«مـــــوال بهــــيـــة» ثورة مسرحية على مسرح الجمهورية ما بين الواقع والأسطورة

«مـــــوال بهــــيـــة» ثورة مسرحية على مسرح الجمهورية ما بين الواقع والأسطورة

العدد 825 صدر بتاريخ 19يونيو2023

«يا بهية وخبرينا ع اللى جتل ياسين .. يا بهية طلى فينا شوفى فينا كام ياسين»
بتلك الكلمات المأثورة لموال العشق الشعبى ما بين «ياسين  وبهية» وما تحمله من إسقاطات عديدة، أنهت المخرجة كريمة بدير ثورتها المسرحية على مسرح الجمهورية، بنهاية مفتوحة لجمهور المتلقى كما بالقصة الشعبية المشهورة وبخلاف النص المسرحي للكاتب نجيب سرور لتتركه يتساءل عن سر اختفاء ياسين، هل تم قتله بالفعل كما يثار بالبلدة بواسطة الباشا الإقطاعي؟ وهل لا زال الباشا الإقطاعي نفسه حيا يرزق أم تم قتله أيضا؟، ومن ثم تنهى عرضها المسرحي بمشهد ثورة الفلاحين بعدما تحول كل فرد فيهم إلى ياسين جديد .
تدور أحداث (بهية) حول قصة بسيطة تطمح في أن تجيب عن السؤال المطروح في الموال الشعبي عمن قتل ياسين، وذلك بأن تحدد من قاتل ياسين الذي يسأل عنه ذاك الموال في لهفة بعد أن فجعت حبيبته «بهية»، وقد جزم نجيب سرور في مسرحيته بأن (الباشا) ذاك الإقطاعي المسيطر على الناحية هو الذي قتل ياسين، لأنه حر كأهل القرية قادهم لإحراق قصر الباشا انتقاما لخطيبته «بهية» التي كان زبانية القصر يسعون لإدخالها فيه حيث ينتظرها المصير المحتوم من هتك العرض، وكانت هذه المحاولة هي الشرارة التي أشعلت نار الثورة الموجودة في قلوب أهل القرية ضد مظالم الإقطاع وقسوته وجبروته.
العرض المسرحي «بهية» من إنتاج «فرقة فرسان الشرق للتراث» ورؤية درامية محمد فؤاد ومن تصميم وإخراج كريمة بدير، وقد أسست وزارة الثقافة تلك الفرقة عام 2009 بهدف استلهام التراث المصري على خشبة المسرح في سياق فني درامي راقص، وعليه فإن جميع عروض الفرقة تتميز بصبغتها التراثية والتاريخية المصرية الصميمة، شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات الدولية والإقليمية منذ إنشائها حتى الآن، وقد انضمت إلى «فرق دار الأوبرا المصرية» عام 2012 م .
سبق للعرض المسرحي « بهية « الحصول على ذهبية ( أفضل أداء ) وبرونزية ( أفضل عرض ) من مهرجان المسرح الحر الدولي بدولة الأردن الشقيقة مع سويسرا وإيطاليا .
