محمد أبو العلا السلاموني.. عاشق المسرح الشعبي

محمد أبو العلا السلاموني..   عاشق المسرح الشعبي

العدد 826 صدر بتاريخ 26يونيو2023

يُعد الكاتب المسرحي الراحل محمد أبو العلا السلاموني،  أحد أعمدة الكتابة المسرحية في مصر والعالم العربي خلال الخمسين عاما الماضية من خلال مسرحياته التي تنوعت ما بين المسرح التاريخي والمسرح الاجتماعي والمسرح السياسي. ولد «السلاموني” بمحافظة دمياط في 3 يناير  1941، وقد قدم للمسرح عشرات المسرحيات التي حققت نجاحا ملحوظا منها “الثأر ورحلة العذاب”، والتي أخرجها عبدالرحيم الزرقاني، و»رجل القلعة” التي أخرجها ناصر عبدالمنعم، و»مآذن المحروسة» إخراج سعد أردش، و»ديوان البقر” التي أخرجها كرم مطاوع وغيرها.
كما كتب السلاموني الدراما التليفزيونية ومن مسلسلاته “جمهورية زفتى” بطولة ممدوح عبدالعليم ومحمد منير، و»الحب في عصر الجفاف” و»الفراشات تحترق” و»سنوات الحب والملح”.
يُعد السلاموني من أبرز كتاب المسرح العربي الذين استلهموا التراث في أعمالهم، فهو من ذلك الجيل الذي عاصر هزيمة يونيو، وكان لها تأثير واضح على إبداعهم، وأعتقد أن مرحلة “السبعينيات” في المسرح المصري قد تميزت بعنصرين مهمين، أولهما: البحث في الموروث الشعبي لتقديم فرجة مسرحية شعبية، تستفيد من الجذور العربية لفن المسرح، بإحياء فنون كادت أن تندثر مع التطور الحضاري مثل خيال الظل والأراجوز والعرائس القفازية، والتي شكلت في مراحل انتشارها ما أسماه د. علي الراعي بـ”مسرح الشعب»، وهذا المنحنى الذي اتجه إليه كتاب المسرح في هذا الجيل أمثال محمد أبو العلا السلاموني ويسرى الجندي يعدا امتداداً لدعوة د. يوسف إدريس في مقدمة مسرحيته « الفرافير « والتي أسماها « نحو مسرح عربي « والتي أكد فيها على ضرورة العودة إلى مسرح السامر بما يحمله من معنى « جماعية الأداء « وهو ما أسماه « بحالة التمسرح « والتي تقوم على حد تعبيره على « التجمع « فتلك الأشكال المسرحية كثيرة الحدوث في حياتنا اليومية في الأفراح والمآتم والمناسبات، في الاحتفالات الكثيرة التي ابتكرها الجنس البشرى كحجة « أحياناً مضحكة، مثل التجمع للاحتفال بطهور أحد الأولاد، أو الاحتفال بأعياد الحصاد والمناسبات الدينية. أكثر هذه السهرات اليومية في البيوت بعد انتهاء اليوم والعمل، التجمعات التلقائية في الأسواق وبعد انتهاء البيع والشراء، بل إن الشعوب ابتكرت أماكن ثابتة لتجمعات مستمرة يذهب إليها الفرد استجابة لغريزته الجماعية مثل القهاوي والحانات والنوادي.
وكان السلاموني يرى أن « إن المسرح يقتضى تهيئة الأذهان للمتعة الجماعية والمشاركة الوجدانية التي لا تنشأ فجأة إلا إذا كان لها جذورها الفنية المتأصلة داخل المجتمعات، وهذه المتعة الجماعية تنشأ عادة من ممارسة الجماعة للعبادة في دور العبادة التي تهتم بالمتعة الفنية، هكذا كانت المعابد الإغريقية والرومانية والكنائس الأوروبية التي تسمح بهذه المتعة الفنية المصاحبة للعبادة مثل ممارسة فنون الغناء والرقص الديني والموسيقى والتمثيل والتشكيل ومن ثم انتقلت إلى ممارستها خارج المعابد والكنائس ثم استقلت عن الظاهرة الدينية تماماً.
ولذلك جاءت معظم أعمال السلاموني تحتفي بالموروث الشعبي، وعن ذلك يقول: « حول تجربته يقول « السلاموني « : « لقد حاولت في معظم ما كتبت من مسرحيات أن أستمد أصول تجاربي الدرامية من أعماق المأثورات الشعبية المصرية واستلهام شكل اللعبة المسرحية من ظواهرنا المسرحية التي لم تتبلور في شكل مسرحي كامل، وكان لدى الطبيعة التي تحولت ظواهرنا المسرحية البدائية إلى حقيقة مسرحية أو ابتكار جديد في القالب المسرحي والبنية المسرحية خصوصاً في النص المسرحي وفى اعتقادي أن الشعور بالحرية هو الذي دفعني للتحرر أثناء الكتابة دون شعور بالتعصب أو الانغلاق أو الوقوع في أسر الذات «.
