زوسر مرزوق «راهب الفن».. وداعا

زوسر مرزوق «راهب الفن».. وداعا

العدد 818 صدر بتاريخ 1مايو2023

رحل عن عالمنا الفنان المسرحي والفنان التشكيلي العالمي زوسر مرزوق، وللأسف تفتقد مكتبتنا المسرحية إلى تلك المراجع والموسوعات الخاصة بتراجم المسرحيين وسيرهم الذاتية، فلا ننتبه إلى ذلك القصور ولا ندرك مدى خطورته إلا مع رحيل أحد المسرحيين الكبار، خاصة عندما نفتقد لمعلومات عن إسهاماته، ولا نجد إلا القليل عبر الإنترنت، وليس كل ما عليه صحيحا للأسف، لذلك كان علينا أن نستعين بالناقد والمؤرخ المسرحي د. عمرو دوارة، الذي أمدنا بالسيرة الذاتية والمسيرة الفنية للراحل زوسر مرزوق، كما التقينا بعدد من المسرحيين ليحدثونا عن فنه وأعماله.

في البداية قال المؤرخ والناقد المسرحي د. عمرو دوارة: أثبتت السنوات بالفعل مدى صدق ودقة حكمة الأجداد حينما قالوا: «السيرة والذكرى أطول من العمر»، ولعل رحيل المبدع الكبير زوسر مرزوق أكبر دليل على ذلك، فإذا كان قد رحل عن عالمنا بجسده الإثنين الموافق 17 أبريل (2023) فإنه سيبقى طويلا بسيرته العطرة في ذاكرة المسرح المصري وعشاقه المبدعين، وكذلك في ذاكرة الكتابات والدراسات النقدية. والحقيقة التي يجب تسجيلها في البداية هي أننا برحيل الفنان القدير زوسر مرزوق لم نفقد فقط علما من أعلام الفنون التشكيلية والديكور المسرحي، ولكننا فقدنا رجل مسرح بمعنى الكلمة، فقدنا مخرجا ومصمما للديكورات والملابس وفنانا تشكيليا وناقدا متخصصا وأيضا منشطا للحركة الثقافية والفنية، خاصة بعدما نجح وبجدارة في وضع بصمته المميزة بجميع تلك المجالات، حتى إنه استطاع أن يتخطى الحدود المحلية ويصل للعالمية ليس فقط بأعماله التشكيلية وتنظيمه لبعض المعارض بالدول الأجنبية وبمقتنياته المهمة ببعض المتاحف العالمية، ولكن أيضا من خلال مشاركة بعض العروض التي قام بإخراجها أو تصميم السينوغرافيا لها ببعض المهرجانات المسرحية الدولية بالوطن العربي.    
وأضاف «دوارة»: لقد ظل هذا الفنان المبدع صاحب الإبداع الفريد المتميز لسنوات طويلة –رحمه الله- أحد كبار مهندسي الديكور في مصر والعالم العربي، كما ظل متميزا برؤيته الخاصة في تصميماته التي اتسمت بالمحافظة على الهوية المصرية بعدما استلهمها من إبداعات الحضارات الفرعونية القديمة والقبطية والإسلامية، فوفق بامتياز خلال رحلته الطويلة في تقديم العديد من التصميمات المبتكرة سواء بمجال النحت أو الديكورات المسرحية.
