حضور التكنولوجيا في سينوغرافيا مسارح العالم إحدى جلسات التجريبي بالأعلى للثقافة

حضور التكنولوجيا في سينوغرافيا مسارح العالم إحدى جلسات التجريبي بالأعلى للثقافة

العدد 788 صدر بتاريخ 3أكتوبر2022

ضمن الملتقى الفكري للمهرجان التجريبي التي انتهت فعالياته مؤخرا برئاسة د. جمال ياقوت أقيمت عدة ندوات بالمجلس الأعلى للثقافة حول علاقة التكنولوجيا بالمسرح، منها «حضور التكنولوجيا في سينوغرافيا مسارح العالم اليوم». 
التي أدارها الدكتور أحمد بركات، وشارك فيها كلٍ من ريتشارد تالبوت من انجلترا بورقة بحثية بعنوان “تجارب في المسرح التشاركي العلاجي في الفضاءات الافتراضية باستخدام المهرج» قام بترجمتها  الفنان سعيد قابيل المدير التنفيذي للمهرجان، و الدكتور عماد هادي عباس من العراق وورقته البحثية «توظيف التقنية الرقمية في تصميم الإضاءة المسرحية البديلة - مسرحية علامة استفهام نموذجاً» 

ياسر علام: الندوات الفكرية ليست محاضرة جامعية وإنما هي باب لطرح الأفكار
استهل الكلام في هذه الجلسة دكتور ياسر علام عضو لجنة الندوات والأستاذ بأكاديمية الفنون قائلاً: أريد فقط توضيح نقطة بسيطة وهي الفرق الجوهري بين ما نقوم به في المحاضرات بالجامعات والأكاديميات وبين المؤتمر العلمي، فنحن في فعالية مثل تلك التي نحضرها الآن لا نقدم محاضرات وليس الغرض أن ندرّس للأخرين فلذلك قاعاته وأماكنه، ولكن كان انشغالنا الحقيقي أن نركز علي أكثر شيء افتقدناه في فعاليات الأعوام السابقة، فنحن نفتح بابا للمناقشة والاستماع إلي الأبحاث والنتائج التي توصل إليها الباحثون في الموضوعات التي تخص وتؤثر علي مسرحنا المعاصر لنتقدم بذلك في المشهد المسرحي بدلاً من أن نظل نستمع إلى نفس الأشياء التي نستمع لها منذ سنوات، والتي لا يؤدي تكرارها إلي أي تقدم. أضاف:  إذاً فاللجنة ليست مطالبة بالإجابات وتفسير كل التساؤلات بل هي مطالبة بتوفير بيئة صحية لإثارة الأسئلة والتفكير فيما علينا أن نفعله بما وصلنا إليه من علم وتطور.
أحمد بركات : لا يوجد مستحيل فواقع اليوم هو حلم الماضي
الدكتور أحمد بركات مدير الجلسة وأستاذ النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية بدأ تقديمه للجلسة بقوله: لا يوجد مستحيل، فالكلمة نفسها تعني المستحيل. فمن المهم الإيمان بأنه ليس هناك مستحيل، حيث نعيش عصراً تحققت فيه جميع الأحلام مهما كانت تبدو صعبة أو مستحيلة من قبل. فكل ما هو موجود الآن كان مطروح سابقاً وكان يبدو مستحيلا مثل الصعود إلي الفضاء أو صناعة الروبوتات. فما هو واقع الآن كان قديماً حلماً. 
واستطرد: المحور يتحدث عن حضور التكنولوجيا في سينوغرافيا مسارح العالم، وسنناقش فيها ورقتين بحثيتين يعرضان لنا شيئاً مهما جداً وهو: هل التكنولوجيا في التصميم أم في خطوات التصميم؟ هي تجمع بين الجزأين، وإن كانت خطوات التصميم هي المعتمدة علي التكنولوجيا بشكل أكبر. وسيظهر ذلك في شرح الأوراق البحثية. 

