محاكاة إيماءات الكلام في الأداء التمثيلي(1)

محاكاة إيماءات الكلام      في الأداء التمثيلي(1)

العدد 809 صدر بتاريخ 27فبراير2023

 موضوع هذه المقالة هو أن المحاكاة العفوية والمحاكاة اللاشعورية لإيماءات شخص آخر، وموقفه الجسدي، علاوة علي كلامه، وهي قوة في الأداء المسرحي. وتخلق مثلث الإيماءات التالي « من الممثل إلى المشاهد، ومن المشاهد إلى الممثل، ومن المؤلف إلى الممثل. والمحاكاة هي استجابة اجتماعية طبيعية، أحيانا علنية، ولكنها غالبا غير ملحوظة وغير مقصودة، ولا يلزم أن تكون واضحة. وهي الأكثر بروزا كلما تم تحديد المشاركين وما يتم محاكاته. ويظهر نفس المثلث في التمثيل السينمائي مع التقاطعات والتعديلات الضرورية. وسوف أتناول السينما في نهاية المقال، بعد شرح المثلث وما يحدث حوله في المسرح. 

تظهر محاكاة إيماءة الكلام علي ضلع في المثلث. ولعل إحدى النظريات المتعلقة باللغة هي أن، الدلالة – العلامات التي تستخدمها أو تسكن فيها – تتضاعف: هناك نوعان من العلامات هما الإيماءات والشكل اللغوي، ويجسدان في نفس الوقت وحدات الفكر. وكل نطق هو هكذا. ففي القاع ,يتحول الكلام إلى وحدات هي عبارة عن إيماءات وشكل مشفر. وهذا صحيح حتى لو كانت الإيماءة الصريحة مفقودة. وتظل الإيماءة حاضرة كتشبيه. والصورة هي أهم جوانب الإيماءة، والحركة الخارجية هي تجسيدها المادي، ولكن بما أن الجدارة الإخبارية الأقل تستدعي مادة أقل، فان غياب الإيماءة هو مجرد نقطة نهاية لسلسلة الاستمرارية ذات الأهمية. ويزال هناك دلالة ثنائية للتشبيه والشكل (قدم فيجوتسكي عام 1987 مفهوم الناقل المادي، في الرسم البياني للاستمرارية في كل من الإيماءة والكلام. 
 ورغم ذلك، لا يختزل التشبيه والشكل اللغوي أحدهما إلى الآخر. فهما يحتفظان بهويتهما الدلالية في جدلية الصورة – اللغة. ولا تستقر الفكرة الواحدة في صيغتين في نفس الوقت. ويسعى عدم الاستقرار هذا إلى حل ويدفع الفكر والكلام إلى الأمام. وقد جادلت عن هذا النسق الدينامي في عدة مواضع، أحدثها في الارتباط باللغة الأصلية. ومساهمتي الآن هي أن المسرح يبدو أيضا أنه يجسد جدلية التناقضات الدلالية. إذ يوجد في المسرح أيضا شكلا مشفرا وتشبيها، هما جدليان. وبهذا المعنى، فان المسرح، في شكله العلني والبارز، هو لغة. انه لغة بمعنى أعمق مما نفترض؛ انه يمنح المادة لعبارة «المسرح لغة» المبتذلة. وقد كتب مايكل تشيكوف في نصيحته للممثلين عن الشعور العام بطريقة توحي بهذه الدلالة المزدوجة. إذ يقول إنها دينامية وليست جامدة وتنشأ من تقاطع ماهية التناقض الدلالي، فالشعور العام،  الذي هو شامل وتركيبي، يشبه صورة الإيماءة، وحركة الممثل وكلامه، اللذان هما بالضرورة متتابعان يتم إرسالهما خلال التدريب. 
 إن المقارنة بين اللغة والمسرح ليست كاملة بطبيعة الحال. وهذا ليس مفاجئا. فالمسرح يعلي من المفاهيم ويحط منها. ويعلق جاك ليكوك علي هذا فيما يتعلق بالكلام المسرحي. فهو مهتم بشكل خاص بكيفية احتواء الكلام علي صمت في المسرح، قبل الكلام وبعده علي حد سواء، والتراكم، ثم لا شيء آخر لتقوله. إذ يتم تقديم الكلام على أنه كتلة محصورة، وهذا أمر مسرحي بحت. والكلام اليومي العادي لا يأتي في كتل يفصلها الصمت. ويكافح المتحاورون لتجنبها. 
 المثلث إذن، هو نتيجة طريقة الإدراك المبنية داخل العصب الإنساني. وليس من المستغرب أن يستوعب التاريخ الطويل للمسرح والبلاغة هذا – فكيف يمكن أن يكون الأمر علي العكس من ذلك؟. انه شكل طبيعي من أشكال الفكر والمسرح الذي يتناقض معه أو يتجاهله فقط، ولن يستمر طويلا (علي الرغم من التجارب المسرحية التي أصف بعضها لاحقا). وهذه الطريقة الإدراكية ليست فريدة في المسرح، علي الرغم من أنها تأخذ شكلها الخاص هناك. تختبر ديناميات كيفية معايشة الجمهور للممثل، ومعايشة الممثل للجمهور، ومن خلال الممثل يعايش الجمهور المؤلف، ويدور حول جوهر اللغة باعتبارها كل دينامي. لا أعني ببساطة أن الممثلين والمؤلفين يستخدمون اللغة الإيماءة، وهم يفعلون ذلك بالطبع، ولكن المسرح يعتمد علي طريقة الدلالة التي لا تكون مبالغا فيها غالبا و التي لا تختلف جوهريا عن الإيماءة كجزء مكمل للغة. ونبدأ تبعا لذلك بهذه الدلالة. ولكي نفهم الدلالة الثنائية في المسرح، من الأفضل أن نبدأ بالإيماءة واللغة نفسها.   

