العدد 825 صدر بتاريخ 19يونيو2023
يُعتقد عموما أن «ويليام شكسبير» أعظم كاتب وشاعر للغة الإنجليزية، فضلا عن كونه واحدا من أكثر المسرحيين تميزا وتقديرا في العالم بأسره. يعود الفضل إلى «ويليام شكسبير» في تأليف ما يقرب من 38 عملا مسرحيا، و154 سونيتا، وقصيدتين سرديتين مطولتين، وعدة قطع شعرية إضافية. في حين أن هناك بعض التساؤلات حول صحة تأليف العديد من هذه الأعمال الدرامية، فقد قرر العلماء أن 32 من أصل 38 مسرحية يمكن أن تُنسب بلا شك إلى شكسبير. مع حدوث غالبية كتابة أعماله المعروفة بين عامي 1589 و1613م. وقد تأثرت كل من أعمال «شكسبير» الكوميدية والمآسي بشدة بظهور شعبية الأساطير الكلاسيكية، ولا سيما أعمال الكاتب الروماني «أوفيد».
بعد «الترجمة الضخمة» لـ»أرثر جولدينج» للخمسة عشر كتابا التي تضم التحولات في مجملها في عام 1567م، بدأ الشعب الإنجليزي في اعتبار «أوفيد» مؤلف أساطير لا مثيل له ومصدرا قيما للإلهام الأدبي. نظرا لأن مسرحيات «شكسبير» مليئة بالتلميحات الأسطورية. فمن الواضح أن الكاتب المسرحي الإنجليزي العظيم ليس استثناء من طريقة التفكير هذه. تحتوي الأساطير الأدبية لـ»شكسبير» على كل من التلميحات المفصلة التي يمكن تحديد مصدر محدد لها بسهولة ومراجع أكثر غموضا وعمومية مع عدم وجود مصدر واضح على الفور. وأساطير «شكسبير» الأدبية هي في الغالب «أوفيديانية» بطبيعتها، حيث توفر التحولات الجزء الأكبر من الأساس لهذه الأشياء المعروفة.
إن وفرة التلميحات الأسطورية الموجودة في جميع أعمال «شكسبير» تقريبا هي دليل على التأثير الثقافي المستمر للأساطير اليونانية والرومانية في الفترة التي كتب خلالها. في الوقت نفسه، يسلطون الضوء على أهمية معرفة القراء السابقة بالأساطير الكلاسيكية من أجل تجربة عمل شكسبير بشكل كامل. عندما يتم فحصها باهتمام خاص للتأثير الأسطوري الكلاسيكي، تلخص كوميديا شكسبير «حلم ليلة منتصف الصيف» الدور الديناميكي للأساطير الكلاسيكية في الأدب من حيث توفير سياق لأحداث المسرحية ومساعدة القارئ على الوصول إلى فهم أكمل للآثار المرتبطة مع تلميحات شكسبير المختارة.
تعتبر المسرحية الكوميدية «حلم ليلة منتصف الصيف» مشبعة بالإشارات إلى الأساطير الكلاسيكية المنتشرة في جميع أنحاء المسرحية باستثناء الإشارات المحددة التي لا مفر منها إلى الشخصيات في المسرحية. تحتوي هذه القطعة المسرحية على ما يقرب من 37 تلميحا أسطوريا فرديا. من بين هؤلاء الـ37، عشرة إما مستمدة بشكل نهائي من «أوفيد» أو تحتوي على آثارا معقولة لتأثير «أوفيد»، مع التلميحات الأخرى التي تتراوح من أعمال فيرجل، إلى أساطير الطبيعة الوثنية، إلى العديد من الإشارات للعديد من الآلهة اليونانية والرومانية.
يُعتقد أن هذه المسرحية كُتبت بين عامي 1590 و1595م. وهي تمثل المعالجة الفكاهية والمرحة للأساطير التي تميز أعمال «شكسبير» السابقة التي تم تأليفها عندما يكون تأثير «أوفيد» أكثر وضوحا في كتاباته مثل معاصريه. وجد «شكسبير» في «أوفيد» (وبالتالي كل الأساطير الكلاسيكية) كنزا أصيلا ومستودعا رائعا من المؤامرات والأخلاق المنشأة مسبقا التي يسهل التعرف عليها. إن تأثير هذه التلميحات المختارة، على الرغم من معالجتها بشكل غريب الأطوار، يضيف مستوى أعمق من المعنى إلى ناتج خفيف القلب، بينما يؤثر في الوقت نفسه على تفسير القراء لهذا العمل الكوميدي.