 استعانت كريمة بدير في طرحها لتلك القصة الشعبية الشهيرة برؤية درامية جديدة ومتفردة كتبها المبدع محمد فؤاد قام فيها بالدمج ما بين الواقع والأسطورة، وذلك من خلال تقديمه لنموذج زوجان أبناء عمومة جمعتهم قصة حب بعصرنا الحالي تتشابه مع القصة الشعبية لياسين وبهية التي صارت موالا لبهية يردده الجميع في كل القرى والنجوع والبلدان فقط في قصة كفاحهم ومدى الصعوبات التي واجهتهم، وبالتالي يقوم الزوجان هنا معا باستحضار أسطورة ياسين وبهية من أجل تحفيزهم على مواصلة الصبر والإصرار على استمرارية ونجاح قصة حبهما إلى الأبد، وقد أرادت كريمة بدير هنا ومن خلال تلك الرؤية الدرامية أن تناصر المرأة كعادتها في جميع عروضها لذا تعمدت أن يقتصر اسم العرض على « بهية « فقط دون أن يصاحبها اسم ياسين كما اعتدنا على ذلك منذ قديم الأزل مع كل كتاب ومخرجى تلك الراوية الشهيرة، ودعمتها من خلال تلك الإسقاطات التي أوجدتها في الأسطورة الشعبية من خلال رؤيتها الإخراجية لبعض لوحات الأداء الراقص لترمز بها إلى الواقع الحالي، معلنة رفضها لها والثورة عليها وذاك منهج إخراجى ثابت تتبعه بدير على الدوام وتسير عليه باعتباره مدرسة لها تميزها عن الآخرين، ويتضح هذا جليا في مشاهد عدة متفرقة من بداية العرض لنهايته حيث يبدأ العرض المسرحي باستحضار الزوجان لمشهد الأموات بالمقابر المدفون فيها ياسين وبهية، بعدما يتذكرا قصتهما وما فيها من معاناة تتشابه معهم لنجد فيه الأموات بأكفانهم البيضاء وهم يصارعون الخروج حتى تنجح جثة كلا من ياسين وبهية في استعادة أرواحهم من جديد من أجل سرد قصة حبهما للمتلقي، وكأن قصتهما تثور وتأبى أن تندثر وتبحث دوما عن الخلود في كل مكان وزمان من خلال استحضارهم في كل عمل فني جديد يتحدث عن موال العشق الذي جمع بينهما .
حقيقة قامت كريمة بدير بتصميم حركى لتلك اللوحة غاية في الإبداع والإبهار لتجعلك تشعر معها بهيبة الموت وارتباطه بالخلود لا بالفناء، فقد استطاعت كريمة بدير من خلال ذاك التصميم أن تنجح في تدعيم رؤيتها بأن الموت يعد نصرا لا هزيمة عندما تخلفه قصة حب قوية يتحاكى بها الأجيال جيلا بعد جيل .
ومن هنا قامت بدير بعمل إسقاط أكثر من رائع على الواقع الحالي من خلال تلك القصة الشعبية أرادت من خلالها أن تقول بأن حب المرأة عندما يغلفه الوفاء والإخلاص هو حب باق أبد الدهر لا يهزمه مصاعب أو عداوات أو أطماع  أو حتى الموت ذاته .
وهناك لوحة أخرى نرى فيها تجسيد لحلم «بهية» الذي قامت العرافة الغجرية  بتفسيره  لها بقرب زواجها، وذلك من خلال استعراضها لمجموعة من الرجال يرتدون «الكوفية الحمراء» دلالة على طقوس الصعيد بعاداتها وتراثها القديم والتي لا زالت موجودة حتى الآن في بعض القرى منها، حيث يتم استعراضهم لتلك القماشة الحمراء في شوارع القرية دلالة على شرف ابنتهم، كما ترمز «الكوفية الحمراء» في ذات الوقت إلى الدم حيث ذاك الفرح الذي سوف يتحول إلى مأتم بعد مقتل ياسين، وقد قامت بدير بتصميم ذاك الحلم بذكاء وبرؤية معبرة جدا للمتلقي بدون أن تتسبب في خدش حياء أيا منهم وتلك تعد احترافية منها في التعبير الراقص تحسب لها بأن تعبر عن رؤية مزدوجة من خلال تصميم واحد، والإسقاط هنا على الواقع من خلال تلك اللوحة يرمز إلى أنه لا زالت عاداتنا وتقاليدنا راسخة  متأصلة لم تتغير حتى الآن وخاصة في صعيد مصر سواء أن كانت تلك العادات المتعلقة بالشرف أو الثأر، والإسقاط أيضا على أن المرأة لدينا تتميز بالفطنة والحدس القلبى الذي يمكنها من رؤية المجهول قبل حدوثه .
تبقى لوحة أخرى من تلك اللوحات التي اشتملت على الرموز والإسقاط على الواقع الحالي ألا وهي لوحة هتك عرض بهية على يد الباشا الإقطاعي، وتتبلور في هذه اللوحة ثورة كريمة بدير ضد الظلم والعنف الذي لا زال واقع على المرأة حتى الآن في بلدنا وبعض البلدان بمجتمعاتنا العربية ولم ينتهى على الرغم ما وصل إليه العالم الآن من تقدم وتطور وعلم، وقد أظهرت بدير تلك الثورة التي تنتاب مشاعرها من الداخل من خلال تصميمها البديع لتلك اللوحة الرائعة والمؤثرة للغاية، وذلك بأن جعلت هناك أكثر من بهية من الراقصات وأكثر من باشا إقطاعى من الراقصين يحاولون في وقت واحد هتك عرض بهية في مشهد حركى راقص غير عابئين بضعفهن ولا بتوسلاتهم أمام  قوة بنيان أجسام هؤلاء الإقطاعيين، دلالة على وجود أكثر من بهية وأكثر من باشا إقطاعى في عصرنا الحالي مع اختلاف الصور والمواقف و المكانة الاجتماعية .
