كيف تختارين النص؟ سؤال وإجابات في مؤتمر «كاتبات ومخرجات عربيات» بالجامعة الأمريكية

كيف تختارين النص؟ سؤال وإجابات في مؤتمر «كاتبات ومخرجات عربيات» بالجامعة الأمريكية

العدد 816 صدر بتاريخ 17أبريل2023

استقبل مسرح الفلكي التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة، كاتبات ومخرجات من عدد من البلاد العربية، وذلك لليوم الثاني على التوالي من مؤتمر “كاتبات ومخرجات عربيات”، الذي استمر على مدار ثلاثة أيام شملت تقديم ورش فنية خاصة بالتمثيل والإخراج المسرحي، وندوات تثقيفية، وعروض مسرحية يعقبها حلقة نقدية حول العرض.
استكمل المؤتمر ثاني أيامه بندوة تثقيفية، بعنوان “مخرجات عربيات”، قدمت الندوة د. دينا أمين أستاذ المسرح بالجامعة الأمريكية، بينما تحدثت د. نورا أمين مخرجة وراقصة ومؤسسة فرقة لموزيكا، ود. لينا أبيض المخرجة وأستاذ مساعد في التواصل في المسرح بجامعة بيروت، وإيمان عون مخرجة وكاتبة، وأسماء مصطفى ممثلة ومخرجة.

كيف تختارين النص؟
افتتحت د. دينا أمين المناقشة بسؤال طرحته على المنصة، وهو: “كيف تختارين النص الذي تريدين إخراجه؟ هل تشعرين أنك تحتاجين إلى كتابة نصوصك الخاصة.. لأن ما هو متاح بشكل كبير مكتوب من وإلى الذكور ونادرا ما يعكس عالم النساء؟ 