تابع دوارة: ومما سبق، يمكنني تصنيف مجموعة إسهامات الفنان الكبير زوسر مرزوق من خلال خمسة محاور أساسية أو مجالات إبداعية، وهي كما يلي: الإخراج، الديكور، الفنون التشكيلية، النقد (بمجال الفنون التشكيلية والدراسات المسرحية)، المشاركة بالعمل النقابي واللجان والمهرجانات (ومن بينها تأسيس جمعيات فنية والمشاركة بمجلس نقابة المهن التمثيلية ونقابة التشكيليين وأتيليه القاهرة). ويجب التنويه إلى أنه قام بتصميم الديكورات لعدد كبير من فرق مسارح الدولة ومن بينها فرق: المسرح القومي (باحلم يا مصر، أنتيجونا، المسيرة النبوية، نادي النفوس العارية، المهاجر، ست الملك، السبنسة 2، سهرة مع الحكومة، ثمن الغربة، سيادة المحافظ على الهوا، بعد طول غياب، ماكبث)، ولفرقة المسرح الحديث (مدد مدد شدي حيلك يا بلد، الحب والحرب، أيام الوسية، حكاية الولد بلية، النمل والنظام، سالومي)، المسرح الكوميدي (فلوس فلوس)، مسرح الطليعة (صندوق الأقنعة)، المسرح المتجول (كونشرتو درامي، أزمة شرف، رجال الله، غدا في الصيف القادم، المزاد، حلم يوسف، محاكمة السيد ميم، جرنيكا)، مسرح الغد: (ليش يا عليش، الفهلوان)، أنغام الشباب: (باحلم يا مصر2، العشق والغربة)، الغنائية الاستعراضية: (مجلس العنطزة)، القومي للطفل: (فارس وجميلة)، وزارة الثقافة: (عرابي زعيم الفلاحين)، ومع بعض فرق القطاع الخاص، ومن بينها فرق الريحاني: (الدنيا لما تضحك، الدلوعة)، ثلاثي أضواء المسرح: (حب في التخشيبة)، المسرح الجديد: (بكالوريوس في حكم الشعوب)، النهار: (سوق الحلاوة)، حماد البمبي (المباراة الدولية)، عصام الحوت (العين الحمرا)، وذلك بالإضافة إلى بعض المسرحيات المصورة ومن بينها على سبيل المثال: منطقة ممنوعة. وتعاون من خلال تلك الفرق والمسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين وفي مقدمتهم الفنانين: أحمد زكي، سمير العصفوري، السيد راضي، سناء شافع، عبد الغفار عودة، فهمي الخولي، عبد الغني زكي، شاكر عبد اللطيف، جمال منصور، فتحي الحكيم، حسن عبد الحميد، أبو بكر خالد، عادل القشيري.
تابع د. عمرو دواره : يحسب للفنان زوسر مرزوق كمخرج اختياره الدقيق للنصوص المسرحية لنخبة من كبار الكتاب ومن بينهم: نعمان عاشور (الناس اللي تحت)، ميخائيل رومان (النمل والنظام)، لطفي الخولي (القضية، الأرانب)، شوقي عبد الحكيم (ملك عجوز)، رشاد رشدي (إتفرج يا سلام)، رأفت الدويري (الفهلوان)، ليلى عبد الباسط (ثمن الغربة، بعد طول غياب)، أمين بكير (الليلة نحتفل)، ومن المسرح العالمي: جان بول سارتر (الذباب)، يوجين يونسكو (المستأجر الجديد)، وكذلك دقة اختياره لنخبة من الممثلين المتميزين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم: عبد الرحمن أبو زهرة، أشرف عبد الغفور، جمال إسماعيل، عهدي صادق، سمير وحيد، هادي الجيار، ومع الفنانات: نادية رشاد، مديحة حمدي، وفاء الحكيم، عفاف حمدي، حنان سليمان، رقية أحمد.
