علي عبدالنبي الزيدي: مندهش من قدرة المؤسسة الرسمية في مصر على إنتاج هذه المهرجانات الكبيرة

 علي عبدالنبي الزيدي: مندهش من قدرة المؤسسة الرسمية في مصر على إنتاج هذه المهرجانات الكبيرة

العدد 821 صدر بتاريخ 22مايو2023

علي عبدالنبي الزيدي كاتب مسرحي وروائي، من مواليد العراق، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، حاصل على بكالوريوس فنون مسرحية جامعة بغداد، كتب العديد من الأعمال الروائية، يكتب للمسرح منذ عام 1984. له العديد من البحوث والدراسات المسرحية منذ مطلع التسعينيات التي أثرى بها المجال المسرحي العراقي والعربي، شارك في العديد من المؤتمرات والمهرجانات المسرحية العراقية والعربية والدولية، حاصل على الكثير من الجوائز العراقية والعربية. 
 في عام 2015 حصل على جائزة التأليف المسرحي التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح عن نصه «فلك أسود»، جائزة أفضل عرض مسرحي عن مسرحيتى «الحفار - ثامن أيام الأسبوع» فى مهرجان المسرح العربي في القاهرة إخراج المخرج الكويتي هاني النصار.
أثارت رواياته الإلهيات وما بعد الإلهيات جدلا واسعا على مستوى الوطن العربي؛ مما جعله من أهم الكُتاب على مستوى الوطن العربي. 
 وكانت لجريدة «مسرحنا» هذا اللقاء معه.

 كانت هناك مقولة تقول إن «الكتابة في مصر والطباعة في بيروت والقراءة في بغداد» كيف ترى هذه المقولة الآن؟ 
نعم.. ربما ظهرت في مطلع الستينيات عندما كانت مصر تكتب، وما زالت طبعا، ولبنان تطبع، ولم تعد تطبع، والعراق يقرأ، والعراق مازال يقرأ، ولكنه الآن يقرأ ويكتب؛ بل يعتبر العراق الآن حافلا بجُملة من الأسماء المهمة على مستوى الكتابة للمسرح وللرواية وللشعر بطريقة عظيمة، خاصة بعد 2003؛ أي ما بعد الاحتلال كان هناك توجه كبير لكثير من الكُتاب الذين فتحوا على مشكلات جديدة وقضايا جديدة، خاصة وأننا نعرف أن تاريخ  2003 تاريخ كارثي وزلزالي للعراق. وجود الاحتلال وما أفرغ هذا الاحتلال الكثير من القضايا المؤلمة والجارحة، وكيف استطاع هؤلاء الكُتاب أن يتمثلوا هذه المشكلات الجديدة، خاصة أن مزاج التسعينيات والثمانينيات يختلف تماما عن مزاج ما بعد 2003، لذلك صار انفتاح كبير على الكتابة وبدأت هناك الكثير من المطابع داخل العراق، وذلك لم يكن موجودا من قبل، كانت هناك مطابع رسمية فقط خاصة بالمؤسسات الحكومية، الآن توجد الكتير والكثير من دور النشر العراقية لذلك نستطيع أن نقول إن الكاتب العراقي الآن هو متصارع ومتلاحق مع كل القضايا التى تحدث الآن.
ما حدث  في العراق بعد 2003 هي مجموعة كبيرة من الأزمات والآلام لحد ما استطاع الأديب العراقي أن يتمثل هذه المشكلات ويضعها على الورق، ولكن الحقيقية هي أن الواقع العراقي أكبر من الكتابة، على اعتبار أننا عشنا ظروفا استثنائية كبيرة، وعلى قدر كبير من الألم اليومي حاولنا في الفترة الأخيرة أن نتجاوز هذا الألم ونعيش سعادتنا بفعل الأمل الذي نحاول أن نردده دائما. 

إلى أي مدى ترى الكتاب المعاصرين أو الوضع الثقافي الحالي قادرا على مواجهة ما تعيشه العراق من تطرف فكري؟ 
الثقافة عمومنا نسبية.. أي أن تأثير الثقافة على الواقع نسبي وبفعل أن مشكلات الواقع التي أغرقتها السياسة في الداخل العراقي أربكت المشهد العراقي لحد كبير، بحيث صارت الثقافة هي الهامش وليس المتن، وهذا بفعل السلطة طبعا لأنها تدرك جيدا ماذا يمكن للثقافة أن تفعل، لذلك أقول إن التغير الذي تحاول أن تتبناه الثقافة هو نسبي إلى حد كبير بفعل هذا الحاجز الكبير الذي وضعته السياسة ما بين الناس وبين المتن الثقافي، والمتن الثقافي متعدد ليس فقط الأدب؛ بل جميع الفنون.