ما هي الإيماءات؟ وكيف تسلط الضوء التفكير في مقابل الكلام وأثناءه ؟
 من بين العديد من مظاهر تجسيد لغة الإنسان وإيماءات الفكر، هناك مظاهر خارجية طبيعية عامة. فالإيماءة في الأساس ليست إضافية ( كما أطلق كيندون عام 2008 هذه الرؤية المعاكسة، وجادل بأنه يناقضها تماما ). فالإيماءة هي جزء مكمل للغة، وهي حقيقة تم التغاضي عنها لأن الإيماءة ليست تقاليد مكتوبة ( علي الرغم من أنني سأجادل لاحقا بأن اللغة المكتوبة تتضمنها أيضا. وصورة الإيماءة  هي المكون المكمل للكلام، وليست مصاحبة، ولكنها جزء منه فعلا. وتدعم هذه الفكرة المزيد من الأدلة ولكن مغزاها الكامل لا يُلاحظ دائما. 
 وعندما أتحدث عن الإيماءات، لا أشير إلى الإيماءات الأسلوبية، ولا أحاول التقاط إيماءات في فترة تاريخية،  ولا أقصد الإيماءة بمعنى شد الجفن التي كثيرا ما يستشهد بها الذين يجمعون المعاجم، مثل “الإيماءات الفرنسية“ و”الإيماءات الايطالية“ وما إليها. والتعريف الذي يفي بغرضنا هو : “ الإيماءة “  هي فعل تعبيري يجسد الصورة ( وليس بالضرورة باليدين فقط ) والذي يعد جزء لا يتجزأ من عملية الكلام.  فالإيماءات هي جزء من الكلام مثل الصوت. والكلام نفسه في جانب منه إيماءة. وسوف نرى الآثار المترتبة علي هذه الحقيقة. 
فكرة النمو:
 النموذج النفس لغوي الذي نتبعه: 
عندما تتزامن الإيماءة والكلام ( كما يحدث في أكثر من 90% من النطق )، الفكرة الأولى هي في صيغتين دلاليتين متعارضتين، هما الصورة واللغة. والنتيجة هي وحدة الفكرة التي تتعايش فيها الصورة والكلمات، وهذا موقف دينامي بطبيعته. وأصغر وحدة في هذه الجدلية تسمى نقطة النمو growth point. 
نقطة النمو هي أصغر وحدة في جدلية الصورة-اللغة. وتسمى نقطة النمو لأنه من المفترض أن يكون النبض الأولي للتفكير من أجل ( وأثناء) الكلام، والذي تنبثق عنه عملية تنظيم دينامي. 
تستوعب نقطة النمو سياقها – مجالها من التعارضات ذات المعنى – إضافة إلى البعد الدينامي للغة. وتوجد نقطة النمو باعتبارها نقطة تمايز داخل هذا السياق، الذي يتم بناؤه جزئيا لجعل التمايز ذي مغزى. 
نقطة النمو هي مفهوم تجريبي. إنها فرضية تتعلق ببيانات الإيماءة- الكلام المستنتجة من مجمل أحداث الاتصال، مع التركيز بشكل خاص علي تزامن إيماءات الكلام مع التعبير. 
ويتم تصوير هذه المبادئ مع أمثلة تجارب سرد القصص الموضحة في الشكل (1). والاختلافات البسيطة تروي قصة كبيرة. وكل متحدث يروي لمستمعه قصة رسم كاريكاتوري شاهده للتو. وقد كان نوع الكارتون، وهو مغامرات تويتي وسيلفستر, مألوفا للمتحدثين، ولكن الرسوم المتحركة المحددة، وهي “طابور الكناريا Canary Row“ ( من إخراج ايزادور فريز فريلينج 1950)، كانت جديدة. في الرسوم المتحركة، يجلس تويتي في قفصه علي حافة نافذة عالية تطل علي الشارع. ومشكلة سيلفستر هي كيفية الوصول إليه. الراوي في الصورة (أ) يصف كيف أن سيلفستر قد استخدم من قبل أنبوب ملائم للوصول إلى نافذة تويتي عن طريق القفز عليها، ليتم إعادته مرة أخرى إلى الشارع بواسطة جراني المخيفة. والراوي يصف الآن محاولة سيلفستر الثانية، وهذه المرة الاقتراب خلسة عن طريق تسلق الأنبوبة من الداخل. ويقول “ صعد من داخل الأنبوبة هذه المرة “ – تشير الأقواس إلى عبارة الإيماءة، والفعل التعبيري بأكمله، بخط عريض، وضربة الإيماءة هي الجزء ذو المغزى : التأكيد علي الإيماءة والحفاظ علي وضعية الضربة وموضعها ولكن بدن حركة، والخط الأكبر هو نقطة الكلام النمطي. يتضمن تناول الإيماءة والكلام المؤكد المتزامن معها فكرة أن اقتراب سيلفستر متضمن من الداخل، وأن هذه كانت معلومة ذات أهمية إخبارية. الراوي (ب) يصف أيضا الصعود الداخلي, ولكن بالنسبة له، هذه هي أول محاولات سيلفستر لتسلق الأنبوبة ( إذ نسي الصعود الخارجي الأول ). وبينما نرى أن إيماءاته وكلامه ينقصه الملمح الداخلي. وبدون التناقض مع المظهر الخارجي، فعلى الرغم من ملاحظة المظهر الخارجي، فانه ليس ذا أهمية إخبارية. فنحن نعرف أنه كان ملحوظا، لأنه استمر في وصف كيف أسقط تويتي كرة بولينج ضخمة داخل الأنبوبة. ( يحاول التسلق أعلى برميل المطر ويراه الطائر تويتي وهو قادم ويرمي كرة البولينج أسفل برميل المطر، والذي يجعل للسرد معنى إذا لاحظ وتذكر أن سيلفستر كان بالداخل. يستجيب المتحدثان (أ) و(ب) بنفس الطريقة – نقطة النمو المبنية حول ماله أهمية إخبارية – ولكن بسبب أن السياقات المختلفة لها أفكار مختلفة عما هي عليه : (أ) يميز الصورة الداخلية، ويميز (ب) التسلق فقط. 

