«عيــــلة اتعـملــهــا بـــلـــــوك» ملحمـــة تاريخيـــة للأســـرة المصـــرية برؤيــة مســرحيـة

«عيــــلة اتعـملــهــا بـــلـــــوك»  ملحمـــة تاريخيـــة للأســـرة المصـــرية برؤيــة مســرحيـة

العدد 821 صدر بتاريخ 22مايو2023

«احنا بقينا في الزمن المقلوب».. بهذه الجملة بختام مسرحيته «عيلة اتعملها بلوك» على مسرحه بمدينة سنبل من تأليف مصطفى شهيب ومن إنتاجه وإخراجه، لخص محمد صبحي حالنا وحاضرنا جميعا اليوم من خلال رؤية مسرحية عبقرية لمائة سنة ماضية ومائة سنة قادمة، ويبرز ذكاء الأستاذ أكبر هنا في اختياره المتعمد بالاتفاق مع المؤلف في أن تكون بداية عرضه المسرحي عام 2127 حيث المستقبل بعد مائة عام وتوقعه لما سينتابه من متغيرات عديدة على مستوى الفرد والمجتمع تشبه أفلام الخيال العلمي حاليا، وسيطرة الآلة والرقمنة عليه سيطرة كاملة لدرجة أن أسماء البشر ذاتها صارت مجرد أرقام بلا هوية، ومن خلال لقاء أمام الشاشات يجمع بين مجموعة من ذاك الجيل الذي ينتابهم الغضب على حالهم بعد أن ألغت الآلة وجودهم ببلوك على مشاعرهم وإنسانيتهم وشخصياتهم، يتذكر أحد الأفراد منهم الذي ينتمي لعائلة عريقة تعيش بذاك المستقبل لأجداده في الماضي من أجل عقد مقارنة بين حال أسرته الآن وامتداد الأسر السابقة له من عائلته والهبوط التدريجي لها عبر الأجيال، حتى وصل بهم الأمر إلى فقدان مشاعرهم الإنسانية التي صارت أشبه بالآلة بلا روح، ومن ثم الرجوع بالأحداث لعائلة زينهم أفندي عام 1927 حيث كانت بداية الحكاية وأحفاده، أبا عن جد، بطريقة الفلاش باك حتى الوصول إلى عصرنا الحالي، مع سرد تاريخي للدولة المصرية وتقلب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال نموذج تلك العائلة العريقة وتطور مراحلها عبر الأجيال، تأثرا بتلك الأوضاع. 
وحقيقة فكرة المسرحية جديدة وثرية وغاية في الأهمية، وتحسب للمؤلف مصطفى شهيب في تاريخه؛ أي أن البداية هنا كانت قبل مائتي عام من المستقبل الذي اختار صبحي والمؤلف معا أن تُروى من خلاله أحداث العرض المسرحي، مع فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر وزعامة سعد زغلول باشا، كما يكشف لنا صبحي هنا من خلال عرضه المسرحي أيضا العلاقة الطردية ما بين التطور التكنولوجي والهبوط الأخلاقي والإنساني للأسرة المصرية عبر الزمن؛ بمعنى أنه كلما زاد التطور التكنولوجي من حولنا كلما زاد منحنى الهبوط والانهيار للقيم والأخلاق والعادات والتقاليد للأسرة المصرية على مر الأجيال، وكان ذلك واضحا في إشارة صبحي من خلال شخصية الأب المحافظ التي يؤديها في كل مرحلة زمنية إلى قلقه وتوتره من الآلة الموجودة حينها، فوجدناه ينتقد بشكل كوميدي ساخر كلا من جهاز الجرامفون، ثم جهاز التليفزيون فيما بعد، وتلاها جهاز الفيديو، ثم وصولا إلى جهاز الموبايل والسوشيال ميديا حيث العالم الافتراضي، وكان الاتهام المشترك لهم جميعا في كل الأزمنة أنهم بمثابة أدوات لضياع قيمة الوقت، وتفكك أفراد الأسرة المصرية وعدم التواصل الطبيعي والتحدث لبعضهم البعض، ومن ثم ينعكس ذلك على تشتت المجتمع وانحرافه نتيجة لسلبية استخدامهم للتكنولوجيا المتطورة من زمن لآخر، بدلا من الانتفاع بالجانب الإيجابي منها، ومن ثم نجاح تنفيذ المخططات الصهيونية في تلك المجتمعات العربية المفككة، والتسلل إليهم بأفكارهم السامة وانتشار الإلحاد وتشويه الرموز والتشكيك في التاريخ وضعف الانتماء، مما يسهل معه فيما بعد السيطرة عليهم دون مواجهة أو قطرة دم واحدة، وذاك نوع جديد من الاحتلال أشد وطأة وخطورة من السلاح لفت صبحي بقوة نظرنا إليه.
يحسب للأستاذ محمد صبحي هنا كمخرج قدير متعدد القدرات في مسرحيته «عيلة اتعملها بلوك» تصميمه بنفسه لإضاءة العرض على غرار مدرسة بريخت التعليمية، التي يغلب عليها الإنارة الكاملة طوال العرض، منعا لاندماج الجمهور مع الشخصيات المسرحية، وأن يظل بحالة يقظة ويفطن دوما أنه أمام ممثلين وعرض مسرحي؛ مما يسهل معه إيصال معلومات ورسائل العرض، وبالتالي يخرجون منه وهم في حالة تطهير كامل ورغبة في التغيير، كما يحسب له أيضا مرونة حركة الممثلين ولياقتهم على المسرح سواء في حركتهم الطبيعية أو في الأداء الحركي للأوبريتات والاستعراضات التي قام صبحي بتصميمها بنفسه أيضا؛ مما تشعر معها بأنها حركة تلقائية ولها دلالات، وذلك يرجع للتدريبات التي يتلقوها من الأستاذ، كما يحسب له أيضا حسن بصيرته وذكاؤه اللافت للنظر في استعراضه لأهم الأحداث الفاصلة فقط بالأزمنة المختلفة التي مرت بها الأسرة المصرية طوال مائة عام ماضية في مراحل متعددة من تاريخها بداية من عصر سعد زغلول حتى عصر السادات والانفتاح من وجهة نظره الشخصية التي تتوافق مع القضية الأخلاقية والإنسانية  للمجتمع محور العرض المسرحي، مرورا بإسقاطاته غير المباشرة على بعض المشكلات الاقتصادية بوقتنا الحالي ومعاناة الأسرة  المصرية معها بعد انقضاء فترة عصيبة مرت بها مصر، ونجحت الدولة بالتعاون مع شعبها مرة أخرى من خلال تحمل المشاق بالمشاركة في استعادة قوتها وهيبتها، وفي سبيل وصولها إلى الجمهورية الجديدة وما تشهده مصر حاليا من مشروعات عملاقة وإنجازات غير مسبوقة، التي عبر عنها  في ختام عرضه المسرحي من خلال استعراض غنائي تحت عنوان «عمر بلادنا في يوم ما تموت» بالمشاركة مع كل فريق التمثيل، تصاحبه مادة فيلمية تعرض لصور من حضارة مصر وإنجازاتها في البناء والتعمير منذ الفراعنة حتى وقتنا الحالي وصولا للعاصمة الإدارية الجديدة، بالرغم من كل الظروف التي شهدتها البلاد على مر الزمان، والاستعراض فحواه بأن بلادنا مهما تربص بها أهل الشر ومهما عانت شعوبها من أية أوضاع متعثرة أبدا لن تسقط وحتما ولا بد ستنهض من جديد لتكمل مسيرتها من التقدم والرفعة والازدهار. 
المادة الفيلمية للعرض المسرحي كانت خير داعم لرؤية الأستاذ الإخراجية ككل من خلال المشاهد المصورة للأحداث التي انتقاها بعناية باعتبارها أحداث فاصلة ونقلة مهمة لكل فترة زمنية، بداية من مشاهد ثورة 1919 وجنازة كل من الزعيم سغد زغلول والرئيس جمال عبدالناصر ومن ثم مشاهد لنصر أكتوبر 73 العظيم وبعدها مشاهد مصورة تبرز وطنية المصريين مع نشيد «مصر اللي بنحبها»، ومن بعدها مشهد مصور لحسني مبارك نائب الرئيس وهو يعلن عن نبأ استشهاد السادات ومن ثم مشهد اغتياله، وأخيرا مشهد سينمائي مصور يعرض حضارة  مصر وإنجازاتها طوال تاريخها، كل هذا التتابع السينمائي المنتظم الذي يتخلل أحداث العرض المسرحي، والذي تم إخراجه من قبل صبحي بحرفية عالية، إضافة إلى مشاهد المستقبل المتخيل لجيل 2127 التي أخرجها شادي الحكيم بواقع مشهد في بداية العرض ومشهد في نهايته نراهم فيه وهم يكسرون الشاشة اعتراضا على ما آلت إليه البشرية في عهدهم، يجعلك تشعر كمتلقٍ أنك أمام فيلم وثائقي سينمائي متكامل موازٍ للعرض المسرحي؛ بل ويخلق منافسة بينهم من داخل العرض ذاته ليرضي في النهاية طرفي الجمهور العاشق للمسرح منهم وللسينما أيضا، مما تتضاعف معه متعة جمهور المتلقي البصرية والحسية، وحقيقة كل تلك المشاهد المصورة والموظفة جميعها في أماكنها الصحيحة بداخل العرض ساهمت في نجاحه وأكدت على أن صبحي يمتلك الرؤية الإخراجية السينمائية بنفس القدر من البراعة التي يمتلك بها الرؤية الإخراجية المسرحية. 
لجأ صبحى الى فن الأوبريت فى التعبير عن  ملخص لسمات كل مرحلة زمنية بالعرض المسرحى، من أجل البعد عن التفاصيل التاريخية و إختزال أحداث المرحلة بأوبريت غنائى مختصر، يعبر من خلاله عن الهدف الأسمى الذى يسعى اليه الا و هو ان تصل الفروق الأخلاقية والإنسانية بين كل مرحلة وغيرها إلى جمهور المتلقي بسلاسة ويسر بجانب المتعة السمعية والموسيقية له، فوجدنا «أوبريت العريس» ابن البرنس شهاب في عهد سعد زغلول الذي يحب علية ابنة زينهم، بالرغم من رفض البرنس والأسرة أيضا لتلك العلاقة ومحاربته لها من خلال أداء غنائي جماعي للأسرة يظهر للمتلقي مدى المحافظة والعادات والتقاليد الصارمة للأسرة، وكذا الطبقية المنتشرة بذاك العصر، ومن بعدها نجد «أوبريت الشهيد» ابن بهية خالة بنات خالد الابن في عهد عبدالناصر، الذي استشهد ابنها وحبيب نهى إحدى بناته في الحرب قبل أن تتم خطبته لها، التي ترفض الابنة الاعتراف بذاك الموت، بالرغم من فخر الأم بهية التي ترمز لمصر باستشهاد ابنها بعدما صار عريس الجنة، وكل ذلك يدور في أوبريت غنائي يبرز عظمة الشهادة وتضحيات الشباب من أجل الوطن في تلك المرحلة. 
وأخيرا، «أوبريت الانفتاح» في عهد السادات الذي يؤدي صبحي فيه شخصية الأب شاكر ويبرز من خلاله الآثار الضارة الناجمة عنه من ظهور رشاوي الأثرياء، ورفض الأب لها من خلال أداء غنائي يعتمد على الفعل ورد الفعل، وأخيرا «أوبريت التحدي» من خلال المواجهة الغنائية ما بين ابنته صاحبة الصوت الطربي وزوجها مؤدي المهرجانات، وحقيقة أضافت كل تلك الأوبريتات خصوصية  الطابع الغنائي كما ساهمت أيضا في العمل على سرعة الإيقاع للعرض المسرحي ككل. 
