل هو حركة الدراما،  والفعلية هي ماهية الإمكانية،  من حيث المبدأ . ومع ذلك،  في الحركة،  كما يجادل آرييه كوزمان،  نلجأ إلى الخاصية التأسيسية للفعلية : “ الحركة،  بعبارة أخرى،  ليست فعلية الإمكانية،  أي الفعلية التي تنتج عن الإمكانية،  بل بالأحرى،  بمعنى الفعلية التي هي إمكانية في تجليها الكامل . وهذا يوحي باستمرارية معينة بين الإمكانية والفعلية بأن الفعلية ليست فقط امتدادا ووضعا للإمكانية في الصدارة ولكن أيضا التفسير الكامل لصورة معينة معروفة مسبقا بأنها ممكنة . وهذا الممكن الذي يجب أن يتطور،  بالضرورة أو على الأرجح،  وفقا لقوانين السببية الأرسطية : كل شيء يجب أن يكون تابعا،  بالضرورة أو علي الأرجح ؛ إذ يجب السيطرة علي الفن وكأنه بواسطة قوة الطبيعة الحاكمة “ . كما أن فعلية ما هو ممكن عندما تكون حقيقية وتعمل بكل طاقاتها،  ليس فقط في هذه أو تلك،  أو في بعض النواحي الأخرى،  ولكن المتحرك هو الحركة أيضا،  لذلك فان البطل التراجيدي وحده هو الذي يوضح بشكل كامل إمكانية أن نكون أبطالا تراجيديين من حيث الأهمية ( أي عن طريق الميل ) . 
     ويصبح الفعل هو الاستيلاء علي الفعلية التأسيسية لهذه الإمكانية . ورغم ذلك،  لا تتطور الحركة تجاه غايتها،  بل تسعى إلى غاية خارجة عنها . وبالمثل،  فان الفعل في الدراما ليس هدفا،  بل هو وسيلة لغاية . انه يسعى إلى الإتمام الضروري للحبكة . وبعكس الفعلية التأسيسية،  فان الفعلية النهائية لإتمام الفعل جامدة . وكما يقول كوزمان “ الحركة هي فعلية الإمكانية الموجهة في النهاية إلى فعلية مغايرة للحركة وقاتلة لها . وبالتالي،  لا تحدث الحركة لكي تتوقف،  فنشاطها الأساسي مكرس للتوقف . ووجودها هو تدمير تلقائي،  لأن غرضها الكامل ومشروعها هو التدمير الذاتي . 
     الحركة موجودة من حيث أنها تمثل تغييرا في الحالة،  ولكن الحركة ليست غاية في ذاتها . وبدلا من ذلك،  فان الحركة تعجل من توقفها . ولكي يكون لها تأثير،  فان تمثيل تغيير الحالة في الدراما يتبع آليات يساعدها مفهوم التحصيل . ويتميز التحصيل بالاستنفاد الكامل للإمكانية وتوطيد منطقة فعلية بالكامل مع أنها جامدة . ففي الوقت الذي يرى فيه أرسطو الدراما كقصة ذات صيرورة هادفة،  فان هذه الصيرورة لها هدف يتوافق مع استنكار الإمكانية . 
     وهكذا تقدم الانطولوجيا الكلاسيكية للدراما آلية الهدف وحركة خطية من الإمكانية إلى الفعلية . بينما من المستحيل إجراء حصر شامل لكل الأمثلة الحالية  والموجودة داخل حدود المقالة الحالية،  فربما نتحدث عن ميل في التفكير في الدراما في إطار الحبكة المفهومة كحركة فكرية يحملها الفعل . فعبر الخصوصيات, تديم أنطولوجيا الدراما سيناريو التحول من خلال استنفاد الإمكانية . ورغم ذلك،  مع أشكال المسرح الحالية،  يتحلل مفهوم الحبكة ولم تعد الصيرورة الفكرية تعتمد علي شبكات تشفيرها . ويصبح التحول الأنطولوجي ملموسا . 

 •  نشرت هذه المقالة في Journal of Dramatic theory and criticism, fall 2016
 • زورنيتسا ديمتروفا تعمل أستاذا للأدب الانجليزي والفلسفة في جامعتي صوفيا وفرايبورج . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح