عماد مطاوع: الكاتب كالإسفنجة التي تمتص الأحداث المحيطة ثم يعيد إنتاجها

عماد مطاوع: الكاتب كالإسفنجة التي تمتص الأحداث المحيطة ثم يعيد إنتاجها

العدد 806 صدر بتاريخ 6فبراير2023

الكاتب المسرحي والإذاعي عماد مطاوع من مواليد سبتمبر 1974 يكتب القصص القصيرة والمسرح والدراما (الإذاعية والتليفزيونية)، ويعمل مديرًا لتحرير مجلة «المسرح» التي تصدرها وزارة الثقافة، ومديرًا لتحرير سلسلة «ذاكرة الكتابة» التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة، إلى جانب أنه محاضر الدراما الإذاعية بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير في العلوم الإنسانية البيئية، حملت رسالته عنوان «نوعية الحياة وعلاقتها بالإبداع الأدبي في ضوء العوامل الخمسة الكبرى للشخصية» .. دراسة بينية تجمع ما بين علم نفس الإبداع وعلم النفس البيئي، وهو أيضًا رئيس تحرير مطبوعات المهرجان القومي للمسرح المصري ، من أعماله المسرحية المطبوعة، المؤرقون والزائر وأرض الدخان والدائرة، ومن أعماله الدرامية للإذاعة: الجواد الجامح وورد بلدي وأيام عز وفرحة وحسن الحياة وحكايات بنات وطبول الحرية، حصد العديد من الجوائز منها جائزة أفضل نص مسرحي مركز أول مسابقة ساويرس الثقافية دورة 2011 عن نص «المؤرقون» وجائزة أفضل مسلسل إذاعي عربي «شرق النخيل» من مهرجان الإذاعة والتليفزيون دورة 2009، كما حصل على العديد من شهادات التقدير والتكريم من جهات ومؤسسات مختلفة، وفي العام الحالي حصل مطاوع على جائزة ساويرس، المركز الثاني لأفضل نص مسرحي ، عن «موسيقى هادئة» .. عن الجائزة وأشياء أخرى كان لنا معه هذا الحوار.
 

حدثنا عن رحلة كتابة نص «موسيقى هادئة» حتى حصولك على الجائزة؟
كتابة نص «موسيقى هادئة» لم تكن رحلة منفصلة عن بقية كتاباتي، وطوال الوقت أنا معني بما يحدث في العلاقات الإنسانية من القهر الواقع على الإنسان بشتى صوره وأشكاله ومكان حدوثه، ومن يقرأ نصوصي المختلفة سواء ما نُشر منها أو لم ينشر بعد، تدور في معالجة وضع الإنسان وعلاقته بالآخر وبذاته وبالكون، وموسيقى هادئة نص مختلف تمامًا، الجو العام للنص ليس هادئًا بالمرة، هو يُعري المسلك الآني الذي ننتهكه في حياتنا وعلاقتنا ببعضنا البعض وكيفية إدارة حياتنا. كتبت هذا النص عام 2020 ، وقدمته لجائزة ساويرس وقد  سبق وتقدمت للجائزة وحصلت عليها، وأثق تمامًا في نزاهة لجانها.

ما الرسالة التي ترغب أن توجهها للجمهور من خلال هذا النص؟ وما الدوافع التي جعلتك تكتب هذه النوعية من النصوص؟
ليس هناك رسالة محددة النص يوجهها، لأن الفن ليس معني بتقديم رسائل بقدر ما هو معني بإلقاء الضوء على أزمة وجودية ما يتعرض لها الإنسان في لحظة تاريخية مُعيّنة.
النص يُركز على تفسخ العلاقات الإنسانية، وحالة العبث التي تشهدها حياتنا بفعل أيدينا، وسعينا الغريب والسريع لإنهاء حياتنا بشكل حاد وعبثي وإفساد ما تبقى لنا على ظهر هذه الأرض. لا استطيع أن أضع يدي على دافع محدد وأقول أن هذا الدافع دفعني لفعل كذا، ولكن الكاتب بشكل عام يعيش في مجتمع يتأثر بمشاكله، كالإسفنجة التي تمتص الأحداث المحيطة، ثم هو يُعيد إنتاجها مرة أخرى بعد عملية التدوير، أو هو أشبه بنحلة العسل يمتص رحيق ويخرجه على شكل عسل، ودوافعي الأساسية في الكتابة بشكل عام والمؤمن بها جدًا هي الإنسان وعلاقته بالكون وبالآخر وبنفسه وبذاته.