وتابع «دوارة»: لقد أسعدني الحظ بالاقتراب من عالم هذا الفنان القدير الذي ارتبطت بصداقاته منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، حيث ظل كل منا برغم احترافه للفن محتفظا بروح الهواية، وربما يفسر ذلك إخراجه لعدد من المسرحيات لفرق الهواة بالأقاليم (قصور الثقافة بكل من: الجيزة، بني سويف، الزقازيق، وأيضا بعض فرق المراكز لثقافية الأجنبية (الفرنسي، الكوري)، وذلك بالإضافة إلى تصميماته للديكور والملابس بعدد كبير من فرق الأقاليم الأخرى. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى كلمته التي ألقاها بمناسبة تكريمه في إطار فعاليات الدورة الثالثة عشر بمهرجان المسرح العربي (الذي تنظمه الجمعية المصرية لهواة المسرح) عام 2015، والتي صرح خلالها بأنه مازال يعمل بروح الهواية، وأنه برغم حزنه وأسفه على ذلك الانحدار في مستوى عروض مسرح الدولة إلا أنه مازال سعيدا ومتفائلا بمتابعته لعروض مسارح الهواة، الذين حملوا راية الإبداع المسرحي بالجامعات والأقاليم، وهي كلمة صادقة نابعة من قلبه، كما عرفته عن قرب من خلال جولاتنا المشتركة للتحكيم بمهرجانات المسرح الإقليمي، وأيضا من خلال مواقفه النزيهة الحاسمة في مواجهة فساد بعض المسئولين.
نموذج نادر من الفنانين  
وقال الناقد والمؤلف عبد الغني داوود: لي دراسة طويلة عن الفنان التشكيلي ومهندس الديكور المتميز جدا زوسر مرزوق، في تاريخ الديكور المسرحي المصري، تعتمد أعماله على الكتل، ولا يعتمد على الرسم واللوحات، يصنع تناسقا بين حجم الكتل والممثلين، لأنه نحّات مثالي، له عشرات الأعمال العالمية والمصرية في تصميم الديكور المسرحي، وله معارض نحت عديدة، وظل يمارس النحت حتى بعد إصابته بالمرض، لآخر لحظة في حياته، هو نموذج نادر جدا، يعد من النماذج المثالية في تصميم الديكور المسرحي وفن النحت، وكان زوسر من المتأثرين بفن النحت القديم.
أضاف: كان غيور جدا على أعماله وفنه، وكان معتز جدا بمهنته كنحات وكمصمم ديكور، وقدم بعض العروض المسرحية في المسرح القومي والغد وغيرها من المسارح.
مدهش في توظيف الخامات المهملة  
وقال الناقد المسرحي أحمد خميس: كنت أحد أعضاء لجنة تقييم بعض عروضه، في الثقافة الجماهيرية، على مسارح الريحاني والهوسابير، من عشر سنوات، ديكور وإخراج، أتذكر جيدا أثر الديكور علي، لأول مرة في حياتي أشاهد عرضا مسرحيا ديكوره مصنوع من أقفاص العيش، البانوراما كلها مصنوعة من أقفاص العيش، وهنا براعة في كيفية تطويع خامة تكاد تكون مهملة لتكون جزءا أساسيا في صناعة سينوغرافيا العرض المسرحي، لدرجة أنه بعد عشر سنين أو أكثر أتذكر هذا العرض وكفاءة التكوين.
وأضاف: صنع الفنان بكفاءة نادرة قاعة الغد في البالون، كان المسئول عن تصميمها وتنفيذها، وقد صنعها بكفاءة لتناسب العروض الحديثة التي ليس لها خشبة مسرح بالمعنى التقليدي للكلمة، والتي تستوعب أفكار المخرجين، ويسهل إعادة تشكيلها، فهي لا تعتمد على الفكر التقليدي في العرض المسرحي، ومن هنا تأتي كفاءة ذلك الرجل وكيفية تقديمه لعرض مسرحي، فالسينوغرافيا تشكل عنده  شخصية مهمة ضمن عناصر العرض المسرحي، كيفية وضع الجمهور بصورة مغايرة، حتى يرى العرض بشكل غير تقليدي. زوسر مرزوق قدم علامات مهمة في حياته ومنها أنه  كبير مهندسي الديكور بالمسرح القومي المصري، ومن مدرسي السينوغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية، وله تمثال الأمومة بهيئة الأمم المتحدة بنيويورك، وهو أيضا من صمم تمثال دنشواي بمحافظة المنوفية، و صمم تمثال نجيب محفوظ في اتحاد الكُتّاب في مصر، وقد صمم ديكور أغلب عروض المخرج المسرحي عبد الغفار عودة.
