العدد 812 صدر بتاريخ 20مارس2023
دائما ما يسعي الفنان إلى تحقيق ذاته وتأكيد هويته وكينونته وليس سعي الفنان يختلف بالضرورة عن سعي الإنسان في المعني المجرد للسعي فتحقيق الغاية العظمي من السعي هو كنيه السعي ومعناه ومصيره وان الفنان بما حباه الله من افضليه في أحيان عدة - من حيث الشعور والاحساس والتفرد - يمتلك قدرة فائقة علي تحقيق تأثير حميد في الجموع أن سعي إلى ذلك وعلي ذات القدرة علي تحقيق تأثير سلبي في الجماهير أن سعي إلى ذلك أضا وهنا تظهر بالضرورة مقدار وقيمة الفنان وتصنيفه كملهم ومجدد أو مدعي ومتسلق فسعي الفنان إلى تسطير اسمه في صفحات التاريخ وفي قلوب وافئدة الجماهير سعيا مشكورا إن تحلي بموهبة حقيقية بعيدة عن الزيف والادعاء وهو بالتبعية سعيا مذموما إن كان بغية التربح والتكسب وضحد القيمة والمعني.
استلهم المسرحي المتجدد إبراهيم الحسيني من سيرة الموسيقي الفذ موتسارت خيوطا وغزلها ببعض خيوط سيرة الفذ بيتهوفن وانتج منتجا دراميا حقيقيا في قالب الديودراما مبتعدا عن الاشتباكات التاريخية في السيرة الذاتية المنشورة عن موتسارت ومتخذا من مأساة بتهوفن الموسيقي النبيل الذي فقد السمع خطا مأساويا دراميا خفيا اضافه إلى مأسي موتسارت واحتفظ بسعيه الدائم في التجديد في البناء الدرامي في نصوصه المسرحية باضافة اصواتا بشرية لشخصيات درامية - ( الزوجة والابن ) - لم تتداخل مع بطلي النص المسرحي - ( موتسارت و ساليري ) - وانما تداخلت في الاحداث الدرامية وتواصلت بشكل مباشر مع الجمهور وكأنهما شخصيتان غيبيتان كأرواح هائمة تتلاقي في سديم الابداع والالحان لتعلق وتمهد وتشير في لحظات درامية خاطفة فلعنة موتسارت بقلم ابراهيم الحسيني تركزت بشكل اساسي في موهبته الفذة الاستثنائية تلك الموهبة التي لم تقدر في حياته التقدير الكافي بل وخلقت له عداوات عدة مع انصاف المواهب ومع عديمي الموهبة لاخماد جذوة ابداعه وظلت موهبة موتسارت تورقه هو الاخر حتي لقي نحبه صغيرا تاركا تراثا موسيقيا حقيقيا الهم النقاد والموسيقين والمتذوقين للفنون سواء بسواء
ان لعنة الفنان هي بالضرورة مصدر سعادته ومصدره مأساته فالموهبة الحقيقة دائما ما تؤرق الفنان الحقيقي حتي تصل إلى الجمهور فيتلقاها ويتقبلها قبولا حسن ولا تنتهي دورة ابداع الفنان الحقيقي عند ذلك وحسب ولكنه ما ان يصل ابداعه إلى جمهور حتي يشرع في بناء وصناعة ابداعا اخر وهكذا متجاوزا في ذلك حاجته للراحة أو المال فراحت الفنان ان يسعي
علي خشبة مسرح مكتبة مصر العامة بالزقازيق وضمن فعاليات مهرجان الزقازيق للمسرح الحر في دورته الثانية قدم العرض المسرحي لعنة موتسارت للكاتب الشرقاوي بامتياز ابراهيم الحسيني ومن اخراج المجتهد يوسف اسماعيل في خطواته الإخراجية الاولي سعيا للمسرح واتجاها امن به فأمن اصدقاؤه به وبحث عن رؤية مغايرة للسائد والمألوف فكان النص المسرحي لعنة موتسارت هو الاختيار الذي اجتهد المخرج واجتهد فريق العرض في قراءته وتقديمه لجمهور مهرجان المسرح الحر فتجاوز العرض شخصية موتسارت مضمونا واشتبك مع شخصيات الفنان المبدع بشكل اشمل واعم وان اتخذ من اسم موتسارت وماساتة وجانب من حياتة متكأ وستارا اخفي ورائه القيمة والهدف والغاية