كيف أثر ذلك التغير على كتاباتك ما قبل 2003 وما بعد 2003؟
العراق مر بمراحل مختلفة، كل مرحلة لا تشبه الأخرى، لذلك أنا أنسحبت لهذا التصور، فما كتبته ربما في التسعينات يختلف تماما عن ما كتبته في الألفينيات، في التسعينيات كنت أكتب عن نصوص ما بعد الحرب، الحرب التي كانت على الجبهات ولم تكن في المدن، كنت أكتب عن ما أحدثته الحرب من خلخلة للإنسان العراقي الذي قدم تضحيات كبيرة على مدى ثماني سنوات أكلت الأخضر واليابس من العراق، فكانت هذه النصوص بفعل ما بعد الحرب أي كيف استطاعت الحرب أن تهدم بنية العلاقات الاجتماعية في العراق وسواها، إلى أن ما بعد 2006 تحولت هذه الحرب من الجبهة إلى داخل المدن بفعل أن الساسة الذين قدموا إلى العراق جلبوا معهم الطائفية على سبيل المثال وبدأت الحروب في الشوارع، وبدأت الأحياء تتقاتل مع بعضها البعض، وتحولت القضية إلى حروب أهلية داخل العراق، وهذا نتاج المشهد السياسي ما بعد الاحتلال الأمريكي، لذلك كنت أكتب لمرحلة مختلفة تماما عن ما كتبته في مطلع التسعينيات، لذلك جاءت نصوص أنا أسميها نصوص الإلهيات التي حاولت أن تكتب عن الإرهاب تكتب عما فعله الاحتلال بالعراق، وهكذا. والتجربة الأهم هي تجربة نصوص الإلهيات ونصوص ما بعد الإلهيات التي تحاول أن تقرأ المقدس أو تستدعي المقدس وتقرأه قراءة خاصة، ولها إسقاطات على الواقع العراقي طبعا، وهي نصوص استفزازية وصادمة أثارت جدلا كبيرا بالنقد العراقي والعربي، وما زالت لحد هذه اللحظة، لذلك هي لا تشبه تماما النصوص التي كتبتها في مطلع التسعينيات.

بعد هذه النصوص البعض اتهمك بأنك تقتحم الذات الإلهية كيف ترى هذا الاتهام؟ وكيف ترى الله؟ 
هو أجمل ما يكون، ولكن نحتاج إلى إعادة صياغة العلاقة مع الله. أنا انظر إلى الله -سبحانه وتعالى- ليس كما ينظر إليه الآخر، أنا أراه هو أجمل ما يكون، هو علاقة العاشق مع المعشوق، علاقة الحبيب مع المحبوب، هذه العلاقة الحميمية الجميلة، الله الذى يحبك كثيرا، وهو هكذا يقول أنا أخاف عليكم أكثر من أمهاتكم، فتخيل أن هذا الرب العظيم يخاف علينا أكثر من أمهاتنا (الله ارحم بعباده من هذه بولدها). ولكن نحن ذهبنا به بتفسيراتنا وآرائنا إلى مناطق هو لا يريدها على الإطلاق، وحولناهُ من هذا الرحيم الجميل الطيب العادل وكل الصفات الجميلة، إلى جلاد وقاتل ووصفناه بتوصيفات ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك في نصوصي كان المقدس حاضرا، كان الله حاضرا، الأنبياء حاضرين، الملائكة حاضرين. أنا في هذه النصوص أريد إعادة الصياغة مع الله العلاقة الجميلة، وبدون فعل قصدي أنا غير معني بمفهوم الله موجود أو غير موجود، المسرح لا يناقش هذه القضايا الجانبية، المسرح يذهب إلى ما هو درامي، المسرح ليس أيديولوجيا فكرية أو حزبية، الحزبي يفكر بهذه الطريقة، أما الكاتب المسرحي هو يذهب إلى مناطق درامية، لذلك هو يناقش القضايا المهمة بدون فعل قصدي أيديولوجي أو حزبي، لذلك علاقتي مع الله هي أجمل ما يكون وهي تقترب من علاقة المتصوف مع الله.