ريتشارد تالبوت الضحك إيجابي  ومفيد للصحة النفسية
الدكتور ريتشارد تالبوت الأستاذ بجامعة هارفارد قال: المشروع الذي عملت عليه يناقش فكرة المسرح الرقمي ويتعامل مع الناس الذين يعانون من ضعف أو فقدان في الذاكرة. وهذا المشروع كان بقيادتي وبالتعاون مع مصممة عرائس يابانية. واحتوى المشروع على ثقافات دولية مختلفة وسط حالة من الاستمتاع لتنفيذ المحتوى باستخدام التكنولوجيا، أيضًا بسبب موضوعه والذي كان عن الخيال واللعب والمغامرة.
وتابع حديثه مع عرض فيلم قصير من إخراجه: هذا الفيلم يحكي قصة عروسة بونكيو المشهورة، في القصة الأصلية هو الطفل الشقي الذي صنعه أحد مصممي العرائس. وبصفتي مخرج المشروع قمت بتوجيه المشاركين في البداية  إلي التعامل من خلال طريقة تراجيديا راسيين. علي أن تكون التجربة معتمدة على طرق المبالغة في الأداء. وكنا نعمل وسط أجواء تشاركية فلا يوجد أحد يقود بشكل منفرد ولا يوجد رقابة. وقد استخدمت سلوكيات وانفعالات المشاركين اليومية، فقد كانت التجربة مبنية علي هواة وليسوا ممثلين محترفين، ولم يكن الهدف من التجربة تعليمهم التمثيل بتكنيك أو تقنية معينة بل الهدف هو أخذ الأداء الطبيعي منهم من خلال حركاتهم وانفعالاتهم وسلوكياتهم اليومية لتجسيدها وأخذ الأثر الكوميدي منها. وكان الهدف أن يكون المشاركين على طبيعتهم، فنحن لم نريد أن يكون كل شيء منضبط ودقيق بل كنا نبحث عن الفشل للتعلم منه. وقد تم دعم هذا المشروع من الأكاديمية البريطانية لمساعدة والتواصل مع من يعانون من فقدان الذاكرة، وخاصة وقت جائحة كورونا، لأنه الوقت الذي عانى فيه العالم على مدار عامين. خاصة أن الدراسات الحالية أثبتت إيجابية الضحك وإفادته للصحة النفسية، فالضحك يقوي جهاز المناعة.
واستطرد ريتشارد: كما أن العرائس مهمة لاستخدامها في التعبير عن مشاعرنا بشكل مختلف. وذلك الفيلم يوضح أيضاً فكرة الدمج التليفزيوني في السينوغرافيا عن طريق التكنولوجيا الرقمية. فإلي جانب العرائس تستخدم الفرقة الأقنعة الرقمية الموجودة علي أجهزة الهواتف الذكية ولها برامج متخصصة لصنعها، فأي شخص يتمكن من استخدامها علي مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الفضاء الرقمي أيضاً ندعم فكرة الحجم أو التناسب في الحجم، فمثلاً نرى مهرجا بقدم كبيرة وساق صغيرة أو بجسد هزيل و رأس كبير، فمن خلالها نستطيع أن نقدم مجموعة من المتناقضات بشكل أسهل. ولقد قدمنا فكرتنا في شكل فيديوهات قصيرة تعتمد علي حركة واحدة من الممكن تكرارها، أي أن الحوار عبارة عن جمل حركية بسيطة صغيرة متكررة. 