الأشعار لعبدالله حسن غلب عليها الطابع الوطني والحماسي، فجميعها جاءت مناسبة لتيمة العرض التاريخي، كما جاءت الأشعار مناسبة  لشكل كل مرحلة وصفاتها سواء بالنسبة للأغاني الطربية أو حتى أغاني المهرجانات، وجاءت أغنية الاستعراض الأخير «عمر بلادي في يوم ما تموت» لتلهب حماس الجماهير ليشاركوا أبطال العرض الغناء والتصفقيق الحاد لما في الكلمات من إحساس صادق وقوة وحماس، كما أضافت الألحان لشريف حمدان التأثير العاطفي المكمل لتلك الأشعار وسرعة وصولها لقلب المتلقي، كما ساهمت الموسيقى التصويرية للعرض المسرحي ككل في إبراز كل لحظات المشاعر للأسرة المصرية من شجن وخطر وانكسار أو نصر.. إلخ.
تصميم ديكورات العرض لمحمد الغرباوي من أصعب عناصر العرض المسرحي، حيث إنها تتناول أزمنة مختلفة لفترة مائة عام كاملة، ومن المؤكد أن كل زمن يختلف عن الآخر جملة وتفصيلا في كل مكوناته، مما قد يحتاج إلى مشقة كبرى في تغيير الديكورات من لوحة لأخرى وزمن لآخر، وأيضا لتكاليف باهظة، ولكن عبقرية الغرباوي هنا وفرت كل تلك الصعاب من خلال لجوئه لحيلة مسرحية غاية في البراعة تعتمد على أن تظل مكونات البيت الأساسية ثابتة كما هي في كل العصور مثل البيانو الذي ظل متواجدا طوال العرض المسرحي دلالة على عراقة الموسيقى والطرب التي لم ولن تنتهي أو تختفي يوما ما مهما سادت العشوائية من حولها، وكذا المكتبة المنزلية والثرية بالكتب دلالة على ثقافة صاحبها التي ظلت متواجدة حتى اختفت وتم بيعها مع عصر الانفتاح دلالة على سيطرة السوشيال ميديا ونهاية عصر القراءة الورقية، وكان من يتغير فقط من عصر لآخر هي بعض الأجهزة مثل الجرامفون ثم الراديو ثم التليفزيون، مع تغييرات بسيطة في شكل الأثاث الخاص بالمنزل ليناسب كل فترة زمنية وكذا خلفية شباك الشرفة من الخارج بتغير شكل المباني من حولهم بكل مرحلة، ولكن كان الفاصل الأكبر والأهم للدلالة على تغير الزمن من عصر لآخر هي صورة الزعماء والرؤساء المعلقة بحائط المنزل ابتداء من صورة سعد زغلول ثم جمال عبدالناصر ثم السادات، ومن هنا نجح الغرباوي في التعبير عن تغير العصور على الأسرة المصرية وبأقل الإمكانيات، أما الأزياء لسمر عادل فجاءت مطابقة تماما عن الفترة التاريخية لكل عصر وطبيعة الملابس فيها وبحرفية عالية، مما خلق في النهاية هارموني قويا بينها وبين الديكور المتغير.
على مدار تاريخه، يشتهر محمد صبحي بحسن اختياراته لنجوم أعماله سواء التليفزيونية منها أو المسرحية، كما أنه من المعروف عنه أنه معلم ومدرب تمثيل بارع اكتشف العديد من المواهب والنجوم منذ أن كان مدرسا بالمعهد العالي للفنون المسرحية حتى الآن، وعلى غرار أستاذه الروسي ستانسلافسكي أسس صبحي معمل وفرقة استوديو الممثل عام 1969 وكان متأثرا أيضا بمدرسة جروتوفسكي في التمثيل والإخراج، وكون الفرقة بهؤلاء الممثلين الذين كانوا من تلامذته ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، أحمد ماهر، خالد زكي، لطفي لبيب، محمد العربي، فتحية طنطاوي، فاطمة التابعي وآخرون ثم انضم للفرقة فيما بعد فنانون آخرون مثل عماد رشاد، هناء الشوربجي، ويعد صبحي صاحب السبق في أنه مؤسس أكبر وأطول عمرا لفرقة مسرحية ما زالت تقدم أعمالها حتى الآن في عصر اندثرت فيه كل الفرق المسرحية، ومن أشهر ما قدمت فرقته من عروض مسرحية هي بـ»العربي الفصيح» و»انت حر» و»المهزوز» و»الهمجي» و»تخاريف»  و»وجهة نظر»، وذلك نظرا لكم الطلاب الذين تتلمذوا فيها تحت يديه نذكر بعضهم على سبيل المثال صلاح عبدالله، أحمد آدم، هاني رمزي، زينب وهبي، رياض الخولي، زين نصار، منى زكي، مصطفى شعبان، ماجد الكداوني، فتحي عبدالوهاب، داليا إبراهيم، إيمان سالم، أحمد الحلواني، هاني كمال، ممدوح صالح، حسام فياض، كارولين خليل، أحمد وفيق، وكمال عطية وآخرون.