عرض «ميت مات» من العروض التي أثارت جدلا كبيرا حول مفهومها وتفسيراتها حول الذات الإلهية؟ 
 أنا لا أميل للتفسير الشخصي، ولكن أتيح للآخر أن يقرأ العرض بطريقته الخاصة، ويفهم الشخصيات بطريقته الخاصة، ولكن هناك مفاتيح بالتأكيد، خاصة أننا مع شخصيتين إشكاليتين: شخصية غودو(جودو)، وشخصية مولاي، غودو الذي يمثل الغرب ويعتقدون أن غودو هو الله، ومولاي الذي يمثل الشرق ويعتقدون أنه المنقذ. هاتان الشخصيتان هما على قدر كبير من الإشكالية، وكُتب عنهما ما كُتب، ولكني سحبت هذه الشخصيات إلى ما هو درامي، أيضا أعيد هذه العبارة: أنا لا أكتب بفعل قصدي، أن يفهم الآخر فهمي الخاص، هذا أولا. ثانيا أنا أريد أن أؤكد في هذا العمل أن التغير الحقيقي وأن المنقذ الحقيقي هو أنت، أنت الإنسان هو المنقذ الحقيقي لنفسك لا يمكن لك أن تنتظر لألف عام أو أكثر منقذا يمكن أن يجعل حياتك على قدر كبير من السعادة والجمال، السعادة الحقيقية أنت، يمكن لك أن توفرها لنفسك خاصة أن هذا العرض له إسقاط على الواقع العراقي. التغير ينبع من الشوارع، من الساحات، من البيوت، من الفهم الصحيح للثورة والتمرد على المشهد السياسي. هذا النص خارج من عباءة تظاهرات تشرين التي كانت ضد السلطة، لذلك هو نص متمرد بطريقته الخاصة لم أكن منفعلا أمام شخصيات مقدسة شعبوية، خاصة شخصية مولاي، لكني حاولت أن أظهر المنقذ بأنه عاجز عن إنقاذ نفسه، لذلك لا يمكن له أن ينقذ الآخرين فما تنتظرونه هو ليس سوى عاجز عن إنقاذ نفسه، هذه واحدة من الرسائل المهمة داخل النص والعرض معا. العرض أثار جدلا كبيرا منذ سنتين وحتى الآن، وكُتب عنه مئات الأوراق والتصورات والدراسات، وكل له قراءته الخاصة وتصوره الذي ربما أكون سعيد به، ليس شرطا أن تنتمي لما أفكر، ولكنها تثير الأسئلة التي لا أجيب عليها على الإطلاق. 
  
بعض المخرجين في الوطن العربي بشكل عام يقولون إن هناك أزمة نص مسرحي يعبر عن الواقع الحقيقي وإن الروايات العالمية أصبحت مستهلكة؟ 
لن أكون متطرفا في رأي، لكن العراق عُرف بكُتاب المسرح، أنا امتداد لجيل مهم من كتاب المسرح بداية من يوسف العاني، عادل كاظم، صلاح شاكر، محيي الدين زنكنة، والكثير من الأسماء المهمة التي ظهرت منذ الأربعينيات ولحد هذه اللحظة، لذلك أعتقد أن النص المسرحي في العراق هو نص مميز ومتواصل وساخن على طول خطيه، كُتاب المسرح في العراق هم منتجون متواصلوان، وأنا مطلع بشكل واسع على مستوى الكتابة الاحترافية أو مستوى الشباب، وأعتقد أن هناك جيلا قادما من كتاب المسرح يشبهوننا كثيرا، وربما أتوقع لهم مستقبلا كبيرا، ليس هناك أزمة نص مسرحي فى العراق ولكن هناك أزمة تناول للواقع العراقي؛ أي كيف يمكن أن نتناول مشكلات الواقع العراقي دراميا بطريقتنا الخاصة بعيدا عن شعارات، وبعيدا عن التصورات السطحية التي أنتجها الكثير من الكتاب الشباب في مجال الكتابة المسرحية. 