مخرج سينوغراف
فيما قال د. أبو الحسن سلّام: هو مخرج سينوجراف، لأن فنان تشكيلي في الأساس وامتهن الإخراج المسرحي، في عدد من المسرحيات التي أخرجها، فضلا عن المشاركات التي شاركها في فترات متعددة، كان دائما مع الفنان عبد الغفار عودة في أعماله كمصمم ديكور، ومعرفتي به تبدأ من الثمانينات، قمت بانتدابه عندما كنت رئيس قسم المسرح بآداب الإسكندرية للديكور والأزياء، واستمر معنا ما يقرب من ثلاث أو أربع سنوات، وكان يُدرب الطُلّاب على كيفية صنع وتخيل المنظر ومكوناته بخامات من البيئة ويصمم وينفذ بيده، أخرج لي مسرحية «ليش يا عليش» وهي مسرحية تجريبية افتتح بها مسرح الغد عام 1993، وجزء من كتابتي لها كان في بيته في العمرانية، كما أقمت له معرضا مهما جدا في مكانين في الإسكندرية، منها معرض عبارة عن تجسيد لأزمة المسرح بعدد من التماثيل، وأقيم في قصر ثقافة الأنفوشي وأيضا في كلية الآداب قسم المسرح.
نص مسرحي واحد
وقال الناقد والكاتب سليم كتشنر: كتب نصا مسرحيا واحدا اسمه «الدور على مين» نشرته هيئة قصور الثقافة، وقمت بكتابة دراسة في الكتاب نفسه باسم «انتظار إنسان جديد»، وهو يتميز عن باقي مهندسي الديكور بكونه فنانا تشكيليا ونحاتا، في الأساس، كنّا دائما ما نتناقش حول أعمال النحت التي يقدمها، للأسف لم يكن يقيم معارض كثيرة، معظم أعماله في منزله، أتمنى أن يتم وضعها، على سبيل المثال، في المركز القومي للمسرح، وقد صمم تمثالا مميز للفنان السيد راضي، وكذلك للفنان إسماعيل ياسين.
طابع خاص
وكذلك قال مصمم الديكور والمخرج فادي فوكيه: هو من رواد العمل المسرحي خاصة في المسرح القومي، وهو يجمع ما بين كونه نحاتا ومصمما للمشهد المسرحي، ولا أحب أن أطلق عليه تصميم الديكور، باعتباره تشكيل في فضاء المسرح، ويتم داخله الإبداع المسرحي بجسد الممثل، النحات له القدرة على صناعة تشكيلات في هذا الفراغ المسرحي باعتبار أنها كتل نحتية ثابتة على المسرح، وهنا تأتي أهمية زوسر مرزوق كمصمم ديكور أصل نحاتا، وهو أيضا له تجارب عديدة في عمل تماثيل الميادين، داخل مصر و خارجها ، ومنها في الأمم المتحدة، ولديه بانوراما في مكان عسكري في القاهرة، ديكوراته لها طابع خاص.
وتابع: أنا أسير على درب مدرسة المهندس زوسر مرزوق وأستاذتنا جميعا المهندسة سكينة محمد على، الاثنان لهما منهج خاص بهما، وهو تشكيل الفضاء المسرحي بخامات أخرى غير الإطار الخشبي المربع أو المستطيل أو المحدد الأبعاد، أما علاقتي الشخصية به ، فهو صديق وأخ أكبر وأستاذ جمعتنا الكثير من التجارب المسرحية في المسرح القومي كما جمعتنا هموم وطنية وكان متمسكا بمصريته.