لينا أبيض: علينا أن نكتب ونخلق نصوصا خاصة بنا.
قالت المخرجة لينا أبيض: حقيقة أنني لم أختَر نصا مثل الآخر، فأنا أنتقي نصوصا متنوعة، فكل نص له ظروفه المختلفة عن غيره، أخرجت أكثر من 40 عرضا مسرحيا، سوف أستعرض بعضها، وبالتحديد سوف أركز على دور المرأة في أعمالي، فأنا عشت بفرنسا ورجعت إلى بلدي بيروت 1996 بعد اتفاقية الطائف. وهنا شعرت بالخوف لأن الاتفاقية أجبرتنا على نسيان الماضي بضحاياه، فنحن نعيش تعاسة مفرطة في بيروت لأنه لم تتم محاكمة الظالمين والقاتلين؛ بل وصلوا للوزارات والمناصب، وكانت أقرب أعمالي لوصف هذا الوضع هو نص “إلكترا” لسوفيكليس، لأن إلكترا هي الوحيدة التي ظلت تتذكر أن الملك قتل، وهجر ابنه وسط هذه المدينة المزدحمة بالسكان، فهذه المرأة ظلت الذاكرة التي تحمل كل ذكريات المدينة، وظلت تحمل الحقيقة وتعبر عن وضع وموقع المرأة وسط هذا الظلم والاضطهاد، ثم يأتي عملي المهم الثاني للكاتب غسان كنفاني “عائد إلى حيفا” وكان من اختيار زوجته آني كنفاني. وهنا قررت أن أكتب لـ”صفية” المرأة الفلسطينية زوجة البطل التي ظهرت في النص مستضعفة صامتة طوال العمل، بعكس المرأة الإسرائيلية التي كانت تظهر بقوة وتحكي بسلاسة وطلاقة، لديها أفكار قوية، أكتب لها دورا يقلب الموازين، يشبه كثيرا دور إلكترا، فجعلتها ترى ابنها المقتول يدور حولها ويلعب بالطيارة الورقية، جعلتها تتذكر رحلتها في هذا البيت وذكرياتها، لتصبح “صفية” هي الوحيدة التي تحمل ذاكرة المدينة وما حدث فيها. فالمرأة في كثير من الأعمال المسرحية مهمشة نهائيا. ومنذ وقت قصير أخرجت عرضا مسرحيا أبطاله ثلاثة شباب يستأجرون بيتا، يعيشون حياة مترفة ويحكون عن علاقاتهم الجنسية، ومن ثم يكتشف أحدهم أن أحد أصدقائه يقيم علاقة مع أخته، وهنا تبدأ المشاجرة بينهما، وتصبح الفتاة في الخلفية ليس لها صوت فيما يحدث، وهنا قررت أن أجعلها تحرك العرض وتعود لتعبر عن رأيها فيما يدور بين الشابين بخصوص مصيرها، فجعلتها تحكي مع أخيها على الهاتف “نعم أنا قادمة”، وقد جعلتها محور العرض، وصاحبة القرار ما إذا كانت ستكمل قصة حبها مع حبيبها أو تتركه.
تابعت: كانت المرأة وما زالت مهمشة في عالم المسرح، لأن أغلب الكتاب من الرجال، فبالتدريج أصبحت المرأة خارج النصوص، وخارج الحياة، وهذا يزيد من الخوف، خاصة في بيروت، فنحن حصلنا على حريتنا وحقوقنا بعد صراعات كبيرة، وأصبحنا اليوم نهمش من جديد، وأنا ككاتبة ومخرجة وسيدة عربية وجدت نفسي أمام مسئولية كبيرة هي توصيل صوت النساء المهمشات سواء بالحروب الأهلية أو غيرها، فأخرجت مسرحية عن النساء المعنفات خصيصا بعنوان “منمنمات جزائرية” مستوحاة من قصص النساء المعنفات بالحرب الأهلية بالجزائر، كما اخترت في آخر أعمالي المسرحية التي ظللت أطورها على مدار الخمس سنوات أن أحكي عن قصة حقيقية حدثت ببيروت، فقد قتل رجل زوجته بـ”طنجرة” الضغط، واتصل بأهلها ليروا حجم التعذيب الذي تعرضت له ابنتهم، وهددهم ليتكتموا على الحقيقة، ولم يستطيعوا إنقاذها وماتت، وهنا أصيبت الأم بحالة جنون هستيري واعترفت الأم بالحقيقة والأذى الذي تعرضت له ابنتها قبل وفاتها من قِبل ذلك المجرم.
كما أخرجت نصا مهما جدا في إطار الكوميديا السوداء، بعنوان “امرأة وحيدة”، تحكي قصة امرأة مهمشة تقع تحت ضغوطات جسدية ونفسية وفكرية، وقررت بعدها أن أستمر في إخراج أعمال عن نساء معنفات في المجتمع، ومنها: “هاد مش فيلم مصري”، “بس أنا بحبك”، “بيت بيوت”، ومن بعدها تخطيت فكرة الكتابة عن النساء المعنفات فقط وبدأت الكتابة عن النساء اللائي استطعن أن يتخطين واقعهم الصعب، ففي أمريكا بالتحديد في القرن التاسع عشر كانت صبية صغيرة تعمل ميكانيكي سيارات في شركة شيفورليه، وعلمت أن كثيرا من السيدات هاجرن في أواخر القرن التاسع عشر بمفردهن لأمريكا، وحققن نجاحا ساحقا مثل مصممة المجوهرات ماري عزيز، التي أسست بزنس بمدينة نيويورك، فنحن إذا ما وجدنا نصوصا نخرجها علينا أن نكتب ونخلق نصوصا خاصة بنا.