إلى أي مسرح  تنتمي؟ أو كيف تصنف كتاباتك؟ 
أنا لا أؤمن بالمقايسات والاشتراطات، أؤمن بأن أكتب نصا مسرحيا ينتمي لمناخاتي، للبيئة التي أفكر وأعيش فيها، هذه هي مهمة النقاد هم الذين يتوجهون بهذا الشكل، وبآخر ويضعون هذا النص بمذهب أو يشترك فيه أكثر من مذهب أو تيار مسرحي وسواها. لذلك فعل الكتابة ليس فعلا ثابتا وفيه أسلوب معين؛ بل الكتابة هي متعددة ولا تحتفي بالشروط ولا بالقياسات، لذلك عندما أكتب لا أضع أمامي هذه الشروط في الكتابة، النص يظهر هكذا بتصوراته الأخيرة إلى أن ينتهي، ولذلك أجد أن العديد من الذين تناولوني نقديا على مستوى البحث الأكاديمي أو النقاد راحوا يسألون كثيرا من الأسئلة في هذا الاتجاه، هناك دراسة عن نصوصي وعن المذاهب والمدارس التي وجدوها في نصوصي بعنوان (ملامح المذاهب الأدبية في نصوص علي عبدالنبي الزيدي المسرحية) للدكتورة عبلة عباس والتميمي وهي واحدة من الذين قرأوني بشكل جيد.
 
ما الاختلاف بين مصطلح الدراماتورج وإعداد النص؟ كيف ترى هذه الإشكالية خاصة أنك كتبت على أفيش عرض «مَيت مات» دراماتورج علي عبدالنبي وليس إخراج علي عبدالنبي؟ 
بالفعل أثير الكثير من الأسئلة حول هذا الموضوع ، لماذا كتبت دراماتورج ميت مات، فأنا داخل البروفة كنت المفكر كيف أنظم فكريا وأجد تبريرات داخل البروفة، والدراماتورج يبدأ بالتأليف وينتهي بالإخراج، الدراماتورج هو المحايث أو المساير للتجربة ما قبل الكتابة إلى نهاية العرض هذا المتواصل هذا الذي يجد تبريرات ويفسر كل صغيرة وكبيرة على مستوى النص وعلى مستوى الإخراج المسرحي حتى نهاية يوم العرض الأخير، الدراماتورج وجدته أنا بذهني الخاص هو أكثر سعة من كلمة المخرج، هذا ما فهتمه بطريقتي الخاصة لأنه يأخذ المهام جميعا بدءا من النص إلى العرض الذي يعتمد عليه المخرج إذا كان هناك مخرج، فهو الحاضر والمفسر لكل تفاصيل العرض، لذلك فهمي للدراماتورج مقبولية عندي داخل البروفة من كلمة مخرج المحدودة الذي يأتي في مرحلة ما بعد النص، الدراماتورتج هو يأتي ما قبل النص ويؤكد النص وبعد ذلك يؤكد العرض، لذلك يتمحور هذا التوصيف على هذه الإشكاليات المهمة، لذلك أنتمي للدراماتورج لأنني أنتمي للفكر؛ يعني لا أنتمي للتفاصيل الصغيرة على خشبة المسرح، وأنتِ رأيتي تجربة ميت مات المنضبطة والمحسوبة فكريا والدقيقة بهذا الاتجاة، هي خارجة من معطف الدراماتورجي الذي كان حاضرا طيلة البروفات. 

ألم ترَ أن هذا الرأي ممكن أن يثير غضب المخرجين؟ 
بالتأكيد يثير غضبهم لأنهم طبعا لهم خصوصيتهم، وأيضا رأيهم يُحترم، وهذا رأيي وأعتقد أن القادم ربما ينتصر للدراماتورج على المخرج.

هل تفضل الالتزام بالنص أم ترك جزء من الحرية للمخرج وللممثل؟ 
النص ليس مقدسا حتى الذين اشتغلوا نصوصي سواء عراقي أو عربي، لم أكن أؤمن أن النص المسرحي هو نص مقدس، النص ينتمي للخشبة، ينتمي لبيئة أخرى غير بيئة الكتابة، غير بيئة الورق، ينتمي لروح الخشبة، ولكل خشبة ظروفها ولها تفاصيلها وإيقاعها، لذلك أعطي الحرية تماما للمخرجين في طريقة تناول هذه النصوص حتى الكثير منهم غير عناوين الروايات، الكثير حذف الكثير من المشاهد وغيروها من اللغة العربية الفصحى للهجة التي يتحدث بها بلدانهم. أنا أؤمن تماما بإعطاء مساحة للمخرجين الذين أثق بقدراتهم وتصوراتهم وأثق أنهم سيحافظون على روح ورسالة النص. 