مصمم فريد من نوعه
فيما قال مصمم الديكور حازم شبل: كان نشيطا جدا، ويتميز بأسلوب متميز يهتم بالكتل النحتية والفراغ على المسرح، وعلاقتهما بالتشكيل، وكان حديثا في كل أعماله ومتطور دائما. عمل مع مخرجين متميزين، ولكن أكثر مخرج عمل معه هو عبد الغفار عودة، أغلب أعمال زوسر كانت في مسارح الدولة والثقافة الجماهيرية، وقدم العديد من الأعمال خارج مصر، وقد قمت بعمل دراسة عن أعماله عام 1991، وله موسوعة عن تاريخ الأزياء مرسومة بيده، وهو من صمم قاعة مسرح الغد، وعلاقتي المباشرة به بدأت من المعرض الأول للتصميمات المسرحية في مايو 2012، وقد شارك فيه أكثر من 40 مصمما من مختلف الأجيال، وشرفنا بحضوره، وبعدها كنا نتواصل دائما تليفونيا، لقد فقدنا واحدا من المصممين المحترمين والمتميزين والفريدين من نوعهم.
مونودراما
قالت الفنانة مديحة حمدي: علاقتي به بدأت عندما هاتفني بشأن مونودراما من تأليف ليلى عبد الباسط، وكانت مدتها ساعتين إلا ثلث أقدمها بمفردي على المسرح من إخراجه، وكان متحمسا جدا لوجودي، وبدأنا في تمرينات صوتية وليونة جسدية لطبيعة العرض، والحمد الله العرض حقق نجاحا كبيرا، وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن هذا العرض، الفنان زوسر مرزوق وضع بصمة كبيرة في سيرتي الذاتية، مصر ولادة وإن شاء الله يكون هناك استمرارية للنجاح والإبداع في شبابنا، فيسيروا على منهجه الفني الفريد من نوعه.
أحلام الفنانين  
وقالت الفنانة وفاء الحكيم: تعرفت عليه في بدايات حياتي، بعد تخرجي من أكاديمية الفنون، وكنت أحلم بمسرح مختلف غير تقليدي، وكانت هناك قطعة أرض أصبحت مسرح الغد. الفنان عبد الغفار عودة، الإداري المتميز والفنان المختلف، جعل الفنان زوسر مرزوق يتولى مهمة تصميم مسرح بخشبة مختلفة غير تقليدية، يمكننا استخدامها بأكثر من اتجاه، القاعة كلها عبارة عن خشبة مسرح، ومن هنا بدأت علاقتي بالفنان زوسر مرزوق، وتعرفت عليه كمهندس ديكور، ثم رشحني لعمل من إخراجه تجربة «ليش يا عليش» بطولة ثلاثة ممثلين كنت واحدة منهم ومعى قامتان فنيتان هما الفنانان عبد الرحمن أبو زهرة وأشرف عبد الغفور، وهي تجربة مختلفة والملابس كانت مجسمات، وجلسنا نحن والجمهور على خشبة المسرح، ولم يحدث ذلك مرة أخرى إلا على يد المخرج ناصر عبد المنعم في عمل من سنتين، علاقتي بالفنان زوسر مرزوق ثرية جدا، علاقة جدلية فيها نقاش واحترام متبادل، كان يحلم أن يقيم مؤسسة خاصة به لفنه، ويحصل على قطعة أرض وينفذها، أتمنى أن يكون موته جرس إنذار لتحقيق أحلام الفنانين قبل وفاتهم، لأن الموت يأخذهم قبل أن يحققوا أحلامهم.
صاحب مبدأ ورسالة
قال الفنان ياسر علي ماهر: كان فنانا متفردا، درس كل أنواع الفن التشكيلي، لم يكن متفرغا لفن المسرح فقط، وعلى المستوى الإنساني كان شديد الرقي والانفتاح، يتحدث في جميع الموضوعات بكل حيادية وموضوعية وجرأة، كان معطاء طوال الوقت، دائما في حالة عطاء، زوسر لم يترك لنا إلا أثرا جميلا وسيرة طيبة في كل التعاملات، أذكر في إحدى العروض المسرحية وكان هو المسئول عن تصميم ديكورها، ميزانية الديكور كانت مبالغ فيها، وتصدى لذلك ورفض تماما أن يشارك في ذلك، على الرغم أنها زيادة في الميزانية وليس العكس، ولكنه كان دائما صاحب مبدأ ورسالة.