الأوضاع المتناقضة : 
     حتى عندما تكون المعلومات الدلالية في الإيماءة والكلام هي نفسها، كما هو الحال في الشكلين (أ) و (ب)، فإنهما في أوضاع دلالية متناقضة. 
الإيماءة شاملة، ويعتمد مغزى أجزاءها ( اليد والحركة والمساحة  .. الخ) علي معنى الكل. وتحديد المعنى يتم من أعلى الى أسفل. في الشكل (أ) اليد هي تسلق سيلفستر، والمساحة المفتوحة هو داخل الأنبوبة، والاتجاه هو صعوده لأعلي. هذه المعاني لا توجد خارج هذه الإيماءة، ولكن بمعرفة الكل، يمكننا أن نرى معاني الأجزاء. 
وأنها تركيبية، وهذا يعني أن إيماءة واحدة تتضمن المعلومات المنقولة بالكلام علي مكونات مختلفة. وتمزج الإيماءة هذه المعني في شكل رمزي واحد. 
واللغة هي العكس في كل نقطة. إنها تحليلية واندماجية. إذ يتم تكسير الحدث إلى مكونات ( يذهب + لأعلى + خلال + الأنبوبة ) والتي تمتزج إذن وفقا لنموذج التركيب اللغوي لكي تصنع الكل، وهو وضع مختلف تماما للدلالة. فالكلمات لها معاني مستقلة عن الجزء التي يتم سرده، وتحديد المعنى هنا يكون من أسفل إلى أعلي. 
ولذلك عندما تتضمن الإيماءة والكلام نفس الفكرة في نفس الوقت، فانهما يخلقان شروط جدلية الصورة – اللغة. 

