الكتابة الدرامية في أواخر عصر ما بعد الحداثة

الكتابة الدرامية    في أواخر عصر ما بعد الحداثة

العدد 826 صدر بتاريخ 26يونيو2023

هل توجد دراسات أداء لمسرحيات شكسبير في عصر ما بعد الإنسان ؟، أو لصياغة السؤال بشكل مختلف قليلا، ما الذي يمكن أن يقدمه مفهوم ما بعد الإنسان في ما بعد الحداثة المتأخرة ؟ 
وقد تكون إحدى طرق تتبع السؤال عن طريق الانقسام الملح والدائم بشكل مدهش “النص في مقابل الأداء». بالطبع تمتد صلابة السؤال الى ما وراء شكسبير: فدراسات الأداء كمجال كانت تتحرك مبدئيا – وظلت في بعض الأماكن – من خلال رغبة لاستعادة أشكال المعرفة المجسدة ونقل المعرفة في مقابل الابستمولولوجيا الإلزامية المبنية علي الكتابة . ولهذا السبب ربما تؤكد دراسات شكسبير على هذا التناقض النقدي – سلطة الكتابة الغالبة في دراسات شكسبير، ومقاومة الكتابة كأساس للأداء الفعال في دراسات الأداء . فعدم الاستقرار الكامن في العبارة كاشف . ففي دراسات شكسبير، مثلا، تسمى الكتابة عن الأداء عادة “نقد الأداءperformance criticism”، أو “النقد الموجه للأداء performance oriented criticism”، أو “النقد المرتكز علي خشبة المسرح stage-centered criticism“ – وهي مصطلحات لا تستخدم الا في الدراما أو المسرح أو دراسات الأداء . وتشير المصطلحات نفسها الى أن الكتابة عن أداء أعمال شكسبير تعني دمج خشبة المسرح أو الأداء (وكأنها مواقع وتقنيات وفعاليات فردية متجانسة وعابرة للتاريخ) مع ممارسات النقد الأدبي المعترف بها . ومع ذلك، علي الرغم من أن التأكيد الأخير لشكسبير علي أنه كاتب أدب مسرحي تحدى انحرافات الأداء المنتشرة في دراسات شكسبير ( اذا كنا أخطأنا في الثلاثين سنة الماضية أو نحو ذلك، فقد أخطأنا في جانب الأداء وعلي حساب النص، فان خطأنا في التمييز بين النقد الأدبي والنقد الموجه للأداء  أقل بكثير مما يبدو عليه الأمر . ولأن الكثير من النقد الموجه للأداء يشارك في الشعور بأن دراما شكسبير أدبية، وأن النقد والأداء هما نموذجان لتفسير النص، وأن هذا الأداء (مثل المقال النقدي، أو حتى إعادة الصياغة النقدية ) هو طريقة ثانوية للوصول غالى مواجهة مشتركة ومباشرة ومتميزة من خلال القراءة. وبينما يتبادر إلى الذهن أبرز النقاد الذين تتمحور كتاباتهم حول الأداء، مثل جون راسل براون، و ج ل شتيان، فإنهم يرفضون أحيانا التفسيرات غير القابلة للتقديم علي خشبة المسرح باعتبار أنها تفسيرات غير شكسبيرية في جوهرها، إلا أنهم مع ذلك يؤسسون الممارسات المشروعة للأداء (بما في ذلك النقد المرتكز علي الأداء) في النصوص (ولاسيما نصوص شكسبير) من أجل ابتكار انجاز إنساني . 