-ما خطتك القادمة لهذا النص؟
أسعى لتقديمه على خشبة المسرح مع إدراكي الكامل بصعوبة ذلك لطبيعة النص القاتمة والتي تتطلب مخرجا انتحاريا يستطيع تقديمه  في إطار السياق الاجتماعي الذي نمر به الآن.

ليست المرة الأولى أن تحصل على جائزة ساويرس للنص المسرحي؟ حدثنا عن شعورك في أول مرة ثم هذه المرة ولمن تهدي الجائزة؟
بالفعل لقد حصلت على جائزة ساويرس  للنص المسرحي مركز أول من قبل عام 2011 عن نص «المؤرقون»، والعام الحالي أحصل على المركز الثاني بنص «موسيقى هادئة»، شعوري في المرة الأولى هو نفس شعوري في المرة الثانية، هو الشعور بالسعادة، لأن أي إنسان يؤدي عملا ما، كلمة الثناء أو الشكر ومقابلة ذلك بالتقدير، شيء يجعله يشعر بالتقدير وقيمة ما يفعل، ويعطيه دافعا كبيرا على مواصلة مشواره. الجائزة شقها المعنوي من وجهة نظري يمثل لي الكثير، لأن الشق المادي بعد فترة ينفق وينتهي، ولكن يبقى الشق المعنوي قائم يشعر الإنسان بالجدارة وأهمية ما يفعل،  وأنه يقوم بعمل جيد وإلا ما نال هذا التقدير.
أُهدي هذه الجائزة إلى ثلاثة وهم: روح أمي الغالية عليها رحمة الله، لأنها كانت أول متلقي لأعمالي خاصة في الإذاعة، وقد كانت تحب الدراما الإذاعية للغاية ومتابعة جيدة للبرامج الإذاعية، ولروح أستاذي الكاتب المسرحي الكبير الراحل الأستاذ محفوظ عبد الرحمن لأن هذا الرجل أثر في بشكل كبير على المستوى الشخصي والإبداعي وكان لتشجيعه لي في بداية طريقي الأثر الأكبر في استمراري وفي إيماني بأهمية كوني كاتبًا وأُهدي الجائزة أخيرًا لابنتي الحبيبة نوران عماد، التي أشفق عليها وعلى جيلها من ما يحدث في العالم من حولها.

كيف كانت خطتك لنص «المؤرقون» الذي حصلت من خلاله على جائزة ساويرس للمرة الأولى؟ وهل تم تنفيذه أم لا؟
نص «المؤرقون» أو غيره لا أضع لهم خطة محددة، أنا أكتب والباقي من وجهة نظري هو مسؤولية جهات الإنتاج أو المخرجين الذين يبحثون عن نصوص تصلح للتقديم على خشبة المسرح، والمؤرقون تم تقديمه أكثر من مرة من خلال فرق مسرح مستقل وهواة، وكان هناك مشروع لتقديمه من خلال مخرج كبير احترمه جدًا ولكن الموضوع تأجل أكثر من مرة ثم تحمس له مخرج كبير آخر صديقي الفنان القدير ياسر صادق، ولكن عندما تولى مسؤولية المركز القومي للمسرح الموضوع تأجل بعض الشيء، في النهاية النص ذو حظ جيد في الحصول على الجوائز ولكن عكس ذلك في التنفيذ على خشبة المسرح.
لماذا جائزة ساويرس بالتحديد؟ هل تقوم بالتقديم إليها بنفسك أم يتم ترشيحك من جهة محددة؟
جائزة ساويرس تقدمت إليها بنفسي، لأنني أثق في نزاهة لجان هذه الجائزة، لأن هناك جوائز أخرى وللأسف بعضها رسمي ما يحدث في كواليس لجانها يفقد المرء الكثير من الثقة في  المسابقات، وأنا اعترف بذلك وأنا كُلي أسف لكنه الواقع، إذا لن نعترف بالواقع وندفن رؤوسنا في الرمال سيكون ذلك خيانة من وجهة نظري.