من الشائع والمعروف انه من النادر أن تجد راقصين يجيدون فن التمثيل ببراعة وحرفية إلا في حالات استثنائية، ولكن مع كريمة بدير الوضع مختلف تماما بعدما جعلت عامل إتقان الراقص أو الراقصة لفن التمثيل شرطا أساسيا في اختياراتها لهم للإنضمام لفرقتها « فرقة فرسان الشرق للتراث «، تلك الفرقة التي استطاعت بدير من خلالها أن تنتهج منهج وسطى خاص بها بها يجمع ما بين الرقص المسرحي الحديث والفنون الشعبية، وقد تمكنت مؤخرا من ضم مجموعة جديدة من الراقصين ذوى البنيان القوى قامت بتدريبهم ومن ثم ضمهم لعرض بهية، مما كان له ابلغ الأثر في شعور المتلقى بعنصر الإبهار في التكوين الجمالى للوحات العرض المسرحي، وقد أجادوا جميعا في إتقان الأدوار الموكلة اليهم بحرفية عالية تجمع ما بين التعبير الآدائى والحركى معا، فتألق كل من هانى حسن في دور « ياسين «، ياسمين بدوى في دور « بهية «، دنيا محمد في دور « الغجرية والأم «، محمد سالم في دور « الباشا «، رضا رينجو في دور « والد بهية «، أشرف كوداك في دور « والد ياسين «، محمد وليد في دور « الشاب «، منة بدير في دور « الشابة «، إضافة أيضا إلى مجموعة الراقصين من الجنسين الذين اسهموا بشكل كبير في نجاح العرض بمعاونتهم للراقصين المكلفين بتجسيد شخصيات المسرحية بالآداء الحركى والإستعراضى .
قام أنيس اسماعيل بتصميم الديكور من خلال فكرة مبسطة ولكنها عميقة في ذات الوقت، وذلك من خلال عمل مجموعة بانوهات بشكل مدرج على يمين ويسار المسرح ولها اكثر من وظيفة، فمن خلالها يتم تحقيق رؤية سينمائية لمؤلف العرض المسرحي من خلال مادة فيلمية قام بتحديدها في رؤيته الدرامية، وبالتالي عبقرية مصمم الديكور هنا هي في جعل تلك البانوهات المدرجة شاشة عرض للمادة الفيلمية في ذات الوقت برؤية جديدة ومختلفة، بجانب وظيفتها الأخرى بإعتبارها مجموعة كواليس لدخول وخروج الراقصين .
كما قام أنيس أيضا بتصميم ملابس العرض المسرحي حيث أتبع فيها منهج الواقعية في تصميمها طبقا للقصة الشعبية الشهيرة « ياسين وبهية «، وبالتالي غلب على معظمها اللون الريفى الشعبى في التصميم سواء للراقصين أو الراقصات، ولكن حرص المصمم هنا على تنوع ألوان الأزياء وخاصة عند الراقصات حيث صفة العرض الإستعراضية التي تعتمد في منهجها على عنصر المتعة البصرية للمتلقي بجانب المتعة السمعية .
الإضاءة  لرضا ابراهيم أتبع فيها أيضا نفس منهج مصمم الأزياء في تعدد وتنوع الألوان حتى تتلائم مع طابع العرض الإستعراضى، فجاءت الإضاءة  مبهرة وأضفت لإستعراضات العرض عنصر جمالى عمل على ابراز كلا من أزياء الراقصين مع الخلفية المصاحبة لهم من المادة الفيلمية المعبرة عن حالة المشهد المسرحي .