والبداية التي أود أن أثيرها هنا ليست، أولا، من الأداء بل من الجانب النصي. وكيف غيرت نصوص الثقافة الرقمية المعاصرة علاقتنا بالكتابة الدرامية، وكيف غيرت طرق الكتابة – وبشكل أكثر دقة وسائل الكتابة واستخداماتها في تقنيات المسرح – وحددت مجالا معينا للأداء الدرامي الإنساني . ولم يعمل كل من دوايت كونكرجود وجوزيف روتش وديانا تايلور وآخرون على إعادة تعريف “الأداء” فقط، بعيدا عن المصطلحات الأساسية للدراما والمسرح الغربيين ( وهي إشارة أكد خلالها ريتشارد شيكنر أن الأداء هو سلوك مستعاد )، بل إنهم رأوا أن الأداء الفعال وسيلة هدامة لمنافسة استخدامات الكتابة لإضفاء شرعية علي العلاقات الاجتماعية القمعية . وبهذا المعنى، تمثل أصول الأداء استراتيجية مقاومة تابعة، وإنتاج سرد مجسد بديل؛ ووفقا لمصطلحات تايلور، فان ذخيرة أشكال الأداء غير النصية تقف خارج أشكال الأداء التقليدية والشرعية التي يحكمها أرشيف الكتابة . وبينما أعتقد أحيانا أنه قد تمت الاستفادة من هذه النماذج مقابل فهم بسيط للغاية للأداء الدرامي كما هو الحال من خلال الكتابة ( وربما تفسر عبارة المسرح المرتكز إلى نص كل شيء )، فإنها ليست فقط جزء أوسع من إعادة تعريف الأداء، ولكنها أيضا إعادة تصور لتوظيف الكتابة بالمعنى الأضيق لنوع الأداء الدرامي . وهنا أود أن أطرح دراسات الأداء بشكل مختلف . فماذا لو لم نرى دراسات الأداء كوريث خفي لنقد الدراما، ولا أيضا كبديل لفهم المسرح بشكل نقدي، ولكن كجزء من ثورة مختلفة في وسائلية الكتابة نفسها، وفي الطرق التي تجعلها تؤدي، ونضع أنفسنا داخل الأداء من خلالها . 
   يتعلق أحد جوانب ما بعد الإنسان بعدم الاستقرار في حدود التمثيل بكل المعاني – الجمالية والسياسية والظاهراتية . وكما يلاحظ ليان تشامبرز، فان الميل الى التعامل مع التاريخ والثقافة، وفي النهاية الاقتصاد السياسي كنظام عالمي مميز للعولمة المعاصرة التي بدأت مع الحداثة نفسها، فان إمكانية اختزال العالم الى وجهة نظر واحدة وفريدة، وادارتها من هناك، تتجسد في تطوير منظور عصر النهضة وتنعكس في صعود الذات الحديثة . والطباعة بالطبع هي تقنية أساسية،  وربما كانت التقنية الأساسية التي تصنع تنوير الإنسانية، وقد اكتسبت خبرة طويلة بما هي كذلك، ليس فقط في المجازات المنتشرة في الكتاب وحجم عقلي، ولكن أيضا في مفهوم الكتب باعتبارها امتدادات مادية في نفس الوقت للذات القارئة ومحاوريها. وربما أكثر من ذلك، فطباعة الكلمة في كتاب يعني خلق المؤلف كذات وخلق الكتاب كوسيلة لتجسيد التأليف . إلى هذا الحد، بقدر ما تعني فكرة «ما بعد الإنسان» تسجيل الحدود، الحدود المرسومة في موضع الجسد وفي التاريخ أيضا: إنني أجد نفسي أتحدث بالقرب من الآخر الذي يرفض أن يكون آخرا بالنسبة لي، أي يرفض البقاء علي مسافة كموضوع يعتمد علي رغباتي وقوتي . فالتغيرات الثقافية والتقنية متزامنة، ويدهشني في نفس الوقت أن التحرر المتزايد للكتابة من الكتاب في الثقافة الرقمية قد أعاد أيضا ترتيب المفاهيم المألوفة لكل من الكتابة كاستعارة وكأداة للوعي البشري، وغيّر الطرق التي نجعل الكتابة تؤدي من خلالها . ومن المؤكد أن الطباعة مستمرة، وفي ظل حماس الاحتفال بموت الطباعة، فقد يبدو أن الموكب قد بدأ قبل وصول الجثة . ولكن بينما تستمر الطباعة والكتاب في احتلال مساحة ثقافية واقتصادية ومجازية مهمة، الا أنهما لم يعدا حاسمين في الكتابة : فقد استُبدل الكتاب وحجم المخ باستعارة وصول عشوائي رقمي مختلفة . وإضافة إلى هذه النقطة، فان صور الكتابة الرقمية، من عدة نواح – علي الرغم من اعتمادها علي أعراف الطباعة – لا تصور فقط ثبات الكتاب ودوامه وانتظامه وتوزيعه كعمل، بل أيضا تصور سرعة الزوال السائدة في النصية الافتراضية . فالكتابة في كل مكان ولا توجد في مكان، وأنها مثل الأداء نفسه، يبدو أنها تتلاشى عن الأنظار . فالكتابة التي نراها علي الشاشة هي مجرد تأثير، وظاهرة مصاحبة لشيء لا يمكننا فهمه مباشرة، إنها نبضات اليكترونية مشفرة تقوم بتكوين البكسلات بطريقة معينة – انها شفرة لا تميز في النهاية الصورة – لمحاكاة أشكال الحروف المطبوعة من أي نموذج بيانات تعرضه . فليست هاملت التي أقرأها وأضيف إليها التعليقات علي الانترنت هي نفسها النص المطبوع الذي درسته في الكلية وفي الدراسات العليا، واستخدمتها في التدريس لعدة سنوات فقط ، ولكن علاقتي بها التي ترتبط بالملكية والوسيلة علاقة مختلفة . اذ يمكنني تحويل هاملت الرقمية بطرق متنوعة كثيرة، علي الرغم من أنني لا أعلق أو أغير النص ولكني أقول بتحديث واستبدال مثيل مؤقت يتم نسخه مرة بعد أخرى الى محرك البحث أو القرض الثابت لكي يصبح نصا جديدا . فوضعها الخيالي كممتلكات يتأرجح باستمرار من خلال مسئوليتها عن اختفاء: نسخ رواية أورويل «1984» التي حذفتها مؤسسة أمازون من قراء كتب سلسلة كيندل في الصيف الماضي، إذ تؤكد هذه الكتابة نفسها باعتبارها موجودة في كل مكان تقريبا، لكي تتحول كتابة، وغير موجودة في نفس الوقت . 