هل لدينا نقص في كُتّاب المسرح؟
ليس لدينا أزمة في كتابة النصوص المسرحية ولا كُتّاب المسرح، بل بالعكس نحن لدينا وفرة ولدينا كُتّاب مبدعين ونصوص مسرحية في غاية الإبداع والجودة، وليس لدينا أزمات ولكن نحن نُعاني من قلة جهات الإنتاج ومن مشكلة في تفكير بعض المخرجين الذين يسلكون السلامة فيذهبون لأخذ نصوص قديمة أو لإعداد نصوص عالمية أو غيرها من النصوص، ويهملون النصوص المصرية ربما خوفًا من خوض مغامرات فنية أو ربما لأشياء أخرى، الحقيقة الإجابة ليست عندي، ولكن الإجابة عند جهات الإنتاج والمخرجين.

-هل النصوص المسرحية حقوقها محفوظة وعليها حماية كافية من حيث الحق القانوني وحق الملكية الفكرية للعمل؟
حقوقها محفوظة وحقوق الملكية الفكرية متواجدة بالتأكيد وفقًا للقانون وأي تجاوز يحدث في هذا السياق، نحن نمتلك من القوانين ما يحفظ حقوقنا لكل من يتعدى على حقوق الملكية الفكرية، ولكن الفيصل من وجهة نظري ليس ذلك، ولكن فكرة رؤيتنا نحن “أنفسنا” للإبداع والمسرح، اتمنى أن نصل إلى فترة يكون المجتمع نفسه يتعامل مع الإبداع ومع الأفكار العلمية والمبتكرات بتقدير أكثر وإيمان بأهميتها في حركة المجتمع.

ما رأيك فيما تم إعلانه في المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عن خطة البيت الفني للمسرح المصري «عام مسرحي جديد 2023» وخاصة لجنة القراءة وتأثيرها على النصوص المسرحية (ايجابا وسلبا) من وجهة نظرك؟
خطة وزارة الثقافة عامة شيء مبهر ولكن الفيصل هو في تحقيق ذلك على أرض الواقع ونتمنى في المستقبل أن نرى نتائج ذلك على خشبات المسارح. لجنة القراءة تضم مجموعة من الأسماء لها كل التقدير والاحترام وطوال الوقت البيت الفني للمسرح يستعين بكُتّاب ونقاد وأسماء لهم احترامهم وتقديرهم، الفيصل ليس في لجنة القراءة فقط وإنما فكرة وجود رغبة حقيقية في النهوض بالحركة المسرحية المصرية وفي إيمان المخرج المصري بأن هناك نصوصًا مصرية جديرة بالتقديم على خشبة المسرح وإيمانه أيضًا بضرورة الالتفات  لذلك والتخلي قليلًا عن النزوع إلى وجود كاتب أجنبي على أفيش عرضه المسرحي. «يا سادة» لدينا وفرة في الكتابات المسرحية المصرية، الكُتّاب المصريون هم الأجدر والأقدر على ترجمة مشكلاتنا الاجتماعية ومشاكلنا النفسية الآن. أي لجنة قراءة في أي جهة إنتاج مسرحي أو نشر أو غير ذلك أثرها الإيجابي، ضبط المنتج النهائي أو المساعدة في أن العمل الذي يتم إنتاجه يكون عملا جيدا يسهم في إلقاء الضوء على المجتمع وقضاياه وأزماته ومشكلاته النفسية وغيرها.

ما الجديد لديك الفترة القادمة؟
نص دراما إذاعية انتهيت من كتابته، وأبحث عن كيفية إنتاجه، لأنه كما هو معلوم الإذاعة المصرية توقفت عن إنتاج المسلسلات الدرامية منذ عام 2019، وفي هذا العام كان آخر عمل دراما إذاعية كتبته، هو مسلسل «طبول الحرية» تم إنتاجه في إذاعة البرنامج الثقافي، ومنذ ذلك الحين توقفت الإذاعة المصرية عن الإنتاج، وهذا شيء في منتهى الخطورة وشيء سيء جدًا، وعدم إدراك بأهمية الدراما الإذاعية التي تربت عليها أجيال كثيرة، وأنعشت فيها الخيال، وهو ثروة كبيرة جدًا من خلاله يمكن للمجتمعات أن تعبر على كافة الأزمات والمشكلات التي تواجهها. أقول بكل صدق هنا وعبر «مسرحنا» أن أزمة العالم العربي الآن هي افتقارنا للخيال، على كافة المستويات، الخيال السياسي والفني والثقافي إلى أخره.


إيناس العيسوي