جاءت المادة الفيلمية لمحمد يحيى والتي وضعها بناءا على الرؤية الدرامية للنص المسرحي لمحمد فؤاد مكملة لفكرة العرض المسرحي وأهدافه لا ينفصلان عن بعضهما الآخر، فكلاهما واحد من أجل وصول الرسالة للمتلقي، وساعدت فكرة ديكور العرض المسرحي كثيرا في عرض المادة الفيلمية بشكل متفرد ومميز حيث أن البانوهات المدرجة التي وظفت  للقيام بدور شاشة سينما في نفس الوقت، جعلت المادة الفيلمية تبدو للجمهور كأنها حقيقة مجسمة أمامهم، وحقيقة فقد أحسن يحيى أختيار المادة الفيلمية المعبرة عن حالة كل مشهد راقص سواء أن كان مشهد ثورة الموتى والتي عبر عنها بشواهد القبور، أو أن كان مشهد هتك عرض بهية على يد الباشا الاقطاعى والتي عبر عنها على الشاشة من خلال الذئاب التي تتأهب لإلتهام الفريسة، أو أن كان مشهد أحلام بهية والتي عبر عنها من خلال فتاة ترقص في الفضاء، أو أن كان مشهد ثورة الفلاحين .. الخ .
نجحت المخرجة كريمة بدير في عمل إعداد موسيقى قوى وغاية في التعبير عن حالة كل مشهد وعن رسالة  العرض المسرحي ككل، من خلال اختيارها لمقطوعات موسيقية عالمية أثرت في وجدان جمهور المتلقى وأحدثت بينه وبين العرض المسرحي ارتباطا وثيقا، وان كنت أهمس في أذنها من منطلق غيرتى على الفن المصري وما نملكه من ثروات وكنوز من عباقرة التلحين على مستوى الوطن العربى أجمع، بأنني كنت أفضل اعتمادها على موسيقى تصويرية لموسيقيين مصريين موهوبين تسهم هي من خلالها  بما تقدمه من تراث شعبى في وصول فنهم إلى العالمية، بدلا من الاستعانة بموسيقى أجنبية في عرض مسرحى شعبى أصيل .
البوستر المسرحي لمصطفى عوض كعادته دوما في مثل تلك النوعية من العروض جاء تصميمه موفقا ومعبرا عن طبيعة العرض المسرحي الراقص وذلك بتصويره  للوحة راقصة  في الجزء الأسفل، بينما في الجزء الأعلى منه ومن خلال استقرائه لفكر مخرجة  العرض كريمة بدير وتناولها للتراث الشعبى من وجهة نظر مناصرة  للمرأة، عبر عوض عن قصة الحب في دعايته المسرحية بإظهاره لحالة النشوى التي كانت تنتاب بهية في لقائها مع حبيبها سواء أمام كل من محمد هلال أو هانى حسن فكلاهما تنافسا في دور ياسين العاشق الولهان، كما إنك تستطيع أن تدرك أيضا من خلال البوستر تركيز عوض على إظهار المرأة بأنها هي بطل العرض المسرحي الأوحد ومحور الأحداث والاهتمام لدى المخرجة  من خلال إظهارها متمثلة في شخصية بهية بحجم أكبر في البوستر وزاوية إضاءة  أهم لعين المتلقى .
اكتملت كل عناصر الفرجة الشعبية هنا في العرض المسرحي «بهية» بداية من الاستعراضات والتمثيل والأزياء والموسيقى التصويرية والإضاءة والرؤية السينمائية، نهاية إلى التحطيب الذي أبدع فيه أشرف كوداك من قام بدور «والد ياسين» وأمهر من مارسوا فن التحطيب وأرسوا قواعده بعد الجداوى رمضان .