كذلك قالت الفنانة نادية رشاد: شاركت معه في العرض المسرحي «بعد طول غياب»، وهي ديو دراما، عن زوج وزوجه، وهي في انتظار عودته من الغربة، وكان يشاركني البطولة الفنان اشرف عبد الغفور، كنا نتناقش كثيرا ونختلف ونتفق، وكان يقبل الاختلاف.
وختاما قالت الكاتبة الصحفية شيماء منصور: من عشر سنوات كان لي الشرف أن أقوم بعمل حوار مع مهندس الديكور العالمي زوسر مرزوق، نُشر في جريدة مسرحنا، واستقبلني بترحاب شديد بداية من مكالمة التليفون لتحديد موعد، واستقبلني في منزله، وجزء منه معرض لأعماله النحتية والتماثيل، والحوار معه كان ممتعا جدا، فتح لي صندوق ذكرياته، حياته وعائلته، وحدثني عن أشياء لم تنشر من قبل في هذا التوقيت، مثل بداياته، وتكنيكه في فن الديكور، وأنه أول من أدخل ذلك مصر، وعمله مع قصور الثقافة، وأنه كان مهتما جدا بالعمل فيها على الرغم من وصوله للعالمية، كان مهتما أن يكون له تلاميذ يتعلمون منهجه وفنه، وأخيه هو مدير التصوير رمسيس مرزوق، والده سماهم بهذه الأسماء حبا في مصر وفي قدماء المصريين والآثار، وكان زوسر يعتز جدا بمصريته، في خلال الحوار أخذنا جولة داخل المتحف المصغر عنده في المنزل، ورأيت عظمة منحوتاته وتماثيله وأعماله الفنية الرائعة، كل منها فكرة مختلفة مصنوعة بحب وتميز شديد، الحوار استغرق أكثر من 7 ساعات، على مدار يومين، وكان حوارا مشوقا جدا، وعلى الرغم من طوله وأنه مليء بمادة ثرية، لم أشعر للحظة بالإجهاد أثناء تفريغه وصياغته، كنت مستمتعة بكل تفاصيله ومادته الثرية.
الفنان في سطور
الفنان التشكيلي زوسر مرزوق، مواليد عام 1943 في مدينة البدرشين بمحافظة الجيزة، والده كان يعمل بمصلحة البريد وكان عاشقا لهويته المصرية ولذلك أطلق على أبنائه الثلاثة أسماء فرعونية، فشقيقه الأكبر مدير التصوير الشهير رمسيس مرزوق، والشقيقة الوسطى نفرتيتي، والأصغر أطلق عليه اسم زوسر صاحب الهرم المدرج.
تخرج فى قسم الخزف بكلية الفنون التطبيقية عام 1964، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا قسم الديكور بأكاديمية الفنون عام 1972، عُيّن بعد تخرجه بإدارة الخدمات الفنية بوزارة الثقافة، ثم انتقل إلى هيئة الآثار، والهيئة العامة لقصور الثقافة (الثقافة الجماهيرية)، ثم انتقل للعمل بالبيت الفني للمسرح، وانضم لأسرة المسرح القومي عام 1972، ولفرقة المسرح المتجول عام 1984. ركز إبداعاته خلال فترات طويلة من حياته في مجال النحت (تخصصه الأساسي) كما عمل مدرسا لمادة فن الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وشارك بالتدريس بكليات رياض الأطفال والتربية النوعية.
أخرج بمسارح الهواة والأقاليم العديد من المسرحيات منها الناس اللي تحت، الذباب (1967)، اتفرج يا سلام (1968)، القضية، الأرانب (1969)، المستأجر الجديد، ملك عجوز (1970)، مرثية عبد الناصر، الشبابيك، المناورة الكبرى (1971) الليلة نحتفل (1988)، كما أخرج لفرق مسارح الدولة: ثمن الغربة (1991)، ليش يا عليش (1993)، بعد طول غياب (1994)، النمل والنظام (1995) الفهلوان (1996).