   ومن نواح كثيرة، بالطبع، يعد المسرح والأداء الدرامي المؤسستين المتبقيتين، ليس لأنهما يعتمدان علي وجود إنساني أساسي – اذ يجب أن يكفي تاريخ المسرح لتوضيح الطبيعة الأيديولوجية المحددة بشكل مفرط للتمثيل باعتباره انكسارا للعنصر الإنساني – ولكن لأنه قد تم تعديله في الغرب بالكامل من خلال الطباعة والكتاب . وقد صيغت خصائص الأداء الدرامي لبعض الوقت من حيث قدرة الدولة علي إعادة صياغة الأداء الدرامي المبني على منطق الطباعة . وأن الفكرة القائلة بأن بدائل مسرح المخرج والمسرح التجريبي والمسرح غير القائم علي النص ربما تكون فكرة موحية بدرجة كافية للتقاليد، مما يؤكد أن فكرة اريك بنتلي التي لا تزال سائدة عن القوة الملائمة لكتابة الأداء : فالكاتب الدرامي لا يرسم خطة إجرائية فقط، بل يتصور عملا فنيا مكتملا وينقله بالفعل – باستثناء استنساخه الفني . فلا بد أن نلاحظ أن الأداء المسرحي يميل الى ابراز البعد الفكري البحت للمناشدة علي إغلاق الطباعة مع العمل . وقد يفهم أن الأداء موجه من خلال الكتابة، وأن يكون أمينا في تنفيذ الإرشادات المكتوبة فيها، ولكن ما يمكننا من رؤية الكتابة في الواقع – أي كتابة، بما في ذلك تلك الكتابة الدرامية الغربية التقليدية – علي أنها إخبار أي شخص أن يقول أي شيء ينشأ خارج الكتابة نفسها، في النسيج الكثيف للتقاليد الجمالية والعملية والمتجسدة والمقاربة التي تبني الأداء كحدث يمكن التعرف عليه ( وقد تطول القائمة ) . وبدون هذه التكنولوجيا،  ما هو بالضبط نص المسرحية التي يخبر أي شخص بما يجب أن يفعله ؟ 
   ومن المدهش أن التحول الرقمي للكتابة هو جزء – يشير ويسهل ويوظف – من تحول أوسع في الثقافة، ونظرا لأن ممارسات الأداء هي المعنية، فانه تحول محتمل أيضا لما بعد الإنسان . لدرجة أننا عند تحديد خطاب الطباعة مع صياغة موضوع التنوير وتوسيعه، يمكننا أن نقول ان عدم هوية الكتابة الرقمية المنتشرة ترفض اخضاع أنماط التمثيل الأخرى، لكي تؤطرها في منظورها وتبقيها علي مسافة . ( وتجدر الإشارة إلى أن الشفرة أمر مختلف تماما ) . فبعض المسرح اليوم يرفض أن يكون هو الآخر بالنسبة للسلطة النصية، ومجرد الفراغ المنسوب الى مدلوله : والعمل التعويضي ببراعة في عروض فرانك كاستروف المركبة التي تستجوب وظيفة كل من الكتابة وتاريخ المسرح في الأداء المعاصر، مثل عرض “هاملت” لفرقة ووستر جروب، و « بيت الدمية « لفرقة مابو ماينز . في الواقع يمكننا الحصول علي إحساس انعكاسي بقبول هذا المسرح بعد الدرامي من تحديث أكثر جذرية، مثل عرض “ عطيل “ لبيتر سيلرز . فقد قُدم هذا العرض في أوروبا في عام 2009، وفي نيويورك في سبتمبر من نفس العام، وهو يجسد علاقة الحب المستمرة بين “ايميليا « و»عطيل “، ويؤكد علي شكوك “ ياجو» ( من المعتقد في الخارج أنه من بين أوراقي / قد أخذ مكاني )، وإضفاء نوع مختلف على خيانات المسرحية . وفي تعقيب بعد العرض، ادعى سيلرز سلطة نصية لهذه الفكرة في شكاوى ياجو إلى رودريجو، وفي نفس الوقت، بضمن هذا المفتاح النصي بالكاد خصوصية استفزازية لعلاقة عطيل باميليا في العرض، الأقل اثارة للشهوة من علاقته بديدمونة، ولكنها أعمق وأكثر تأكيدا وان لم تكن مساوية لها ( فاميليا موجودة علي خشبة المسرح عند افتتاح المسرحية، تراقب بشكل بائس عطيل وديدمونة في السرير في منتصف المسرح بينما يخدع ياجو رودريجو في أسفل خشبة المسرح علي اليمين ) . ويتميز العرض بالتمثيل التقليدي