وفي العرض المسرحي «عيلة اتعملها بلوك» الذي اعتبره من أهم عروضه لخطورة ما يناقشه فيها من قضايا يواصل المعلم محمد صبحي اكتشافاته من الممثلين الموهوبين وكذا الأصوات الغنائية الرائعه، فقدم بالعرض وجوها جديدة من تلامذته بالفرقة، وجميعهم  قاموا بأكثر من شخصية بمنتهى الإتقان والحرفية، ولا تشعر أبدا معهم بأي وجه تشابه بين شخصية وأخرى، ألا وهم: محمد عبدالمعطي، داليا حسن، أنجيليكا أيمن وهي ممثلة تتمتع بصوت غنائي مبهر وواعد، ليلى فوزي، محمد سعيد، محمود أبو هيبة، محمد شوقي، مصطفى يوسف، محمد يوسف، منة الله طارق، مايكل وليم، رحاب حسين، لمياء عرابي، حلمي جلال، داليا نبيل، وليد هاني. والأطفال: مريم شريف، وعبدالرحمن محمود في دور الأحفاد، وشاركتهم البطولة النجمة وفاء صادق التي قدمت دور عزيزة الأم وفايزة والابنة الكبرى عفاف، حيث أضافت للعرض كثيرا بخبراتها الطويلة وحضورها المسرحي واحترافيتها في أداء كل الأدوار المختلفة الموكلة لها بنفس الإبهار، كما شارك البطولة أيضا القدير كمال عطية وهو أحد تلامذة صبحي القدامي وقام بدور الابن ورامي أيضا، وتميز أداؤه بالتلقائية الشديدة والسهل الممتنع. 
أما بالنسبة  للنجم محمد صبحي كممثل والبطل الرئيسي للعرض المسرحي، فقد قام هنا بدور واحد فقط طوال العرض ولكنه متنوع من زمن لآخر حيث إنه يجسد دور الأب زينهم في عصر (سعد زغلول)، خالد الابن في عهد (عبدالناصر)، الأب شاكر في عهد (السادات)، الابن بهاء في عصر (السادات)، ويستكمل به الأحداث حتى آخر العرض بعصرنا الحالي، بما يطرأ عليهم من تغيير في الطباع والشكل والصفات والحركة والصوت حسب طبيعة كل عصر، لذا فهو دور مركب غاية في الصعوبة على كل المستويات، وقد استطاع صبحي بحرفيته العالية وخبراته الطويلة وبطريقته الخاصة في الأداء المتفرد بها وحده بمدرسته المسرحية أن يفرق بين كل شخصية وأخرى؛ بل ويجعلك تضحك وتبكي معها في آنٍ واحد، كما يتمتع صبحي بطاقة وحضور ولياقة بدنية حركية وصوتية عالية يجعلك تشعر معه على المسرح بأنه ما زال شابا في الثلاثينات من عمره ولم يتغير منه أي شيء.