- السياق : 
     هناك مصدر آخر للدينامية هو أن نقطة النمو وإيماءاتها لا يوجدان بدون سياق. وهذا أمر دينامي لأن السياقات، ولاسيما سياقات الكلام الفورية، تتغير باستمرار. ونقطة النمو هي نقطة تمايز داخل هذا السياق. أنها ما يسميها فيجوتسكي المحمول النفسي psychological predicate. وفي الشكل (أ)، حيث ضاعف شكل إيماءة الصعود الداخلي، وقدمه وكأنه تعارض ذي أهمية إخبارية مع الصعود الخارجي، وقد كان السياق شيئا أشبه بطرق الإمساك بتويتي عن طريق الأنبوبة، والمحمول النفسي ونقطة التمايز ذات الأهمية الإخبارية هي باتجاه الداخل. ولا يمكن فصل التمايز عن السياق. انه لا يختلف عن المفهوم الإدراكي للكل، والشكل الذي يوجد في مفارقة مع الخلفية. فالإيماءة هي الشكل الكلي للفعل، والتمثيل كنقطة تمايز في خلفية الاحتمالات. ويختلف شكل معنى شكل الأرضية عن لنظريات التي يتراكم فيها المحتوى، علي سبيل المثال كمرجع وترابط، والمفاهيم التقليدية للمعنى في علم اللغة والفلسفة وعلم النفس. والمتحدث في الشكل (ب) الذي لم يذكر الصعود الخارجي، لدية سياق أو خلفية مختلفة، رغم أنه يصف نفس المشهد، شيء يشبه طرق الإمساك بتويتي, والمحمول النفسي، وجهة نظره في التمايز الجدير بالاهتمام، كان تسلق الأنبوبة ( أول ذكره لها ). هذه النقطة – المعنى لا ينفصل عن السياق – سوف تكون ذات أهمية فيما بعد عندما نتأمل المحاكاة في المسرح. 
كيف تلقي نقطة النمو الضوء علي مثلث النقل من الممثل إلى المشاهد، ومن المشاهد إلى الممثل، ومن المؤلف الى إيماءة الممثل :
 يمكننا تطبيق منطق نموذج نقطة النمو علي المسرح والى أضلاع مثلثنا. أولا, من المهم أن نلاحظ أن نفس المنطق لوحظ مرارا من خلال منظري الأداء بداية من كوينتليان Quintilian  حتى الآن. ومرة أخرى، ليس الممثلون فقط هم الذين يتحدثون ويقومون بالإيماء، ولكن المسرح والأداء عموما يجسدان نفس الدلالة الثنائية كلغة. 