إذا بدأنا بالبحث في إشارات الأساطير المستمدة من مصادر أخرى من خارج مملكة أساطير «أوفيديان»، يمكن إرجاع تصور «شكسبير» لشخصية «ثيسيوس» دوق أثينا، إلى تصور البطل الأثيني الموجود في ترجمة «توماس نورث» لكتاب المؤرخ «بلوتارخ» (حياة الإغريق والرومان النبلاء). غالبا ما يُعتبر «ثيسيوس» في العصور القديمة أعظم بطل في أثينا ويُعرف بمزيج فريد من القوة البدنية والفكرية؛ لكن هذه ليست الصورة التي رسمها شكسبير. في «حلم منتصف ليلة صيف», فقد تم تقديم الدوق المثير للحب لأول مرة قبل «ساعة زواجه» إلى «هيبوليتا» الأمازوني وهو يندب كيف أن الأيام الأربعة المتبقية تبدو وكأنها تمر ببطء.
بالإضافة إلى سرد القبض عليه وزواجه اللاحق بـ»هيبوليتا» الذي ظهر في مسرحية «شكسبير»، فإن العديد من الاختلافات في الأسطورة الأصلية لـ»ثيسيوس» تتضمن أيضا روايات مفصلة عن مساعي «ثيسيوس» الرومانسية السابقة. لم يتم دمج هذه الحكايات عن لقاءاته مع نساء مثل «أنتيوب», و«بيرجينيا», و«إيجل» بشكل مباشر في قصة الكوميديا لـ»شكسبير»؛ بدلا من ذلك، يعتمد على أن يكون القراء على دراية بالأساطير الكلاسيكية المحيطة» بـ»ثيسيوس» لنقل الجوانب المهمة من شخصية الدوق.
على سبيل المثال: «أوبيرون» ملك الجنيات، يتهم زوجته «تيتانيا» بأنها وقعت في حب سرا مع «ديوك ثيسيوس» بالقول إنها «قادته خلال الليل اللامع/ من بيريجينيا» وساعدته في الحصول على عشيقات في أشكال «إيجلز» مع «إيريادن» و«أنتوبا» من خلال التضمين البسيط لهذه الإشارة الموجزة إلى شئون «ثيسيوس» السابقة والمضطربة، يشكك «شكسبير» في صدق خطاب «ديوك» الأولي ونفاد صبره الواضح فيما يتعلق بزواجه الوشيك من «هيبوليتا». من خلال استدعاء هذه الحلقات المحددة من السرد الشامل لـ»ثيسيوس»، يعتمد «شكسبير» على تأثير الأساطير الكلاسيكية لتخريب فكرة «ديوك ثيسيوس» كمحب حساس ومهتم وتذكير القراء بالمحارب الفاسد بأنه هو الفاسد حقا.
مثلما حدث مع «ثيسيوس»، نجد أن توصيف «هيبوليتا» له جذور في ترجمة الشمال لكتاب «بلوتارخ» الأيقوني. في الواقع، فإن تغيير شكسبير في التهجئة من «إيبوليتا» التقليدي الذي استخدمه «تشوسر» إلى «هيبوليتا» المفضل لديه هو نتيجة مباشرة للتأثير القوي لمعالجة الشمال للنص اليوناني الأصلي. تمشيا مع Hippolyta التي تبناها «شكسبير»، تؤكد الأساطير التقليدية نسخته من «هيبوليتا» باعتبارها العروس المترددة التي فازت في المعركة للبطل الأثيني الهائل «ثيسيوس». بينما يختار «شكسبير» عدم ذكر تفاصيل مغامرات «هيبوليتا» السابقة في حدود هذه المسرحية، رغم أنها تحمل الكثير من مادة الأساطير وتوفر رؤى مهمة حول الشخصية المطورة الموجودة في كوميديا شكسبير بشكل ضيق.
على الرغم من أن «ثيسيوس» يشير إلى حقيقة أنه «استمال (لها) بسيفه, وفاز بحبها لإصابة (لها) بجروح»، فإنه لم يوضح السبب الأساسي للمعركة المذكورة. وفقا لإحدى روايات الأسطورة المحيطة بـ»هيبوليتا»، خلال حملة «ثيسيوس» ضد أمازون ثيميسيرا، اختطف المحارب العظيم «أنتيوب» أخت «هيبوليتا»، وشرع في نقلها إلى «أتيكا». شنت الملكة الأمازونية المدمرة والغاضبة هجوما على مملكة «ثيسيوس»، برفقة بقية القبيلة التي تكره الرجال. على الرغم من أن الأمازون سيطروا على تل Pnyx، فإن «ثيسيوس» هو المنتصر في النهاية. ومن ثم، تنسحب «أنتيوب» إلى Megara، حيث تموت. أما «هيبوليتا» تحزن حينها على وفاة أختها الحبيبة، ويتم أسرها وإجبارها على الزواج من «ثيسيوس». مع وجود بعض الاختلافات في التفاصيل، فإن «هيبوليتا» تجبر على الخضوع في النهاية للقهر لأمازون, فهي مجبرة على إنجاب ابن لـ»ثيسيوس»، وعلى الرغم من ذكرها بشكل محايد ومقتصر على سطور قليلة من الكلام، فإن معرفة هذه الأحداث الحاسمة في أساطير «هيبوليتا» تؤثر على انطباع القراء عن شخصيتها المتخلفة. فمن خلال استخدام هذه الإشارة إلى «هيبوليتا»، استطاع شكسبير نقل عدم رغبتها المبررة في الزواج من الدوق «ثيسيوس» دون الحاجة إلى تضمين إعادة سرد تفاصيل الأحداث التي أدت إليها وساعة زواج الدوق التي تلوح في الأفق.