أشار محمد صبحي في عرضه المسرحي الذي يعد بمثابة ملحمة مسرحية عن الأسرة المصرية على مدار مائة عام ماضية، إلى إحصاءات مدروسة غاية في الخطورة  والأهمية يجب أن ننتبه لها على الفور، والعمل على تبني الحلول لها من قبل أن تتفاقم ونعجز معها عن السيطرة مثل زيادة السكان وارتفاع الدولار وكثرة الطلاق من زمن لآخر، وصولا للعصر الحالي الذي نعيش فيه، كما ناقش أيضا عدة قضايا تاريخية واقتصادية وأسرية واجتماعية مهمة لتلك الحقبة الزمنية مثل قضية الانفتاح الاقتصادي بعد حرب أكتوبر، مما أدى إلى عودة الثراء الفاحش، وخاصة لأصحاب المهن الحرة وضرب نموذجا على ذلك بمشهد ساخر للسباك الثري غير المتعلم الذي أراد الزواج بابنته صاحبة التعليم العالي، وكذا مشهد الحانوتي الذي يعمل سمسارا بتحويل المقابر إلى مناطق سكنية، وظهور ظاهرة شركات توظيف الأموال والمستريحين، وأيضا ما وصلنا إليه من جشع التجار والأثرياء وكثرة الرشاوى، وظاهرة مطربي المهرجانات التي تهدد بفقدان الذوق الفني العام للمجتمع بل وتهدد التعليم نفسه، ونرى ذلك من خلال المفارقة التي صنعها لنا صبحي ما بين مدرس من عصر عبدالناصر حيث الالتزام والوقار وما بين مدرس من عصرنا الحالي وظاهرة الدروس الخصوصية واستخدام  الطبلة والرقص في التعليم، وكذا جني الثروات من السوشيال ميديا والمشاهدات والتريندات بإسقاط رائع على عامل النظافة الذي أحدث ظاهرة محبطة للعديد من الشباب المكافح، وصراع الأخوة من أجل المال وإرث أبيهم في حياته  وعدم الاكتراث لموته، واختفاء الكرم بين الجيران، وبإسقاط عبقري من صبحي استعرض لنا أيضا حال خادمة المنزل منذ سعد زغلول حتى الآن وصولا للخادمة التي بدا عليها مظاهر الثراء؛ مما قد تظن معها أنها سيدة أعمال. 
حقيقة، العرض مليء بالعديد من القضايا التي تعجز مساحة  المقال عن سردها جميعا، والأغرب من ذلك أن بخلطة صبحي السحرية مع مدرسته القائمة على كوميديا السوداء لن يجعلك أبدا تتسرب إلى أوصالك لحظة ملل واحدة طوال ثلاث ساعات ممتدة للعرض المسرحي؛ لذا استحق صبحي عدة ألقاب فنية في حياته مثل فارس المسرح العربي والجوكر وغيرها من الأسماء، ولكن كان أشهرها تعلقا مع محبيه هو لقب الأستاذ الذي اختاره الناقد الفني والكاتب الصحفي الناجح جمال عبدالناصر ليكون عنوانا لكتابه «الأستاذ.. سيرة ومسيرة»، وهو كتاب عبقري لأنه لجأ فيه إلى تدوين فقط كل ما لا يعرفه الجمهور عن محمد صبحي، حياته الشخصية ودراسته، كفاحه الثري كنموذج لأي فنان حالم وطموح، جوائزه  وأوسمته التي يتزين بها مسرحه الخاص وآراء كبار النقاد فيه، مدرسته ومعمله ومنهجه وفرقته المسرحية، أفلامه ومسلسلاته ومسرحياته الخالدة من بداياته حتى الآن، وذاك الكتاب الوافي الكافي يتم توزيعه بالمجان على النقاد وضيوف العرض بمسرح مدينة سنبل ذاك الصرح العملاق الذي معه تبدأ براعة الاستهلال قبل العرض المسرحي وليس مع بدايته كما اعتدنا دوما نظرا لطاقة التشويق والانبهار التي يدخل المتلقي للعرض محملا بها بكل تركيزه بعد جولة بمسرحه الذي يعد بمثابة متحف لفناني مصر والعالم البارزين، ومسرح قومي أيضا من حيث الطراز المعماري خاص بالأستاذ صبحي وحده، وبما يتبعه من نظام مسرحي فريد للغاية في كواليس عروضه حيث لا مجال فيها للفوضوية في أي شيء، وبما يقدمه أيضا من رسائل خالدة ذات قيمة وثراء من خلال عروضه المسرحية وأصحاب الرسالات يعيشون ويخلدون.


أشرف فؤاد