ربما هذا ما جعله يقدم معظم نصوصه مستنداً على أقنعة تاريخية مثل مسرحية « مولد يا بلد « و « رواية النديم عن هوجة الزعيم « و « الحريق « و « تغريبة مصرية – ست الحسن « و « رجل القلعة « وغيرها من الأعمال « فى إطار من المسرح الشعبي الذي جمع في طياته فنون الأداء الشعبية – مستخدماً تقنية « المسرح داخل المسرح « على حد تعبير د. رضا غالب، فاستخدم السامر الشعبي في « رواية النديم عن هوجة الزعيم « وخيال الظل في عرض « مآذن المحروسة « بالإضافة إلى فن المحبظين وألعابهم التشخيصية ليقدم رؤية درامية لوقائع تاريخية، بالإضافة إلى استخدامه لتيمة الارتجال الشعبي في مسرحية»أبو نضارة» والتي تتناول نشأة أول مسرح مصري وتصادمه مع السلطة في أول تجربة صراع وصدام حقيقيين في القرن التاسع عشر بين الفن والسلطة، وهذا ما حدث – أيضاً – مع مسرحية « حلم ليلة حرب «.
وقد عمل أبو العلا السلاموني لفترة طويلة مديرا للإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وكان من أهم انجازاته في هذا الصدد «مشروع مسرح الأماكن المفتوحة» والذي قامت فلسفته على ضرورة وصول المسرح للجمهور في القرى والنجوع، وبالفعل قام «السلاموني» بمساعدة المخرجين بهائي الميرغني وأحمد إسماعيل في تقديم مجموعة من التجارب المهمة في هذا الإطار.
ودعا السلاموني إلى ضرورة الإبداع الجماعي كمنهج في العمل المسرحي، وقدواشتركت فيه مجموعة من الفرق المسرحية من محافظات مصر المختلفة، منها فرقة «قرية شما» بعرض «الفأس والشمروخ» وفرقة «جوقة الشرابية» بعرض «شرابية المخطية» الصياغة الدرامية لسعيد حجاج وإخراج فكري سليم، وفرقة «باب الشعرية» بعرض «باب الجدعنة» إخراج كما السيد وفرقة «قصر ثقافة الريحاني» بعرض «مقابر الصدقة» إخراج حسين عبده، وفرقة «الماي» بعرض «الماي 86» إخراج عزت عاشور والماي إحدى قرى «محافظة المنوفية» وتحديدا مركز شبين الكوم، وفرقة «شبرا بخوم» بعرض «سهرة ريفية» تأليف وإخراج أحمد إسماعيل.
وهي نظرة ـ على ما أعتقد ـ تعود بالمسرح إلى عصور ازدهاره حيث يصبح له وظيفة اجتماعية تواجه وتحث وتثير في نفس المشاهد الطاقة الكامنة للرؤية لاستخلاص نتائج منطقية أحيانا ولا منطقية في أحيان كثيرة في محاولة لفض الالتباس الوجود الإنساني، وتأكيدا لماهية هذا الوجود، بعيدا عن الطابع الاستهلاكي والاستفزازي الذي فرضته ما يمكن أن يسمى بـ»سنوات المسرح التجاري» التي أخذت الكثير من القيم المسرحية العريقة التي بني على أساسها هذا الفن الرفيع الذي واكب التطور البشري وارتبط بكل ما هو إنساني وقيمي، وكان ـ دائما ـ أداة للكشف والرصد والتحليل والبحث عن مكنونات النفس في بساطتها وتشابكاتها الداخلية والظاهرية.
بالإضافة إلى ذلك فإن ما طرحته الفكرة حول انفصال مسرح العاصمة عن الجمهور وخلو المدن الصغرى والقرى من الفرق المسرحية، والبحث عن بدائل إيجابية لتطوير فكرة مسرح القرية، أو بمعنى أدق «المسرح الشعبي» أمر غاية في الأهمية، ويعني ضرورة نزول المسرح إلى مناطق جديدة ومغايرة بعيدا عن ممارسات المركزية الثقافية ـ التي أضعفت الإبداع بصفة عامة وليس المسرح فقط ـ وأوجدت مسميات أيديولوجية في الأساس «كأدباء الأقاليم» و»فناني الأقاليم» وغيرها من المسميات التي تخدم ـ في الأساس ـ توجهات النخبة الاجتماعية والسياسية والثقافية وقد عاد هذا ـ بطبيعة الحال ـ بالسلب على الفن ـ بصفة عامة ـ في محافظات مصر المختلفة، من خلال ضعف طرق الأداء الفني والنص الأدبي المكتوب، نظرا لضعف الإمكانيات المادية من ناحية ومن ناحية أخرى لندرة الاحتكاك الثقافي الذي تنتج عنه تجارب ثقافية أكثر عمقا وتأثيرا.
كان السلاموني يؤمن بأهمية المسرح الشعبي لما يمثله من خصوصية عربية، تنحاز إلى الفكرة القومية، لذا كان يرى أن التجديد في المسرح العربي يبدأ من داخل هذا المسرح من خلال استلهام الروافد الأولى له، وتوظيفها بشكل حديث على خشبة المسرح.


عيد عبد الحليم