 تتميز نصوصك بعناوين مميزة  مثل (ميت مات، مطر صيف، ثامن أيام الأسبوع) كيف تختار عناوين نصوصك؟
لا يمكنني التنازل عن جودة العنوان، جودة عنوان النص من جودة النص نفسه، وأعمل على أن يكون للعنوان دلالة توضح المفارقة التي يحملها النص، وأعترف بأني أحتاج لوقت طويل حتى أتمكن من إيجاد العنوان المناسب. 

المناخ السياسي الحر يؤثر على الكاتب أم أن الكاتب حر في جميع الظروف؟ 
الكتابة هي موقف أجزم تماما أن على الكاتب أن يكون حرا بعيدا عن شكل الواقع السياسي الذي يعيشه، لذلك مثلا عندما كتبت في التسعينيات وكان الظرف السياسي ظرفا صعبا جدا لم أكن أفكر بردود الفعل بهذا المشهد السياسي وأيضا ما بعد 2003 لم أكن أفكر تماما أن يكون هناك قامع فيما أفكر ولم أضع شرطيا وهذه الموانع التي يمكن أن تمنع هذا الفكر أو هذا الوعي أن يكون على الورق، بغير الحرية لا يمكن لنا أن نكتب نصوصا تثير الجدل يمكن لها أن تؤثر في الآخر، ونصوص تكون خالدة بعد موت كاتبها بسنوات طويلة، أما أن تتقيد وتذهب لهذه المحددات ولهذه المقاسات لا يمكن لك أن تنتج نصا مسرحيا يكتب له الخلود بالمشهد المسرحي العراقي أو حتى المسرح العربي. 

لقد زرت العديد من البلدان العربية سواء للتكريم أو التحكيم.. حدثني عن تجربتك في مصر؟ 
زرت مصر حيث قدمت ورشة للتأليف المسرحي ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ، وكانت تجربة فريدة وغنية تعرفت على شباب كتاب المسرح الجدد وكانت مجموعة رائعة، هذا التبادل والتعامل يعرفنا على مناخات كل بلد ومستويات الكتابة وأتعرف على الفكر المسرحي في تلك البلدان خاصة المخرجين إلا أن مصر لها خصوصيتها طبعا، مصر تاريخ طويل على مستوى الكتابة وعلى مستوى التجارب، على مستوى الأسماء التي ظهرت في مصر منذ عقود طويلة من الزمن، وهناك ما يؤكد أن مصر هي الحاضن الأول للمسرح العربي لأنها سبقتنا بسنوات طويلة لذلك أنا أعرف جيدا شكل  النص المسرحي المصري الذى يمتد إلى الآن، الآن الذي أتواصل معه بشكل دقيق وأشاهد الكثير من التجارب المسرحية للكُتاب المحترفين والكُتاب الشباب، وأيضا أنا خُضت تجربة أن أكون محكما في كثير من المسابقات للنصوص المسرحية، وهذه أيضا أفادتني كثيرا في التعرف على شكل الكتابة وأتعرف كيف يفكر الكاتب المسرحي في بلدنا العربية وتحديدا في مصر. 

من خلال متابعتك للمسرح المصري كيف ترى الوضع المسرحي في مصر حاليا؟ 
العروض المسرحية في مصر لا تتشابه مع العروض في العراق، أنا ابن واقع صادم وساخن، أنا خارج من معطف الحروب وعشت تفاصيل مدمرة وتفجيرات داخل مُدن وأعيش هذا الألم اليومي المتواصل، وهذا لا يشبه المناخ البيئي المصري الساكن الهادئ الخالي من الحروب والحياة متواصلة، لذلك العرض المسرحي المصري لا يتشابه إطلاقا مع العروض المسرحية في كل البلدان العربية، لمصر طعمها الخاص وروحها ومناخاتها، يمكنني أن أتعرف على العرض المسرحي المصري وأنا مغمض العينين، مصر لها أسلوبها الخاص في تناول المشكلات، بالإضافة للهجة المصرية المعروفة للجميع التي تجبرنا على متابعة العروض المصرية. كنت ضيفا بمهرجان  القاهرة للمسرح التجريبي وشاهدت الكثير من العروض، وأتابع مسرح مصر على التلفاز ويبدو لي أنه لا علاقة له بالمسرح المصري الملتزم والجاد الذي يقدم قضايا مهمة، مسرح مصر يعتبر مسرحا ترفيهيا يوميا، يعجبني كثيرا أن المسرح المصري لا ينحصر في العاصمة فقط، بل تجدي المسرح في كل المحافظات، وهناك مهرجانات مسرحية متواصلة ومسابقات وتجارب متواصلة، أنا على قدر كبير من الإعجاب بقدرة المؤسسة الرسمية في مصر على إنتاج هذه المهرجانات الكبيرة على مدار السنة وعلى حركة المسرح الدائمة. 
كان المسرح المصري التجاري يقدم عروضا مسرحية مهمة مثل عروض محمد صبحي وعادل إمام، ويقدمون قضايا اجتماعية كبرى وفيها أسألة مهمة، مثل عرض «ريا وسكينة» رغم أنها تاريخ وحدوتة قديمة فإنها تثير أسألة مهمة، مسرح عادل إمام رغم أنه طابع كوميدي فإني أعتبره من المسارح الملتزمة وله جمهور واسع ويقدم طبخة فكرية سامية وكبيرة ويناقش المشهد الاجتماعي والمشهد السياسي بطريقة وبأخرى، وأعتبر مسرح عادل إمام مسرحا سياسيا، ومحمد صبحي أيضا رغم الإطار الاجتماعي.