صمم الديكورات والملابس لعدد كبير من المسرحيات ومن بينها عروض فرق الأقاليم: قولوا لعين الشمس، حسن ونعيمة، رجل من هرية رزنة، رسول من قرية تميرا، جواب، ميراث الريح، الحلم يدخل القرية، الدخان، روض الفرج، جحا والواد قلة، الذباب الأزرق، صور مقلوبة، المتنبي يبحث عن وظيفة، أطفال الحجارة، الليلة نحتفل، الوزير العاشق، الرجل اللي أكل وزة، وقدم لفرق مسارح التليفزيون: حادث النصف متر، مركب بلا صياد، محكمة العدل، الأستاذ أرنب (1972) مدرسة الأزواج، حصحص الحبوب، صمم الديكورات والملابس لعدد كبير من المسرحيات لمسرح الدولة والفرق الخاصة ومن بينها: مدد مدد شدي حيلك يا بلد، الحب والحرب (1973)، الدنيا لما تضحك (1974)، الدلوعة، وبحلم يا مصر (1975)، أيام الوسية (1976)، بكالوريوس في حكم الشعوب، أنتيجونا (1978)، الدنيا لما تضحك، سهرة مع الحكومة (1979)، المسيرة النبوية، حكاية الواد بلية، سيادة المحافظ عل الهوا، نادي النفوس العارية (1980)، المهاجر، نهج البردة (1981)، فنان الشعب (1982)، أزمة شرف (1983)، المزاد، أوبرا بترفلاي، أوبرا توسكا (1984)، رجال الله، عرابي زعيم الفلاحين (1985)، جرنيكا، محاكمة السيد ميم، حلم يوسف، غدا في الصيف القادم، السبنسة 2 (1986)، سالومي (1988)، قصة حب عصرية، فلوس فلوس (1989)، سوق الحلاوة، المباراة الدولية، مكبث (1990)، دلع الهوانم (1991)، مجلس العنطزة (1992)، حب في التخشيبة، سوق الحلاوة (1993)، العين الحمراء (1994)، النمل والنظام (1995)، العشق والغربة، الفهلوان، فارس وجميلة، البئر العجيب (1996)، علشانك يا قمر (2002).
كما أقام 18 معرضا في مصر (خلال الفترة 1965 إلى 1985)، إلى جانب 7 معارض في أوروبا والولايات المتحدة، أقام معرضه الأول بفرقة مسرح الحكيم عام 1965، وشارك في عدد كبير من المعارض الجماعية منذ ذلك التاريخ، كما أقام معرضا خاصا باليونان.
قام بتصميم ونحت مجموعة تماثيل مهمة ومن بينها: تمثال الأمومة بهيئة الأمم المتحدة بنيويورك، ونسر الصحراء العملاق بطريق القاهرة إسكندرية الصحراوي، ودنشواي بمحافظة المنوفية، وقسم الطبيب بمعهد ناصر الطبي، وكذلك تمثال نجيب محفوظ باتحاد الكتاب، ومجموعة تماثيل لكبار المسرحيين من مقتنيات المركز القومي للمسرح.
قام بتصميم قاعة «فرقة مسرح الغد» بطريقة مبتكرة تسمح بتغيير شكل وأبعاد خشبة المسرح طبقا لمتطلبات كل مخرج، كان أول مصري يقوم بتصميم ديكور أوبرا عايدة برؤية للمخرج العالمي البولندي/ كوزمان بوبووف عام 1991.
حصل على عدد من الجوائز كما حظي بكثير من مظاهر التكريم ومن بينها، جائزة وزارة التعليم العالي عام 1963، جائزة الفنانين الشباب عام 1968، جائزة بينالي الإسكندرية عام 1974، جائزة بينالي فينسيا عام 1978، وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1985، تكريم من المركز القومي للمسرح والفنون الشعبية عام 2015، وفي 17 أبريل 2023.


إيناس العيسوي