مقاربات الفرجة.. في تحليل الدراما (2)

مقاربات الفرجة.. في تحليل الدراما (2)

العدد 804 صدر بتاريخ 23يناير2023

 اكتسب التمييز بين الدراماتورجيا التتابعية واللاتتابعية تعارضين آخرين، وهما تحديدا الدراماتورجيا المفتوحة في مقابل الدراماتورجيا المغلقة . وقدم هذان النوعان فولكر كولتس وهو عالم ألماني في الأدب وتأريخ الفن استلهم مبادئ فولفلين في تعريف الأسلوب في مختلف عصور تاريخ الفن . وبالنظر الى الدراما باعتبارها عالما من تداخل الحدود التكتوني والأتكتوني، طبق كلوتس هذه المصطلحات الجيوفيزيائية، المستخدمة أيضا في العمارة والنحت، علي عالم الدراما، وقدم الفكرة النوعية للأسلوب المتعلق بالدراما المفتوحة والدراما المغلقة . ومن خلال التحليل الشكلي للفعل والزمن والمكان والأشخاص والتكوين واللغة، قام بفحص النموذجين المغلق والمفتوح، وأشار إلى تلك المجازات باعتبارها ملامح مستقلة وليست مفاهيم منفردة لنظرية مطلقة . ويخاطر مصطلح الأشكال الدرامية المغلقة والمفتوحة ( المتطابق، كما يعّرفه باتريس بافيس، جزئيا للدرامي/ الملحمي والأرسطي واللاأرسطي ) وما بعد الدرامي، بحصر الناتج من عملية قراءة العمل وتفسيره . مثل هذه المصطلحات، التي يتردد صداها لغويا في حرب باردة كانت في بداية الستينيات، هي أكثر بساطة من إثراء الخطاب حول الاستراتيجيات التركيبية المختلفة في البناء الدرامي . والمصطلح لا يدل علي الملامح العامة الكامنة في النص . فهو بدرجة أكبر دال علي الاستراتيجيات التي تعبر عن الممارسة المفاهيمية، والطريقة التربوية في قراءة الدراما . وهذ يؤثر في المقابل في أن تصبح استراتيجيات القراءة التي ترتبط بأكثر صيغ التعبير الوظيفية في الانجاز الأدائي للعمل بدلا من الانخراط في تأكيد شاعري في القراءة . وهذا في المقابل يؤثر في أن تصبح استراتيجية القراءة محددة لمنظور التصوير الذي يتولد من خلال إدراك/ تقديم العمل علي خشبة المسرح . واعتمادا علي إستراتيجية القراءة، يمكننا أن نستخدم مختلف أدوات التحليل للحصول علي مختلف القراءات لنفس المسرحية . والسؤال هو كيف يمكن اتخاذ مقاربة جديدة تنطلق من أدائية ومسرحانية الدراما . 
مقاربات الفرجة للنص الدرامي : 
     سجلت النظرية النقدية في العقود الحالية عددا من التحولات التي تؤكد، مثلا، علي المكاني والجسدي والأدائي والادراكي والتاريخي . ولا يبدو أن لهذه الاختراقات أي أثر مميز علي الدراماتورجيا كممارسة تحليلية لقراءة نصوص الدراما . بل بالأحرى، استحوذت عليها دراسات الأداء أو دراماتورجيا الأداء . ولم تشارك المدارس النظرية، مثل استجابة القارئ عند فولفجانج أيزر، ورولان بارث، و أمبرتو ايكو، أو جماليات التلقي عند هانز روبرت ياوس، في الممارسة التحليلية عند تعاملها مع الدراما المكتوبة . وهذا أمر مستغرب جدا، نظرا لأن هذه النظريات تركز علي فراغات النص ( أو الأداء ) الذي يمكن أن ينفذ منه القارئ باعتبار أنه متفرج ويشارك بشكل إبداعي في النص ويتفاعل معه . والاستثناء الملحوظ هو عالمة السيميولوجيا آن اوبرسفيلد التي تصف في كتابها «مدرسة المتفرج L’ Ecole du Spectateur» العلاقة التشاركية بين فجوات النص وخشبة المسرح المتخيلة . ويمكن أن تكون هذه العلاقة مفيدة في تحليل الأداء، ولكنها مقاربة مفاهيمية مفيدة بقدر متساو في تحليل النصوص الدرامية والملحمية وبعد الدرامية  المعدة لخشبة المسرح  .  
 ان التأكيد علي الجسم المادي أو الشكل في البيئة المكانية، والفهم الحسي الحركي للغة، يمكن أن يؤهل عملية فك شفرة مواجهة نص الدراما . وهذا يعني أن مفهوم العمل يتضمن بعدا مجسدا ومكانيا، يتم التعبير عنه مجازيا بالطريقة التي يتم من خلالها استيعاب المص تقنيا وحسيا، ومن خلال التصوير . وبما يعد التحليل الفينومينولوجي التفسيري فعلا مجسدا في إدراك ما نقرأه . وهذا التناول منفصل أساسا عن الطريقة الأدبية التقليدية في تشجيع النص . 
     يمكن أن تقدم التحولات النظرية سالفة الذكر طريقة جديدة في مقاربة نصوص الدراما . ويشير التناول المرئي والمكاني والمتجسد الى أنماط متعددة للتعبير والتصوير والاستعارة، والتي يمكن استخدامها بشكل أدائي أو مسرحي في تقديم العمل علي خشبة المسرح . ويمكن أن يكون فهم الدراماتورجيا باعتبارها السجل، الذي يستخدمه باربا في الأداء ككل مثلا، مفيدا لمفهوم تعدد الأصوات في العمل المكتوب، ولاسيما عند تناوله كشكل للكتابة لخشبة المسرح أو كنص مشهدي. وقد ميز باتريس بافيس هذا الصراع بين الدراما والأداء في مقالة « عن الإخلاص On Faithfulness»، حيث عالج ضرورة إعادة التأمل المستمر للعلاقة بين تزاوج النص – الأداء . 
 وتأمل النص الدرامي باعتباره «نص مشهدي  Scenic script» لا يتعلق فقط بالنص، بل أيضا يتعلق بسياقه، أو بتحديد أكثر سياقاته . إن السياق التاريخي للمسرحية وإعادة صياغة سياقها في الأداء هي محددات حتمية لإعادة العمل إلى الحياة . ويتضمن كلا هذان السياقان صيغا جمالية وشكلية للتعبير، وأيضا تقاليد مشهدية وممارسات لخشبة المسرح . وقد جرت عدة خطوات لدمج النص والسياق . وقد درس العلم الشكسبيري، علي سبيل المثال، حرفية المسرح المتضمنة في النص، وكذلك الحال بالنسبة لدراسات هنريك ابسن . وفي الثمانينيات، اهتمت النزعة التاريخية الجديدة الى تضمين النصفي سياقه التاريخي والاجتماعي والأيدلوجي – وهو السياق الدي يهتم بكل من الكاتب  والقارئ/المتفرج وبالتالي يقدم تفسيرا ديناميا للنص وليس تفسيرا ثابتا . 
................................................................................
• نشرت هذه المقالة في Nordic Theater Studies 
Vol 30 , No 2 , 2018 – pages 22-39
• أولا كالينباش تعمل أستاذا في دراسات المسرح بجامعة بيرجن في النرويج 
• أنيليز كولمان تعمل أستاذا للمسرح والدراماتورجيا والأداء بجامعة أرهاوس بالنرويج .


ترجمة أحمد عبد الفتاح