«الانتظار للغائب» جملة مهمة جاءت في سياق عرض ميت مات.. مَن الغائب الذي تنتظره؟ 
لا أحد.. لا أنتظر أحدا على الإطلاق، أنا أنتظر نفسي أن أفعل شيئا، وهذا ما طرحته في مسرحية ميت مات. 
كتاب «الإلهيات» وكتاب «ما بعد الإلهيات» هما تجربتان جديدتان على مشهد الكتابة العراقية والعربية، وهما يعتبران الانطلاقة للعالم وإثارة الأسئلة الكثيرة للمشهد النقدي على مستوى الوطن العربي لذلك أعتز بهذين التجربتين. 

كيف ترى عودة مهرجان بغداد بعد هذا الانقطاع الطويل؟ 
تكمن أهمية مهرجان بغداد للمسرح في أننا نحاول أن نكسر الصورة النمطية التى رسمها الآخر البعيد الغربي عن العراق، بكوننا بلد كارثي بلد جحيم لا يمكن أن تعيش فيه. 
فهي فرصة لتستدعي هذا البعيد ليرى الحقيقة بعينيه، يرى أن هنا مسرحا وموسيقى وفنا، وهنا بغداد الآمنة، يرى الشعب الطيب والكريم، لذلك هذا المهرجان يعطي صورة أخرى أكثر بهاء وجمالا وإشراقا عن بغداد، وهذه هي قضيتنا. وثانيا، إننا أمام سوق مسرحي، كل واحد من هؤلاء الذين قدموا من بلدان شتى يقدمون بضاعتهم في هذا السوق، مثلما كان سوق عكاظ يقدم الشعراء في سوقه، هذا الفهم الجديد للمسرح بكونه فعلا جماعيا تشاركيا نرى تجارب بعيدا عنا بمفهومها وأفكارها ومزاجها وتصورتها، خاصة أن العراق كان مغلقا لحد كبير، نرى هذه التجارب في بغداد ليتعرف عليها الجمهور العراقي ويشاهد تعدد الثقافات. 

كيف ترى تفاعل الجمهور العراقي مع المسرح؟ 
الجمهور.. المسرح دون جمهور لا يمكن له أن يُسمى مسرح، رأيتي بنفسك حجم الجمهور العراقي وتصارعه على الحصول على كرسي هذه الكثافة الكبيرة والمتواصلة التي أدت إلى أنهم افترشوا الأرض لكي يشاهدوا العروض المسرحية، جمهور متعطش للمسرح لذلك الجمهور كان بطلا يضاف إلى مهرجان بغداد. 

 وأخيرا بماذا تنصح الجيل الجديد من الكُتاب؟
أن يقرأوا جيدا قبل الكتابة ويبتعدوا بطريقة أو بأخرى عن تلك الاشتراطات وقوالب الكتابة، أن يمتلكوا القوة والقدرة، أن يقرأوا المشكلات بحرية كبيرة تثير الصدام، أن يتعبوا كثيرا ولا يتوانوا عن الأسئلة والنقاشات، أن يهتموا بالانضمام لورشات الكتابة المسرحية، ويترك خياله ويغذي خياله جيدا.


هاجر سلامة