ولان موتسارت شخصية ثرية دراميا وحياتيا وعلامة فارقة في تاريخ الموسيقي العالمية واكتسبت غموضا آثار المبدعين أيما إثارة فقد استوحي القدير ابراهيم الحسيني بعضا من الخطوط الحياتية لصياغة دراما نفسية متشابكة عن معاناه المبدع للوصول إلى حقيقة ابداعه فكانت رؤية ذاتية باطار تاريخي معالج دراميا واتكأ المخرج يوسف اسماعيل علي رصانة الحوار والبناء الدرامي فقسم مسرحه إلى مستويين احدهما واقعي والاخر ميتافيزيقي وتداخلت الازمة احيانا عدة مما اربك التلقي واستعاض عن الخبرات المتراكمة بحماس ورغبة في الوصول إلي المبتغي فكانت قراءته احادية الصوت حينا متعددة الرؤي حينا وتداعت بعض الدلالات وتصدع البناء التشكيلي حينا فدنا الايقاع وابتعد منبأ عن تجربة مسرحية سعت إلى المسرح
تجاوزت السينوغرافيا الفقر المادي الواضح وحاولت قراءة النص قراءة تشكيليا فاعتمد المخرج علي كتلتين رأسيتين للبيانوا متجاورين احدهما عزف عليه موتسارت طول الوقت واحدهم عزف عليه ساليري احيانا واعتمد علي خلفية بسيطة اعتمدت اصابع البيانو السوداء والبيضاء كخط تشيكلي ليقرا عشق موتسارت الاساسي وكان عقل موتسارت ليس الا اصابع بيانوا يعزف عليه كل حين وساعدت الاضاءة الكتل التشكيلية حينا فاجادت انارتها وتأثيرها وافقرت الرؤية التشكيلية احيان باختيار زوايا كاشفة فضحت الفقر المادي وساهمت احيانا في افقار الصورة التشكيلية واعتمدت المخرج علي بعض مقطوعات البيانو للانتقال بين المشاهد بعضها ببعض وان جاءت الرؤية التعبيرية الحركية للصراع بين موتسارت وساليري المتنكر فقيرة تشكيليا ودراميا فافتقدت للتأثير الدرامية وابتعدت كثيرا عن تفسير العلاقة بين موتسارت وساليري التي تضاربت الاقوال عنها تاريخيا ولكن دراميا نراه علاقة لم تكن تحتمل العنف التعبيري الحركي
جاء التمثيل منضبطا إلى حد كبير واعتمد علي بدايات الموهبة والخبرات البسيطة فابتعد عن الكلشيهات المحفوظة وسعي فيه الممثلين إلى قراءة سطور الكاتب قراءة واعية وحاولوا تشخيص الحوار في حدود ثقافتهم المسرحية ونقلوا الصراع إلى الجمهور بشكل بسيط فظهرت العلاقة المتوترة بين يوسف محسن (موتسارت) وبين محمد المنسي (ساليري) وهما الشخصيتان المتضادان ماديا فبدا يوسف محسن وكان المرض انهك موتسارت وان موهبه موتسارت أثقلت كاهله مما اثر بطبيعة الحال علي ( تون ) الصوت عند يوسف فخرجت الكلمات بصعوبة وكان الافكار ازدحمت في عقله وتتصارع للخروج في حين بدا محمد المنسي اكثر هدوءا واتزانا فكان جسد ساليري دائما ممشوق ومعتد بذاته وخرجت الكلمات منه باردة حادة وواضحة وكأن عقله خاو لا تزدحم به الافكار واكتمل التمثيل بمريم ذكي الزوجة المتمكنة من صوتها وانفعالاتها فظهرت كالزوجة الحنون التي نعت زوجها ودعمته وكانت ناقلة امينة لذكراه لابنته وعد أشرف الهادئة المحبة وهو تغيير اضافه المخرج بظهور الزوجة والابنه ظهورا ماديا ملموسا امام الجمهور ولم يكتفي بصوتيهما كاصوات تتواتر بين الحين والحين مما اثري المنظر المسرحي
العرض المسرحي موتسارت حصد المركز الثالث في مهرجان المسرح الحر بدورته الثانية والذي اشرف عليه مسؤول المسرح بمكتبة مصر العامة ابراهيم ابو المجد ومؤسس المهرجان ومديره محمد هشام والعرض المسرحي بطولة يوسف محسن ، محمد المنسي، مريم ذكي ، وعد أشرف تنفيذ السينوغرافيا كريم عبدالواحد الاغنية من الحان وغناء وعد السيد مخرج منفذ أحمد محسن لعنة موتسارت تأليف ابراهيم الحسيني سينوغرافيا واخراج يوسف اسماعيل