نسبيا، مما ينتج عنه طابع نفسي متماسك، ويبدو أنه يتابع عمله إلى المصادر النصية ، ويصر في نفس الوقت، علي تأكيد غير المتوقع وحدث عطيل غير القابل للتوقع . ويبرز هذا العنصر المعدل بشكل بارز في عملية اختيار الممثلين للأدوار أيضا، وهي عملية تعيد الاستقطاب العرقي المحدد للنص . إذ يتم تصوير عطيل باعتباره لاتيني، ويتم تصوير ياجو وديدمونة باعتبارهما انجليزيان بينما في التسلسل الهرمي المنسوب الى فينيسيا فان ( الدوق وكاشيو ومونتانو/بيانكا) هم أمريكيون من أصول أفريقية . اذ يبدو أن الدوق قد أختير لمكانته الرئاسية ولياقته البدنية : ميول العرق في هذا العرض المسرحي الذي يعلن عن حقبة أوباما أيضا، والذي من المعتقد بشكل وديع اصراره علي الاستجابة لأولوية شكسبير والمجاز المؤلم مع البنيات الجديدة والعلاقات الجديدة .  
   والتوتر ملموس في أهداف العرض ، بالرغم من الرغبة في استخدام عطيل كوسيلة لتزييف البنيات والعلاقات الجديدة، اذ تعتمد اقتصاديات مسرح شكسبير الأمريكي المعاصر علي تفويض النص، نص العبقرية والخيال الذي يحتويه . لدرجة أننا يمكن أن نقول ان العرض الذي زعم أنه يقدم عطيل شكسبير قد انحرف بشكل واضح عن العلاقات الجديدة للمسرح بعد الدرامي، والمسرح الذي يفضل فورية الحدث علي اشارية المشهد، ويفضل التمثيل الدرامي، يتم تأسيسه فعلا كجزء من الأرشيف، كفرع من فروع الأدب . وكما لاحظ هانز ثيز ليمان، فانه يصطلح غالبا علي أن عروض سيلرز هي عروض بعد حداثية لأنه يجلب بصرامة وبلا وقار المادة الكلاسيكية إلى العالم اليومي المعاصر . وبدلا من تحدي التمثيل المسرحي الذي يعتبره ليمان من العناصر المكونة للمسرح ما بعد الدرامي، يبتكر سيلرز موضوعات التمثيل المتأصلة في العرض : الشمولية والإيهام وتمثيل العالم متأصلون في نموذج الدراما، وبشكل معكوس، فانه من خلال الشكل نفسه يعلن المسرح الدرامي الشمولية كنموذج للحقيقي . فالمسرح الدرامي ينتهي عندما لم تعد هذه العناصر هي المبدأ المنظم ولكن مجرد أحد العناصر المتغيرة في الفن المسرحي . وبينما أعتقد أن ليمان يضع تمييزا تاريخيا وتقليديا بشكل ملائم، فانه محق بشأن سيلرز . وعلي الرغم من أن سيلرز يبدو أنه خصائص النص المفهوم بشكل تقليدي ( اذ ينسب التحدي الى شكسبير نفسه طوال الوقت ) إلا أن العرض يصر علي أن القصة المتماسكة موضوعيا والمقتصرة علي المسرح هو موضوع مرخص لنا استهلاكه : ويمكننا استجواب تصوير فيليب سيمور هوفمان لاياجو، ولكن ذلك لن يزعج التعبير التقليدي الحديث “ للممثل و الشخصية، والمؤدي والمشاهد، باعتبارها كيانات ثابتة وراسخة – كي لا نقول شيئا عما هو حقيقي أو ما هو افتراضي، أو ما هو علي المحك، في مشاركتنا في العرض . يطرح مفهوم المسرح بعد الدرامي نفسه بشكل مختلف بالنسبة للكتابة، وليس تمثيل الدراما ولكن استخدام النص كوسيلة لتشكيل الحدث ليس ثوريا أبدا . فالمسرح يعتمد علي التقاطع المثير بين التمثيل المراوغ والأجسام المادية الملموسة التي يمكن أن نقول إنها بدأت تأخذ شكلها في الظهور الجدلي لتقليدين حديثين مبكرين : المسرح العلماني المحترف والنشر المطبوع . ولكن ما هو جديد، وما يتضمنه التحول المستمر في الدراما والأداء المسرحي والكتابة كتقنيات إنسانية، هو المدى الذي لا تتغير فيه ادعاءات الإخلاص ببساطة ( كما هو الحال في عروض سيلرز ووصفه لها )، ولكن لنطرح جانبا رفض المسرح باعتباره آخر متفق عليه من منظور سلطة التأليف المطبوع . 