يعد وجود نسخة تقليدية صريحة من قصة «بيراموس» و«ثيسبي»، هو الإشارة الأبرز والأكثر تطورا في كل أعمال شكسبير، مما يؤدي إلى نشوء «هزلية لذيذة» لقصة «أوفيديان» الكئيبة في الأصل. إن قصة «بيراموس» و«ثيسبي» هي قصة مأساوية لأجمل شابين بابليين وقعا في حب بعضهما البعض ورغبا في المضي قدما نحو الزواج. نظرا لأن آباءهما منعوا علاقتهما الرومانسية، فقد استسلم العشاق الصغار للتواصل فقط من خلال الفتحة الموجودة في جدارهم المشترك.
يؤدي هذا الانفصال والسرية إلى جعل مشاعرهما أكثر سخونة، مما يجعلهما في النهاية يضعان خططا للقاء تحت جنح الليل خارج المدينة. عندما وصلت «ثيسبي» إلى نقطة الالتقاء، تخاف ويسقط الشال الخاص بها. عندما رأى «بيراموس» الشال الملطخ بالدماء ملقى على الأرض، يفترض أن حبيبته قد قُتلت وينتحر. بعد ذلك بوقت قصير، عادت «ثيسبي»، ووجدت جثة «بيراموس»، تتبع الدعوى وقتلت نفسها. في حين أن خطورة هذه القصة لا يمكن إنكارها، إلا أن شكسبير يتلاعب ويسخر من نفس الميزات التي جعلت قصة «أوفيد» الأصلية حكاية رومانسية لإظهار مسرحية الحرفيين كمهزلة كاملة، وبالتالي إجبار القراء على مواجهة الآثار الأوسع والتأثير على وجود هذا, حيث تطغى الأسطورة على ما تبقى من المسرحية.
يقدم شكسبير الانقلاب والتلاعب بالأساطير التقليدية, منذ اللحظة الأولى يبدأ «بوتوم» وزملاؤه الحرفيون في التفكير في أداء مسرحية لحفل زفاف الدوق القادم. عند البحث عن دراما مناسبة، يقترح «بيتر كوينس» أن تقدم فرقة hodgepodge مسرحية بعنوان «الكوميديا الأكثر رعبا والموت الأكثر قسوة لبيراموس وثيسبي».
يمكن النظر إلى هذا المزيج الواضح من الصفات المتناقضة في عنوان مسرحية «الحرفيين» على أنه محاولة «شكسبير» المتعمدة لإضافة عنصر دعابة إلى السرد الخطير، وبالتالي تمهيد الطريق لبقية أداء المجموعة المسلية والكارثية. يمضي «شكسبير» في تضمين مثل هذه السخافات اللفظية مثل جملة «بوتوم»: «أرى صوتا؛ الآن سأفقد غضبي/ لأتجسس يمكنني سماع وجهي», ووصفه غير الضروري لليل بأنه» فن دائما عندما لا يكون النهار».
بينما يتحدث «بوتوم» عن هذين الخطين أثناء لعب دور «بيراموس»، فإنهما يعملان على تقويض تصورات القراء عن الشباب البابلي الأسطوري كشخصية جادة وناضجة وواسعة المعرفة من خلال تصويره على أنه أحمق حسن النية ولكنه متذمر.
على المنوال نفسه، «شكسبير» يستفيد استفادة كاملة من بنية التملك اللاتينيةad busta Nini، (التي تعني «قبر نينوس») في تقديمه لطلب «بيراموس» لـ»ثيسبي» لتقابله في قبر نيني على الفور. هذه الأخطاء الشفهية، جنبا إلى جنب مع التلميحات المشوهة المتكررة لـ»ثيسبي» إلى مقبرة نيني, وكسرها للجدار الرابع المجازي في إغلاق خطابها المحتضر مع عمل «adieu» لتدمير وهم الشرعية الذي يخلقه المسرح عادة، وبالتالي تحطيم أي إمكانية للقراء المطلعين على حكاية أوفيديان التقليدية الذين ينظرون إلى هذه اللحظة من المسرح الفوقي كمصدر قابل للتطبيق للمعنى أو تحقيق للشفقة الأصلية للأسطورة.