عماد هادي عباس: التكنولوجيا الرقمية تخدم المسرح ولا تستبدله.
الدكتور عماد هادي عباس بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد بدأ كلامه قائلاً: إن مسرح التقنيات الرقمية حقل معرفي والاشتغال عليه والتنظير لا يعني تبنيه بقدر فحص جوانبه وتوظيفه توظيفاً خلاقاً مع التأكيد والتحذير من مخاطرة، وهذا هو جوهر البحث العلمي للمُنتِج طالما أن العلم يهدف إلى التفسير والتنبؤ والسيطرة والتوظيف توظيفاً إنسانياً؛ لذا يمكننا القول  أن المسرح الرقمي ليس مسرحًا رقميًا بمعنى الخلق بالمعادلة الصفرية ولكنه المسرح الذي يعتمد على معطيات التقنية الرقمية في بناء وسائط معالجته الفنية كالإضاءة والمنظر والمؤثرات الصوتية بما يثري رؤية الإخراج درامياً وفنياً.
وتابع عباس: شهد المسرح الحديث في النصف الثاني من القرن العشرين تطوراً علمياً في مجال التكنولوجيا وخاصةً مع ظهور الكمبيوتر الذي نتج عنه ثورة تكنولوجيا غيرت مفهومات المجتمعات البشرية باتجاه قيم الميل والتفضيل الجمالي مرتبطة بتلك القدرة التكنولوجية المستحدثة. وهذا التطور أدى بشكل مباشر إلى توفر إمكانات عصرية فائقة المعالجة وتقديم الرؤية الفنية للمخرج وتحقيق فضاءات المؤلف، وكذلك تعزيز أدا الممثل بالوسائل التقنية في تجسيد إبداعه الأدائي. وقد دخلت البنية الرقمية اليوم في تصميم الإضاءة المسرحية والتي أطلق عليها مصطلح الإضاءة المسرحية البديلة، وتعريفه هو تحريك الساكن من خلال الإضاءة. وكيف يتم خلق فضاءات مسرحية رقمية جديدة وإحالتها من فضاءات متماسكة بدواعي المكان وامتيازاته الحدية الثابتة إلى فضاءات ذات سيولة متغيرة غير متماسكة. يمكننا القول إن الكمبيوتر والبرمجيات من أبرز مظاهر الثورة الرقمية التي عملت على توسيع فعالية الخطاب الحسي للعرض المسرحي والموجه للمشاهد المسرحي بزيادة القدرة على مخاطبة جميع حواسه، والتأثير بمدركاته العقلية والحسية فقد خلقت التكنولوجيا الرقمية في مجال الإضاءة المسرحية واقعاً افتراضيا جمالياً شبه ملموس. مما أثر في التلقي الجمالي للجمهور. فقد حل جهاز البروجكتور محل الكشافات العادية التي تنير المسرح بشكل تقليدي. فأصبح قادرا علي خلق صورة متحركة كاملة قد تصل تعددية الألوان فيها إلي 16 مليون لون بنظام ال RGB الرقمي مما يُسهل تنفيذ ما لا يمكن تنفيذه علي الخشبة، كما أعطي ذلك مساحة كبيرة لخلق الجو الفانتازي الخيالي علي خشبة المسرح.
واستشهد عباس علي ذلك  بجزء قصير من عرض مسرحي يظهر فيه علي خشبة المسرح بحيرة جارية وبها تمساح يتحرك وكأنه حي تماماً. وبذلك يكون البروجكتور قد صنع عالماً افتراضياً شبه ملموس علي خشبة المسرح يتوازى مع ما يحدث علي الخشبة من حركة الممثلين وأدائهم.
فتح باب المناقشة والأسئلة من الحضور، وكان السؤال الأكثر إثارة هو سؤال الدكتور جمال ياقوت رئيس المهرجان التجريبي، حيث تساءل عن تكلفة جهاز البروجكتور مقابل أجهزة الإضاءة التقليدية. وكان الجواب: إن جهاز البروجكتور يقوم بعمل عدة أجهزة إضاءة تقليدية معاً و يمكن الاستغناء عن 20 جهاز إضاءة مقابل البروجكتور، وبذلك تكون قد توفرت تقنية جديدة ومختلفة بنفس تكلفة الأجهزة التقليدية. وأكد عباس بعد عدة تساؤلات أن البروجكتور مساعد لحركة الممثلين علي الخشبة وليس بديلاً لها، فالتكنولوجيا الرقمية تخدم المسرح وعناصره بشكل متطور ولكن لا تستبدلها تماماً.
 


مي سيد