دمج الأفكار : 
كوينتليان، كما وصفه روش، رأى تناسخ الأرواح من جسد إلى آخر. وهذا لا يختلف عن دمج الأفكار في نقاط النمو. في دمج الأفكار، يقوم شخصان ( أو أكثر) معا ببناء نقطة نمو مشتركة. فمثلا يقدم شخص الإيماءة ويقدم الآخر كلاما متزامنا معها. وعندئذ يملك كلاهما نفس نقطة النمو. والشكل غير المتوقع لدمج الأفكار هو عدوى طرفة اللسان، فعندما لا يستطيع شخص تذكر كلمة معناها واضح للجميع، وفجأة لا يستطيع أن يتذكرها محاوره. فإذا تضمن التفاعل دمجا للأفكار، فيمكن أن يتضمن أيضا دمجا لطرف اللسان من خلال محاكاة تلقائية. ويصف روش كوينتاليان بأنه يرى أن فن الممثل يتمتع بثلاث قدرات يمكننا أن نرى أنها تعزز دمج الأفكار مع الجمهور. ويملك مثلثنا نفس القدرات. فالممثل يحاكي المؤلف، الذي ينقل قوة كوينتليان الأولى – القدرة علي التصرف في جسمه. وهو في المقابل تتم محاكاته من خلال الجمهور، بمحاذاة مع القوة الثالثة – يؤثر في أجسام المتفرجين. ويبدو أن التأثير في المساحة المحيطة به – القوة الثانية – هو إيماءة  بحد ذاتها،  ولكنها يمكن أي يكون أيضا الضلع الثالث في مثلثنا، الممثل يقلد الجمهور ( رد فعل الجمهور الذي يلتقطه الممثلون ). وبمحاكاة إيماءة وكلام آخرين، علي أي ضلع من أضلاع مثلثنا، يعود إلى الحياة المحمول النفسي ومجال التناقض الهادف الذي يميزه. وهناك تقدم في دمج الأفكار في كل مكان. والمثلث هو المفتاح، ومفتاحه المحاكاة. 

المحاكاة : 
تتيح المحاكاة الوصول إلى نقطة النمو ومجالات تعارض المتحدثين الآخرين وتجعل دمج الأفكار ممكنا. ويحاكي ناقلو الإيماءة بشكل تلقائي، كوسيلة لفهم ما ينقلونه – يقومون بالنقل من خلال الإرسال، عن طريق المحاكاة. ويجلب القيام بذلك فكرة وحدة الإيماءة علاوة علي السياق الذي يميزها داخل الكينونة الإدراكية للمحاكي/الناقل. 
 وبتطبيق هذه الفكرة علي المحادثة المتخيلة بين شخصين، فإننا نتخيل سياقات يمكن الوصول إليها عن طريق المحاكاة ونمط وجودهم الخاص. وهذا يتضمن كل من نقط النمو ومجالات التعارض ذات المغزى لكل منها. وبتطبيقها علي المشاهد والممثل، يمكننا أن نتخيل تفعيل السياقات والمعاني المشتركة أثناء الأداء. 
 وقد أعد المسرح لجعل المحاكاة أمرا سهلا. وقد بني مسرح الجلوب الحديث وفقا لمواصفات الأصل، ويجلس الجمهور بالقرب من خشبة المسرح. ونظرا  لأن مشاهدي عصر النهضة – الفعالين إن جاز التعبير علي الأقل – فقد كانت هناك وفرة في المساحة للجمهور لمحاكاة الممثلين ومساحة للممثلين والجمهور، بشكل تلقائي. وضوء النهار من خلال السقف المفتوح من شأنه أن يجعل حتى الإيماءات الدقيقة والحركات الأخرى مرئية، مع كل من الممثل وكلام الجمهور. 
 وسوف ألخص بضعة نقاط فيما يتعلق بالمحاكاة داخل المسرح وخارجه. وليس من المعقول أن نتخيل أن يقلد الجمهور الممثلين ( وكذلك تقليد المملين للمؤلفين ) : 
في لقاءات المائدة المستديرة، لاحظنا دمج الأفكار – يخلق المشاركون نقطة نمو مشتركة ومجالات تعارض عندما يتولاها متحدث من آخر. 

آلية دمج الأفكار هي المحاكاة. 
من خلال المحاكاة،  يمكن أن تتناغم نقطة النمو ومقاطع الخطاب وتتزامن بين الأفراد. 
وهذا يقود الشخص (ج) إلى مجالات تناقض الشخص (ص) والعكس صحيح. 
نقاط النمو بطبيعتها ليست مستقلة عن السياق التي تتمايز عنه. وهذا يعني أنه إذا ولّد المتحدث سياقا، فان عملية محاكاة الإيماءة ذاتها يمكن أن تنشط، بالنسبة للمحاكاة، نقطة نمو ومجال تعارضات جديد يتطابق مع نقطة النمو ومجال تعارضات المتحدث ذي الدلالة. 
المثلث إذن يساعد دمج الأفكار مع كل ضلع من أضلاعه. وتقدم الأجسام البشرية إمكانيات متطابقة لتجسيد الإحساس والمعنى. والمحاكاة نوع من التجسيد المستعار borrowed embodiment  - استعارة أفعال ذات مغزى من الآخر. 

