«بلاك» هل المشاعر الإنسانية مرتبطة بالإدراك؟

«بلاك» هل المشاعر الإنسانية مرتبطة بالإدراك؟

العدد 809 صدر بتاريخ 27فبراير2023

على مسرح الهناجر بدار الأوبرا تم عرض مسرحية black، تحت رعاية أكاديمية الفنون المعهد العالي للفنون المسرحية ودكتور مدحت الكاشف  بالتعاون مع وزارة الثقافة  قطاع الإنتاج الثقافي مركز الهناجر للفنون دار الأوبرا المصرية والمخرج شادي سرور عن قصة هيلين كيلر الأمريكية والمستوحى من الفيلم الهندي بلاك تحت إشراف الأستاذ الدكتور علاء قوقة، إعداد مسرحي : إسراء محبوب، ديكور: رنا أشرف، إضاءة: وليد درويش، مكياج : روان علاء، منفذ موسيقى: شادي عليوة  تصميم بوستر : إسلام جمال، تصوير فيديو: ابوالعزايم، دراما حركية: مصطفى بيبو، مخرج منفذ: محمود عساف، بطولة: محمود سليمان - يارا المليحي - كارمة سامح - نورهان صالح - محمد حمام - آية خلف  إخراج : تغريد عبدالرحمن.
تدور أحداث العرض حول فتاة تحيا في قلب الظلام لما أصابها من تلف في حاستي الإبصار والسمع نتيجة لحمة أطاحت بنور حياتيها وهي طفلة رضيعة، لتحيا الفتاة الصغيرة سنواتها الأولي بين قسوة الاب الذي يريد إرسال ابنته إلي مصحة وشفقة الأم وحنان المربية. إلي أن يظهر معلمها رفعت الذي يصر علي إعطاء الفتاه حقها في أن تحيا حياه طبيعيه بعد استدعاء الام له ووسط سخط الأب وخوف الأم من الوقوف في وجه لمدة أطول، يصر المعلم رفعت علي أن يعطي للفتاه حقها في الحياة ويحاول تعليمها بجعلها تخوض التجربة الحية بنفسها، ومستخدما يدها ليتواصل معها رغم الإعاقة.

هل المشاعر الإنسانية مرتبطة بالإدراك؟ 
يعتبر الإدراك هو معالجة الدماغ للمعلومات التي تأتي من الحواس، بحيث يقوم النظام العصبي المركزي المعقد على تحديد وتنظيم وتفسير المعلومات لفهم العالم المحيط بنا، وتتم هذه المعالجة خارج وعي الإنسان، وتعتبر هذه العمليّة الحسيّة فرديّة، لذلك يواجه العديد من الأشخاص نفس الموقف ولكنهم يدركونها بطريقة تختلف عن الآخر، وتساعد على رؤية العالم كمكان مستقر بالرغم من تغيّر المعلومات الحسية التي نتلقاها وتكون غير كاملة أحياناً. 
فكيف يمكن للإدراك أن يكون مقياساً لمشاعر شخصاً ما ؟، كما ذكر الاب واستند خلال العرض المسرحي “هي مش مدركة لأي حاجه حواليها ومش حاسة بيها”، قد راودني هذا السؤال بعد المشهد الاول في العرض المسرحي.
والحقيقة أن الإجابة هي لا، فالأب والأم مدركان تمام الإدراك لما يدور من حولهما ومع ذلك هما متبلدان المشاعر فالأب استسلم بفكرة أن ابنته متخلفة ويجب أن تذهب إلي مصحة وعلق جرساً في ملابسها ليسمع رنين الجرس مع حركاتها ومحاولاته المستمرة في أن يرسل ابنته إلي مصحة لم يوقفها غير شفقة الأم التي كانت ترفض فقط لأن ابنتها تعاني الكثير والكثير من الألم ليس بداعي الحب الأموي الغريزي، ليأتي بصيص الامل للفتاة علي يد المعلم رفعت الذي عانا فقدان أخته الصغيرة والتي كانت تمر بنفس حالة سعاد الطفلة البائسة التي تمت معاملتها كما يعامل الحيوان الاليف. 
حيث أن العرض قد حرك مشاعر المتلقين حيث جاء الديكور مناسباً للغاية لحالة الظلمة التي تعاني منها بطلة العرض  والتي كانت شخصية تمر بمراحل عمرية مختلفه أبدع في تجسيدها في مرحلة الطفولة كارما سامح، وفي مرحلة الشباب يارا المليجي، ويجب أن أتوقف قليلا عند سلاسة وإنسيابية الأداء التمثيلي عند الطفلة كارما سامح حيث كانت الشخصية مركبة وقد تمكنت رغم صغر سنها من أن تجسد هذة الشخصية بأداء غاية في الروعة، ووجود هذة الطفلة علي خشبة المسرح هو دليل علي جراءة المخرجة تغريد عبد الرحمن والتي لم تتردد في أن تعطي الطفلة الفرصة وساعدتها كثيرا لتصل إلي تلك الحرفية الرائعة في الاداء، لا يمكن أن نغفل إبداع يارا الميلجي في تجسيد دور البطلة في مرحلة الشباب حيث انها أكملت الشخصية في تناغم شديد مع أداء الطفلة مما لم يشعرنا بأن هناك شخصان يقدمان الشخصية، وجاء أداء محمود سليمان مناسباً جدا للرجل الذى كرس حياته لمساعدة ذوي الهمم وبالأخص فاقدي نعمة السمع علي التواصل مع من حولهم عن طريق التردد الذي يخرج من الحنجرة موجها إلي يد الشخص ليميز الحروف. وقد أكمل صورة العرض وكسر حالة المأساة التي جسدها الاب محمد حمام ببراعة والأم نورهان صالح، بصيص من الكوميديا يكسر تلك الحالة عن طريق المربية “أية خلف”، والسفرجي  رامى، ومساعد الأستاذ وهو في الوقت ذاته مخرج منفذ العرض محمد عساف. 
هذا كله مغلفاً بإضاءة وليد درويش والتي جاءت مناسبة للحالة متناسقة مع إنسيابية الاداء التمثيلي ومكملة لسينوغرافيا العرض. 
كم من إنسان يحيا وسط ظلمة محاطاً بظروفاً قاسية تتحرك مشاعره بحرارة أكبر من ذلك الصحيح المدرك تمام الادراك لما يحيطه. وهذه الكلمات في رأي هي اصدق تعبير عن ما حاول العرض أن يقدمه عن أحد جوانب المجتمعات المظلمة والتي تخرج فيها القسوة من رحم الشفقة.


محمد أحمد كامل