نورا أمين: “الجسد” هو أول ما يوجهني في اختيار النصوص
وقالت المخرجة نورا أمين: عند اختياري للنص فأول ما يشغلني هو الجسد قبل النص، لأنني دخلت المسرح عن طريق الرقص، فأول كتابة هي كتابة الجسد؛ أي اللغة الحركية وليست الكلامية، فالجسد له حضوره في الواقع، في المجتمع والشارع، وفي حضوره السياسي، خاصة الجسد الأنثوي، ثم يأتي بعد ذلك البحث عن فكرة وموضوع النص، هناك عروض رقص قائمة تماما على الكيوجراف، فالراقصات تعبرن عن قصصهن ومعظمها تتعرض لتجارب الانتهاكات الجسدية والعنف وغيره، وآخر ما كتبته من نصوص ولم أخرجه نص بعنوان “مسرح الجريمة” يتعرض لموضوع الاغتصاب والمسرح كمكان لممارسة العنف والجريمة، وليس فقط كمكان للخطاب النقدي والجماهيري، كما أخرجت نصوصا عالمية منها لألمان، مثل: جامع العوالم، امرأة من الماضي، بيت الدمية أو أبواب نورا، وهو نص لإبسن اخترته لأنه يعد علامة لبداية خطاب نسوي 1873، وهو خطاب جديد يكسر النظام الأبوي الذي يحول المرأة طوال الوقت لدمية أو طفلة، فيقرر إبسن أن يحرر نورا والمرأة من هذا النظام الأبوي، ثم أخرجت عرض “عدو الشعب” استجابة للظرف السياسي والتاريخي للثورة المصرية، ثم حكم الإخوان المسلمين وبالتوازي مع ذلك كنت أعمل على مسرح المقهورين، وبالتحديد قضايا العنف ضد المرأة، وقد تم عرض مسرحية “عدو الشعب” أكثر من 65 ليلة عرض في أماكن مختلفة، فالعرض كان إعادة صياغة لأدوار السيدات الصامتات، فقد حولت كاترينا بطلة العرض، لامرأة تصرخ لإعلان اندلاع الثورة واستدعاء للوفاق الإنساني، فكانت صرخاتها صدى لصرخات النساء في ميدان التحرير، اللاتي تعرضن للاغتصاب الجماعي في ثورة يناير، فأنا لا أستطيع التعامل مع شخصيات نسائية على خشبة المسرح بمعزل عن الاغتصاب والانتهاك الجنسي، فمصر هي الدولة رقم 2 في الانتهاك الجنسي للمرأة، وقد عشنا أكثر من 40 عاما من الانتهاك الجنسي المتواصل بجانب عمليات الختان وغيرها. 

إيمان عون: أنتقي أعمالي من بيئتي المحلية ولا أفضل إخراج النصوص العالمية
وقالت المخرجة إيمان عون إنها لا تختار النصوص، إنما تختارها النصوص والقضايا، وأنها لا تخرج نصوصا عالمية، وإنما تُخرج أعمالها المسرحية من بيئتها المحلية المحيطة، وبجانب تجاربها في المسرح، فقد أخرجت حلقات دراما إذاعية عن نساء معتقلات بالسجون الإسرائيلية، كيف تم اعتقالهن؟ وما أنواع التعذيب التي تعرضن لها في عملية الاستجواب وفي السجون؟ وكيف عشن فترة الاعتقال؟ وكيف واجهن نظرة المجتمع الذي رفضهن بعد الخروج من المعتقل؟
أضافت: وهنا تبدأ الكارثة عندما تخرجن لمجتمعاتهن العربية التي تراهن بنظرة دونية, هنا تبدأ المعاناة، فالواحدة منهن لم تنكسر طوال فترة التعذيب والاعتقال، وإنما تنكسر لحظة ما يتطلع المجتمع لها قائلا: “اقعدي بالبيت.. ما حدا راح يتزوجك”، هنا فقط تنكسر عندما تجد ذاتها تواجه مجتمعا ذكوريا أبويا، يتطلع إلى نضال المرأة ، وكأنها مجرمة، ولهذا السبب عندي التزام أخلاقي ومهني وسياسي وفني تجاه هذه القضايا، فقررت أن يكون لهذه النساء صوتا في هذا المجتمع، وبأعمالي أصبحت القناة الموصلة لهذا الصوت.
تابعت: أما التجربة الثانية، فكانت “مونولوجات غزة” التي حررتها في كتاب، وتم عرضها في أكثر من 52 مدينة في 36 دولة في نفس التوقيت على مستوى العالم، وكانت التجربة مع أطفال في سن 13، عاشوا تجربة الحرب عام 2008، ولمدة 24 يوما من القصف، عمليا كانت هذه التجربة فعلا سياسيا ثقافيا إنسانيا، نستطيع بها أن نصل لقلوب الجميع، فالتاريخ لا ينسى الأسماء التي تركت أثرا. أما التجربة الثالثة، فكانت “المونولوجات السورية” مع النازحين السوريين في المخيمات، حاولت أن أعطيهم المساحة ليعبروا عن تجاربهم ويوصلوا صوتهم للعالم كله، ويحكوا رحلتهم من الخوف والشتات وصولا للأمان، وتم عرضها في حوالي 7 دول مختلفة، هذا بالنسبة لي هو الهوية الفنية.. وهو سبب عملي بالإخراج المسرحي. 