هل هناك محاكاة تلقائية؟ أجل. في كثير من الحالات 
في عام 2006، درست ايرين كيمبارا المحاكاة الإيمائية كظاهرة تفاعلية. والمثال في الشكل (2) مأخوذ من بحثها. المحاكاة، كما اصطلحت عليها كيمبارا، هب عملية تزامن بين شخصي  interpersonal synchrony، تخلق معنى التضامن وتبرز عندما يكون المحاورون مقربون شخصيا. ويقدم الشكل (2) هذه الحالة. صديقتان تتحاوران. ويبدأ المثال بإيماءة للصديقة علي اليمين. وتصف المشهد الفوضوي الذي يتطور علي رصيف المترو في طوكيو في ساعة الذروة، حيث تنتظر عدة خطوط الركاب وهو يصطفون ثم يتفرقون عندما يصل القطار داخل الحشد الذي يتأرجح. تصور اللوحة الأولى الكلام، وتصور اللوحة الثانية الكثافة والاتجاه الى اليسار بمصاحبة المتحدث. بدأت المستمعة في إعداد إيماءاتها أثناء اللوحة الثانية أيضا، واللوحتان الثالثة والرابعة هما محاكاتها. والصورة طبق الأصل : نفس السطرين، ونفس الكثافة ونفس الاتجاه. ومن وجهة نظر المحمول النفسي، تضمنت وحدة فكرة المتحدث الثاني صورة من المحمول النفسي للمتحدث الأول. 
 كان أشخاص كيمبارا أصدقاء مقربين، ولكن محاكاة الكلام الإيماءة حدثا مع التخصيص، وبين غريبين أيضا، وهذا أقرب إلى السياق المسرحي. وفي التجربة التي ابتكرها فوروياما ( عام 2000) تضمنت شخصا واحدا يعلم شخصا آخر كيف يبتكر صندوقا أصليا. وفي الشكل (3) اللوحة 1، يحاكي المتعلم علي اليسار إيماءات المعلم. وحدث ذلك دون أن يتحدث المتعلم ولكنه كان متزامنا مع كلام المعلم. وبينما قال المعلم “ اسحب الزاوية الى أسفل “ أدى المتعلم الإيماءة أثناء الجزء الموجود بين القوسين. أدى المتعلم كلام الآخر، ومزجه بإيماءته، وكأنهما كانا يبتكران معا محمولا نفسيا واحدا. أوجه التشابه مع ما يسميه جيل Gill (عام 2007) ملحوظة. 
 وتحدث أيضا المحاكاة العكسية. يحاكي المتعلم إيماءة المعلم بمزجها مع كلامه. ومرة أخرى، هناك تسكين للإيماءة، مرة أخرى، وهناك نوع آخر من المحمول النفسي المشترك. ففي اللوحة الثانية يسيطر المتعلم علي إيماءة المعلم ويمزجها بكلامه. ويقول “ يجب أن تلوي هذا “، وأثناء الكلام بين الأقواس يحرك المعلم يده لأسفل. وكما يلاحظ فوروياما، أدار المعلم كرسيه بحيث كانت مساحة الإيماءة من اليسار إلى اليمين متاحة له وللمتعلم في نفس الوقت، وهي مناورة دعت المتعلم إلى الدخول إلى مساحة الإيماءة الخاصة به.  من اللافت للنظر أن المحرمات القافية الأمريكية التي تحظر علي الغرباء عادة الاتصال الجسدي غير العرضي قد تم تجاوزها، ربما لأن الأيدي أصبحت رموزا ولم تعد أيدي، وأجزاء الجسم الفعلية تنتمي لشخص آخر. 
....................................................................................
نشرت هذه المقالة في Journal for Cultural Research  عام 2014 والتي تصدر عن دار نشر Tylor & Francis. 
ديفيد ماكنيل يعمل أستاذا بقسم علم النفس بجامعة شيكاجو في الولايات المتحدة الأمريكية.


ترجمة أحمد عبد الفتاح