انتشرت في أرحاء مصر أسطورة قديمة وهي «ياسين وبهية» حتى باتت جزء من التراث الشعبى يتغنى بها شاعر الربابة في المقاهى الشعبية، وظلت هذه الأسطورة عالقة في ذهن المصريين جيلا بعد جيل، واستغلها المؤلفين في تحقيق حلم الشعب في ظهور البطل الأسطوري الذي يقاوم الاحتلال الإنجليزي، مما يشعل حماس المقاومة المصرية ضده، ولكن في حقيقة الأمر فإن «ياسين» ابن قبيلة العبابدة التي تعيش قرب حدود مصر مع السودان ما هو إلا واحد من أشهر قطاع الطرق والخارجين عن القانون في الأقصر وقنا، ومن ثم ذاعت شهرته فيما بعد في كل ربوع مصر، خصوصا عندما ارسلوا إليه أكثر من قوة من قوات الجيش والشرطة وفشلت جميع الحملات التي أوفدتها الحكومة في القبض عليه حيا أو ميتا، حتى تمكن منه أخيرا اللواء صالح حرب في بداية حياته عندما ذهب ضمن بعثة عسكرية إلى وادى حلفا لشراء سرب من الجمال للخدمة في سلاح الهجانة، وسمع هناك عن قصة ياسين أعنف وأجرأ مجرم مشى على أرض مصر في زمنه، وبعد فترة كلفت الحكومة المصرية بإرسال اللواء صالح حرب للقبض عليه نظرا لجرأته المعروفة في المواجهات الأمنية، فخطرت له فكرة جريئة للقبض عليه فاستدار نحو قمة التل الذي يعلو فتحة المغارة وأسقط حبلا تتدلى منه حزمة من البوص المشتعل وحملت الريح الدخان إلى فوهة المغارة، فشعر ياسين بالاختناق فأضطر للخروج منها ودارت بينهما معركة انتهت بأربع رصاصات من مسدس اللواء سكنت واحدة منهم بقلب ياسين فأرادته قتيلا، وبعد مقتله صدرت بجريدة الأهرام في التاسع من ديسمبر عام 1905 خبر بمثابة المفاجأة عن العثور على « بهية « التي وجدوها معه في المغارة التي كان يختبئ فيها هو ورجاله، ولكن بهية أدعت كذبا أن ياسين أختطفها وأغتصبها وأجبرها على العيش معه في المغارة، ولكن مع التحقيقات ثبت أنها كانت تعيش معه بإرادتها وادعث الخطف حتى لا يقتلها أهلها بعد عودتها اليهم .
وعلى الرغم من انتهاء حياته بقيت أسطورته في وجدان الجماهير التي تبحث عن بطل يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا، فذاك هو حال الشعوب في أزماتها التي تمر بها عبر الأجيال، تبحث دوما عن البطل الأسطوري المخلص فإذا لم تجده في الحقيقة صنعته في الخيال حتى ولو وصل الأمر لتحريف قصص حقيقية لأشخاص غير سوية  وتحويلهم إلى أبطال لمجرد إعجابهم بقدراته التي نجح من خلالها في إثارة إعجابهم .
نفس الحال ينطبق على بهية في الواقع التي تخلت عن حبيبها بعد موته وتنكرت له وادعث زورا وبهتانا خطفه لها واغتصابها على غير الحقيقة، ولكن في الأسطورة عكس ذلك تماما فهى «بهية» المخلصة لحبيبها التي تسعى للانتقام من الباشا الإقطاعي قاتل ياسين، وتحرض الفلاحين على الثورة ضده ومن ثم إحراق قصره، وقد استغلت هنا بذكاء المخرجة كريمة بدير تلك الأسطورة الشعبية الخالدة  في أن تحرض هي بدورها أيضا على الثورة مثلما فعلت بهية، ولكن ثورة بدير هنا مختلفة قلبا وقالبا عن ثورة بهية، فثورتها هنا هي ضد الظلم والعنف الواقع على المرأة حتى عصرنا الحالي، والمطالبة بتكريم المرأة ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، فثورة بدير إضافة إلى أنها ثورة لمناصرة المرأة فهى أيضا ثورة مسرحية  على أساليب ومدارس الإخراج القديمة والدعوة إلى التطوير في الفكر والإبداع واستلهام روح التراث في الإسقاط على الواقع الحالي من اجل إصلاحه وتقويم عيوبه وليست من أجل سرد التراث في حد ذاته، لذا فقد اختارت المخرجة المبدعة كريمة بدير «نصيرة المرأة» أن تبدأ أولى شرارة  ثورتها المسرحية والأمل الذي يحدوها في التغيير من على مسرح الجمهورية وبهذه الكلمات التي دونتها بدعاية العرض المسرحي :
(سأظل في شوق إليك يدفعنى لآراك .. سأظل أنتظرك مهما تأخرت .. سأنتظرك  وأنتظرك .. سأكف عن الكلام )


أشرف فؤاد