أسماء مصطفى: لا أفضل الكلاسيكيات وأخرجت “أنتيجون” وسميتها “سُليمة” 
الممثلة أسماء مصطفى، قالت: أخرجت أربعة أعمال مسرحية فقط، ومثلت في أكثر من 30 عرضا، وأنا لا أفضل الأعمال الكلاسيكية، وكانت أولى تجاربي منذ بدأت التمثيل أن أخرجت “أنتيجون” خاص بي، أنتيجون فلسطين والأردن، امرأة متمردة قوية، وقد قررت أن أبرز التناقضات بين الحب والكره، الحياة والموت، وغيرت الأسماء والشخصيات، فسميتها “سُليمة”، واستفدت في كتابتها من الحلاج ومحمود درويش، وقد كانت هذه أول تجربة لي كمخرجة. التجربة الثانية كانت مبادرة “ضحك ولعب ومسرح” للأطفال، استمرت خلال خمس سنوات، طرحت فيها مسرحا تفاعليا عن القضايا والأماكن المهمشة، مثل أطفال الشوارع ، كنت استعين في إخراج العرض بهذه الفئات حتى يشعروا بقيمتهم الشخصية في المجتمع. أما التجربة الثالثة، فكانت عرض “أدرينالين” عن مرضى السرطان، ولأنني لا أحب المرأة البكاءة المهمشة، فقد أعطيتها قوة أمل، لتعبر عن روحها ومشاعرها وليست ضعيفة.
وفي الختام تساءلت د. دينا أمين عن علاقة المرأة المخرجة بالمسرح التجاري، مسرح  بشباك التذاكر، وقالت: فأنا لا أعرف مخرجة شباك تذاكر في وقتنا الحالي باستثناء المخرجة الراحلة نهاد جاد في مسرحية “الأتوبيس”، فهل يمكن تحقيق ذلك؟ والخروج بمشروع تجاري كبير يحقق إيرادات؟
المخرجة د. “ملحة عبدالله” قالت إن  المسرح التجاري أو مسرح القطاع الخاص في مصر، ذو سمعة سيئة على اعتبار أنه يقوم على الرقص أكثر من القصة الدرامية، وقد أحببت أن أصنع معادلة متزنة، فكتبت وأنتجت مسرحية “اللبرو” بطولة نجوم كبار منهم: سعيد صالح، حسن الأسمر، شمس، محمد محمود، وواجهتني عقبة كبيرة هي مقابل إيجار خشبة المسرح، لأن المسرح الخاص يؤجر خشبته بمبالغ عالية، وبالفعل أخذنا من المحافظة مسرح “كوته” بالإسكندرية لمدة 40 سنة متواصلة، وجددناه، لأنه كان يحتاج لإعادة إحياء. والعقبة الثانية كانت هي (الممثل)، فالممثل النجم يمكن أن يتحكم في المخرج، خاصة إذا حقق العرض إيرادات، هنا يضغط الممثل على المخرج ليأخذ مقابلا ماديا أعلى من المتفق عليه، وغيرها من العقبات. أضافت: مسرح القطاع الخاص ضروري ومهم، فإذا كان المسرح بدون مقابل، فمن أين يعيش المسرحيون، وكيف سيستمر إخراج العروض المسرحية خاصة في ظل غلاء المعيشة. 
الممثلة أسماء مصطفى قالت إن المسرح التجاري ينظر له نظرة تحقير، على أنه مسرح للضحك، وبالفعل يعتمد على نجم الشباك، لكنني أتخوف منه لأنه يحتوي أحيانا على إيحاءات وألفاظ خارجة، وأنا لا يمكن أن أمثل أو أخرج هذا النوع من المسرح.
 


رانيا زينهم أبو بكر