من خلال جعل من المستحيل على «بوتوم» وزملائه أن يؤخذوا على محمل الجد كشخصياتهم الكلاسيكية، يجبر «شكسبير» القراء على البحث عن أصداء أساطير «أوفيد» الكلاسيكية في مصدر مختلف داخل مسرحيته. في النسخة الباهتة من الأسطورة التي قدمتها مجموعة «بوتوم» للحرفيين الوقحين، تحاكي قصة «بيراموس» و«ثيسبي» العلاقة بين «ليساندر» و«هيرميا», تماما مثل «بيراموس» و«ثيسبي» اللذين حظر آباؤهما حبهما الصغير, فإن «إيجيوس» والد «هيرميا» الصارم والسيطرة, حرمها من الزواج من حبيبها الذي اختارته ويصر على أن تخضع لإرادته بالزواج من «ديميتريوس».
إن أوجه التشابه بين روايات الحب المرصع بالنجوم الموجودة في «أوفيد» و«شكسبير» تنتقل إلى استجابة «ليساندر» لوضعهما الذي يبدو ميؤوسا منه عند مواجهة مأزق محبوبته إما أن يُقتل هو أو تصبح هي راهبة. يناشد الصبي الأثيني الصغير «هيرميا» قائلا: «إذا كنت تحبني إذن اسرق منزل أبيك ليلة الغد, واذهبي في الغابة بعيدا عن بوابة المدينة» كي يقابلها. هذا الوصف لخطة العشاق الصغار يردد صدى عزم «بيراموس» و«ثيسبي» على الخروج من منزل آبائهما والابتعاد عن بوابة المدينة, لقد اتفقوا في Ninus Tomb على الاجتماع بدون «توين». هنا، تعمل استعارات «شكسبير» المتعمدة والعلنية من «أوفيد» على تزويد القراء بنوع من «صورة المرآة المشوهة» للحب الرومانسي المأساوي المحتمل من خلال استخدام تأثير الأساطير الكلاسيكية. بهذه الطريقة يعقد «شكسبير» بشكل فعال ويضيف عنصرا من الجدية إلى تصوير الحب الذي يمكن اعتباره بمفرده حلوا وساذجا ومثاليا وعاطفيا.
طوال الدراما، يضيف دمج «شكسبير» المتكرر والشامل لعناصر من الأساطير الكلاسيكية في «حلم ليلة منتصف الصيف»، مستوى ثانيا من المعنى لما هو موجود بالفعل في نص المسرحية. من خلال استدعاء الشخصيات الأيقونية من العصور القديمة في أشكال «ثيسيوس» و«هيبوليتا»، فإن «شكسبير» قادر على استدعاء تأثير الأساطير الخاصة بهذه الشخصيات والمتشابكة ليس فقط لإعطاء القراء إحساسا أكثر صدقا بشخصياته، ولكن أيضا لتوفير سياق لأفعالهم داخل الكوميديا.
من خلال إدراجه للرواية المشوهة والكاريكاتورية لـ«بيراموس» و«ثيسبي» عند «أوفيد»، يطلب الكاتب المسرحي من القراء البحث في مكان آخر عن العلاقة القوية المرتبطة تقليديا بهذه الحكاية المأساوية. عند القيام بذلك، يضفي شكسبير إحساسا بالجدية والشرعية على روايته للعلاقة بين «ليساندر» و«هيرميا» التي كان من الممكن أن يطغى عليها جنون وبهجة مغامراتهما في الغابة. في نهاية المطاف، لا يقتصر تأثير تحولات «أوفيد» على كتابات «شكسبير» على اختياره لـ»ثيسيوس» و«هيبوليتا», ولا على موضوع الحب الشاب الذي صوره «هيرميا» و«ليساندر»، ولكن يتم الشعور به، وإن كان بدرجات متفاوتة من الأهمية والقوة على مدار الأحداث من المسرحية بأكملها.
(نشر هذا المقال في «Inquiries Journal/Student Pulse» بواسطة الكاتبة: Emily Gray , إميلي جراي: تخرجت في عام 2018 بدرجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي واللغة من جامعة تينيسي - تشاتانوغا في تشاتانوغا، ولاية تينيسي, الولايات المتحدة الأمريكية).