   ومع ذلك، يرفض الأداء الدرامي، بشكل متقطع أو ناقص، أن يتم تصويره بشكل متزايد علي أنه الآخر المطبوع . فغالبا ما يبدو أن أشكال الكتابة الدالة، لا توجه لغة “خشبة المسرح “ بقدر ما توفر قناة واحدة لخطاب الأداء المسرحي، وغالبا لا تكون هي القناة المهيمنة . ويوضح المسرح نقد كاثرين هايلي لنظرية معرفة المعلومات ؛ بدلا من أخذ المسرح إلى موقع اعادة التقديم فقط – وكأن النص مكتوبا من خلال المعلومات ككيان حر مرن وغير مترابط وكيان كمي – يتعامل النص المعاصر بصراحة مع الكتابة الدرامية كأداة سوف تتغير بالمعلومات التي ينقلها عن طريق الأداء . وبطبيعة الحال، فان تأمل أداء شكسبير بهذه الطريقة يثير التساؤل عما إذا كان – أو ينبغي أن – يُنظر إليه علي أنه نوع فني، حيث يعمل الأداء بشكل صحيح علي صب المعلومات النصية بوسائل أخرى . وهذه هي الرؤية الإنسانية التقليدية التي تتمحور حول أداء شكسبير والمسرح الدرامي علي نطاق واسع، إنها بالمناسبة رؤية للأداء الدرامي نشاركها غالبا – علي الرغم من تقويمها بشكل مختلف – في دراسات الأداء أيضا . ما يلفت الانتباه هو كيف أن هذا الفهم مغلف بفهم ضيق لاستخدامات الطباعة، وشروط القيمة الأدبية وممارسات الهيمنة المرتبطة بثقافة الطباعة . وبغض النظر عما إذا كان شكسبير قد ابتكر الإنساني من عدمه، فان تقنيات كونه إنسان – وبشكل قاطع تقنيات الكتابة وتقاليد التمثيل وممارسات تأطير العرض المسرحي – أصبحت الآن مختلفة تماما وتستغل تأسيس الذات وأدائها بمختلف الطرق . وبينما تلقي دراسات الأداء نظرية نقدية علي الأرشيف القمعي للمسرح الذي يقوم علي النص، فربما نتمكن بشكل مثمر أكثر – وأعتقد أنه مع درجة أكبر من المسئولية التاريخية نعيد توجيه الإحساس بعدم الاستقرار التأسيسي للأداء إلى ممارسات وتقنيات الكتابة التي نعيش فيه الآن . فالكتابة الأداء غير قابلين للقياس : ربما الى هذا الحد، يؤطر المسرح الدرامي الغربي تنافرا أساسيا في التقنيات وفكرة الإنساني . 

.....................................................................................
ويليام بيل ورزين يعمل أستاذا للفنون، ويشغل حاليا منصب رئيس قسم المسرح في برنارد كولدج . وله العديد من المؤلفات منها “ فكرة الممثل “ 1984، “ الدراما الحديثة وبلاغة المسرح “ (1993)، و “ شكسبير وسلطة الأداء “ (1997)، و “ شكسبير وقوة الأداء الحديث “ (2002)، و” الطباعة وشاعرية الدراما الحديثة “ (2006) . 
ونشرت هذه المقالة في Postmedieval : a journal of medieval cultural studies (2010)، 1، 2015 -222 . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح